في مواجهة جرائم قتل النساء: تمكين قيمي وتربوي

55% من الشبّان الفلسطينيين في البلاد، يؤيّدون قتل النساء على خلفية ما يسمّى شرف العائلة و 58% يعتقدون أن المرأة هي السبب في قتلها..

في مواجهة جرائم قتل النساء: تمكين قيمي وتربوي

يصادف اليوم، الأربعاء، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، وسط ارتفاع وتيرة العنف ضد النساء في المجتمع العربي، إذ وصل عدد النساء اللواتي قتلن لكونهن نساء في السنوات العشر الأخيرة إلى 98 امرأة، وسط تقاعس واضح من قبل الشرطة الإسرائيلية التي لا تقوم بعملها للحد من استهداف المرأة، لكونها امرأة، ولكونها عربية فلسطينية.

وتشير إحصائيات أجرتها الجمعيتان 'بلدنا' و 'كيان' إلى أن 55% من الشبّان الفلسطينيين في البلاد، يؤيّدون قتل النساء على خلفية ما يسمّى 'شرف العائلة'، و 58% يعتقدون أن المرأة هي السبب في قتلها، وهي نتائج مقلقة جدًا، وتستوجب الوقوف عندها بهدف معالجة الظاهرة التي أدّت إلى سلب 98 امرأة، الحق في الحياة، وأطفالهن الحق في الأم والحنان.

وتأتي هذه المناسبة، اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، بينما تعاني المرأة الفلسطينية في البلاد الظلم المجتمعي الذي يظهر في الإحصائيات، وتقاعس الشرطة الإسرائيلية تجاه الجريمة في المجتمع العربي عامة، ومن ضمنها جرائم قتل النساء، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى أن 80% من النساء اللواتي قتلن كنّ قد قدّمن شكوى في الشرطة حول تهديدات تصلهن، وعلى الرغم من قدرة الشرطة على منع الجريمة فقد تركت المجرم ليقتل ويسلب هذا الحق المقدّس، الحق في الحياة.

ولا ينفصل العنف ضد المرأة عن ظاهرة الجريمة والعنف المتفشيّة في مجتمعنا العربي. وفي هذا السياق، تقول مديرة 'السّوار' حركة نسوية عربية، ليلى حسن، لموقع عــ48ـرب إن 'قتل النساء على خلفية ما يسمّى شرف العائلة هو قتل وجريمة لا علاقة لها بالشرف، وهي مربوطة أساسًا باستضعاف النساء'.

وأضافت حسن أن 'هناك علاقة بين تطوّر وانتشار عالم الجريمة والعالم السفلي وبين قتل النساء، حيث أنه مع انتشار الجريمة والعنف في منطقة اللد والرملة، على سبيل المثال، ارتفعت أيضًا ظاهرة قتل النساء، فقبل نحو 20 عامًا وقبل انتشار الجريمة بهذا الشكل، لم يكن قتل النساء بهذه الوتيرة'، مشيرة إلى أن 'هذه الظاهرة مهمة جدًا للتركيز على أن قتل النساء هي جريمة من الجرائم التي تحصل في مجتمعنا، وذات علاقة بانتشار الجريمة بشكل عام في المجتمع'.

وتطرّقت حسن إلى العلاقة بين قتل النساء والسياسة، وقالت إن 'انعدام الأفق السياسي، وعدم وضوح مشروع سياسي جامع هو سبب رئيسي في انتشار الجريمة بالمجتمع عمومًا، وهذا له التأثير على استهداف النساء لكونهن الأضعف داخل المجتمع. فما بالك في حالة مجتمع تحت احتلال؟'.

وعن سؤال ما العمل، قالت حسن إنه 'يتوجّب على الجمعيات النسوية والأحزاب السياسية والمجتمع ككل العمل على مستويين، الأول هو الاستمرار في مطالبة الشرطة بأخذ دورها في منع الجريمة في المجتمع ولجمها، وهو دورها الذي لا تقوم به، حيث أن غالبية قضايا قتل النساء لا يتم فيها القبض على المجرم ولا جمع الأدلة اللازمة لتقديم المجرمين للمحاكمة حيث لا تصل غالبية القضايا أيضًا إلى أروقة المحاكم'.

وتابعت أن 'جهاز الشرطة هو جهاز ذكوري بطبيعته، وهو جهاز شرطة احتلال في حالتنا حيث يقمع المرأة لكونها فلسطينية عربية أيضًا'، مشيرة إلى أن 'الثقة بين جهاز الشرطة والمرأة التي يقمعها ذات الجهاز خلال التظاهر والعمل السياسي ضئيلة جدًا، وهو ما يزيد من صعوبة توجّهها إليه، وعندما تتجه إليه هي تعلم أنه جهاز متحرّش وذكوري وقمعي'.

أما المستوى الثاني، فقالت حسن إنه 'يتوجّب العمل على الصعيد التربوي والاجتماعي الجاد من أجل تغيير المفاهيم في المجتمع، من خلال التربية والعمل الجاد والمتواصل، وأن تكون جميع فئات المجتمع شريكة به، والتأكيد على أن الجريمة هي جريمة، وأن الأحزاب الوطنية جزء لا يتجزأ من المعركة ضد الجريمة'.

بدورها، قالت النائبة عن التجمّع الوطني الديمقراطي، حنين زعبي، إن 'العنف، هو أحد وسائل السيطرة على مجتمعنا، كلقمة العيش وغيرها، إذ أن القضية ليست قضية ميزانيات وغيرها، السلطة معنية بأن يكون مجتمعنا مرتعًا للجريمة والعنف، لننشغل به وتستخدمه أداة للسيطرة من خلاله على المجتمع العربي'.

وشدّدت زعبي على أنه يتوجّب علينا أن 'نقوم بتمكين أخلاقي وقيمي لهذا المجتمع، للمدارس والمدرّسين ومديري المدارس، بالإضافة إلى برامج وتعزيز دور الأحزاب السياسية'، مضيفة أن 'العنف في مجتمعنا جزء من مشكلة عدم احترام الفرد في مجتمعنا وفقدانه مكانته. وعلينا النظر إلى أي قضية أو أي خلاف على قضية مجتمعية للرد العنيف الذي تلاقيه، على شبكات التواصل الاجتماعي حيث العنف في الرد. أصبحنا نتقبّل الاختلاف السياسي، ونمارس العنف كرد على كل اختلاف اجتماعي'.

وتابعت زعبي أن 'للعنف محورا وتسلسلا يبدأ من تعاملنا مع الفرد، مع رفضنا للتعدّدية. مجتمعنا فقد وصايته على وطنه، ويحاول فرض وصاية اجتماعية تعوّض على الوصاية على الأرض والوطن من خلال السيطرة على الفرد والمجتمع. ولإعادة قيمة الفرد والاهتمام به وتقبّل الاختلاف في قضايا اجتماعية نحتاج للتربية، والمشاريع الحزبية التي تؤمن بالمسؤولية تجاه تطوير الفرد وتقبّل الآخر'.

وأضافت زعبي أن 'الخطر الثاني هو الصمت على الجرائم، حيث أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع لا تبرّر ولا تشجّع، ولكنها تصمت على هذه الجرائم، وهذا ليس أقل خطورة من تبرير الجريمة'، متابعة أن 'السكوت السلبي على جرائم القتل والعنف في المجتمع أكثر خطورة من التبرير للجريمة. ويتوجّب علينا التحلّي بالجرأة الأخلاقية لمحاربة الصمت، كالتبرير لهذه الجرائم، وللقول إن هذا الصمت يدمّر المجتمع'.

وتطرّقت زعبي في حديثها إلى قضية الشرطة قائلة إنه 'سبق وقدّم 80% من النساء اللواتي قتلن على خلفية ما يسمّى شرف العائلة شكاوى في الشرطة مع أسماء الأشخاص الذين يهدّدونهم، ولم تقم بحمايتهن، هذا خطير جدًا. الشرطة تركت 10 نساء من عائلة واحدة على الرغم من وصول تهديدات قمن بإبلاغ الشرطة عنهم. الشرطة شريكة في الجريمة'.

ووجهت زعبي رسالة إلى رؤساء السلطات المحلية، قائلة إنه 'على رؤساء السلطات المحلية العربية أن يطالبوا كل ضابط مركز شرطة بمنطقته بأخذ دوره بإنهاء الجريمة المتفشية، وكل ضابط لا يقوم بدوره، يجب مقاطعة المركز، ورفض التعاون معه ما دامت الجريمة خارج سيطرته'، مضيفة أنه 'يتوجّب عليهم الإعلان هذا القرار عن طريق اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية وتهديد الشرطة'، مؤكدة أنه 'لو حصل هذا لما استطاعت الشرطة أن تستمر بسياستها شبه الإجرامية'.

وشدّدت زعبي في ختام حديثها على أهمية الاستقلالية الاقتصادية للمرأة، مشيرة إلى أن 25% من النساء العربيات فقط يعملن، وثلثهن فقط يتمتعن باستقلالية اقتصادية، وبالتالي فهي لا تمتلك حرية اتخاذ القرار، وتبقى معتمدة على الزوج والعائلة، ما يؤدي إلى تقييد حريتها'.

أمّا مديرة جمعية نساء ضد العنف، نائلة عوّاد، فقالت إن 'النساء يقتلن لكونهن نساء، ويعانين من مجتمع ذكوري واستهداف قومي سياسي ومؤسسة سياسية تساهم في تشجيع هذه الجرائم بحق المرأة'.

وأضافت 'نحن نعلم أنه في مناطق النزاعات والصراعات نشهد أن مستوى الجريمة داخل العائلة يرتفع بصورة كبيرة، وفي كافة الحالات تكون المرأة هي المستهدفة الأولى لكونها الأضعف داخل العائلة'. ولفتت إلى أنه 'في حالتنا، فإن دولة احتلال تقوم بتحويل الأموال إلى المؤسسة الأمنية وليس لأمن الفرد والإنسان الشخصي وحقوقه الأساسية للعيش بحرية وكرامة'.

وأضافت أن 'سياسات الاحتلال التي يمارسها من هدم منازل وتشريد وتهجير تضيف لمعاناة المرأة معاناة إضافية، فهدم المنزل هو أيضًا عنف ضد المرأة'.

وتطرّقت عوّاد إلى إسقاطات قتل النساء على المجتمع عمومًا، وقالت إن 'قتل المرأة يعد بحسب معايير الذكورية والمجتمع وصمة عار على العائلة والأبناء، وكل أفراد المجتمع تتحمّل بلا استثناء مسؤولية هذه الجرائم المتكرّرة وليس الجمعيات النسوية فقط'.

وتابعت أنه 'طالما لا زلنا نسأل عن سبب الجريمة فهو جريمة أخرى بحق المرأة، قتل المرأة ليس إحصائية إنما هي جريمة يتم من خلالها حرمان إنسان من حقه في الحياة'.

وأضافت أن 'محاربة هذه الظاهرة قضية وطنية من الدرجة الأولى، يتوجّب على الأحزاب السياسية ولجنة المتابعة تناولها'، مشيرة إلى أنه 'تم الالتزام بأن تعقد جلسة لوضع خطة عملية وتوزيع المسؤوليات لمحاربة ظاهرة جرائم العنف ضد المرأة بهدف التعاون من أجل التصدّي لممارسات الاحتلال والعنصرية وسياسات المؤسسات الحكومية والشرطة وانعكاساته على المجتمع والمرأة، ومطالبة المؤسسات والشرطة بتحمّل مسؤوليتها ورصد الميزانيات اللازمة بدون تقاعس'.

التعليقات