المقاطعة في الداخل: تعقيدات التركيبة تعرقل التطبيق

مؤتمر يستعرض إمكانيات وتعقيدات حملات مقاطعة إسرائيل في الداخل الفلسطيني، على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بدعوة من مجموعة متحركين في جمعية الشباب العرب بلدنا، ولجنة المقاطعة ٤٨ وحراك حيفا

المقاطعة في الداخل: تعقيدات التركيبة تعرقل التطبيق

استعرض مؤتمر 'المقاطعة وفلسطينيّو ال 48: ما بين الأصداء الدوليّة والسياقات المحليّة' في مدينة الناصرة، يوم أمس الجمعة، إمكانيات وتعقيدات حملات مقاطعة إسرائيل في الداخل الفلسطيني، على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بدعوة من مجموعة 'متحركين' في جمعية الشباب العرب- بلدنا، لجنة المقاطعة ٤٨ وحراك حيفا.

وتعتبر حملات المقاطعة الإسرائيلية المنتشرة في العالم، إحدى أنجح طرق النضال السلمي ضد الاحتلال والأبرتهايد، وإحدى أكثر الخطوات التي تسبب ضررًا لإسرائيل في مختلف المجالات، إذ تنتشر حملات المقاطعة وفق معايير وضوابط معينة ضد أجسام أو شركات أو مؤسسات، لكن عند الحديث عن حملة مقاطعة في الداخل الفلسطيني، فالموضوع يختلف نظرًا للتعقيدات المترتبة على خصوصية وضع الفلسطينيين الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية.

وافتتحت عضو لجنة المقاطعة ٤٨ وإحدى منظمات المؤتمر، نجوان بيرقدار، المؤتمر مؤكدة على أهميته وضرورة تطوير صيغة لاشتراك الفلسطينيين في الداخل بحملات المقاطعة، ضمن معايير وضوابط قانونية، شاكرة كل من حضر وساهم في التنظيم، ومشيرة إلى انتشار حركة مقاطعة إسرائيل العالمية (BDS) في الكثير من الدول والمؤسسات.

واعتبر رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، أن حملات المقاطعة ما هي إلا رد فعل للاحتلال وممارساته، وأنها 'شكل من أشكال النضل السلمي، ولا يمكن أن تشكل بديلًا للنضال الشعبي، لكن هذه الفكرة يجب أن تنتشر في كل مكان'. وأكد بركة على أن المقاطعة تعتبر خطرًا على المؤسسة الإسرائيلية، ولذلك تشن الأخيرة عليها هجوما شرسا وأرعن.

وقال الناشط خليل غرة، أحد أعضاء اللجنة المنظمة للمؤتمر، إن 'المؤتمر يهدف إلى خلق حالة وعي فلسطيني لأهمية المقاطعة ضمن محدودية عملنا في القانون الإسرائيلي، ولدينا العديد من الرسائل، منها ضرورة محاربة برامج الأسرلة وممارسة حقنا في المقاطعة'.

 

تضامن من جنوب أفريقيا

وبعد كلمة بركة، عرض القائمون على المؤتمر كلمة  تضامنية مصورة للسيدة كوارا كيكانا، إحدى الناشطات في حركة مقاطعة إسرائيل في جنوب أفريقيا. وأعربت كيكانا عن تضامنها مع الشعب الفلسطيني وأهمية وتأثير حملات المقاطعة، مستعرضة كيف قامت الحركة بقيادة الحملة لمقاطعة شركة G4S الأمنية، التي تستأجر إسرائيل خدماتها في المستوطنات والحواجز العسكرية.

وعن الحملة لمقاطعة شركة G4S قالت كيكانا إن الناشطين قرروا اتخاذ أسلوب مختلف عن المعهود، إذ قاموا بالتوجه إلى أصحاب الشركات والمتاجر ومحطات الوقود الذين توفر لهم الشركة حراس أمن، وعرضوا عليهم صورا وفيديوهات تظهر انتهاكات الشركة حقوق الفلسطينيين

وتعذيبهم والتنكيل بهم، وشرحوا لهم دور الشركة في خدمة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي.

المحور الأول

وفي المحور الأول، تحدث عن لجنة المقاطعة ٤٨، رجا زعاترة، وقال إن اللجنة تأسست في العام ٢٠١٢ كامتداد لحركة المقاطعة العالمية، وأن اللجنة في الداخل وضعت معايير خاصة بها بسبب خصوصية وتعقيدات وضع الفلسطينيين في الداخل والقوانين الإسرائيلية التي تفرض عقوبات علي الداعين إلى المقاطعة، باعتبارها خطرًا إستراتيجيًا عليها، وخصصت المؤسسة الإسرائيلية الملايين لمحاربتها.

وبسبب خصوصية الوضع في الداخل، قال زعاترة إن اللجنة وضعت المعاير وقررت بدء العمل من 'الأسهل إلى الأصعب، واختيار أمور عليها إجماع وطني، وتأجيل المواضيع الخلافية، ولأن المقاطعة سلاح نوعي،

علينا وضع معايير تلائم الجميع'. وأكد زعاترة أن أحد أهم أهداف اللجنة هي أن يكون الفلسطينيون في الداخل تجسيدًا حيًا للعنصرية الٌإسرائيلية، ولذلك هناك ضرورة للتحالف كذلك مع يهود معادين للصهيونية والاحتلال.

تجربة متحرّكين في مقاطعة HP

واستعرض ناجي الجمل تجربة مجموعة متحركين خلال حملة مقاطعة شركة HP للصناعات الإلكترونية، بسبب توفيرها كل الأنظمة الإلكترونية للتفتيش والمواقبة على الحواجز الإسرائيلية، ومساهمتها في تحديد وحصار حرية الحركة والتنقل لأبناء الشعب الفلسطيني.

وقال الجمل إن 'أهداف الحملة كانت رفع وعي وإدراك الفلسطينيين في الجامعات لممارسات هذه الشركة وضرورة مقاطعتها، بالإضافة إلى التوجه للمؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ومطالبتهم تبني الحملة ومقاطعة الشركة'وذكر الجمل أن الحملة توقفت في الداخل، ولم تكن بصفة رسمية بسبب القانون الذي سنته المؤسسة الإسرائيلية، والذي يجرم دعوات المقاطعة. مؤكدًا أن المجموعة تعمل على تطوير حملة مقاطعة  HP وتوسيعها.

الأكاديميا شريكة في الاحتلال

وفي ذات المحور، قالت المحاضرة في جامعة تل أبيب، عنات مطر، إن 'الأكاديميا الإسرائيلية شريكة بشكل كبير في الاحتلال والاضطهاد، عن طريق تطوير وتنفيذ مشاريع لوزارة الزمن وأجهزتها المختلفة، فهناك ٥٥ مشروعًا ممولًا من وزارة الأمن الإسرائيلية، وتسعة من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تخصيص مساقات للجيش فقط، وتقديم استشارات للجيش والمخابرات حول الأوضاع الإقليمية وتحديدًا في الدول العربية بالشرق الأوسط، وكذلك تأهيل قيادات للعمل في المؤسسات الزمنية المختلفة'.

وأشارت مطر إلى أن الأكاديميا متورطة كذلك بدعم المستوطنات، و'أهم خطوات الدعم هي كلية أريئيل، التي أصبحت جامعة، لكن يجب التعامل معها على أنها كلية لأنها لا تستحق لقب جامعة بعد، بالإضافة للعديد من المشاريع الزراعية والصناعية التي تمولها وتدعمها الأكاديميا الإسرائيلية'.

وأكدت مطر أن الأكاديميا الإسرائيلية 'أقامت أجساما وطواقم لمحاربة حركة المقاطعة العالمية، وتلميع صورة إسرائيل في العالم'.

قوننة محاربة المقاطعة

وعن قوننة محاربة حركة المقاطعة في إسرائيل، قالت المحامية سوسن زهر، من مركز 'عدالة'، إن إسرائيل شرعت قانونًا يجرّم الدعوة للمقاطعة في الداخل، وفيه ثلاث عقوبات لمن تثبت عليه الدعوة للمقاطعة، الأولى هي دفع قيمة الأضرار التي سببتها دعوته للمقاطعة، والثانية هي منع المنادين للمقاطعة من التقدم لأي مناقصة حكومية، والثالثة هي منع الميزانيات الحكومية عن كل من ينادي أو يشترك في المقاطعة.

وذكرت زهر أن المحكمة الإسرائيلية منعت التمييز في المقاطعة، واعتبرت كل مقاطعة هي مقاطعة لإسرائيل دون التفريق بين مستوطنات الضفة الغربية وغيرها، وكذلك اعتبرت المحكمة أن دعوات المقاطعة هي إرهاب سياسي.

استغلال 'الغسيل الوردي'

وفي المحور الثاني، استعرض المتحدثون أهمية التصدي للدعاية الإسرائيلية عالميًا، وتسليط الضوء على الأدوات والمواضيع التي تستغلها إسرائيل لذلك.

وافتتحت المحور مديرة جمعية القوس، حنين معيكي، مستعرضة حملة 'الغسيل الوردي'، وهي استغلال إسرائيل لحقوق المثليين وتصوير نفسها على أنها دولة الحريات، وتنشيط 'السياحة المثلية'، وقيام قيادات المثلية في إسرائيل بتبني نهج حكومتهم.

وقالت معيكي إنه 'يجب التصدي لهذه الحملة عالميًا، لأن إسرائيل هي أكبر قامع لحريات الشعوب، إذ لا يمكن لدولة قمع واحتلال واضطهاد أن تكون دولة حريات، وكل هدف إسرائيل من هذه الدعاية هي تلميع صورتها وتنشيط قطاع السياحة المثلية، التي أدخلت لخزينة الدولة نحو ٥٠ مليون شيكل العام الماضي'.

الاقتصاد الاحتلالي واحتلال الاقتصاد

وعن أرباح الشركات الإسرائيلية والعالمية، قالت المحامية هديل بدارنة إنه 'لا يمكن الفصل بين الرأسمالية والاحتلال والاضطهاد العرقي والاستعمار، كل هؤلاء كانوا أساسًا في وضع اتفاق باريس الذي يقونن التعامل الاقتصادي مع إسرائيل، ويضمن لإسرائيل السيطرة على الاقتصاد الفلسطيني عن طريق السيطرة على نقاط الشحن الفلسطينية'.

وأكدت بدارنة على أن أرباح الشركات الإسرائيلية نتيجة الاحتكار تبلغ المليارات، إذ تبلغ أرباح شركة 'تنوفا' (التي بيعت قبل بضعة أشهر لشركة صينية) نحو ٢.٥ مليار دولار سنويًا، وتعتبر الشركة الضفة الغربية 'سوقًا أسيرًا يدر لها أرباحًا سنوية تبلغ ٥٢-٦٦ مليون دولار'.

وإحدى الشركات المستفيدة من الاحتلال هي شركة 'نيشر' لمواد البناء والتي تحتكر 'صناعة إعادة الإعمار'، إذ أن كل مواد صناعة الإسمنت التي تدخل إلى قطاع غزة لإعادة الإعمار هي التي تبيعها لهم، وتبلغ أرباحها ١.١ مليار دولار سنويًا.

لكن شركة 'نيشر' منيت بخسارة كبيرة بعد سحب شركة CRH الإيرلندية، التي كانت تملك أسهمًا في الشركة، وسحبت استثماراتها منها بعد حملة مقاطعة كبيرة في إيرلندا.

الفلسطينيون كعينات اختبار للأسلحة

وأكدت بدارنة أن أكثر قطاع يدر أرباحًا على إسرائيل هو صناعة الأسلحة والمعدات العسكرية وبرمجة منظومات للعتاد العسكري، وفي هذا الشأن، تستخدم إسرائيل الفلسطينيين 'كعينات اختبار لأسلحتها، إذ تجرب أسلحتها ومنظوماتها العسكرية عليهم لفحص تأثيرها ومدى نجاعتها'.

وإحدى أكبر الشركات التي تحتكو هذا القطاع هي شركة 'إلبيت سيستيمز' التي تختص بالبرمجة ابتكار برامج عسكرية للجيش والمؤسسات الأمنية، والتي اختبرت خلال العدوان الأخير على قطاع غزة برنامجًا يهدف إلى كشف الأنفاق في غزة وأطوالها ومساحتها.

BDS  كتهديد إستراتيجي

 

وقال عضو حركة المقاطعة العالمية، عمر البرغوثي، إن 'إسرائيل باتت تعتبر الحركة تهديدًا استراتيجيًا لها لأن قيمها تهدد نظام الاحتلال الاستيطاني، خاصة مع وجود نشطاء يهود وإسرائيليين مناهضين للاحتلال والصهيونية، الأمر الذي يدحض اتهامات إسرائيل للحركة بأنها معادية للسامية، وكذلك بسبب انتشارها في العالم، وتكبيد إسرائيل خسارات في مختلف القطاعات'.

وأكد برغوثي أن أهداف الحركة هي 'إنهاء الاحتلال وإنهاء نظام الأبرتهايد وتحقيق حق العودة، وهذه القيم الثلاث تشمل أبناء الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، وخلال سنوات من العمل تم تحقيق العديد من الإنجازات، وخسرت إسرائيل الكثير، أكبرها كان انخفاض الاستثمار الأجنبي بنسبة 46٪'.

واستعرض برغوثي أهم إنجازات BDS في الفترة الأخيرة، منها انخفاض السياحة وتصدير السلاح الإسرائيلي، سحب استثمارات كل من شركة ORANGE الفرنسية و CHR الإيرلندية من إسرائيل، مقاطعة جامعات وكليات أكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا لجامعات إسرائيل ومؤسساتها، ومقاطة الكنيسة المثودية في الولايات المتحدة لإسرائىل وسحب ائتماناتها.

المقاطعة الثقافية

يعتبر الموضوع الثقافي، وهو موضوع المحور الثالث، أحد أكثر المواضيع إشكالية لدى الفلسطينيين في الداخل، وتتجلى تعقيداته في كثير من الزمور منها تمويل الأنشطة الثقافية أو صناعة السينما التي تحتاج إلى مبالغ كبيرة، أو التواصل مع فنانين ومثقفين عرب، الذي تعتبر حركة المقاطعة دخولهم إلى إسرائيل كنشاط تطبيعي.

وافتتح المحور برسالة مصورة وجهها الفنان مارسيل خليفة للفلسطينيين في الداخل وللمشاركين في المؤتمر، حياهم بها وأكد على ضرورة مواصلة النضال ضد الاحتلال عن طريق كافة السبل، وأهمية المقاطعة كوسيلة، وشكر كل القائمين على المؤتمر.

إشكاليات التمويل

وفي كلمة مصورة، عرضت المخرجة الفلسطينية سهى عراف، إشكاليات التمويل التي يتعرض لها الفلسطينيون في الداخل في المجال السينمائي، مستشهدة بتجربتها في فيلم 'فيلا توما'، والضجة التي أثارتها إسرائيل في أعقاب عرضه.

وقالت عراف إنه 'لا توجد إمكانية مقاطعة في الداخل، في مجال السينما على الأقل، لسببين رئيسين، الأول هو عدم وجود مصادر تمويل للمخرجين من الداخل سوى من الصناديق الإسرائيلية، بسبب عدم موافقة دعم صناديق الاتحاد الأوروبي أو الدول العربية، وكذلك ترفض السلطة الفلسطينية دعم مخرجي الداخل. والسبب الثاني هو عدم توفر إمكانية الانتاج المشترك co-production مع شرك إنتاج من الخارج، لأن قوانين الإنتاج المشترك تنص على ضرورة حصول الفيلم على ثلث تمويله على الأقل من بلاده'.

واختممت عراف كلمتها بالتأكيد على أنه 'من أجل تحقيق المقاطعة علينا توفير البدائل'.

التطبيع الثقافي

وقال المربي والشاعر علي مواسي إن 'زيارة فنانين ومثقفين عرب للأراضي الفلسطينية سواء في الضفة الغربية أو الداخل يجب أن تخضع لكثير من المعايير، منها كيف تخدم المشروع الوطني الفلسطيني، وكل هذه الزيارات والحفلات والأمسيات التي أقيمت هنا كانت ذات أهداف رأسمالية ربحية بحتة، ولذلك تعتبر تطبيعًا، رغم تبريرها بجمل رومانسية مثل زيارة السجين لا تعني زيارة السجان'.

وأشار مواسي إلى أن 'هناك من يعتبر زيارة الضفة الغربية أخف وطأة من زيارة الداخل الفلسطيني، لكن ذلك غير الصحيح، فعند زيارة الداخل يتعامل الزائر مع نظام إسرائيل السياسي المدني، فيما يتعامل من يدخل الضفة الغربية مع جيش الاحتلال مباشرة، وفي رأيي الشخصي كلاهما مرفوض'.

وحذر مواسي من التعامل مع الآخرين بأسلوب منفر، ويعتمد أساليب التكفير الوطني، بل التعامل معهم بأسلوب التوعية والاحتواء، 'نحن أحق الناس باحتضان أبناء شعبنا وتوعيتهم، وليس تكفيرهم وطنيًا لأن في ذلك ما ينّفر الناس منا'.

الختام

وتخلل المؤتمر أسئلة ونقاش بعد كل محور، تمهيدًا للفقرة الأخيرة التي ناقش خلالها المشاركون كل ما عرض، وقدموا اقتراحات عينية للنهوض بحملات المقاطعة في الداخل، واستخدامها كوسيلة نضال سلمي وفق ما يسمح به القانون، واعتمدت اللجنة المنظمة للمؤتمر الاقتراحات وإستراتيجيات العمل التي قدمها المشاركون.

التعليقات