من مخيّم الدهيشة إلى الناصرة: "دبكة" لكسر المعاناة

صعدوا إلى مسرحِ سينمانا في الناصرة ورقصوا الدبكة بحماسٍ شديد في عرضهم الفلكلوريّ "غُربة"، حتى كلّت يدا الجمهور تصفيقًا لهم. هم شبان وفتيات الدبكة من مؤسسة "إبداع" من مخيم الدهيشة

من مخيّم الدهيشة إلى الناصرة: "دبكة" لكسر المعاناة

لم يكُن صوت أقدامهم وهي ترتطم بقوّة بالأرض مصدرةً صوتًا عازمًا على إيصال الرسالة بشكلٍ عبثيّ، ففي تلك الليلةِ ذاتها لم ينم هؤلاء الصبية والفتيات بهدوء، بينما اجتاحت قوّات الاحتلال مخيّمهم، الدهيشة، قضاء بيت لحم، وقضّت مضاجعهم قبل أن تطأ أقدامهم مدينة الناصرة، بعد ساعةِ تفتيشٍ على الحاجز الاسرائيليّ.

ورغم إرهاق أجسادهم لساعاتٍ طويلة بسبب اجتياح المخيم ليلاً ومشقة السفر 4 ساعات نهارًا، لم يكُن يبدو على وجهِ أيٍّ منهم علامة يأسٍ واحدة. صعدوا إلى مسرحِ سينمانا في الناصرة ورقصوا الدبكة بحماسٍ شديد في عرضهم الفلكلوريّ 'غُربة'، حتى كلّت يدا الجمهور تصفيقًا لهم. هم شبان وفتيات الدبكة من مؤسسة 'إبداع' من مخيم الدهيشة.

لأوّلِ مرّة

العرض الذي قُدّم مساء أمس، الجمعة، بحضور العشرات من أهالي الناصرة المنطقة، يُثبت أنّ هؤلاء الصبية والفتيات الفلسطينيين مهما اشتدّ الظلم بهم، إلا أنّهم يريدون غدًا أفضل، فسواعدهم ممشوقة وعيونهم باسمة وثاقبة تتحدى القهر، فجسّدوا قضايا الشهداء والمقاومة والاعتقال والتهجير والأرض والمخيمات.

أحد أعضاء فرقة الدبكة، نديم العيسة، وهو من أبناء المخيّم، عبّر بعيونٍ مبتسمة أنّه لأولِ مرّةٍ يتواجد في مدينةِ الناصرة وهذا العرض بالنسبةِ له استثنائيّ، بكونهِ في بلادهِ الأصليّة، وقال 'هذه بلادنا الأصليّة التي لن نتخلى عنها وسنقاوم لأجلها، ونحن هنا اليوم لتقديم عرضين فنيين للدبكة، وأكثر من لوحة راقصة، وتتضمن قضايا فلسطينيّة لتعبر عن قضيتنا بشكل أكبر'.

ووصفت إحدى أعضاء الفرقة، أسيل جمال المعاوي شعورها في طريقها من الدهيشة إلى الناصرة: 'كانت فرحة من جوا القلب. لأول مرة أشاهد بلادي بالداخل، دائمًا كنت أشاهد بلاد غيري، وهاي المرة شاهدت بلادي، يعني لأول مرة نشاهد بلادنا'.

معاناة المخيّم

وعن الصعوبات التي تواجههم كفتية في مخيّم الدهيشة، أجاب العيسة، أنّه لا يوجد مكان ليلعب به الأطفال، ولا متّسع لممارسة الهوايات بسبب الاكتظاظ السكانيّ والمنازل المتلاصقة.

وبلجهجتهِ العاميّة قال: 'يعني حياة المخيم مش كثير حياة حلوة، بس الإشي الحلو بالمخيّم إنه الناس مع بعضها مترابطة أكثر من أي محل، وأحيانًا أكثر من اللازم'.

العيسة، الشاب الذي يبدو انّه أقل من 18 عامًا، أعرب عن أنّه يعبر عن قضيّته الفلسطينيّة عن طريق الدبكة التي تشخّص واقعهِ الفلسطينيّ عن طريق عروضه مع الفرقة.

ومن جهتها، قالت المعاوي، المهجرة من قرية عراق المنشية، ولاجئة في مخيّم الدهيشة، إنّ الدبكة هي حياتها و'فرقتي هي عائلتي الثانية التي أفرح وأحزن معها. نحن يد واحدة لنمثل قضيتنا الفلسطينيّة بشكل صحيح أمام العالم، كي نثبت للعالم أنّ هذه أرضنا، وإسرائيل هي التي جعلت منّا لاجئين نعيش في مخيمات اللجوء'.

وعن الصعوبات التي تواجهها في مخيم الدهيشة، قالت إنه لا يوجد هناك حرية للأطفال والشباب للتعبير، فلا يوجد هناك أماكن لتفريغ الطاقات بشكل صحيح، وبالرغم من وجود كثير من المؤسسات ولكن ليس كالمدن، فمعظم المؤسسات في المخيم وضعها بسيط وغير متطورة كفايةً. وأضافت 'هذا عدا عن أنّنا نعاني كل ليلة من دخول الاحتلال إلى المخيم واعتقاله شبّانا وأطفالا وطلابا وطالبات، فيتغيّبون عن مدارسهم فترات طويلة'.

وأردفت بتأثرٍ بادٍ على وجهها وملامحها 'كل بضعة أشهر يسقط شهيد من المخيّم، وأحيانًا نذهب إلى المدرسة فنجد رائحة الغاز مسيل للدموع في أروقة المدرسة مما يتسبب بحالات اغماء لبعض الطلاب في المدرسة بسبب آثاره، وذلك بسبب أنّ الجيش يقتحم المخيم ليلاً ويطلق الرصاص والغاز المسيل للدموع وتكون كذلك بعض المواجهات أحيانًا'.

من جهته يقول محمد الأخرس، أحد سكان المخيم والمهجر من قرية قطرة: 'قوّات الاحتلال تقتحم مخيّم الدهيشة بشكل يوميّ، ويطلقون أثناء الليل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، لاعتقال الشباب ومنهم أطفال، ومعظمهم بسنته المدرسيّة الأخيرة، أي التوجيهي، مما يسبب تدميرًا لمستقبل الشباب'، لافتا في هذا السياق إلى الاعتقالات الإدارية.

 عن المؤسسة والفرقة

وفي حديثٍ لعرب 48 مع المسؤول الفني لمؤسسة 'إبداع'، هشام عوّاد، أشار إلى انّ أعضاء فرقة الدبكة التابعة لمؤسسة 'إبداع- لتنمية قدرات الطفل' استطاعوا أن ينتجوا إبداعًا من رحم الظلم والقهر والمعاناة، وهذا يعود للمؤسسة التي خلقت حالة من التغيير داخل المخيم، فهناك من يقاوم بالسلاح، ونحن نقاوم بالفن والرسم والرقص والغناء لخلق حالة جديدة.

وعن أعمال فرقة الدبكة قال أنّها جابت 30 دولة في العالم، أبرزها الولايات المتحدة، وقد عرضوا في الأمم المتحدة بمهرجان الهنود الحمر، ومهرجانات أخرى في قطر والجزائر وفرنسا والنرويج، مستطردًا أنّ الجيل المتواجد اليوم في الناصرة هو الجيل السادس للفرقة، التي تأسست عام 1994.

وأضاف 'زيارتنا للناصرة تعني لنا الكثير حقيقةً، فهي تعني أنّ لا حواجز يمكن أن تقسم عاطفة الشعب الفلسطينيّ وحلمه ووحدته ومعاناته وهدفه بتحرير الأرض والإنسان'.

اقرأ/ي أيضًا | لفتا المهجّرة... ذاكرة طفل منكوبة بالنار والعصابات الصهيونيّة

يذكر أنّه تم تكريم مدير مؤسسة سينمانا، السيّد محمد بيطار، من قِبل المؤسسة وشكره على مجهودهِ بالتواصل مع الفرقة وتدبير المبيت لها، وستقوم الفرقة بجولة في الداخل الفلسطيني.

التعليقات