عكا: عام على انهيار "بناية الموت" ومعاناة لا تنتهي

لم يكن يوم الاثنين 17.2.2014 يوما عاديا في حياة أهالي عكا القديمة، بل يوما أسود لم تشهد المدينة مثله من قبل قط، ففي الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم المأساوي هز انفجار رهيب بناية ضخمة

عكا: عام على انهيار

تصوير جوزيف نويصري وعلي بكري

لم يكن يوم الاثنين 17.2.2014 يوما عاديا في حياة أهالي عكا القديمة، بل كان يوما أسود لم تشهد المدينة مثله من قبل قط، ففي الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم المأساوي هز انفجار رهيب بناية ضخمة تعود إلى العهد العثماني في حي الشيخ عبدالله، بجانب الميناء، لينهار طابقان منها فوق رؤوس ساكنيها الذين كانوا نيامًا في تلك الساعة من فجر الاثنين الأسود.

وقد راح ضحية تلك الكارثة المأساوية 5 أشخاص لا ذنب لهم إلا أنه قدر لهم أن يناموا ليلتهم تحت سقف سقط عليهم، رايق سرحان (65 عاما) وزوجته نجاح أمركاني (65 عاما) وابنهما نصر الدين (8 أعوام) ، ومحمد بدر (43 عاما) وزوجته حنان (38 عاما).


عام بعد المأساة الإنسانية والإهمال والتقصير سيدا الموقف

مرّ عام على انهيار العمارة، قتل 5 أشخاص وشرد العشرات من أبناء 7 أسر كانت تعيش في تلك البناية، نثرت الوعود بإعادة بنائها من جديد، لكن ذهبت هباء، وبقي الحزن والسخط الشديدين يعصفان بجدران البناية، ليشكو الأهل تقصيرا وإهمالا متعاقبا من قبل المؤسسة الإسرائيلية في تناول القضايا الحارقة والمتراكمة لعرب عكا الباكية.

يقول الحاج سعيد محمد غزاوي لـ'عرب 48' إن 'المأساة لا يمكن لنا أن ننساها، كان يسكن هنا في هذه العمارة التي تحولت إلى أكوام من الحجارة أقارب وأصدقاء، أسرة خالتي سكنت فيها ثم أعطت شقتها لابنتها نجاح أمركاني وزوجها رايق سرحان وابنهما نصر الدين (ثلاثتهم قضوا جراء انهيار العمارة) ونجت طفلتهما آمنة سرحان (14 عاما) وهي تسكن الآن مع قريبتها منال ريماوي في عكا'.

ويشير الحاج غزاوي إلى مشاكل وقضايا شائكة يعاني منها أهالي عكا العرب في عكا القديمة قائلا إن 'بنيات وعمارات عديدة آيلة للسقوط في المدينة القديمة، لكن وللأسف يحظر على الأهالي صيانتها وترميمها بسبب قوانين ظالمة تهدف إلى تفريغ عكا من سكانها العرب وتحويلها إلى منطقة فنادق سياحية'.

ريماوي: 'كل الوعود التي نثرتها بعض الجهات ورجال أعمال بينهم رجل أعمال فلسطيني من الضفة الغربية بتبني الطفلة آمنة سرحان لم تنفذ وهي غير صحيحة بتاتا'

وتتحدث منال ريماوي (أم أحمد) وهي الحاضنة للطفلة آمنة سرحان لـ'عرب 48' بحرقة وألم، قائلة: 'آمنة إبنة خالتي نجت لوحدها من بين أفراد أسرتها من الحادث المأساوي، أعطيها كل ما أستطيع، لكنني لا أعوضها عن أمها وحنانها وعطفها'.

وتنتقد ريماوي إطلاق الوعود من قبل جهات وأناس لم ينفذوها على أرض الواقع، قائلة إن 'كل الوعود التي نثرتها بعض الجهات ورجال أعمال مثل رجل أعمال فلسطيني من الضفة الغربية بتبني الطفلة آمنة لم تنفذ وهي غير صحيحة بتاتا، ورغم أن آمنة لا ينقصها أي شيء، فللتوضيح فقط فهي لم تتلق منهم سوى الدعم العاطفي في أعقاب ما حل بها من مأساة إنسانية'. 

وتتابع: 'آمنة كانت تعيش عندي قبل الفاجعة وأمها نجاح ربتني إلى جانب أمي وستي في بيت واحد، لم يبق لآمنة بعد الله سوانا ونحن نحتضنها في قلوبنا وعيوننا علنا نمسح عنها دمعة حزن وحسرة إثر فراق والديها وشقيقها'.

نجمي: 'أصبع الاتهام يجب أن يوجه لبلدية عكا وسلطات الدولة'

ويقول رئيس لجنة أمناء الوقف الإسلامي في جامع الجزّار بعكا، سليم نجمي (أبو عدنان)، لـ'عرب 48' إن 'أصبع الاتهام في انهيار العمارة يجب أن يوجه إلى  بلدية عكا أولا بسبب سماحها بوضع الهوائية وإضافة مبنى عليها بصورة غير قانونية لسنوات وقد غضت النظر عن ذلك، وثانيا نوجه الاتهام إلى سلطات الدولة بسبب الإهمال والتقصير تجاه أهالي عكا عامة وعائلات الضحايا خاصة'.  

وأضاف: 'بلدية عكا اكتفت بإزالة الحجارة والركام وتركت العائلات المنكوبة دون مأوى ورعاية. اجتمعنا مع رئيس البلدية، شمعون لانكري، وإدارتها وطاقمها لبحث قضية معاناة العائلات المنكوبة فبدأ يحكي عن قيام البلدية بإزالة الحجر ونسي أو تناسى البشر. للأسف الشديد البلدية لم تنظر إلى الكارثة التي حلت بهذه العائلات بإنسانية وكأن العرب في عكا درجة ثانية'.

وختم نجمي حديثه بالقول إن 'الأمل في أن تهتم بنا بلدية عكا وسلطات الدولة مفقود بسبب كوننا عرب أولا ثم لأن البلدية وسلطات الدولة تسعى لتنفيذ مخططاتها بتفريغ عكا القديمة من العرب وتحويل بيوتها إلى فنادق وجعلها منطقة سياحية تجلب الزائرين من العالم والبلاد وتدر عليها الأموال. الأوضاع مأساوية للغاية في كافة مناحي الحياة سواء كانت أزمة السكن أو الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والأهالي ممنوعون من ترميم بيوتهم التي تشققت وبدأت تنهار فوق رؤوسهم وهي آيلة للسقوط أصلا. كذلك فإنني مستاء من أبناء المجتمع العربي في البلاد الذين لم يتجاوز تضامنهم مع العائلات المنكوبة في عكا بيانات وتصريحات صدرت عن عاطفة جياشة سرعان ما خفتت ولم تترجم إلى دعم جدي. نحن في وقف الجزّار ومعنا بعض الخيرين من عكا وخارجها نعمل الآن على ضمان توفير المال لدفعه مقابل تمديد فترة استئجار البيوت التي تأوي العائلات المنكوبة وعددهم أكثر من 30 نفرا'.


رمّال: 'كارثة بهذا الحجم تستقيل حكومات بسببها، فلماذا لا يقال متولي الوقف ويعزل؟!'

وتقول عضو بلدية عكا، المحامية مديحة رمّال، لـ'عرب 48' أنني 'توجهت برسالة إلى فضيلة قاضي عكا الشرعي، زياد لهواني، لمحاسبة متولي الوقف الصادقي الشعبي، الشيخ محمد زهرة، وعزله، فكارثة بهذا الحجم تستقيل حكومات بسببها وتحاكم وتحاسب. البناية انهارت بعد انفجار متعمد من جناة يقبعون في السجن وقدمت ضدهم لوائح اتهام وهم معتقلون حتى الانتهاء من الإجراءات القانونية، وسبب الكارثة كان وجود هوائيات لشركات هواتف خلوية أعلى البناية، وإن من أجرى الاتفاقية مع شركات الهواتف بعدما أخذ موافقة لجنة التولية هو المستأجر خالد بدر، وإن المبنى السكني يتبع للوقف الإسلامي الصادقي، وإن الساكنين هم مستأجرون محميون يقومون بدفع أجرة شهرية للجنة الوقف الصادقي الشعبي'. 

وأضافت المحامية رمّال إن 'السبب الحقيقي لتلك الكارثة هو وجود الهوائيات في أماكن مكتظة بالسكان والتي أدت إلى إصابة العديد من سكان الحي بمرض السرطان وأمراض مختلفة، وهنالك العديد من سكان الحي قد فارقوا الحياة بسبب إصابتهم بالسرطان أيضا. كانت عدة محاولات وتوجهات من سكان الحي وطلبوا إزالة الهوائيات إلا أن صاحب البيت الذي تواجدت عليه الهوائيات رفض ذلك، وحدثت للأسف الكارثة المروعة'.  

وتابعت قائلة إن 'أقل ما يمكن فعله تعيين لجنة تحقيق رسمية ومحاسبة المتسبب بالكارثة والجناة ومحاسبة متولي الوقف الصادقي الشعبي وبلدية عكا التي سمحت بوجود مبنى وهوائية بشكل غير قانوني على أعلى البناية. من حق الأهالي أن تظهر الحقيقة لأن السكوت على ما حصل قد يؤدي إلى تكراره لا قدّر الله'.

وتشير إلى أنه 'رغم مرور نحو عام على الفاجعة المؤلمة فلم يحدث شيئا سوى اعتقال الجناة، ماذا عن محاسبة متولي الوقف وعزله؟!. للأسف شرطة تطوير عكا القديمة التي راسلتها بالقضية أكدت أنها ليست المسؤولة عن البناية وهكذا أخرجت نفسها من دائرة المحاسبة بالمسؤولية. وكذلك فإنني توجهت كتابيا إلى شركة 'عميدار' وجاء في جوابها أنها لا تملك الصلاحية والمسؤولية عن البناية التي انهارت وحملّت المسؤولية للحنة الوقف الإسلامي الصادقي الشعبي الذي كان يحبي الايجارات من سكان البناية'.

وختمت المحامية رمّال حديثها قائلة إن 'أهالي عكا العرب يعانون من قضايا حارقة وشائكة تستوجب على الجميع العمل بجدية متناهية لحلها جذريا، وخاصة معاناتهم بسبب ضيق السكن والبيوت الآيلة للسقوط والفقر المدقع، وللأسف فإن بلدية عكا وسلطات الدولة تضيق على المواطنين العرب بهدف ترك عكا القديمة وتحويلها إلى منطقة سياحية، هذه المخططات نعاني منها منذ عقود، وآمل أن يصمد الأهالي ويفشلوا تلك المخططات'.

جمل: 'المسؤولية يتحملها الوقف أو 'عميدار' وليس البلدية. هل البلدية هي التي فجّرت البناية لتضيّق على الناس وتخرجهم من عكا القديمة؟!'

وقال نائب رئيس بلدية عكا، المحامي أدهم جمل، لـ'عرب 48' إن 'الكارثة لا تزال تلقي بظلالها المحزنة على على الأهالي في عكا القديمة، ولا يمكن أن ننسى أنه راح ضحيتها خمسة أشخاص ناهيك عن الجرحى، لكننا نأمل خيرا والصبر مفتاح الفرج'.

وعن دور بلدية عكا بعد انهيار البناية، قال المحامي جمل: 'نحن كبلدية قمنا بالتواجد في الساعات الأولى مع طواقم الإنقاذ والأخصائيين النفسيين لإعطاء الدعم المعنوي للعائلات المنكوبة بالإضافة إلى تقديم الدعم المالي لإيواء العائلات التي أخرجت من بيوتها حيث نقلناهم إلى فنادق في عكا وقدمنا لهم المأكل والملبس. البلدية سخرت كل مواردها وقامت طواقمها مع شرطة إسرائيل وشباب البلد بإخراج العائلات المنكوبة من تحت الركام، وعملنا على إزالة الأنقاض وترميم المنازل المجاورة، والادعاء أننا أزلنا الحجر وأهملنا البشر غير صحيح لأننا أزلنا الحجر بهدف إعادة الحياة إلى طبيعتها للبشر. لقد تكلفت البلدية بمبلغ مليون ونصف مليون شيقل بسبب انهيار البناية وكان على صاحب البناية وهو في هذه الحالة الوقف الإسلامي الصادقي الشعبي أو شركة 'عميدار' دفع هذه التكاليف من خزينة البلدية دون أن نتلقى أي دعم من أي وزارة، ولكننا كبلدية قمنا بواجبنا الإنساني تجاه المواطنين'.

ووجه نائب رئيس البلدية نقدا إلى متولي الوقف القاضي الشرعي بقوله: 'أعلن القاضي الشرعي ومتولي الوقف الصادقي منذ أشهر أنهما سيكشفا عن المسؤول عن الكارثة، لكن للأسف مرت الشهور ولم يعقدا مؤتمرا صحفيا حول ما جرى لغاية الآن'.

وأضاف: 'نحن نتهم صاحب الملك وهو الوقف الصادقي أو شركة 'عميدار' بالمسؤولية، ولا نقبل أن تتهم بلدية عكا باتهامات باطلة وادعاءات فارغة. لا زلنا نقدّم كل ما هو مطلوب منا للعائلات المنكوبة وللطفلة اليتيمة آمنة سرحان وهذا واجبنا الإنساني ونؤديه بكل مسؤولية. نحن كبلدية قدمنا شكاوى ضد المستأجر الذي وضع الهوائية منذ سنوات وغرمته المحكمة بعشرات آلاف الشواقل، من يتحمل المسؤولية متولي الوقف وهو صاحب الملك بالبناية الذي أجّر شقة لمواطن ووضع المستأجر الهوائية على البناية وليس البلدية'.

وحول 'سياسة التضييق وأزمة السكن في عكا القديمة'، أجاب نائب رئيس البلدية متسائلا: 'هل بلدية عكا هي التي فجّرت البناية لتضيّق على الناس وتخرجهم من عكا القديمة؟! هذه ادعاءات باطلة وتافهة. لا يوجد أي مخططات تهدف لتفريغ البلدة القديمة من سكانها العرب'.   

وختم المحامي جمل حديثه بالقول: 'كبلدية أكدنا للوقف الإسلامي الصادقي أننا نقف إلى جانبه بإعادة بناء العمارة وتقديم كل ما يطلب منا كبلدية، لكن نحن نتساءل أين الأموال التي جمعت لهذه الغاية؟!. للأسف لم يتحقق أي شيء لغاية الآن ولم يقدم الوقف الصادقي أو 'عميدار' أي طلب لإعادة إعمار البناية وعلى الوقف الصادقي أن يحل المشكلة'.

بانتظار تعقيب متولي الوقف الصادقي الشعبي

توجهنا عدة مرات إلى متولي الوقف الصادقي الشعبي في عكا، الشيخ محمد زهرة، للحصول على تعقيبه غير أنه لم يصلنا بعد، وسنقوم بنشره إذا ما وصلنا على الفور.

التعليقات