أندريا لـ"عرب 48": النّاصرة تفتقد للتخطيط ودون رؤيا مستقبلية

أثار التقرير الذي نشر في "عرب 48"، أزمة السير في الناصرة، وحمل عنوان "البلد مش سالكة"، ردود فعل وتحليلات تمحورت حول شبكة الطرقات وتنظيم حركة السير والأزمة المرورية التي تعيشها المدينة رغم مشاريع البنى التحتية وفتح محاور جديدة وتوسيع الطرقات ومداخل المدينة.

أندريا لـ

مشروع "البلد سالكة" لم يكتمل

أثار التقرير الذي نشر في 'عرب 48'، أزمة السير في الناصرة، وحمل عنوان 'البلد مش سالكة'، ردود فعل وتحليلات تمحورت حول شبكة الطرقات وتنظيم حركة السير والأزمة المرورية التي تعيشها المدينة رغم مشاريع البنى التحتية وفتح محاور جديدة وتوسيع الطرقات ومداخل المدينة.

ويسلط 'عرب 48' من خلال المقابلة مع مهندس السير والمواصلات، ألبير أندرِيّا  على واقع شبكة الطرقات في الناصرة وتحليل البنية الهندسِيّة والتخطيطيّة لشوارع المنطقة والأزمة السير الناجمة عن تخطيط الطرقات، ومعرفة الأسباب والحلول لهذه الظاهرة.

لمحة عامة عن شبكة الطرقات والمواصلات

يشخّص أندريا وضع النّاصرة كباقي المُدن التي يزداد عدد سكّانها مع مرور الوقت، وتمرّ مرحلة من التطور والازدهار والبناء، وهذا يؤدي بشكل طبيعي إلى ازدياد في حركة السير، ولكن الاكتظاظ المروريّ بشكلٍ عام له عدّة حلول، إذ تنقسم إلى حلول عينيّة أو حلول على المدى البعيد، كما في الدول المتطورة، وعلى سبيل المثال الدول الأوروبيّة، إذ أنّها وصلت إلى مرحلة تخطيط بعيدة المدى وليسَ فقط حلول عينيّة، متابعًا أنَ المواصلات الجماهيرِيّة لها تأثير كبير على حل الأزمة، وهي مستعملة بشكل كثيف في الدول الأوروبيّة، كالقطار الخفيف، الباصات، وجميع المراكب العموميّة التي تستطيع أن تخدم أكبر عدد ممكن.

ويتابع: 'ينقسم المواطنون في إسرائيل إلى 30% منهم يستعملون المواصلات العامّة، أمّا 70% فلديهم سيّارات خاصّة بهم للتنقل، في الوضع الطبيعي التوجّه للمواصلات العامة يكون أكبر حين يكون المستوى المعيشي الاجتماعي والاقتصادي منخفض، ولكن هذه المعادلة المنطقيّة غير صحيحة، لأنّ الدول الأوروبيّة تستخدم المواصلات بشكل كبير، وخاصةً الطبقة المتعلمة، التي تملك وظائف مرموقة في المجتمع'.

الناصرة كنموذج

ويشخّص أندريا الوضع الحالي في النّاصرة، بوجود صعوبة في إقناع السكّان في التنازل عن المواصلات الخاصّة واستخدام العامّة، فالمواصلات الخاصة هي ملك له وتوفر له قليل من السهولة في استعمالها، وهنا تحاول وزارة المواصلات أن تعطي الأفضليّة للمواصلات العامّة في الحيّز العام، وإعطاء الباص العموميّ مسلك خاص بهِ على الشارع.

ويشير إلى أنّ وضع النّاصرة هو أسوأ من الوضع العام للبلاد، كون هناك عوامل إضافيّة تزيد من الوضع سوءًا، ومنه أنّ ملكيّة الأراضي هي للسكان القائمين (أراض خاصة) بعكس ما هو موجود في المدن اليهوديّة الأخرى، فمن الصعب مصادرة الأراض لإنشاء، شق، وتوسيع شوارع، فمصادرة جزء قليل من هذه الأراضي لا يحل المشكلة.

إضافةً إلى وجود المؤسسة الإسرائيليّة التي تُميّز في توزيع ميزانياتها، بين الوسط اليهوديّ والمجتمع العربي، فهناك تفضيل في تحسين جودة الحياة لـ100 وحدة سكنيّة ومد شارع لهم إن كانوا في الوسط اليهوديّ، أما إن كانوا في المجتمع العربي وإن بلغ عددهم 10,000 وحدة سكنيّة، فسيكون هناك صعوبة في سدّ احتياجاتهم.

المجالس والبلديّات العربيّة دون رؤيا مستقبلية

ويستعرض أندريا ما لاحظه مؤخراً، في المجتمع العربي، بوجود مشكلة في بعض الأحيان في البلديات والمجالس المحليّة في أنهم لا يملكون المعرفة لمن يتوجهون في وزارة البناء والإسكان، بالرغم من وجود عدّة  إمكانيات  وأبواب يمكن طرقها، ولذلك يتطلب على البلديّات ومهندسيها أن تمتلك المعرفة والقدرة على الاقناع كي تطلب من الوزارة مساعيها، من ناحية مهنيّة وموضوعيّة، واقناع الوزارة بأهمية المطالب المبتغاة منها.

في وزارة البناء والإسكان، يقول أندريا 'هناك فرع يسمى 'تجديد المدينة'، يمكن أن تستغله مدينة الناصرة، وهو فرع يعني بالمناطق القديمة'، فعلى سبيل المثال يمكن استغلال 'حي الرام' في الناصرة، بما أنّه موجود في منطقة البلد، ويعاني من تدني في أسعار البيوت، بالإضافة إلى مساحته الكبيرة، فمن الممكن تجديده عن طريق استبدال البيوت والمساكن الصغيرة، ومنح أصحاب الحي بيوت بنفس المساحة الأصلية لمنزلهم، موقف سيارات، قاعات، من خلال استثمار هذه البيوت من قِبل أصحاب رؤوس أموال، واستغلال المساحة واستبدال البيت الذي يحتوي على 10 طوابق، بآخر 30-40 طابقا، وبذلك تشغيل اقتصادي للأموال ومنفعة عامة للسكان في توفير بيوت اضافية ملائمة، وكذلك من خلال إعادة رسم الخارطة، يمكننا أن نمرر شوارع إضافية وتسهيل عملية السير'.

وعن الرؤيا المستقبلية، يقول إنه 'للأسف البلدات والمجالس العربية تفتقد للأجندة التي تتميز بالرؤية بعيدة المدى، فيجب البدء من هذه اللحظة لرسم خطة تمتد لـ20 سنة للتخلص من هذه الأزمة، فلا يوجد قسم تخطيطي إستراتيجي للمستقبل يحل مشاكل السكن والسير، فلا يكفي وجود خارطة هيكليّة للناصرة'.

مشاريع لم تنفذ على أرض الواقع

أما عن مشروع 'البلد سالكة'، يقول أندريا 'في سنة 2000 كان من المفترض أن تقوم بلديّة الناصرة، بقفزة نوعية بكل ما يتعلق بالمواصلات العامة، لكن المشروع لم ينفذ على أرض الواقع كما هو، لأن بعص التجار اعترضوا، من أجل وجود مسلك خاص للباصات قد يعيق عملهم التجاريّ، وما نُفّذ ليس كافياً لحل مشكلة السير، خاصةً أنّ الشوارع هي شبكة متواصلة، يجب تخطيطها بشكل كامل ومنظم، وعدم إهمال أي جانب منها'.

ويفيد أندريا أن مشروع 'البلد سالكة' لم يكتمل، لأن هناك خلل ما زال قائماً في الإشارة الضوئيّة، وهي جزء من المشروع، أو حتى إهمال في حل مشكلة المفارق والدوارات كالصفافرة، الخانوق، دوار المدينة في شهاب الدين، مفرق ديانا، دوار محمود درويش، ومن ناحية أخرى أن كان هناك تخطيط فهو غير صحيح في بعض الأماكن، فعلى سبيل المثال، 'دوار المدينة في شهاب الدين خاطى لأنّ السياحة نشطة في تلك المنطقة، فكان من الأفضل تخطيط إشارات ضوئية وليس دوار بسبب وجود السائحين'.

ويعتقد أن في مشروع الناصرة 2000، هناك حلول للبلدة القديمة عُمل بها من ناحية معماريّة، والمنظر الجمالي، ولكن لم يكن هناك أي عمل على قضية المواصلات في البلدة القديمة، وهذا يؤثر على أصحاب البيوت القديمة، فهم لا يمتلكون مواقف للسيارات في بيوتهم، بل في الشارع، الذي هو ملك عام، وبذلك أضحت شوارع الناصرة مزدحمة بمواقف السيارات، عدا عن أن أغلب المحلات التجاريّة لا تملك موقف خاص لزبائنها، فيضطر الزبون أن يترك سيارته في الشارع، وبالمقابل، هذا الحيز العام ضيق جداً في الناصرة، فهو عبارة عن مسلكين، دون أرصفة واسعة.

ويتابع أن إحدى المشاكل الخاصة في المجتمع العربي، هي غياب الرؤيا التخطيطيّة، وليس فقط التوزيع غير العادل للميزانيات، فالبلدات العربيّة، تحتاج وبشدة للتخطيط الصحيح الذي يوفر الأمان الأطفال والسكان.

الوضع الحالي وسبل حل المشاكل والنهوض بالمواصلات

في كل بلدة سياحية قديمة، كالناصرة، هناك صعوبة في التنقل، وهذا موجود حتى في الدول الأوروبيّة، لأن المدن القديمة تحتوي على زقاقات صغيرة، وبنيتها غير مهيئة، ولا يمكن الوصول لها في معظم الحالات، إلا عن طريق المشي أو المواصلات العامة، فمن الصعب على الناس إدراك أن ليست كل وجهة يمكن الوصول لها بالسيارات.

وعن وضع السوق المتدهور يفيد اندريا، أنّ هناك ازدياد بكثافة السكان من ناحية، مقابل مطالبات بتوسيع الناصرة من ناحية أخرى، فالمحلات والمراكز التجارية أخذت تقيم على أطراف المدينة، عدا عن التقصير الحاصل في المدارس العربيّة، فهم ليس لديهم أجندة لتوعية الطلاب حول حركة السير، التعامل معها، وسبل حلولها، فالطلاب حين يذهبون بالسيارات الخاصة يشكلون عبئاً كبيراً على حركة السير، لذلك يجب توعية الطلاب لأهمية المواصلات العامة، وهو ما يعتقده لبّ القضية، فالأزمة لا تُحل إلا بالتوعية والادراك من قِبل السكّان.

ويطالب أندريا بوجود اختصاصيين في التخطيط في بلديّة الناصرة، كي يتحسن الوضع القائم، ولتنفيذ هذا التخطيط الذي يكلف موال باهظة، يجب الاستعانة بالوزارة، ففي المقابل، في كثير من الأخيان يُقاس رئيس البلدية، نسبةً لما قام بهِ من تحسينات في الشوارع والأماكن العامة، لأن أغلب وقت الناس يقضونه في الأماكن العامة، والتي قد تكون أحياناً بخدمة راحتهم كتواجد منتزه عام، حل مشاكل السير، النظام في الشارع، النظافة العامة، وبالمقابل لا يوجد هناك أفق سليم ومهني للتخطيط في بلدية الناصرة.

ويشرح عن قضية 'دوار البيج'-الذي كان مفرقا مروريا بإشارت ضوئيّة- فهو يرى أّنّ المفرق كان يخدم السكان بشكل كبير وجيّد جداً، لكن كان ينتج عنه حوادث سير،  فتشاركت بلدية الناصرة وشركة مسارات إسرائيل من أجل مخطط آخر، وهو بناء دوّار البيج (كما هو موجود اليوم) بالإضافة لجسر مروري بين نتسيرت عيليت واتجاه العفولة، ولكنه لم ينفذ على أرض الواقع، وبذلك ما نفذ من المشروع هو أحد أجزائهِ، مما لم يكن حلاً لمشكلة الازدحام المروري.

ويختتم حديثه بتوصية عمل خطة سير ومواصلات شاملة لمدينة الناصرة، وبشكل خاص للمفارق، التي تعتبر 'عنق الزجاجة'، المليء بالاختناقات المروريّة، ليس فقط في الوضع الحالي، بل كذلك مستقبلاً بعد 20 عاما، لبناء مشاريع كبيرة، وإدخال المواصلات العامة والدراجات الهوائية في المخطط، وتقسيمه إلى أجزاء لتخطيطه، ويكون ذلك بالتوازي مع إقامة حلول عينيّة لمشاكل السير، وهذه الحلول العينيّة تكون عن طريق إقامة دوارات، إشارات ضوئية، حل أزمة السير في المدارس، مؤكدا أن كل ذلك لا يتحقق إلا بالتخطيط الشامل والكامل.

التعليقات