تجارُ سوق عكا يبكون حال البلدة القديمة

لا يُمكِن لزائرِ عكا ألا يُحب نسيم بحرها، والمدى الواسِع الذي يتمدد فيه الموجُ وينحسِر وكأنه يُحيِّي أهلُ المكانِ.

تجارُ سوق عكا يبكون حال البلدة القديمة

عكا القديمة تتوق لأيام زمان

لا يُمكِن لزائرِ عكا ألا يُحب نسيم بحرها، والمدى الواسِع الذي يتمدد فيه الموجُ وينحسِر وكأنه يُحيِّي أهلُ المكانِ.

سألتُ أحد سُكانِ المدينة، هلْ تُحِبُها؟! فقالَ لي: أُحبها حدّ القداسةِ، فلا أجملَ مِنها ولا أرقّ مِن موجها الذي يتراقصُ صيفًا وشتاءً ليزرعَ الأملَ في نفوسِ أبنائِها وزوارها.

عكا التي استعصى على الغُزاةِ محوها، تغيَّرت ملامحُها، واستفردَت بِها مجموعة مِن المتشددين اليهود الذين أتوا مِن بلادٍ أجنبية، ليشتروا فيها- قال حسن شمالي- وهو حلاقٌ في سوق عكا لـ'عرب 48' إنهم 'يحاولوا أن يفرغوها مِن أهلِها كي تتحوّل إلى منطقةٍ يهوديّة خالصة، وعندها لن نجِدَ عربيًا يجرؤ على دخول أحيائها، والتنقُل عبر زواريبها. في كلُ زاويةٍ مِن المكان، رجُلٌ مُسِنٌ يجلسُ في المقهى، فلا شيءَ يفعله بعد توقُف العمل في الميناء، فصارَ يتسلى مع أصدقائه ليعود مساءً إلى بيته، آملاً بعودةِ الخير والبركة إلى المدينة التي صارَت تبكي على الماضي'.

وأضاف: 'لقد نجح متدينون يهود بإخراج سكان الزقاقات في عكا، مِن بيوتهم بسبب خمولهم وعدم معرفتهم بما يجري، ولم يتوقعوا أن يتم إبعادهم عن بيوتهم، لكن الواقع جاء معاكسًا، حتى تجرأ بعض العكيين على بيع بيوتهم، وآخرون لوحقوا مِن قِبل المؤسسة بسبب عجزهم عن تسديد ديونهم'.

عكا تتأثر بالوضع الاقتصادي الصعب

وعن عمدٍ سمحت بلدية عكا للبسطات بنشر بضاعتها في كل يومِ سبتٍ، وكأنها لا تريدُ لأهل المكان أن ينتفعوا مِن المبلغ الزهيد الذي يحصلون عليه 'بطلوعِ الروح'، وبعد أن ينبش المشترون البضائع ويغادرون دون كلمة 'شكرًا'.

هكذا أرادت البلدية، أن تمنح مَن يروق لها هديةً بفرضِ بسطةٍ عند مدخل السوق القديم، بينما يرى البعض أنّ فرض البسطات على الأرض تشويهٌ لمعالِم عكا، بسوقها الشعبي الذي بدأ يندثِر، بسبب إهمال لجنة التجار واستهداف المحال مِن قِبل البلدية، التي تُحاسِب الباعة إذا ما خرجت بسطاتهم بنسبة غير ملموسة، كُل ذلك، يأتي كما قالت صاحبة محل ملابس 'يُحاسبوننا إذا ما خرجت البسطة بسنتمتر واحد، لكنهم لا يلتفتون إلى أنّ البيع أصابه قحطٌ منذ سنوات'.

أما حسام عطا شمالي وهو بائع إكسسوارات في السوق فقال لـ'عرب 48' إننا 'تأثرنا كتجار في السوق، وعملنا يمتد منذ سنواتٍ عديدة، بحملة المقاطعة وهي مِن أكثر الفترات القاسية التي مررنا بِها، بسبب ما يجري من أحداث سياسية في الضفة الغربية، وها هو العمل يعود رويدًا رويدًا، على أمل أن نعود إلى واقعنا الطبيعي، سيما أنّنا تأثرنا بالواقع الاقتصادي الصعب الذي مسّ جميع التجار، الذين لا يجدون لجنة تحميهم مِن قراراتٍ قاسية بحقنا، ومخالفات مؤلمة رغمّ أنّ الأرباح لا تصلُنا رغم التعب'.

وقالت الحاجة رسمية أم علي، وهي تفترش بسطة صغيرة في زاوية وعمرُ حانوتها الصغير أكثر من عشرين عامًا، لـ'عرب 48' إن 'الوضع كان أفضل بكثير في سنواتٍ مضت، عكا لم تعُد عكا، والاقتصاد دمرَنا، وحرمنا مِن فُرص الربح والاستفادة من عملنا، خاصةً أنّ المصالح التجارية مُشابِهة لدى بعض التجّار في السوق، ما يؤثِر على المكسب المادي'.

وعن تجاهُل تجار السوق القديم قالت أم علي، إن 'جميع المسؤولين في المدينة نسوا أّننا جزءٌ مِن هذا النسيج في السوق، كيف يمكن للبسطات ألا تمتد في السوق، كيف إذا تكون عكا بدون تجارِها، وهُم ناسُها وأهلها وأصحابُ المكان'.

ملاحقات سياسية وأوضاع اقتصادية سيئة

أما أبو حسن، الذي رفض ذكر اسمه كاملاً تخوفًا مِن ملاحقاتٍ سياسيّة ومحليّة، فقال لـ'عرب 48' إن 'في سوق عكا العتيقة هناك 220-230 حانوتا، يتنقل الزوار بين الأزقة والبسطات المتنوِعة، وتقولين بصوتٍ منخفض: 'الله يبارك'، لكنك لا تعرفين مثلَ كثيرين، أنّ الوحيديْن اللذيْن يعملان في السوق هما: بائع الحُمُص سعيد، والحاج نِمر صاحب مِسمكة كبيرة، بينما سائر الحوانيت لا تعمل تقريبًا، وإذا كَسِب أحد أصحاب الحوانيت 100 شيكل في اليوم، فإنّه محظوظ (وأبو زيد خاله)، لكنه في نهاية السنة يكون مجبرًا على دفع الضرائب، وربما لا يملك عائدات مِن متجره يُغطي من خلالها ديونه، في ظل مدخولٍ غير كافٍ، ولا يستطيع أن يسِّدد ديونه وأن يطوِّر مصلحته في آنٍ واحد، فيظل طوال حياته يلعن الساعة التي جاءَ فيها ليعمل في السوق، بعد أن ورثه مِن آبائه وأجداده. الدخل ليسَ كبيرًا، لكنه لا يملك سوى مبلغ بسيط، سيسدد منه ديونه'.

وأضاف أبو حسن: 'لقد تأثرت المحال التجارية بسبب الأوضاع السياسيّة والتحريض لمقاطعة العرب، فاليوم على سبيل المثال هناك حركة زبائن في أيام السبت، لكن خلال الأسبوع نادرًا ما تجدين زبونًا بمعنى الكلمة. وطالما لا يوجد زبائن غرباء، فلن يكون هناك بيع. في الماضي كان هناك لجنة تُجار، مقُابِل البلدية، كانت تساعدنا في تخفيف قيمة ضرائب المسقوفات (الأرنونا)، لكن منذ سنوت لم يلتفت إلينا، أحد. إنه أمرٌ مُحبِط، لديّ ثلاثة محال تجارية، وصلتني ثلاث فواتيرمقابل ضرائب المسقوفات، كيف أعيش، ناهيك عن فتح ما يُسمى 'السوق التركي' فالتجّار هنّاك يفردون بضاعتهم على مد النظر، وهؤلاء يمسون بمصالحنا ويؤثرون على عملنا في السوق، علمًا أنّ بعض الزبائن يتفقدون الملابس المعروضة أو الاحتياجات التي تهمهم، ثم يتركون بضاعتنا ويغادرون. نحنُ نعيش 'بطلوع الروح'، علمًا أنّ البعض يظن أننا نجرف الأموال، ومن جهة أخرى فإنّ هناك رحلات أسبوعية إلى المناطق الفلسطينية، ما يؤثِر على تجارتنا. وقد وصلنا إلى مرحلة مِن الأوضاع الصعبة والقاسية، وليس لنا مَن نشكو إليه'.

أبو حسن يتذمر طوال الوقت، فقد يجلس ساعة ونصف بانتظار زبون، يُقلّب البضائع، لكنه يعود بخفيْ حُنين. وقال: 'يشتري زوار السوق بعشرة شواقل بذورات، ويقفون في المحطة الثانية لشرب عصير الرمان، ولا نستفيد منهم بشيء'.

ويُنهي بالقول: 'نحنُ نتأثر بالوضع الاقتصادي القاسي، بسبب وجود المجمعات الكبيرة، التي تزود الزبائن بكل ما يحتاجونه، عكا التي كانت في الماضي لم تعد كما كانت، ربما تكون الزيارات بالأساس للمطاعم لا أكثر. علمًا أنّ الوضع صعبٌ جدًا'.

وتساءل أبو حسن 'أيُ البلدات لا يوجد فيها مجمّعات صغيرة أو أكثر من سوبر ماركت، ليجد ما يريده، أما الزيارات الخاصة لعكا فهي مِن أجل تناول وجبة مِن الحُمُص والشوارما'.

وأكد أبو حسن أنه تمّ نقل جميع المؤسسات الهامة من البلدة القديمة، إلى مجمع 'عزرائيلي'، وأوقفوا العمل في أحد فروع البريد، وسيغلقون قريبًا البنك الوحيد في السوق، ونقلت المحكمة الشرعية ومحكمة الصلح مِن السوق القديم، ما يعني أنه لا حاجة لأحد من الزوار للوصول إلى هنا.

وتتمنى زوجته أنّ يهتم النواب العرب ولجنة المتابعة بمصالح التجار العكيين، ودعمهم لتسهيل عملهم في ظل الأوضاع السيئة التي تمرُ بها البلاد.

لا أسماك لا صيد

وقال ممدوح حلواني وهو بائع عصائر، لـ'عرب 48' إن 'الأوضاع الاقتصادية خلال هذه الأيام في تحسُن، أفضل من أشهرٍ سبقت، وعكا تتأثر بالأوضاع القاسية، رغم أنها مسالمة وأبناؤها يريدون العيش فيها. صحيح أنّ البيع عامة يتغير للأسوأ، علمًا أنني كنتُ بحارًا، لكنّ الوضع في البحر ميتٌ تمامًا، فقد جرت عمليات التخريب مِن قِبل المؤسسة إذ يتم إلقاء الكيماويات ما يقتل الأسماك، ويقضي على آمالنا بالتجذيف والسباحةِ والصيد'.

وأضاف: 'لقد جرى تدمير زراعة الأسماك، إذ يتم قتل الصغار من الأسماك واصطادوا السمك الكبير، حتى أفرغ البحار تمامًا مِن أسماكه. في السبعينات كان الوضع أفضل بكثير، اليوم دُمرت زراعة الأسماك'.

التعليقات