عبد الفتّاح: الداخل يجب أن يكون بإطار وطني فلسطيني جامع

أصوات كثيرة تطالب بتبنّي حل الدولة الواحدة لأسباب براغماتية، تتمثّل في أن إسرائيل قضت على حل الدولتين من خلال الاستيطان ولم يعد هناك مجال لبناء دولة فلسطينية

عبد الفتّاح: الداخل يجب أن يكون بإطار وطني فلسطيني جامع

دعا الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي إلى دور فاعل للفلسطينيين في الداخل في المشروع الوطني، من خلال إطار وطني فلسطيني جامع يمثل الكل الفلسطيني. وأكد مجددا، في هذا السياق، على إعادة بناء لجنة المتابعة العليا. كما استعرض تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وتحول خطابها من تحرري إلى خطاب استسلام، محذرا مما أسماه 'الخطاب التهافتي' الذي يرفض المقاومة، باعتباره تآكل دون أن ينجز شيئا.

جاء ذلك في محاضرة ألقاها الأمين العام للتجمّع، عوض عبد الفتّاح، الثلاثاء، في مقهى وتعاونية 'المحطة' في مدينة حيفا تحت عنوان 'مأزق التسوية وآفاق الدولة الواحدة، دور فلسطينيي الـ48 في المشروع الوطني الديمقراطي'.

استعرض عبد الفتاح بداية، المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية، ولماذا عاد حل الدولة الواحدة ليطرح من جديد في هذه الأيام، مشدّدا على أهمية دور فلسطينيي الداخل في إعادة طرح حل الدولة الواحدة، وقال إن 'أسباب عودة حل الدولة الواحدة تنقسم إلى نوعين: الأول يتمثّل في الأسباب التاريخية العادلة للقضية الفلسطينية، والأسباب البراغماتية التي جعلت من حل الدولتين يصبح غير واقعي ولا يمكن تطبيقه نظراً للوضع القائم على أرض الواقع في الضفة الغربية'.

وأضاف أن 'أصوات كثيرة تطالب بتبنّي حل الدولة الواحدة لأسباب براغماتية، تتمثّل في أن إسرائيل قضت على حل الدولتين من خلال الاستيطان ولم يعد هناك مجال لبناء دولة فلسطينية، وهناك من ينادي بحل الدولة الواحدة لكونه الحل العادل للشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية من منطلقات تاريخية'.

وخلص إلى القول إن 'الموقف الثاني المتمثّل بعدالة القضية الفلسطينية يجب أن يكون موقفنا نحن، الموقف العادل المتمثّل بكون فلسطين جزءا من الوطن العربي وسكّانها عرب، واليهود الذين سكنوها كانوا يهوداً عرب كالمسيحيين والمسلمين، وبمقاومة الاستعمار ورفض التقسيم، وليس البراغماتي'.

وأضاف أن 'منظّمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرّر الفلسطيني، واجهت ورفضت بداية مخطّط التقسيم الذي فرضته القوى الاستعمارية، من ضمنها الاتحاد السوفييتي، الذي رأى بحزب العمل حزبا اشتراكيا وعوّل عليه في أن تكون إسرائيل دولة اشتراكية'.

على الفلسطينيين في الداخل أن يشكّلوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية

وشدّد عبد الفتّاح على أهمية دور الفلسطينيين في البلاد في طرح حل الدولة الواحدة، ورفضهم لحل الدولتين، وقال إنه 'حان الوقت للعودة إلى الرواية الأصلية واستعادة الوعي، وأنا أقول بكل ثقة أن الوعي بمفهوم التحرّر داخل السلطة الفلسطينية معدوم'. وأضاف أن 'على الفلسطينيين في الداخل أن يشكّلوا رقماً صعباً في المعادلة السياسية'.

وحلّل عبد الفتّاح الظروف السياسية الموجودة اليوم، وقال 'نحن أمام مفترق طرق، قد تكون شهراً أو عاما أو أكثر، ولكنني على قناعة أننا كشعب فلسطيني أمام مفترق طرق وبالتالي علينا نحن الفلسطينيين في الداخل أن نلعب دوراً مركزياً في نقطة التحوّل هذه'.

وأضاف أن 'الوحدة بدت كأنها حدث استثنائي في الخارطة العربية والخارطة الفلسطينية، حيث فوجئ الجميع في الداخل والخارج بقدرتنا على التوحّد رغم الخلافات الأيديولوجية، وهذا دليل على أن وزننا في الداخل الفلسطيني في تزايد مستمر، وعلينا استغلاله'.

وعن دور الفلسطينيين في الداخل، قال إن 'الفلسطينيين في الداخل، ومنذ العام 2000 بدأوا يستعيدون دورهم في النضال، ونشوء التجمّع الديمقراطي وطرحه وتحدّيه ليهودية الدولة كان له أثر كبير على هذا التغيير الذي حصل في مكانة الفلسطينيين في الداخل، وما يتوجّب علينا فعله اليوم هو العودة إلى امتدادنا والتواصل مع باقي مركّبات شعبنا في الضفة وغزة والشتات أيضاً لنشكّل عاملاً صعباً في المعادلة وجزءا لا يمكن فصله عن المشروع الوطني الفلسطيني'.

ودعا عبد الفتّاح إلى العودة إلى نقاط القوة في القضية الفلسطينية، وقال إنه 'علينا أن نعود لنقاط القوة المتمثّلة في عجالة القضية ووحدتها ونعيد تعريف إسرائيل وعلاقتنا بها، وهو تعريفها كدولة استعمارية عنصرية، ونحن حركة تحرّر وطني تسعى لتحرير بلادها من الدولة الاستعمارية'. وتابع أنه 'يتوجّب علينا من خلال التواصل وبناء لجنة المتابعة أن نعود للبّ المشروع الوطني الفلسطيني الذي تم استثناؤنا منه على يد القيادة الفلسطينية التي طالبتنا في بعض المراحل بالتصويت لحزب العمل كونه أفضل للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين واعتبرتنا شأناً إسرائيلياً داخلياً'.

أهمية إعادة بناء لجنة المتابعة وإقامة إطار وطني ديمقراطي

وشدّد عبد الفتّاح على أهمية بناء لجنة المتابعة، وقال إنه 'حان الوقت للبدء بالتفكير لبناء إطار وطني ديمقراطي من الفلسطينيين واليهود التقدميين الديمقراطيين، والبدء في الحديث عن إقامة دولة واحدة ثنائية القومية أو بلا قومية تقوم على أساس المواطنة، وبالتالي يتوجّب علينا إعادة بناء لجنة المتابعة وتقويتها لنباشر بأخذ دورنا. وأن نقول للحركة الصهيونية إنها كيان استعماري، ولكننا على استعداد أن نعيش معكم، بشرط أن تعترفوا بالغبن التاريخي وسنقبل أن نعيش معكم في مساواة'.

وأضاف أن 'اليسار واليمين الإسرائيلي يريدان الانفصال عن الضفة وغزة بهدف الحفاظ على يهودية الدولة وخوفاً من العامل الديمغرافي، وبالتالي يتوجّب علينا المقاومة والخروج إلى العالم قائلين إننا نريد دولة واحدة ونرفض حل الدولتين، ونحافظ على وحدتنا من التفتّت بشرط محاربة الخطاب الانبطاحي والاندماجي غير المتحدّي'.

وتابع: 'نحن مهمّشون عربياً وفلسطينياً وإسرائيلياً، إسرائيل تعاملنا كأعداء و 40% من الإسرائيليين يؤيدون الترانسفير، وبالتالي علينا العودة إلى المشروع الوطني الفلسطيني ونعيد بذلك وحدة الشعب الفلسطيني'.

من كامل التراب الوطني، للحل المرحلي لاتفاقية الاستسلام

واستطرد عبد الفتّاح في الحديث عن تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، وكيف تحوّل الخطاب من تحرّر وطني إلى استسلام، وقال إن 'الحركة الوطنية انطلقت من الخارج، وطرحت تحرير فلسطين من النهر للبحر، وهذا هو المطلب الطبيعي. ولكنه، وبعد فترة تغيّر موقفها تدريجياً لأسباب عديدة، وبهدف الحديث مع الغرب تنازلت حركة التحرّر الفلسطيني عن تحرير كامل فلسطين، وطًرحت الحل المرحلي المتمثّل في إقامة دولة في في الضفة والقطاع، وصادق عليه المؤتمر الوطني في الجزائر، ممّا يعني القبول بقرار التقسيم'.

وأضاف أنه ' في العام 1988 تكرّس رسمياً قبول قرار التقسيم، وانطلقت بعدها الانتفاضة الأولى، وفي هذه الفترة تحديداً انهار الاتحاد السوفييتي وهُزمت منظمة التحرير وطردت من لبنان إلى المنافي في تونس واليمن وغيرها، ومن ثم جاءت اتفاقية أوسلو الاستسلامية، فاستغلت الحركة الصهيونية الحال الدولية، ووقّعت عليها القيادة الفلسطينية، ورأينا فيه نحن كحركة وطنية اتفاق استسلام يكرّس تجزئة الشعب'.

ولخّص عبد الفتّاح التحوّلات وقال إن 'منظمة التحرير تحوّلت بالتدريج من أداة تحرير إلى أداة بيد السلطة، والسلطة أصبحت وكيلة لحماية أمن الاحتلال. وبالتالي تغيّرت المفاهيم، من صراع وجود تحرّري إلى نزاع على الحدود، بين دولتين الأولى قائمة، والثانية وهمية'.

وأضاف أنه 'أصبح هناك تآكل في القيم والروح المعنوية. حتّى الأجهزة الأمنية الفلسطينية لم تقم السلطة بإقامتها، من أقامها ودرّبها هو أميركا. وتحوّلت من محاربة الاحتلال إلى الحفاظ على الأمن داخل أراضي السلطة وأمن الاحتلال، وبالتالي وجود السلطة الفلسطينية ليس فقط مضيعة للوقت، بل ضرراً علينا وعلى القضية ونفعاً لإسرائيل'.

وتابع متطرّقاً إلى المفاوضات وقال إن 'عشرين عاماً من المفاوضات ليست تضييع وقت، بل كارثة حقيقية، إذ تغلغل المشروع الاستيطاني تحت غطاء المفاوضات في صورة ليس لها مثيل. تم تمزيق الضفة وسلب الأراضي، وحصار غزة وبناء الجدار بهدف منع إمكانية انفجار انتفاضة وتلاحم بين المجموعات السكّانية'.

جنوب إفريقيا والدولة الواحدة

وقال عبد الفتّاح إن 'المؤتمر الأول لحركة التحرّر الوطني في جنوب أفريقيا، منذ العام 1955، أي منذ المؤتمر الأول، قالت حركة التحرّر الجنوب أفريقية: نحن نريد دولة واحدة ولا نقبل بتقسيم البلاد. وظلوا مثابرين على هذا الموقف حتى النهاية بعكس القيادة الفلسطينية'.

وأضاف أن 'الأبارتهايد الإسرائيلي أخطر بكثير من نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا، الاستعمار الأبيض كان قائماً على استغلال القوى العاملة للسكّان الأصليين، بينما رفضت إسرائيل وجود العرب منذ البداية. لذلك، بعد كل هذه المحاولات والمفاوضات العبثية التي عمّقت المشروع الكولونيالي الاستعماري، حان الوقت للعودة إلى الأصل والرواية الأصلية.

وأضاف أن 'المحاربين القدامى في حركة التحرر الجنوب أفريقية أصبحوا مرتبطين اقتصادياً بالطبقة البيضاء بعد سقوط نظام الأبارتهايد، بسبب بقاء النظام الاقتصادي الرأس مالي، وبالتالي تبرجزت وفسدت النخب السياسية التي قادت النضال ضد الأبارتهايد، ولكن ما حصل في فلسطين والسلطة الفلسطينية غدا فسادا وخراباً وبرجزة قبل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذه كارثة'.

 

علينا أن نكون ضمن إطار وطني شامل وجامع

وشدّد عبد الفتّاح في ختام محاضرته، مرة أخرى على أهمية تنظيم لجنة المتابعة وبنائها كونها الذراع الأساسي، وإلّا فلن نتطوّر عن هذه النقطة. وقال إنه 'يتوجّب علينا تقوية لجنة المتابعة لنتمكن من أن نحصل على دور فاعل في المشروع الوطني الفلسطيني، بالإضافة إلى أهمية تغيير خطابنا في التعامل مع المؤسسة الصهيونية'.

وأضاف أنه 'يتوجّب علينا أن نطرح ذاتنا بقوة في المجال الثقافي والسياسي، الاستمرار في المقاومة الشعبية وترتيب أنفسنا، ولكن يجب أن نكون في إطار برلمان فلسطيني شامل كالمجلس الوطني الفلسطيني الذي لا يشملنا، ونفكّر في طريقة تشملنا في سقف واحد وحركة تحرير فلسطيني واحدة تعتبر الشعب الفلسطيني واحدا في كل أماكن تواجده'. 

التعليقات