رلى أبو يونس عواد تقهر السرطان وتلد نيسان

وقفت زاهية أمامي ترتكز على عكازين ترحيبا بي لإجراء الحوار، كانت تنظر إليّ بإبتسامتها الدائمة المليئة بالحياة، أشعرتني أحيانا بعظمتها وأحيانا بسموها وأحيانا بإخفاقهما،

رلى أبو يونس عواد تقهر السرطان وتلد نيسان

 وقفت زاهية أمامي ترتكز على عكازين ترحيبا بي لإجراء الحوار، كانت تنظر إليّ بإبتسامتها الدائمة المليئة بالحياة، أشعرتني أحيانا بعظمتها وأحيانا بسموها وأحيانا بإخفاقهما، هي سيدة أرقى من الإنسان في أوجِ إنسانيته في اللحظة التي اندمجت آلامها بآمالها أمام عيني، هي رلى أبو يونس عواد، الأصل من مدينة طمرة وتزوجت لتعيش في سخنين، رلى أم لطفلتين إيلان ونيسان تغلبت بإرادتها على مرض السرطان ولا تزال تواصل العلاج لتنتصر عليه للأبد وتطرده من جسدها، بعد أن سيطرت عليه بإيمانها بالله ويقينها بأنها قادرة على نفضه وقريبا المشي دون عكازتين وذلك في الوقت الذي تنتهي من علاج الفيزوترابيا.

"نبض فؤاد الجنين في رحمي منحني القوة لأقاوم السرطان بطفلة عاشت في أحشائي زودتني بالأمل لأتنفس الحياة، اليوم بكياني وبوجود زوجي لجانبي ودعم عائلتي حققت الانتصار على ذاتي التي تألمت للحظات طويلة، وإشراقة البسمة على وجنتي طفلتي إيلان ونيسان جعلتني أواصل الحياة بمتعةٍ، والنظر إليها بعيون براقة، وكما قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام: "إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر إجتباه، وإن رضى إصطفاه" - بهذه الكلمات بدأت رلى تروي لــ (عرب 48) قصتها مع مرض السرطان.

من انتفاخ في القدم لمرض السرطان

رلى معلمة لموضوع الرياضيات، هي في مقتبل العمر، جميلة ونشيطة تحب العمل وتختلقه، قالت: "أحب ممارسة الرياضة وقررت الانضمام مع صديقتي لنادي رياضي في المدينة، على غير العادة شعرتُ بألمٍ خفيف في قدمي، وسألت صديقتي إذا كانت ترى انتفاخ في قدمي، فأخبرتني أنه انتفاخ بسيط خلف الركبة، كان ذلك في نوفمبر تشرين الثاني من عام 2013". وتابعت: "بعد ثلاثة أيام من الشعور بالألم علمت بخبر سار وهو أنني حامل بطفلتي الثانية، فتوقفت عن التوجه للنادي الرياضي حتى أنتهي من الفترة الأولى من الحمل وحتى يثبت الحمل بسلام، لكن الإنتفاخ في القدم لم يختف وكان الألم يرافقه دائما، فنصحتني أختي الصغيرة بعدم الإستهتار والتوجه للطبيب لفحص قدمي، فأخبرني الطبيب بأنه أمر عادي لإمرأة حامل قد يكون انتفاخ في القدم بسبب الحمل، وتكررت زيارتي للطبيب مرة تلو الأخرى إلى أن طلب مني الطبيب إجراء صورة أشعة، عدت للطبيب بنتائج صورة الأشعة، قرأ الطبيب النتيجة دون الإستغراب ولكنه طلب أن يأخذ عينة من الورم ليفحص حقيقة الورم، شعرت بالإحباط وقررت مواصلة العلاج في المستشفى القريب".

إرادة التحدي.. عظمة القدرة..

وأضافت رلى: "ذهبت برفقة زوجي لمقابلة طبيب بعد أن تم فحص العينة في آذار ٢٠١٤، كان موعدي مع اكتشاف مرض السرطان في جسدي، نسيت المكان والزمان، شعرت أن العالم ينهار تحتي، بدأت أفكر بطفلتي إيلان وبجنيني الذي يسكن رحمي، اغرورقت عيناي بالدموع، كان الخبر كالصاعقة لم أتوقع أن هذا المرض الخبيث الطفيلي سيصيبني يوما ما، كنت أسمع عنه من بعيد فهو اعتاد أن يسكن أجساد الناس على حساب حياتهم وصحتهم وسعادتهم، عانيت وبكيت كطفلة أيام وأسابيع، تغيرت حياتي وانقلبت رأسا على عقب، لم أتخيل يوما أن أعيش في مثل هذه الظروف، إعتقدت دوما أن السرطان لا يقترب مني (تماما كما يعتقد الجميع عنه)، نستبعد كل الإستبعاد حتى عقلنا الباطني يفكر أن مثل هذه الأمور تحدث عند الغير وعندنا مستحيل!! وهكذا كان واقعي، بدأت بمواجهة الواقع الأليم لأجلي ولأجل طفلتي وحملي وزوجي وكل أحبائي".

انتفاضة الأمومة على السرطان

كان على رلى أن تختار بين حياتها وحياة جنينها الذي كان يتحرك وينبض بالحياة في الشهر الخامس في رحمها، لكن هذا ما أخبرها به الأطباء ذلك أنها ستبدأ بتلقي العلاج الكيماوي لتقتل الخلايا السرطانية واستئصالها، وذكرت: "كنت أشعر بحركات الجنين في بطني، لقد سكن روحي خمسة أشهر كيف بي أن أجهضه؟ إلا أن الأطباء أصروا بأنه عليّ الإختيار بين حياتي وحياة الجنين، في 8 نيسان ، طلبوا مني تناول أقراص من الأدوية ليتوقف قلب الجنين عن النبض، أجهشت بالبكاء في الوقت الذي رافقني زوجي وأمي وأخواتي، فالجميع رافقني بمسيرة الألم وعاش معي أصعب لحظات حياتي، وهنا انتفضت أمومتي، كيف بي أن أوقف نبض فؤادٍ يسكنني؟! لا لن أتخلى عن جنيني. عدت أدراجي أحمل ما في بطني من حياة بثقة وأمل، فتحولت مراسيم المأتم التي عتمت على المنزل إلى مراسيم فرحة تمتزج بالألم ذلك أن بقاء الجنين سيتوقف على حياة والدته، والفرح بأن الجنين سيولد وسيكون بيننا قريبا ينبض بالحياة والسعادة".
ولادة نيسان
وبدأت رلى العلاج الكيماوي وطلبت أن يكون خفيف التأثير حفاظا على الجنين، ولم يفدها العلاج كثيرا، إذا تقرر بتر قدمها بعد أن تضع مولدتها، وقد ولدت في الأسبوع 34 للحمل بعملية قيصرية ونُقلت الطفلة لقسم الخدج، فأطلقت العائلة على إسم الطفلة نيسان لأنه في نيسان رفضت أمها أن تجهضها وكُتبت لها الحياة من جديد، كانت تتحدث عن نيسان بضحكة لا تفارق صوتها، وبريق الأمومة يلمع في عينيها، هي نيسان طفلتها التي جعلت من حياتها حدائق آمال.
وأتى موعد بتر قدم رلى، وواصلت الحديث لـ"عرب 48": "الآن دور الأم رلى التي أصرت مرة أخرى على عدم بتر القدم والخروج لمحاولة جديدة مع العلاج الكيماوي لربما يحالفها الحظ هذه المرة، فليس هناك مستحيل، لكن الطبيب رفض نهائيا لأن الجسم تعرض في السابق لعلاج كيماوي ولم ينجح!. لم أستسلم لإجابة الطبيب وبدأت بمسيرة بحث عبر الإنترنيت للبحث عن أطباء وعن استشارات، إلى أن تعرفت على طبيبة من منطقة القدس، ووجهتني إلى مستشفى "ايخيلوڤ" في تل ابيب، وبدأت بعلاج سريع لقدمي بمساعدة نصيحة هذه الطبيبة، ثم استشارة فعلاج إلى أن نجحت في استئصال الجزء الأكبر من المرض، وقضيت على فكرة بتر قدمي، تنفست الصعداء من أيام قاسية وصعبة إلى علاج فحمل وولادة".

الزوج رفيق الألم والأمل في درب العلاج من السرطان

علاج بالأشعة والأدوية الكيماوية وزيارة يومية للمستشفيات والمبيت بعيدا عن طفلتيها كل ثلاثة أسابيع لتلقي العلاج، وهنا تستوقفني رلى لتقول: "زوجي الذي عاهدني أن يشاركني الحياة في السراء والضراء كان رفيق دربي في مسيرة علاجي من السرطان، ترك عمله ما يقارب السنة، ساندني ووقف لجانبي ولا يزال، فهو رفيق العمر في الأمل والألم، ولم يفارقني شوقي الذي يسكنه الألم ويفيض منه البكاء في أيام الفراق لإبنتي لأتلقى العلاج".

وتختتم رلى حديثها بالقول: "بفضل الله خرجت من محنتني، ومن ثم بفضل من ساندني أجريت عملية في قدمي، والآن أمر بفترة علاج طبيعي، تلك أنا رلى أم نيسان وإيلان، من رحم الألم ولدت نيسان وأزهرت حياتي بربيع من الأمل وحب الحياة، فحياتنا ليست تجربة بأيدي أيٍ كان، كدت أن أفقدت طفلتي وأن أكون مقعدة على كرسي مقعدين، لا تترددوا بإجراء كل الفحوصات حتى لو أن الأطباء أكدوا بأنكم سالمين، لا تستسلموا لقرار الأطباء بل ابحثوا عن الحياة بإرادتكم الصلبة التي لا تلد إلا بربيع نيسان".

التعليقات