هبة القدس والأقصى: أصوات ناقدة من عوائل الشهداء والجرحى

تحيي الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني الذكرى الخامسة عشرة لهبة القدس والأقصى، التي سقط فيها 13 شهيدا برصاص القناصة الإسرائيلية في العام 2000، إلى جانب مئات الجرحى والمعتقلين، وتشهد البلدات العربية في المثلث والجليل.

هبة القدس والأقصى: أصوات ناقدة من عوائل الشهداء والجرحى

تحيي الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني الذكرى الخامسة عشرة لهبة القدس والأقصى، التي سقط فيها 13 شهيدا برصاص القناصة الإسرائيلية في العام 2000، إلى جانب مئات الجرحى والمعتقلين، وتشهد البلدات العربية في المثلث والجليل، التي سقط فيها الشهداء، اليوم الخميس، سلسلة فعاليات من مسيرات مشاعل في سخنين وعرابة وكفر مندا، كما ستتم زيارات لمنازل ذوي الشهداء، وستقوم الوفود الممثلة للفعاليات السياسية والاجتماعية والدينية، بوضع أكاليل الورود على الأضرحة وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء، تليها انطلاق المسيرة القطرية لتجوب أحياء المدينة وتستقر في ساحة البلدية حيث المهرجان الخطابي.

عرب 48 يعود لذوي الشهداء والجرحى.

عاصلة: الجرح عميق وصارخ والصمت أبلغ..؟

والد الشهيد أسيل عاصلة، حسن عاصلة، من قرية عرابة البطوف، بدا عليه الأرق وخيبة الأمل، لكنه يكسر قراره بالصمت ويخصنا ببعض ما يعتمل في صدره من الوجع والنزف المستمر، وقال إنه 'حقيقة وصلت بعد 15 عامًا من متابعة وملاحقة هذا الملف بقرار أن الصمت اليوم أبلغ، لأنه بات من العبثية أن نصرخ في آذان صماء، فلم يعد أي معنى للكلام ولا جدوى من النقد، مع غياب الأذن الصاغية وحتى العيون التي ترى وتشاهد'.

وأضاف 'أنا أخشى على الجيل القادم من الجرحى والشهداء، لأن المعركة لم تنتهي ومن يريد أن يتيقن من الأمر، لينظر من حوله ويقرأ أين تتجه الأمور، ليتعلم، فإن حكومة إسرائيل سنت قانونًا مؤخرا بإجازة إطلاق النار، وبعض العرب غاصوا في التحليلات والتفسيرات، وهذا يدلل على أننا لم نتعلم الدرس بعدُ، ولم نستخلص العبر بعدُ، أيضًا، لأن المؤسسة الصهيونية ليست بحاجة لقانون من أجل قتل العرب، لأن قتل العربي كان ولا زال يتم بحسب أوامر وقرارات ميدانية والتغطية على أطراف مرتكبي جرائم القتل موجودة، كما حصل مع قتلة أبنائنا ولم يعاقب أو يحاكم أحد منهم، بل بعض المجرمين منهم يتم ترقيتهم ومنحهم مناصب رفيعة'.

 


 

 وشدد عاصلة أنه 'إذا أردنا أن نصبح شعبًا، علينا أن نتصرف كشعب في إعادة الاعتبار لمكانتنا ودورنا وبناء استراتيجية العمل الوطني والعمل على ابتكار أدوات نضال جديدة أكثر فاعلية وحماية لأبنائنا ولوجودنا، وعلينا أن نتوقف عن ردود الفعل في كل مرة يداهمنا فيها حدث او اعتداء واستهداف من المؤسسة، إذ علينا قراءة الأمور لعشرات السنوات للأمام وأن نبني الجهوزية بناءً على هذه القراءة والانتقال إلى الفعل المبادر لحماية أنفسنا وحماية الأجيال والا سنبقى الخاسرين وحول توجيه كلمة للقيادات العربية قال لا كلمة واحدة لدي لأن في هذا الحال الذي نحن عليه، فإن الصمت أبلغ'.

بشناق: نحن نتفهم هذا التراجع لكن علينا الا نستكين.

أما شقيق الشهيد رامز بشناق، حلمي بشناق، من كفر مندا، اعتبر أن التراجع عن إحياء الذكرى يضر بنا جميعا وأن هناك تراجع ملاحظ عام بعد عام في زخم إحياء هذه الذكرى، وقال إن هذا التراجع 'ليس على مستوى المشاركة الجماهيرية، بل، أيضًا، على مستوى القيادات السياسية، فعلى سبيل المثال، فإن اللجنة المحلية في كفر مندا، عندما عقدت اجتماعها مطلع هذا الأسبوع  لإقرار برنامج إحياء الذكرى لاحظنا تغيب إحدى القوى السياسية الدينية عن الاجتماع، وهذا يقول الكثير بالنسبة لنا، والتغيب عن حدث بهذا الحجم، الذي يعتبر من أهم محطات وجود عرب الداخل، هو مؤشر على تراجع آخر'.

وأضاف بشناق 'إجمالا، هناك تراجع في العمل الوطني العام، لكن هذا لا يعفينا من مواصلة إحياء هذه الذكرى، بما يليق بمعانيها وشهدائها كأهم محطة في تاريخ وجودنا بوطننا'. وأضاف بشناق 'على المستوى المحلي، كذوي شهيد، ترضينا المشاركة والاهتمام، لكن على المستوى العام، المطلوب أكثر بكثير'.

وتساءَل بشناق أنه 'لا يعقل أن مهرجان الأقصى السنوي في أم الفحم يتم تجنيد له أكثر من 30 ألف مشارك، ولا نتمكن في ذكرى شهداء القدس والأقصى من تجنيد سوى بضعة آلاف، ألم يسقط الشهداء في سبيل القدس والأقصى؟!'.

وخلص إلى القول 'مهما بلغ التراجع فنحن لن نتراخى في سبيل تمرير الرسالة ومعانيها للأجيال المقبلة، والحفاظ على وجودنا وحقنا في وطننا'.

أما شقيق الشهيد عماد غنايم، وليد غنايم، من مدينة سخنين، فاعتبر أن الذكرى 'هي عبارة عن عام آخر من استمرار الجرح والنزف، خاصة أن لا أحد من المجرمين تمّ معاقبته أو تقديمه للمحاكمة، وهذا ما يعمّق من الجرح، ورغم أن المجرم مكانه خلف القضبان، إلا أنه ليس فقط لم يتم محاكمة القتلة، بل يتم ترقية بعضهم لمناصب رفيعة، مما يدلل في أي وضعية نحن نعيش وأي رقم نحن في معادلة صراعنا مع المؤسسة وحول الاستعدادات عامة'.

قال غنايم 'نحن كررنا مطالبتنا للجنة المتابعة بتثبيت الإضراب العام كل سنة في يوم الأرض وهبة القدس والأقصى، كأهم حدثين في تاريخ العرب في البلاد، إلا أنه لم يتم التجاوب لأسباب غير مقنعة'.

أما حول الاستعدادات في مدينة سخنين، قال غنايم 'لقد تمت الترتيبات بمشاركة اللجنة الشعبية، التي هو عضو فيها'، وإن 'الإضراب في سخنين عادة ما يتم بشكل ضمني، دون أن يتم الإعلان رسميًا عنه وإن الفعاليات ستنطلق صباحا كالمعتاد لزيارة أضرحة الشهداء، لكن، نحن نحتاج إلى تطوير شكل ومضمون إحياء الذكرى بمستوى يرقى لحجم التحديات'.

 

قدح: لو لم تتم المواجهة لكان القتل ابلغ..

أما الجريح محمد قدح، من كفر مندا، فله حكاية أخرى مع الجرح والحلم والشهادة، عندما أصيب إصابة بالغة في مواجهات العام 2000، برصاص القناصة الإسرائيليين، كان ابن الثامنة عشرة ربيعا، يحمل أحلام صغيرة كأحلام أبنائنا ولا زال طالبا مبتدئا في إحدى كليات الناصرة إلا أن أحلامه توقفت عند حدود رصاصة غادرة، استقرت في أسفل البطن، مزقت أحشاءه وألقت به على سرير الموت، قرابة الشهرين، بعد أن أعتبر شهيدا أكثر من مرة.

محمد، يستذكر الحدث بهدوء واثق ورزانة ملفته، وهو يعي الرسالة  ويستوعب الجرح رغم الألم، قائلًا 'لو لم يكن هذا الحدث والتمرد، لكان مشهد مقتل الشهيد الطفل محمد الدرة، الذي أثار كل صاحب ضمير في حضن والده، لتكرر هذا القتل لغاية اليوم، وبشكل أفظع 'وتابع 'عانيت الكثير، وعلمت لاحقا أن والدي عاشوا تلك الأيام الأربعين كأنها دهر، وتعتبر والدتي أنها عاشت أكثر من أربعين يومًا كأم شهيد، لكن، الحمد لله، تابعت علاجي وإعاقتي لسنوات وسنوات وشفيت بحمد الله، إلا أنني لم أتمكن من إتمام تعليمي وقررنا أن نفرح أنا وعائلتي بعد أن غابت الفرحة والابتسامة عنا سنوات طويلة بسبب إصابتي البالغة، حيث تزوجت قبل ثلاثة سنوات وأنجبت طفلين وافتتحت مطعمً لأواصل حياتي وأنا سعيد جدا، بعد أن منحني الله حياة جديدة وأنا ضميري مرتاح، لأن جرحي أنا وغيري، وجرح أهالي الشهداء، قد يكون منع ويمنع من قتل الآخرين كما قتل الشهيد الطفل محمد الدرة'.

التعليقات