حيفا: الحليصة حي على هامش المدينة

تعرّضت سيارة شرطة لعملية إطلاق نار في الحليصة، فتحوّل الحي إثرها لثكنة عسكرية، وتم القبض على مطلقي النار في ذات الليلة، بينما أرواح الناس في الحلّيصة لا تستحق هذا كله

حيفا: الحليصة حي على هامش المدينة

الحليصة

تعاني الأحياء العربية في مدينة حيفا، من التهميش وانتشار العنف بالإضافة إلى أزمة السكن والفقر وغيرها، إلّا أن حي الحليصة تحديداً يعاني أكثر من غيره من الأحياء العربية، فنسبة الجريمة والعنف فيه مرتفعة أكثر مقارنة بأي حي عربي آخر في المدينة، بالإضافة إلى أن الأفكار المسبقة عن الحي جعلت منه 'كانتون'، وأبعدت الوافدين إلى المدينة عنه على الرغم من موقعه القائم في مدخل المدينة والمطل على البحر.

وانتقل غالبية سكّان حي الحليصة في الأساس من الحي الفلسطيني المهجّر في العام 1967، وادي الرمال، حيث أقامت إسرائيل عليه المنطقة الصناعية المعروفة باسم 'حوف شيمن'، ممّا حدا بالسكّان إلى الانتقال إلى الحليصة.

أمّا الأسم، فهو من 'حلس'، وأحلست الأرض أي اخضرّت واستوى نباتها، وهي الأرض التي أصبح عليها النبات كالحلس، لكثرته ووفرته، ولصعوبة لفظ الاسم في اللغة العامّية استُبدل بلفظ 'الحلّيصا' أو 'الحليصة'.

الحلّيصة: 90% من أبناء الحليصة يعيشون في خطر الانحراف

وتشير دراسة أجرتها جمعية التطوير الاجتماعي في حيفا، إلى أن نسبة أبناء الحي من جيل صفر حتى جيل 17 عاماً في الحليصة هي أعلى من المعدّل العام الذي يصل إلى 21.6%. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن 90% من أطفال وشبيبة الحليصة يعيشون في خطر الانحراف نظراً لانتشار العنف والسلاح وانعدام المرافق الاجتماعية والتربوية في الحي.

وهذا ما أكدته مديرة المركز الجماهيري في الحي نسرين مرقص لـ'عرب 48'، وقالت إن 'عدد الأبناء من جيل 3 شهور حتى 18 عاماً في الحليصة يصل إلى 540 فرداً، وبحسب المعطيات والتعريفات المتوّفرة لدينا فإن نسبة 90% وأكثر من الأطفال في الحليصة يعتبرون أطفالا في خطر'.

مبدّا كيّال: تهميش الحلّيصة حدا بالشباب للبحث عن طرق تجلب المال السريع

وقال الناشط الاجتماعي والسياسي، مبدّا كيّال، لـ'عرب 48' إن 'الوضع الاقتصادي في الحي صعب للغاية، والاجتماعي شبه معدوم، أغلب العائلات في الحي تحت خط الفقر، ولكن المشكلة الأساس في الحليصة هي أن نسبة المتعلّمين والأكاديميين منخفضة جداً'.

وتابع: 'لا يطمح الشباب في الحليصة للدراسة الأكاديمية، وحتّى الشباب الصغار في السن لا يرون في الدراسة الأكاديمية حلاً لهم. تهميش الحلّيصة حدا بالشباب للبحث عن طرق تجلب المال السريع، وبلا تعب كتجارة المخدّرات والسلاح'.

وتؤكّد الدراسة التي أجرتها الجمعية ما قاله كيّال، فتشير النتائج إلى أن نسبة الأكاديميين الذين درسوا 16 عاماً فما فوق في الحليصة أقل بأربع أضعاف المعدّل البلدي العام، ونسبة الذين حصلوا على شهادة بجروت كاملة منخفضة جداً، ولا تتجاوز العشرات من سكّان الحي.

أمّا عن ظاهرة تجارة المخدّرات المنتشرة في الحي، فقال كيّال إن 'المشكلة تعود لسنوات الثمانينيات، فالبلدية أقامت في منتصف سنوات الثمانينيات مركز فطام لمدمني المخدّرات، ممّا جعل من الحي وأزّقته ملجأ للمدمنين والهاربين من المركز، بالإضافة إلى توافد تجّار المخدّرات لتزويد المدمنين'.

وأضاف: 'هذا ما جعل من الحي ينزلق إلى ما هو عليه اليوم، والعائلات التي ملكت ما يكفي من النقود واستطاعت الخروج من الحليصة خرجت، أمّا من تبقى فهم الفقراء وطبقة معيّنة من السكّان بالإضافة إلى المستفيدين من تجارة الممنوعات'.

وتابع: 'مع الزمن استقطب الحي وبسبب انخفاض أسعار البيوت فيه طبقة معيّنة فيما ابتعد الأغنياء والأكاديميون عنه'.

أمّا عن البناء والتخطيط، قال كيّال إن 'أزمة السكن في الحليصة كبيرة، عمليات البناء معدومة فلا يوجد خطة هيكلية للحي، ومنذ عشرات السنين لم يقم أي مبنى جديد سوى مبنى واحد'.

وتطرّق كيّال للبنى التحتية للحي، وقال إن 'الخطر الأول على الحي هو موقعه القريب من مفاعل تكرير النفط، ممّا يعني أننا الأكثر عرضة للخطر في حالة نشوب حرب، هذا بالإضافة إلى أن الحي يفتقد للملاجئ في البيوت'.

وتابع: 'بالإضافة إلى الموقع، فإن المرة الأخيرة التي رمّم فيها الحي كانت منذ عشرات السنين، وفي حال وقوع أية هزة أرضية ستسقط جميع البنايات على ساكنيها'.

وتعاني الحليصة، كما ذكرنا من أعلى نسبة جريمة في مدينة حيفا. وعن عمل الشرطة وما تقوم به للحد من هذه الظاهرة، قال كيّال، إن 'الحليصة تشهد عمليات قتل كثيرة، ولم تقبض الشرطة على الجاني في أي مرة. نحن نشهد عمليات إطلاق نار بشكل شبه يومي، ولا تخرج الشرطة قطعة سلاح واحدة من الحي على إثر عمليات إطلاق النار'.

وأضاف: 'تعرّضت سيارة شرطة لعملية إطلاق نار في الحليصة، فتحوّل الحي إثرها لثكنة عسكرية، وتم القبض على مطلقي النار في ذات الليلة، بينما أرواح الناس في الحلّيصة لا تستحق هذا كله'.

أمّا مشكلة السكن في الحليصة فهي أيضاً كبيرة جداً، فتشير نتائج الدراسات أن الحي يعاني من نسبة كبيرة من السكّان المستأجرين المحميين، وأن معدّل مساحة البيت في الحليصة منخفض جداً ويتراوح بين 54-70 متراً مربّعاً، وهو معدّل منخفض جداً نسبياً لباقي الأحياء والمعدّل العام.

ومن الجدير بالذكر، أن أهالي الحي لا يتمكّنون من الحصول على قروض إسكان بنكية، بسبب أسعار البيوت المنخفضة، ممّا يجعل من مشكلة السكن للأزواج الشابّة تتفاقم أكثر وأكثر.

وقالت مرقص إن 'المشكلة أننا لا نملك مركزا جماهيريا كأي حي آخر في المدينة'، وأشارت للمركز وتساءلت، 'هل يمكن لمركز جماهيري أن يكون عبارة عن غرفتين فقط ؟'.

هل يمكن لمركز جماهيري أن يكون عبارة عن غرفتين فقط ؟

وأضافت: 'أنا أعمل منذ 5 سنوات في الحي، ولم يكن من قبل أي مركز جماهيري بتاتاً، والوعود بأن يتم بناء مركز لحي الحليصة من قبل البلدية مستمرة منذ 5 سنوات لم نرَ خلالها أي تقدّم'.

وعن تجربتها في العمل في حي الحليصة، قالت إن 'الحليصة حالة خاصة، لا فعّاليات، لا مراكز، لا يملك الأطفال غير الشارع ليتّخذوه ملعباً لهم على الرغم من الخطورة'.

وأضافت: 'نحن نعاني من مشكلة في التمويل والميزانيات، بالإضافة إلى أننا لا نملك المساحة فغرفتان لا يمكن أن تلبيا حاجيات حي كامل، ونستعمل الملجأ العمومي لإقامة نشاطاتنا، أي أننا نقيم نشاطات تحت الأرض، وهذا وضع الحي الذي همّش منذ عشرات السنين'.

وبالإضافة إلى مشكلة عدم وجود أي مراكز تربوية في الحي، أغلقت البلدية مركز، 'هجيبوريم'، الذي كان المنفذ الوحيد أمام أبناء الحليصة لممارسة الرياضة،  وكان مكانا آمنا، إلّا أن إغلاقه جاء بسبب عدم توفير ميزانية لتوظيف مركّز ومدير للمركز، في الوقت الذي تصل فيه ميزانية بلدية حيفا إلى قرابة 2 مليار شيكل.

أم لطفلين: أبناء 15 عاماً يتاجرون بالمخدّرات

وفي حديث مع أم لطفلين وتسكن في الحليصة، حول طبيعة الحياة في هذا الحي، قالت لـ'عرب 48' إن 'تجارة المخدّرات في الحي تتم بصورة علنية، واستعمالها أيضاً، ممّا يشكّل خطراً كبيراً على الأطفال وعلى حالتهم النفسية'.

وأضافت: 'أنا لا أترك أبنائي وحدهم في الحي أبداً، فأبناء 15 عاماً يتاجرون بالمخدّرات، وإطلاق النار بشكل يومي، وتدخل الشرطة وتخرج يومياً إلّا أنها لا تقم بأي إجراءات للحد من الظاهرة'.

أمّا نسبة البطالة، فهي الأكثر انخفاضاً في حيفا، ونسبة الطلّاب الجامعيين أيضاً هي الأكثر انخفاضاً في حيفا، وهذا كله يسكن في مدخل مدينة تسوّق بلديتها ذاتها على أنها مدينة التعايش.

وتشكّل الحلّيصة نموذجاً للأحياء العربية وما آلت إليه أحوالها منذ النكبة جراء التهميش الممنهج من قبل السلطات، والغياب الواضح لنشاط الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني في هذه الأحياء وغيرها.

وإن كان حال الحلّيصة أصعب من باقي الأحياء في مدينة حيفا، إلّا أن استمرار الحال على ما هو عليه سيؤدّي إلى تأزّم الأوضاع أكثر في كافة الأحياء والقرى والمدن العربية. 

التعليقات