يوسف قطيش يروي لـ"عرب 48" نكبة كراد البقارة والغنامة

قال الحاج يوسف قطيش، لـ"عرب 48": "تركت عائلتي المكان، كنّا نحو 40 عائلة، حين انتقلنا إلى سورية ثم عدنا في أواخر العام 1949 من سورية، ولا يزال أقاربي وأبناء عمي وشقيقاتي في سورية...".

يوسف قطيش يروي لـ"عرب 48" نكبة كراد البقارة والغنامة

الحاج يوسف قطيش

بحسرةٍ بادية على محياه، وبابتسامةٍ باهتة فيها وجعٌ يحمله من الماضي البعيد، قبل عام الثمانية والأربعين، كان شابًا يقارب الخامسة والثلاثين عامًا يوم النكبة، واليوم يبلغ من العمر مائة عام وربما يزيد بعامين، حين خرج والعائلة من منطقة الخيط، وهي منطقة بعيدة عن الحولة، قريبة من الحدود السورية، ومجاورة لمدينة صفد.

الحاج يوسف علي قطيش رمضان (حجاج) يتذكر ماضيه ونكبة شعبه الفلسطيني التي أوجعته وأبكته بعد خسارة الأرض والمسكن. في أيام النكبة كان متزوجًا وله ابنتان، قبيل إبعاد أهالي الخيط- القريبة من الحولة وصفد والخالصة، و'روش بينا'، وكانت العائلة تعتاش على الزراعة وتربية المواشي.

في العام 1948 دخلت القوات العسكرية وطلبت من مخاتير منطقتي 'كراد البقارة والغنّامة' التنازل عن الأراضي، لكنّهم رفضوا رغم التهديدات، وخشوا أن يصيبهم ما أصاب سكان الحسينية، أن تقوم القوات بالاعتداء على السكان، إذ قتلت 14 شخصًا هناك، مع ذلك لم يوقع مختار الغنامة، حامد العثمان، ومختار البقارة، جبر البرازي، لكنّ الجيش عاد في ساعات متأخرة من الليل ليجبر الأهالي على ترك المكان، وخلال ساعات جرى زجهم في سيارات باتجاه قرية شعب، وأنزلوهم على البيادر.

قال الحاج يوسف قطيش، لـ'عرب 48': 'لقد تركت عائلتي المكان، كنّا نحو 40 عائلة، حين انتقلنا إلى سورية ثم عدنا في أواخر العام 1949 من سورية، ولا يزال أقاربي وأبناء عمي وشقيقاتي في سورية. عند بدء المعارك سيطرت القوات السورية على المنطقة، وجعلوها منطقة محرّمة، وكنّا على أمل أن نعود، وعندما بدأ السوريون بالهجوم ترك اليهود المكان، أما نحنُ فعدنا من سورية إلى مسقط رأسنا، والمنطقة التي كنّا نسكن فيها أصبحت محرّمة علينا'.

ماذا فعلتم لدى عودتكم من سورية؟

بعد عودتنا من سورية، وبعد أن تحولت المنطقة إلى بقعة محرّمة والتي تصل إلى طوبا، مستوطنة 'روش بينا' والخالصة، كل هذه المناطق كانت محرّمة، أما أرضنا التي كنّا نسكنها، فقد سيطر عليها الجيش السوري لبعض الوقت، قسمٌ منه حصلنا عليه وقسم حُرمنا منه.

قُبيل الترحيل إلى شعب، جاءت قوات الاحتلال وطلبت من مخاتير البقارة والغنامة التوقيع على تنازل عن الأراضي، لكن المخاتير رفضوا رغم التهديد الشديد لمختاريّ القريتين، هذا التهديد أدى إلى الخوف من وقوع مجزرة مثلما جرى في الحسينية، مختار الغنامة حامد العثمان رفض التهديد ولم يوقع، وكذلك مختار البقارة جبر البرازي'.

ولمن لا يعلم، أضاف الحاج قطيش، أن 'مساحة الغنامة والبقارة تبلغ حوالي 25 ألف دونم، لكن يوجد أوراق طابو بسبعة آلاف دونم، بقية الطابو في إسطنبول، و'دائرة أراضي إسرائيل' هي التي استثمرت هذه الأراضي ووزعتها بين مستوطنات الحولة مثل 'مشمار هيردين' و'آييلت هشاحر' و'جادوت' بالقرب من قرية كعوش المهجرة، الآثار المتبقية اليوم هي أربع مقابر في أبو الريش، ابن يعقوب، بنات يعقوب والدوير، ويقوم الأهالي بزيارة المنطقة في المناسبات من أجل تذكير الأجيال القادمة بأرض الآباء والأجداد'.

وسرد ما جرى 'وصلت سيارات الجيش في ساعة متأخرة، وأجبروا الأهالي على إخلاء بيوتهم، وخلال ساعات جرى تحميلنا في سيارات كثيرة ومضت إلى قرية شعب، أذكر التاريخ تمامًا، 31.3.1950، كنّا ما يقارب الألف نفر حين أنزلونا على البيادر، قرب مقر المجلس المحلي اليوم. وقد وعدونا بإعادتنا بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع إلى أراضينا، بادعاء أنهم يحافظون على أرواحنا خوفًا من التوتر على الحدود، انتظرنا طويلاً كي نعود إلى أرضنا، ومرّت الأسابيع ولم نعد حتى يومنا هذا'.

ما الفرق بين الماضي والحاضر؟

في الماضي كنّا نعيش بحريّة، كنتُ أعشق زيارة صفد وطبريا، حيثُ الخير والنِعمة، ونعمل أينما شئنا، نزور البلاد العربيّة متى نشاء، لكن كان من الصعب التنقل في جميع الأماكن، بسبب بُعد المسافات، مع ذلك كانت الحياة أجمل، صحيح أنّ المواطنين يحصلون في أيامنا هذه على بعض المساعدات في المعيشة، لكنّ الناس لا يشعرون بالأمان، إذ لا قسائم ولا أراضٍ يقيمون فوقها، ويستصعب المواطنون شراء قطعة أرض، في ظل الغلاء الفاحش.

حصلت أمامك اعتداءات على المواطنين؟

في شعب كنّا ممنوعين من الخروج، إلا بتصريح من القائد العسكري، مكثنا أربعة أشهر، فرقونا، نقلوا قسما إلى شفاعمرو، وقسما آخر إلى الشيخ داوود، وقسما آخر بقي في شعب، في تلك الفترة ذقنا إهانات صعبة، قالوا أنّ هيئة الأمم المتحدة ستأتي وتستفسر منكم من سيبقى في شعب ومن سينتقل إلى بلدات أخرى، وفعلاً وصلت هيئة الأمم، جمعونا، طالبنا بالعودة إلى منطقتي كراد البقارة والغنّامة، وقالوا إننا نحنُ من ترك أرضنا، لكنّهم يكذبون، فقد أخرجونا بالقوة، وبعد خروج هيئة الأمم، بدأنا نتعرض للإهانات والضرب، كانت الحالة صعبة جدًا، قسم بسيط من جماعتنا وقعت على وثيقة تنازل عن الأرض، ومن عاد إلى منطقة الخيط، كراد البقارة بقوا حتى العام 1956'.

اقرأ/ي أيضًا | ترشيحا: فتحية الهواري تحكي وجع التهجير والجراح النازفة

وتساءل الحاج يوسف قطيش: 'هل تعتقدين أنّ هناك احتلالٌ جيد؟ كما هو الحال اليوم، لا شيء من الاحتلال جيد، وسط القتل والتشريد والمضايقة، والأوجاع التي لا تنتهي، صحيح أنّ خروجنا من أرضنا لم يحدث خلال المقاومة، لكن أوضاعنا في الماضي كانت أفضل، كان يمتلك المواطن 100 دونم، أما اليوم بالكاد يحصل على 10 أمتار، إذ لا أماكن للسكن، وسط حياة صعبة وقاسية، خاصةً عندما انتقلنا إلى شعب، كنّا نود استعادة أرضنا من الدولة، لكنها رفضت، ولا زلنا نرفض حتى اليوم التخلي عن أراضينا في مسقط رأسنا، وفي شعب أعطونا 20 دونما و7 دونمات زيتون، ولاحقًا سيطروا على الأراضي، وحين كنّا نعمل في أراضٍ تابعة لأملاك الغائبين، لاحقونا وسلبوا الأرض وأخرجونا من السهل، ثم تنصلوا من وعودهم السابقة'.

التعليقات