شارع البرج في حيفا: اليأس إلى حد الاستسلام للأخطار..

الوقت ربما أصبح متأخراً لتحسين وضع الحي، والسكّان فقدوا إحساسهم بالظروف المزرية التي يعيشون فيها، في ظل انتشار الجريمة ومحطات توزيع المخدرات وعملاء الاحتلال المسلحين

شارع البرج في حيفا: اليأس إلى حد الاستسلام للأخطار..

إن أقصى درجات الفقر واليأس هي الاستسلام، والقبول بالموت واقعاً، وتحديداً عندما يصبح الهدف ليس أكثر من مكان تنام فيه حتى لو غرق بالمياه بالكامل خلال فترة الشتاء، أو تنهض منذ ساعات الفجر المبكّر بسبب كثرة الضجيج. وهذا ما وجدناه في شارع “ستانتون” سابقاً و“شافي تسيون” (عائدو صهيون) حديثاً عندما أردنا معرفة ظروف الحي. وهنا من الواجب الاعتراف بأن الوقت أصبح متأخراً شيئاً ما لتحسين وضع الحي، فالسكّان فقدوا إحساسهم بالظروف المزرية التي يعيشون فيها، كما يقولون. 

شارع “البرج” بناه والي فلسطين الظاهر عمر لدى بنائه لحيفا الحديثة، في القرن الثامن عشر، حيث أعدّه كشارع التفافي يمر خارج أسوار مدينة حيفا لتسهيل الطريق على المارّين وعدم إرغامهم على دخول المدينة وأسواقها وحياتها وزحمتها. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى وفرض الانتداب على فلسطين، أطلق الانتداب البريطاني على الشارع اسم “ستانتون”، على اسم الحاكم العسكري الأول لمدينة حيفا الجنرال ستانتون، أمّا إسرائيل فحوّلت اسمه في بداية سنوات الثمانين إلى 'شافي تسيون'.

لم نجد في الحي أي عنوان يستطيع التحدّث إلينا ويعلم ظروف الحي ولا لجنة حي تعلم ما يدور فيه، وكأن براميل المتفجّرات التي دحرجتها عصابة 'الهاجاناة' الصهيونية على السكّان من أعلى الشارع، في العام ١٩٤٨، ما زالت تتدحرج حتى يومنا هذا. طرقنا أبواب البيوت وتحدّثنا مع السكان الذين وقفوا على شرفات المنازل، فكان رد الأغلبية بأن لا أحد يستطيع منهم الحديث عن الظروف على الرغم من الشرفات المتآكلة التي يجلسون عليها، وبالونات الغاز المتواجدة على عتبات المنازل والمياه المتراكمة في الرواق 

الصور كفيلة برسم المخيّم

إحداهن قالت لـ”عرب ٤٨”: “صوّر، فش شو ينحكى أكثر، وبعرفش إشي”، والأخرى قالت إن “عجوزا كان يعيش هنا وهو الوحيد الذي كان عالماً بمجريات الأمور هنا، إلّا أنه توفي منذ عام وأكثر ولا أدري إن كان آخراً يستطيع المساعدة”، أمّا أحمد وهو حدّاد في الحي فقال لـ”عرب ٤٨”، إن “إسرائيل تدّعي أن الحياة فيها أفضل من باقي الدول العربية، ولكن حياتنا لا تختلف عن حياة المحرومين في أي دولة عربية أخرى. حياتنا شبيهة بحياة المصريين الذين نشاهدهم في التلفاز”.

طرق البيوت كان القرار الوحيد الذي تبقى في هذه الظروف، فطرقنا قرابة العشرة بيوت إلى أن قامت السيدة أم يوسف، التي تسكن في الحي منذ العام ١٩٨٨ بفتح الباب واستقبلتنا، وقالت “إن العلاقات الاجتماعية شبه معدومة، البناية التي نسكنها ملك للكنيسة الكاثوليكية لذلك لا نستطيع الترميم بلا العودة للكنيسة التي مقرّها في لبنان ويدير أملاكها محام في البلاد”.

أمّا عن سبب عدم وجود لجنة حي، فقالت إن “الحي ليس بحاجة لذلك نظراً للشرخ الموجود في العلاقات بين القاطنين. كل في منزله ولا علاقات تربط الواحد منا بالآخر”. وأشارت إلى البناية التي تسكنها وقالت إن “السكّان اليهود والعرب الذين عاشوا هنا وكانوا يملكون بعض النقود هجروها، وخرج بعضهم من المدينة والبعض الآخر انتقلوا إلى أحياء أخرى، ممّا فاقم ظروف الحي واستقطب فئات مهمّشة بصورة مستمرة”. 

مواقف محرّمة على السكّان، ومحطّات بيع مخدّرات

أدهم (الاسم محفوظ في ملف التحرير)، وهو شاب عاطل عن العمل، تسكن عائلته في الحي منذ 30 عاماً، قال لـ”عرب ٤٨”، إن “الحي يعاني من انتشار المخدّرات بصورة كبيرة جداً، بالإضافة إلى نقص في مواقف السيارات على الرغم من وجود ثلاثة مواقف سيارات كبيرة في الحي أعدّت لخدمة المكاتب وموظفيها، وتتقاضى مبلغا على كل ساعة تركن السيارة فيها. وكما ترى فإن الحال الاقتصادي للسكّان هنا صعب جداً، وبالتالي من الممكن أن يُقتل الإنسان لأجل موقف سيارة على الرغم من وجود مساحات ومواقف يحرّم علينا استعمالها”.

وأضاف: “لا نستطيع النوم من شدة الضجيج الموجود في ساعات الصباح بسبب وجود العديد من المناجر وكراجات السيارات، بالإضافة إلى بناية كاملة خصّصت للعملاء الذين قدموا من غزة والضفة الغربية، وهم مسلّحون بغالبيتهم ممّا يزيد من نسبة الجريمة في الحي ويجعل الحياة فيه غير آمنة، بالإضافة إلى العديد من محطّات توزيع المخدّرات في شارع واحد يجعل الأمان منعدم فيه”.

وبالإضافة إلى هذه الظروف الاجتماعية الصعبة، فإن المساحات الخضراء في الحي معدومة. أمّا الأطفال، فقالت إحدى الأمهات إن المرافق والمساحات العامة معدومة، بالإضافة إلى أن الشارع في ساعات المساء معتم نظراً لعدم وجود إضاءة كافية. والدمج ما بين الإضاءة شبه المعدومة في ساعات الليل وظروف الحي الاجتماعية وانتشار الجريمة يجعل التجوّل فيه خطراً ليس فقط على الأبناء بل على المارة أيضاً.

شارع “البرج”، عندما لم يعد للسكّان فيه أي أمل في تحقيق أي مطلب، أو بصورة أدق لم يعد السكان يعلمون إذا كانت هنالك حياة أفضل، وبتحليل بسيط عندما فقدوا الأمل من تحسين ظروف حياتهم، ووصل الأمر بهم حد اليأس وتنازلوا عن تقييم الظروف التي يعيشونها، فإن ما أجمع عليه جميع السكّان تقريباً عند سؤالنا عن علاقتهم مع البلدية، كان أنهم لا يعلمون ما يستطيعون أن يطلبونه من هذه البلدية التي لم يكن هنالك أي نوع من التواصل بينها وبينهم منذ سنوات طويلة. 

التعليقات