النهري... مشروع فني خاص ومسيرة عابرة للحدود

سعيد النهري، فنان من مدينة سخنين في الجليل، حقّق حالة إبداعية كمصمم للفنون الطباعية والكاريكاتير، متعمقًا في تقنياته الخاصّة وتجارب غنية، أهلته للمشاركة في عدد كبير من المعارض الجماعية والفردية في ميادين الفنون عمومًا.

النهري... مشروع فني خاص ومسيرة عابرة للحدود

رسام الكاريكاتير والخطاط الفلسطينيّ، سعيد النهري، بذل جهدًا استثنائيًا وأوغل في عبق وعمق التاريخ مستحدثًا أدوات وتقنيات حديثة، ليستعيد للخط العربي مكانته الثقافية الفنية والحضارية، وهذا في وضعية خاصة لعرب الداخل، حيث كانت اللغة العربيّة تتعرض للعبرنة والتشويه المنهجي، وذلك بعد أن أبدع في فن الكاريكاتير، الذي اضطر أن يعتزله بعد تلقيه تهديدات رسمية، خشي أن تقذفه الى المنافي القسرية كما يقول.

سعيد النهري، فنان من مدينة سخنين في الجليل، حقّق حالة إبداعية كمصمم للفنون الطباعية والكاريكاتير، متعمقًا في تقنياته الخاصّة وتجارب غنية، أهلته للمشاركة في عدد كبير من المعارض الجماعية والفردية في ميادين الفنون عمومًا، والخط العربي على وجه الخصوص داخل فلسطين  وخارجها في الدول العربية والأجنبيّة، حصل خلالها على مجموعة من الجوائز وشهادات التقدير.

حول ذلك حاوره عرب 48 في مدينته سخنين.

تهديد حكومي بطردي من البلاد

في حديثه لـ 'عرب48'، استعرض الفنان سعيد النهري أهم المحطات في مسيرته الفنية ورؤيته النقدية العامة والسياسية على وجه الخصوص، والتلويح بطرده من البلاد، إذ قال إنه 'من المعروف أن فن الكاريكاتير هي من بين أخطر أنواع الفنون سلاحًا، وعندما كنت بأوج نشاطي عقدت جلسة للحكومة الإسرائيلية في العام 1995، بعد أن قارنوني برسامين نازيين واعتبروني محرّضًا ضد أمن الدولة، داعين إلى تخاذ أشد العقوبات ضدّي، ومنهم بيني بيغن وشارون ورفائيل إيتان، كما نوقشت بعض الرسومات داخل الجلسة، بحيث تدخلت في حينه جمعية حقوق الإنسان وجهات أخرى، ما دفعهم للاكتفاء بتوبيخي بدلا من الطرد من البلاد، وكان الرقيب العسكري يعتمد قانون الطوارئ الانتدابي البائد منذ العام 1945، الذي يفعلونه متى شاءوا ضدنا كعرب، حتى في موضوع الفنون.

 وأضاف أن 'المؤسسة الصهيونية تعي، تمامًا، خطورة الكاريكاتير من خلال تجربتهم الطويلة في ألمانيا النازية ضد اليهود، وتشويه صورة اليهودي في العالم، علمًا أننا ننتهج أسلوبًا إنسانيًا في فنوننا ضد الاحتلال والاضطهاد والظلم'.

بيرس: أرسم للسلام ولا تحرض.

واستطرد النهري بالتذكير أن 'شمعون بيريس التقاني أواسط التسعينات في بيت الفنانين بالقدس في حينه، بعد أن استوقفته أعمالي من بين جميع أعمال الفنانين، طالبًا مقابلتي بشكل شخصي، وأذكر أنه ربّت على كتفي باللوم، وقال لي جميل أن ترسم، لكن أرسم للسلام وأن تشجع من أجل السلام، وأريد أن أذكرك أنت وجميع الرسامين أن الرصاصة يمكن أن تقتل شخص وينتهي أمره لمرة واحدة، ولكن ما ترسمه وتعمله يمكن أن يقتل شعبا كاملا، وهذا ما فعله النازيون من خلال الكاريكاتير باليهود، فأتمنى عليك أن تغير أسلوبك من أجل السلام، لأن الكاريكاتير هو من أخطر الأسلحة التي تستخدم بالإعلام'.

صحافتنا للأسف لم يعنها الكاريكاتير

وتطرق النهري لتعامل الصحافة العربية مع فن الكاريكاتير بأسى بالغٍ، وعبّر عن امتعاضه ونقده اللاذع للصحف، قائلًا إن 'الصحافة المحلية لم توظف هذا المجال كسلاح فعال إلا القليل جدًا منها، وكانت صحيفة فصل المقال محطة من محطات حياتي التي عملت بها، لكن الصحف التجارية تعاملت مع الأمر بمنطق تجاري ولم تمنحني مساحة جديّة في صفحاتها'. وقال 'أقتبس لك بعض الأمثلة التي حدثت معي، فأحد رؤساء تحرير  إحدى كبرى الصحف العربية في البلاد، عندما طلبت منه تخصيص زاوية للكاربكاتير في صحيفته، أجابني حرفيا إن ’إنشًا إعلانيًا دعائيًا أحسن من عربك كلها’، بعد كل هذه الحالة وهذه الثقافة وكذلك التهديد والتلويح بطردي ومعاقبتي وخشيتي على عائلتي، وجدت من الأفضل والأسلم الذهاب لموضوع الخط العربي بسبب الفراغ الذي يعانيه هذا المجال'.

قررت إحداث نقلة نوعية

وشدّد 'إنني بعد أن وجدت، أيضًا، أن موضوع الخط أهمل في المفاهيم والمؤسسات التعليمية بالمدارس الرسمية وغير الرسمية، وكذلك لأهميته الأساسية البالغة، كجزء لا يتجزأ من هويتنا وثقافتنا وشخصيتنا العربية في هذه البلاد على وجه الخصوص، من هنا انطلقت بمسعى حثيث لإحياء موضوع الخط من جديد، بين جيل الطفولة والشباب لاستعادة رونقه وحيويته، وأنا سعيد اليوم بعد أن أصبح هنالك الكثير من التوجهات لتنظيم ندوات ودورات ومحاضرات وأن الاقبال كبير ومفاجئ ويثلج الصدر فقد افتتحت في  قرية إكسال مدرسة لتعليم الخط تحتضن عددًا كبيرًا من الطلاب، وكنت أشعر بالحسرة أن الخط العربي منذ ألف سنة لم يتغير ويراوح مكانه، وبدافع الغيرة قررت أن أعمل على إحداث نقلة نوعية ليرقَ الخط العربي لمصاف الفنون العالمية' وأكمل 'إن الحل الأمثل في كسر الموازين والممازجة بين فن الرسم والخط لتسهيل، هو فهم مضمون اللوحة الخطية  من خلال الشكل وعبر هذا المزج'.

ولفت النهري أن هناك سبعة رسالات دكتوراه عن أعماله، ما يدلل على تقدم ونجاح هذا المشروع.

بالمثابرة والاصرار نخلق إبداعا

ولفت النهري أنه 'بعد هذه النقلة منحتني جمعية الخطاطين العراقيين عضوية شرف، كذلك جمعية الخطاطين المصريين، إن كل ذلك يكتسب أهمية أكثر في ظل وضعيتنا الخاصة وحصارنا الثقافي وغيرها، لكن بالمثابرة والإصرار نستطيع أن نبدع، وإيصال رسالتنا الفنية للعالم من خلال إثبات وجودنا على الخارطة.

وحول الأهمية التربوية وأثرها على الفرد قال إن 'الخط إجمالًا تابع لعوامل تربوية ونفسية، ومن خلال الخط يمكن تغيير مسار وسلوكيات لدى الأطفال، لأن الخط، أساسًا، يعكس شخصية الطفل والبيئة التربوية التي نشأ فيها، ومن خلال التجربة، فإن الكثير من الأطفال ارتفعت معنوياتهم التعليمية والاجتماعية بعد أن خاضوا تجربة الخط بشكل فني، ومن خلال دورات تحسين الخط، كما أنها تعزّز الثقة بالنفس وانعكاسها على مستوى التحصيل، كما أن العكس صحيح، أيضًا، فهناك علم معروف وهو 'الغرفالوجيا'، الذي يمكن أن يعرف المكونات الأساسية للشخصية من خلال قراءة الخط.

وأضاف 'عندما أقمنا دار الخط العربي في سخنين قبل أربع سنوات، كان الحلم هو إشهار وانتشار جمالية الحرف العربي، واليوم هناك إقبال واسع، حيث يرتاد المكان طلاب من كافة المناطق وأصبح، إلى جانب ذلك، معلمًا سياحيًا هامًا من معالم سخنين الثقافية، ولا يمكن لزائري المدينة إلا أن يزوروا المتحف ودار الخط.

كلمة ورسالة

واختتم النهري بالقول 'أتوجه من خلالكم برسالة لكل السلطات المحلية والمربين ومدراء المدارس ورؤساء أقسام المعارف في السلطات المحلية ومؤسسات التربية اللامنهجية، إن ما تبقى من حضارات الشعوب منذ عهد الفراعنة ليومنا هذا، هو المنحوتة واللوحة والشعر، ونعم انشغالكم بالأسفلت والشوارع مهم، لكن ما يبقى خالدًا في حضارات الشعوب، هو الفن والثقافة الإبداعية؛ آن الأوان ليكون ميدان الثقافة والفنون، بكل مكوناتهما، على رأس سلم أولوياتكم'.

 

التعليقات