العراقيب: حروف الحياة على أضرحة المقابر

قبيل هدم قرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف بالنقب، جنوب البلاد، للمرة الـ101 على التوالي، أول أمس الأربعاء، كان عزيز صياح الطوري، أحد السكان الصامدين، يردد بصوته الواثق "سنبقى هنا ولن نرحل"، رغم ما يعانيه من ظروفٍ معيشيّة قاسيّة،

العراقيب: حروف الحياة على أضرحة المقابر

حق أطفال العراقيب أن يعيشوا كغيرهم من الأطفال/ تصوير "عرب 48"

قبيل هدم قرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف بالنقب، جنوب البلاد، للمرة الـ101 على التوالي، أول أمس الأربعاء، كان عزيز صياح الطوري، أحد السكان الصامدين، يردد بصوته الواثق 'سنبقى هنا ولن نرحل'، رغم ما يعانيه من ظروفٍ معيشيّة قاسيّة وتضييقات جعلته وجميع أهالي القرية يقطنون في خيامٍ بقربِ مقبرة البلدة، التي ربّما باتت أضرحتها تفوق عددَ سكان القرية الصامدين هنا.

كيف تقوى الحياةُ هنا على خذلان هذه الخيام المتواضعة وبسمة الطفلة عراقيب، ابنة عزيز صيّاح الطوري، التي سُميّت تيمنا بعراقيب النقب الصامدة وتأكيدًا على بقائهم هنا، ومع هذا تلهو الطفلة عراقيب بفرح بين أضرحة الموتى وتراب المقبرة، التي لم تنجح بتخويفها وسلب ابتسامتها، وتحت ظل تلك الشجرة، بدلاً من بيتٍ آمن يقيها بؤس الفناء وشقاء حرارة الصيف وغبار الصحراء ولدغ الثعابين والعقارب.

حرّ الظلم

الطفلة عراقيب لا تزال تدرج أعوامها الأولى مع نقصان سبل الحياة الآمنة، تقول والدتها، صباح الطوري، لـ'عرب 48' إنّ 'معاناة أهالي العراقيب كبيرة وصعبة وليست فقط بالمأكل والمشرب، بل هي أساسًا مشكلة الدولة في ظلم مواطنيها، وهذا إجرام بحقنا، فقد تم هدم القرية 101 مرّة على التوالي، بدأت في 27 تموز/ يوليو من عام 2010، وظلّوا مستمرين في الهدم إلى 12 من أيلول/ سبتمبر عام 2014 بدأوا بهدم المقبرة'.

وتابعت الأمّ أن 'الوضع الحالي الذي نتواجد به الآن، ميؤوس منه، الشرطة من ناحية ووحدات يوآف من ناحية أخرى، والوحدات الخاصة (اليسام) كذلك، والشعب لا يقف معنا، وبهذا نشعر بالغبن وأنّ قضيتنا من كافة الاتجاهات صعبة'.

ومن جهة أخرى، أكد ربّ الأسرة ووالد عراقيب، المواطن عزيز صيّاح الطوري، وهو عضو اللجنة الشعبيّة للدفاع عن العراقيب، أنّ 'محاولات الترحيل والتهجير بحق العائلة وجميع سكان العراقيب، بدأت منذ قيام دولة إسرائيل فهي تسعى لتهجير كافة الفلسطينيين وسلب أراضيهم، وتطوير النقب فقط لليهود، فكان شمعون بيرس يرشّ محاصيل قرية العراقيب بالمواد السامة بالطائرات 5 مرات متتالية، منذ عام 1999 إلى عام 2003، ومن هنا أصبحنا على يقين أن فكر الحكومة تجاهنا هو فكر تدميري واستيلائي بشتى الوسائل'.

في عام 2010 قامت إسرائيل بهدم القرية كاملةً، دمّرت 65 منزلا ورحلت 65 عائلة، واقتلعت 4500 شجرة زيتون، وأكثر من 700 شجرة مثمرة من التين والعنب والرمان والخروب والجوافة، ثم تتالت جرائم الهدم ومحاولات التهجير، جرى هدم العراقيب خلالها 101 مرّة.

عائلة الطفلة عراقيب

وعن سير الحياة في العراقيب، قالت الوالدة صباح الطوري، التي لديها 6 أبناء، 3 بنات و 3 صبيان، 'إنّهم يستيقظون الساعة الخامسة صباحًا لأداء صلاة الفجر، ونحمل المياه للأطفال كي يستحموا بها، ونقوم بصنع الشاي، ونقضي كافة النهار من الفجر إلى المغرب بانتظار الشرطة ووحدة يوآف وبلدوزرات الهدم، وهذا خوف وشعور بعدم الأمان بحياتنا اليوميّة'.

وأضافت في حديثها، لـ'عرب 48' أن'الكهرباء غير متوفرة هنا، والماء مخزنة ببراميل، لا توجد بيوت آمنة للأطفال في هذا الحر، هناك حشرات وزواحف وأفاعٍ حولنا، فلا يوجد مكان آمن، وعشرات من الأفراد تتواجد داخل مسجد قديم كان يُصلّى به على الأموات، في عام 2014 هٌجّرنا من مكان سكننا الأصليّ والتجأنا إلى هذه المقبرة لنحتمي ونبقي أبناءنا بأمان، وها نحن نسكن قرب الأموات، لماذا لا يحق لأطفالنا أن يعيشوا في غرف؟ وأن يكون لديهم حواسيب؟ وأن توفر لهم أماكن للعب؟ أي ظروف حياة مريحة، أطفالنا عانوا الحياة المريرة منذ طفولتهم التي عانينا منها نحن'.

وفي هذا السياق، قال عزيز الطوري، لـ'عرب 48'، إنّه تخلّى عن عملهِ حين هدموا العراقيب أوّل مرة، وقد آثر أن يتخلّى عن عمله ومصدر رزقه وبقي هنا في أرضه، ونذر ما تبقى له من عمر من أجل هذا النضال، وأكد أن 'حياتنا لا يوجد بها أي أسلوب من أساليب الراحة، لا يوجد لدينا مراحيض وأسرّة وأجهزة تكنولوجيّة كالتلفاز والحاسوب، وها نحن نكتفي بالقليل ونعيش في خيام، غرفة واحدة تأوي عشرات الأشخاص يستعملون المطبخ والحمام، حبنا لهذه الأرض يدفعنا للتضحية ولسان حالنا يقول 'لن نتخلى عن العراقيب ما دمنا أحرارًا على قيد الحياة، ولن نرفع العلم الأبيض ما دمنا أحرارًا'.

خطوات السلطات

وأشأر الطوري إلى أنه 'في الأسبوع المنصرم، بدأت السلطات الإسرائيليّة تستخدم خطوات جديدة، عن طريق استعمال 'الكيرن كييمت- الصندوق القومي الصهيوني' للاستيلاء على أرضنا، فغزت وحدات الشرطة واليسام ويوآف والمخابرات العراقيب منذ يوم الأحد الفائت، وقاموا بعمليات تجريف كانت تبدأ منذ الساعة الثامنة صباحًا، وبهذا بدأنا يوم الإثنين الماضي نضالنا، وكان هناك مواجهات واعتقال قاصرين، وأصيبت قاصرة تبلغ من العمر 11 سنة تم نقلها إلى مستشفة 'سوروكا' للعلاج، ويوم الثلاثاء الماضي تم اعتقال شاب (35 عامًا)، وطفل، وشيخ يبلغ (65 عامًا)، وكذلك يوم الأربعاء استمرّت حملات الاعتقال.

أما يوم الخميس، فكان هناك خطة مدروسة لكسر نضالنا السلمي العنيد، وهي سجن رأس الهرم المتمثل بالشيخ صيّاح، أبي، وأبنائه معتقدين أنّه سيتسنى لهم الاستيلاء على الأرض، وفي الساعة الثامنة تم اعتقالي أنا وأبي وأخوتي، ليردّ الأهل ومناصروهم على هذا الاعتقال بشكل صارم وخاصة من قِبل النساء والأطفال الذين خرجوا للتصدي للجرافات بصدورهم العارية فاستطاعوا إخراجهم إلى نقطة تمركزهم، وقد تم اعتقال زوجتي وابني وأبناء أقاربي و 3 متضامنات يهوديات، ونحن الآن على استعداد لمواجهة أي اعتداء جديد'.


اقرأ/ ي أيضًا:

 السبت في العراقيب: مهرجان التحدي والصمود السادس

جرافات الداخلية تهدم العراقيب للمرة 101 على التوالي

التعليقات