طمرة: نكهة الماضي وعبق التراث في بيت أبو البصل

يسبح بخياله وذاكرته في بحر التاريخ ويغوص بأفكاره في عظمة تاريخ الأجداد، التراث عنده ليس مجرد هواية أو مجهود يبذل فقط،

طمرة: نكهة الماضي وعبق التراث في بيت أبو البصل

 يسبح بخياله وذاكرته في بحر التاريخ ويغوص بأفكاره في عظمة تاريخ الأجداد، التراث عنده ليس مجرد هواية أو مجهود يبذل فقط، بل هو حفظ لتراث البلد تستفيد منه الأجيال القادمة، وفيه دلالة على اعتماد الآباء والأجداد على أنفسهم في جميع الأمور وفي جميع الصناعات.

هكذا يرى حسن أبو البصل من طمرة، الذي حول منزله إلى متحف فتكاد لا تخلو زاوية من زواياه من قطعة أثرية فتراكمت معه المقتنيات الأثرية حتى تجاوز عددها المئات من القطع الأثرية، التي جمعها خلال عشرات السنوات، لكن كيف جمعها وما يحتويه بيته الذي تحول لمتحف من قطع نادرة وكتب قديمة، وكم هي تكلفتها، وما هي الأماكن التي زارها ليجلب الآثريات، وم أين أتى بحجارة بيته العتيقة التي صممها خصيصا ليجعل منها متكأ للقطع الأثرية في مدخل بيته؟.

حالة فقدان لمكنون تراثنا العربي
مهنته مقاول مشاريع وأعمال بناء، لكن هوايته جمع كل ما يتعلق بالتراث وخاصة التراث الفلسطيني، ولكن لقطع التراث الغربي أيضا مكانة في بيته، فتجد عندها بعض القطع الأثرية التي تعود لتراث بعض الدول الغربية، "حبي لتاريخنا العربي وتراثنا العريق، والفقدان للقطع التراثية الخاصة بثقافتنا العربية، وانحصارها في متاحف قليلة في البلاد هو ما جعلني أرغب في جمع قطع التراث"، قال حسن أبو البصل.

في استقبالنا عند زيارة "عرب 48" لبيت أبو البصل لمشاهدة القطع الأثرية كان في المدخل محراث وساقية تشعر وكأنهما يخبران بعضها الآخر حكايا الماضي، وكأنك تصغي لشوق المحراث لأرض هجرها أهلها، ولنبع جفت فبكت الساقية شوقا لزائري النبع، تستوقفك حجارة قديمة تملأ جدران مدخل البيت وعليها تتكىء بعض الأوعية الأثرية التي استعملت قديما في المطبخ العربي.

هدية الأم إبريق قهوة وبداية الحلم

وتحدث حسن أبو البصل بأن أول قطعة أثرية جمعها كانت هدية من أمه عبارة عن إبريق كانت قد حصلت عليه جدتي، وكانت قد حصلت عليه الجدة يوم زواجها كهدية هي الأخرى من والدتها، ويصل عمر هذا الابريق لأكثر من مائة عام، والقطعة الثانية كانت تسمى (الشوكة) والتي استعملها الأجداد لتكسير الحجارة في الماضي، وبالتحديد يوم لم تكن أي ماكنة لتكسير الحجارة.

وتطورت الهواية حيث تابع أبو البصل جمع القطع من خلال زيارات عديدة للكثير من المدن وخاصة المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وقد فاق عدد القطع المائة قطعة، وكنت أشتري القطع ومنها ما كان يكلفني الكثير، خاصة وأن بعض القطع مرتبطة بتاريح شخصيات لها مكانتها التاريخية في الثقافة العربية.

"يوجد من بين القطع الأثرية التي جمعها أبو البصل ما يعود للتراث، مثل مضخة مياه قديمة جداً تعمل على قوة الأيدي وتعود للبيت السويدي وأضعها بزوايا مدخل بيتي التي خصصت لتلك القطع"، قال أبو البصل.

ويردد أبو البصل أسماء بعض القطع الأثرية قائلا: "هنالك القطع الخاصة بالمطبخ العربي من الفرن العربي القديم والذي استعمله أجدادنا عن طريق الحطب، (زلعات الزيت) وهو إسم يقال للأداة التي تكون على شكل جرة وتستعمل لحفظ الزيت، وقد اقتنيت إحدى هذه الأدوات والتي يصل عمرها فوق مائتي عام، وأخرى كذلك يصل عمرها فوق الـ مائة سنة وكلها تعود للبيت العربي القروي، بالإضافة إلى طبق نحاس استعمله الأمراء والملوك وهو قديم جداً، وقربة مصنوعة من جلد الماعز، وغيرها من القطع الخاصة بالمطبخ العربي القديم، بالإضافة إلى ذلك القطع الخاصة بالمزارع العربي قديما، من المحراث الخشبي والحديدي، والجواريش القديمة جداً، وأدوات النسيج مرصداُ اثرياً بمحفوظاتي التراثية والاثرية".

مصحف قديم جدا بمخطوطات مميزة

سعى أبو البصل جاهدا ليشتري قطع التراث، والأمر لم يكن بالسهل، وأشار إلى حادثة شراء عود للمحراث الذي بحث عنه في الكثير من المناطق إلى أن وجد واحدا في البقيعة، كانت لدي صعوبة في إقناع أصحاب العود بشرائه لقيمته الثقافية والتاريخة، هنالك الكثير من القطع التي لا أستطيع أن أثمنها لمدى عمرها وخصوصيتها فمثلاً طاحونة القهوة التي يعود عمرها إلى ما فوق الـ (70)عاماً والابريق الخاص بأم جدتي، وفناجين من القهوة عمرها كبير جداً، وقطع من السيوف وغيرها، وما يميز أفخر القطع هو المصحف الذي أحتفظ به وقد عرض علي أن أضعه في مكاتب الأوقاف ليفحص عمره لكني رفضت، لأنني أشعر بأنه جزء من حياتي ولا أتخلى عنه".

هذا ولا تزال بعض أجهزة المذياع القديمة التي يمتلكها أبو البصل تعمل، كما يمتلك قطع أحجار خاصة والتي استعملوها في الماضي لجمع المياه وحجارة وأجران لكي تشرب منها المواشي، ويعمل أبو البصل لإفتتاح متحف مميز يتحول لمركز تراث في المدينة.

ويرفض أبو البصل بيع القطع الأثرية مؤكدا أنها غالية جدا عليه وليس بالسهل التنازل عنها، بالرغم من أنه منح البعض منها لمؤسسات تربوية.

يرافق الزائر لبيت أبو البصل ضوء القناديل الرائع الذي يسطع من قناديل قديمة أضاءت البيت بأضواء تمنح النفس هدوء وطمأنينة، وتجلب له راحة وسكينة، بعد عناء يومه.

ويحث أبو البصل أبناء الثقافة العربية على الإهتمام بثقافتنا، ويدعو المسؤولين إلى الإهتمام ببناء متحف يضم قطعا أثرية، ففي غالبية مدن العالم توجد متاحف تراثية، إلا في مدننا العربية فهناك العدد القليل منها، والسؤال لماذا؟!.

التعليقات