طمرة: شجرة الزيتون في وجدان كل فلسطيني

يتشبث الفلسطيني المقيم في منطقة الجليل بأرضه الزراعية بالرغم من ضائقة المسكن التي تهدد تلك الأراضي بالتحول لمناطق يُسمح بالبناء بها،

طمرة: شجرة الزيتون في وجدان كل فلسطيني

يتشبث الفلسطيني المقيم في منطقة الجليل بأرضه الزراعية بالرغم من ضائقة المسكن التي تهدد تلك الأراضي بالتحول لمناطق يُسمح بالبناء بها، فمنهم من هجر زراعة الخضروات لإنشغاله بأعمال ومصدر رزق آخر، ومنهم من هو متمسك حتى الآن بزراعة الأرض بالرغم من عمله في مكان آخر احتراما للأرض وللأجداد، وتبقى شجرة الزيتون في وجدان كل فلسطيني ذات قيمة اجتماعية تراثية ارتبطت بالتاريخ، فهي من الأشجار المعمرة التي يصل عمرها إلى مئات السنوات وعادةً ما يرتبط وجودها بهوية الوطن وقدسية ترابه، فيرى الفلسطيني في هذه الشجرة أكثر من شجرةٍ عاديةٍ، فهي تحمل قيمةً دينيةً ووطنيةً وصحيةً كذلك، تشهد المدن والقرى الفلسطينية في شهر تشرين الأول والثاني طقوسا بمناسبة موسم قطف الزيتون، في حين يتواصل العديد من أصحاب الأراضي الزراعية في البلاد مع العمل الزراعي حفاظا على قيمة الأرض الزراعية.

إلتقت مراسلة "عرب 48" ضمن جولة ميدانية في كروم الزيتون والأراضي الزراعية في طمرة بعدد من الفلاحين الذين اتبع منهم خطوة تشجير الأراضي بدلا من زرعها بالخضروات، ومنهم من يواصل الإهتمام بزراعة الأرض إكراما لآبائهم الفلاحين، وآخرين يعملون في قطف الزيتون حفاظا على أرض الأجداد.



أشار محمد أحمد ذياب من طمرة إلى أن "الزيتون اعتبر في السابق مصدر دخل رئيس للمزارع الفلسطيني في الداخل، لكن ما نراه اليوم أن المجهود الذي يقوم به مالك أراضي الزيتون لا يفي بجهد وتعب المزارع، لكن إرتباطنا بالشجرة المباركة التي أقسم بها الله هي السبب الأول لحفاظنا على قطف الزيتون سنويا، كذلك الإرتباط الوطني والذاكرة الاجتماعية الوطنية التي تربطنا بأشجار الزيتون تجعلنا نتمسك بشجرة غرسها أجدادنا وورثناها عنهم، وهي دليل على أن الفلسطيني هو في الأصل من سكن هذه الأرض وهي حق له مُغتصب".

وتابع: "في موسم الزيتون نجتمع جميع أفراد العائلة وهي بمثابة فرصة ليجتمع الأهل جميعا، وخاصة عندها تحاول الأم الحفاظ على هذا الارتباط العائلي بالتوجه لجميع أفراد الأسرة للانضمام والعمل في قطف الزيتون، وبالرغم من أنه لا توجد منفعة اقتصادية تبقى ايجابيات موسم الزيتون أكبر من التفكير بها على المستوى المادي".

ويحذر محمد ذياب من الضائقة السكنية التي قد تتسبب باقتلاع أشجار الزيتون من قبل الأزواج الشابة في حالة تم المصادقة على ضم الأراضي الزراعية ضمن مسطح البناء وذلك لعدم توفر مساكن للأزواج الشابة والأجيال القادمة.
أما محمود مريح فقد ذكر: "ما أقسم الله عز وجل إلا بشيءٍ عظيم، قال تعالى "والتين والزيتون" ، وما ضرب الله مثلاً بشيءٍ إلا ليُظهر الإعجاز فيه، قال تعالى "الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم"، فلا يخلو بيت فلسطيني من زيت الزيتون لما له من فوائد عديدة اكتشفها العلماء وعرفها الإنسان الفلسطيني بخبرته الطويلة مع تلك الشجرة وثمارها، فبالإضافة للجانب الديني والوطني والإجتماعي من موسم قطف الزيتون إلا أنه صدقة جارية عن روح الآباء والأجداد، فلنحافظ على مواصلة هذه الصدقة الجارية لآبائنا".



يعتبر موسم قطف الزيتون في فلسطين عيدًا يشارك فيه جميع أفراد الأسرة وخلال التجول في كروم الزيتون أو بجانب البيوت التي تزرع أشجار الزيتون تشاهد أطفالا كثيرة ترافق عائلاتهم في قطف الزيتون، وفي هذا الشأن قال المحامي نضال عثمان أن مشاركة بناته في قطف الزيتون كان " ضمن تقوية ارتباطهن بالأرض وانتمائهن لبلدهن وحتى يتعودوا على التطوع والعطاء بشكل عام".

بدأت ظاهرة جديدة تسود الأراضي الزراعية في منطقة الشمال، ويتبعها معظم أصحاب الأراضي، وهي زراعة الأشجار بدلا من زراعة الخضروات، ويشير يوسف حسين حجازي بأنه اختار العودة للأرض وزراعتها لعدة أسباب أهمها الحس الوطني خاصة بعد أن كثرت ظاهرة بيع الأراضي، فقد قام بزراعة أرضه بأشجار الحامض، بعد أن ضمن أشخاص آخرون الأرض لمدة تتراوح عشرين عاما.

وعن اختياره العودة للأرض وزراعتها بالأشجار ذكر حجازي: "عودتي للأرض لم تكن لأهداف ربحية فأنا أعمل في مهنة مساح أراضي، إلا أن الحس الوطني هو ما أعادني لزراعة الأرض بالأشجار، كذلك لعدم الحاجة لأيدي عاملة، والعودة للأرض كانت عودة للفلاحة ولكن بأسلوب جديد غير تقليدي، هذا الأسلوب الحديث لا يشكل مصدر دخل ثابت بل هو ثانوي".

هذا ويحيط منـزل يوسف حجازي أكثر من ستين نوعا من الأشجار المثمرة والمتنوعة المواسم، عدا عن زراعة الأزهار ونبتة الصبر التي تحيط بيته، فهو لا يستعمل أية أدوية أو مواد سماد للأشجار في البيت وفقط يستعمل السماد العضوي، ويشير يوسف حجازي بأن زراعة الأشجار بجانب البيت هي كممارسة لهوياته في العناية بالأشجار، فهو لا يجني أية أرباح مادية، وهناك متعة خاصة يشعر بها عندما يقطف الثمار ويوزعها على أقاربه وأصدقائه، وقال: "لزراعة الأشجار معنى روحاني أكثر من أنه معنى مادي، فالأشجار تبعث الراحة في النفس، ويجب عودة الجميع للأرض والاهتمام بثقافة التشجير".

أما خالد ذياب من طمرة فهو يتوجه للأرض الزراعية بعد إنتهائه من دوام العمل في ساعات بعد العصر، أو في أيام الإجازات، وقال في حديث لــ "عرب 48": "فلاحة الأرض هي عادة اكتسبتها وورثتها من أبي فقد كان فلاحا معروفا يعتز بالأرض ويتمسك بها، وإكراما لوالدي أقوم بفلاحة الأرض ومواصلة الإهتمام بالزراعة، خاصة وأن موضوع الزراعة بات عبىء ثقيل على عاتق الطمراويين، وقد يكون السبب في إنشغالهم بمهن أخرى منها الأكاديمية، فغالبية الأكاديميين كانوا يعملون مع عائلاتهم في فلاحة الأرض في الصغر، أما اليوم فنرى بأن غالبية أصحاب الأراضي الزراعية يعتمدون على أيدي عاملة للعمل في أرضهم لإنشغالهم بأعمالٍ أخرى، وليسوا مستعدين للعمل في الأرض".

 

 

التعليقات