تعنيف النساء: معالجة النتيجة دون الخوض بـالأسباب

رصد موقع "عرب 48"، طوال الوقت ما تتعرّض له النساء من العنف، كما يتم متابعة المبادرات والفعاليات التي تُقام مِن أجل تغيير هذا الواقع، وفي حديث مع عدد من الناشطات المسؤولات والمختصات في مجال العمل الاجتماعي والأُسري والنسوي حول ظاهرة العنف.

تعنيف النساء: معالجة النتيجة دون الخوض بـالأسباب

أسبوع ونودع العام 2016، سنة ليست سهلة تمامًا، ولعلّ أهم قضية نعيشها ونعاني منها هي ظاهرة العنف والقتل واستهداف النساء لا لشيء وإنما فقط لكونهن نساء، في الوقت الذي تكافح فيه المرأة لتقدّمها ومتابعة تعليمها، وتعمل وتُشارك في الكثير من النشاطات الاجتماعية المحلية والقُطرية، لكن أين الرجال من كل هذا المشهد؟

شهد عام 2016، الذي لا نزال نعيش آخر أيامه، أحداثًا دامية، قُتلت فيها نحو 12 امرأة عربية، أصغرهن قتلت في عامها الـ16، وسبقتها جريمة قتلت على إثرها امرأة في العشرينيات من العمر على يد زوجها، الذي دفنها وأخفى معالم جثتها. ومن جهة أخرى، يلوم كثيرون من أبناء وبنات مجتمعنا الجهات المسؤولة التي لا تعمل بما فيه الكفاية، وبينهن النشاطات النسوية أو المجتمعية التي لم ترقَ حتى اليوم لما هو مطلوب، لوقف شلال الدماء النازف، وإذا كنّا نتحدث عن التقصير من قِبل التنظيمات النسوية، فإنّ من الواجب التساؤل وبشكلٍ جدِّي، أينَ هم الرجال في هذه المواقف؟! ففي حين تُشارك النساء بنسبة غير عالية، إلاّ أننا نفتقد الرجال في المشاركة وفي رفع الشعارات وفي المواجهة، وفي أداء دورهم العائلي بشكلٍ جدّي ومهني، وخاصةً المختصون والباحثون على اختلاف مجالاتهم.

هذا هو الواقع للأسف، بينما الشرطة والمؤسسة لا تقوم بدورها ولا تحاسب المجرمين ومنشغلة عن قضايا العنف والجريمة في المجتمع العربي بالملاحقات السياسية التي تنهي فصلًا فيها لتبدأ آخر، بينما في قتل النساء، ليس هناك مبالاة، إحدى العاملات الاجتماعيات، أكدّت أنّ الشرطة تُماطل عندما توجه لها دعوة أمام حالة تعنيف أو قتل أمام أعين المسؤولين، ويكتفي الشرطي بالحضور لخمس دقائق كإثبات حضور لا أكثر، في المقابل تتعاطى مع الاحتياجات الإنسانية والأخلاقية، وكأنّهم بلا مشاعر وليسوا مِن البشر، وخيرُ مثال على ذلك حالات هدم البيوت التي تجري أمام عيون الأطفال، بينما لا ترِف لمنفذ الهدم أيُ عينٍ.

وتقف المؤسسة مكتوفة الأيدي ومكبلة بحواجزها أمام النساء اللواتي يُقتلن ويُعنفن، ليبقى الرد الدائم. لا حل! وليس هناك مَن يتحمل مسؤولية الجريمة، والنتيجة المزيد من الضحايا.

رصد موقع 'عرب 48'، طوال الوقت ما تتعرّض له النساء من العنف، كما يتم متابعة المبادرات والفعاليات التي تُقام مِن أجل تغيير هذا الواقع، وفي حديث مع عدد من الناشطات المسؤولات والمختصات في مجال العمل الاجتماعي والأُسري والنسوي حول ظاهرة العنف المستشري في مجتمعنا، خاصةً ما تتعرّضن له النساء من عنف واعتداءات وقتل.

التعاطي مع جذور المشكلة

أمام هذا الواقع الصعب، كما وصفته المتحدثات، فإنّ وجعًا ومُصابًا أليمًا يخترق المجتمع العربي ولا أحد ينجح حتى الساعة بفهم المعادلة ومحاربة هذه الظاهرة، العنف، حدّ القتل.

رفاه عنبتاوي

وفي هذا السياق، ترى العاملة الاجتماعية ومديرة تنظيم نسوي 'كيان'، رفاه عنبتاوي، أنّ 'الأمر يتعلّق بطريقة العمل، ما يكشف أنّ الهيئات والفئات التي من المفترض أن تعمل بشكلٍ أوسع وبتعاون مُشترك، لا تقوم بالمطلوب، وهذا يُفسر سبب تفاقم مشكلة العنف التي لم ينجح مجتمعنا بإيجاد حل جذري لها'.

وتقول رفاه إنّ 'الحل يتم من خلال التعاطي مع جذور المشكلة، وليس ما يجري، أي معالجة النتيجة (العنف)، دون الخوض في الأسباب، بمعنى أنّ هناك ضرورة للتطرق للقضايا التي نعاني منها التي تأخذنا للعنف وهي مرتبطة بالمجتمع الأبوي المتسلط، الذي يتعامل بشكلٍ دوني وعنيف مع النساء، ليس شرطًا أن يضربها كي تصبح معنّفة، فكل مسؤوليات التربية قد تقع على عاتقها، وتُحرم من حرية التعبير، وحريّة الجسد'.

يرى تنظيم 'كيان' أن 'التعامل مع النساء العاديات في الحقل هو الحل الأمثل، وليس حتمًا أن يكنّ مثقفات، أو أكاديميات أو مسيّسات'، وأشارت عنبتاوي في ختام تعقيبها إلى أنّ 'مجتمعنا يزداد ميله للعنف والتعصب الديني والطائفي والعائلي والحمائلي، وأنّ مجتمعنا ليس لديه بوصلة ولا يتعامل مع المشاكل بشكلٍ محسوب ومدروس'.

مجرد شعارات!

تغريد جهشان

في حين تقول المحامية تغريد جهشان من يافا، إنّ 'ما يجري من احتجاجات، هي شعارات، وإنّ جميع الطرق التي تمّ اتباعها تنتهي بالكلام فقط، وأقصد معظم الجمعيات النسوية التي لم تؤثر حتى الآن رغم الجهود المبذولة، ولم نشعر بالتأثير الحقيقي بعد، وأعتقد أنه آن الأوان أن نغيّر إستراتيجياتنا ونفكّر ببناء خطط لمنع هذه الظواهر ومعالجتها واجتثاثها من أصولها، ويجب أن يكون العلاج مختلف'. وتؤكد أنّ 'العنف لا يقصد المرأة لوحدها، بل يقصد كافة أفراد المجتمع'.

واتهمت جهشان المجتمع العربي بأنه 'مريض ويحتاج إلى علاج، قبل أن نأكل بعضنا البعض'، كما دعت الجمعيات والمسؤولين في المجتمع العربي في كافة مواقعهم أن 'يفكروا ويخططوا لبرنامج مؤثر يغيِّر واقعنا للأفضل، يكفينا تباكي وندب. يجب أن نحاسب السلطة والجهاز القضائي على تقصيره من خلال الصفقات التي تُبرم مع جهاز القضاء'.

مجتمع ذكوري: ماذا عن شرف الرجل؟!

 فتحية خطيب (أم مبارك)

الناشطة النسوية فتحية خطيب (أم مبارك)، من كفركنا، ترفض أن يكون 'ما يُسمى شرف العائلة' مرتبط بالمرأة، وتقول في هذا، 'مَن قال إنّ الرجل ليس له أي علاقة بالشرف'، وهي ترى أنّ  المجتمع الفلسطيني في الداخل يُعطي للذكورية إمكانية السيطرة وتعنيف المرأة.

وترى خطيب أنّ للعنف عدة أسباب بينها: الضغوط الاقتصادية والنفسية، وهو السبب في إدخال الإنسان لحالة ارتباك، ما يؤدي بالأخ إلى قتل أخيه، أو يقوم الزوج بقتل شريكة حياته، وتشير أيضًا إلى أنّ مَن يقتل يتحول في الحال إلى فاقد للعقل، إذ لا يمكن للإنسان أن يقتل أقرب الناس له.

التربية هي الأساس

وعقّبت العاملة الاجتماعية إيناس زعبي مفرح، خلال حديث لها مع 'عرب 48'، وعبّرت عن وجعها بسبب ما يجري في مجتمعنا، وكتبت مشاعرها وأوجاعها، وهي مديرة لإحدى الملاجئ التي تأوي النساء، وترى العنف الذي يُسطَّر يوميًا على جسد النساء، ما يدفع بالفتيات أو النساء للتفكير بالانتحار أو الموت.

إيناس زعبي مفرح

وتقول زعبي بحُرقة 'لو ندرك أنّ كل رجل قاتل كان يومًا طفلاً محبطًا بالأساس، مهزوم المشاعر، حزين وبائس، فاقدًا للحب وللشعور بالأمان، لو أننا عالجناه، لما وصلنا لِما نحن عليه اليوم!'.

وتتابع زعبي 'لو ندرك أنّ كل رجلٍ قاتل كان يومًا ما، طفلًا تربى على مبدأ ومعنى أن يكون شريفًا ورافع الرأس، مقرون بعدم تحرّك مشاعر وعواطف شقيقته تجاه أيٍ كان! نعم هناك من تُقتلن لأنهن أحببن أو اخترن شريكًا غير مقبول، لو كان من يساعدهن بالإدراك أنّ الحب هو طبيعة بشرية لما وصلنا لما نحن عليه اليوم'.

'لو ندرك أنّ الرجل القاتل كان يومًا ما، طفلاً يلعب مع اخته، فيضربها لأنها الأضعف، ولو كان هناك من يحد من تصرفاته لما وصلنا لِما نحنُ عليه الآن، التربية هي الأساس! الوالدين، الأهل والبيئة هم الأساس في ما يجري!'، هكذا أنهت زعبي حديثها.

فقر عاطفي ومادي وسياسي

 د. راوية بربارة

ترى الكاتبة والباحثة د. راوية بربارة، أنّ العنف يستشري بشكلٍ غير مسبوق وغير طبيعي في مجتمعنا. وتساءلت، 'لا أدري ما الذي يركض بنا نحو الهاوية، أظنّ أنّ العوامل عديدة أهمها: الفقر الذي نحياه، ليس الفقر الماديّ فحسب إنما الفقر الاجتماعي في العلاقات المتزعزعة بين الناس، بدءً من العائلة الصغيرة وتكبر الدوائر لتصل البلد والقرية والمجتمع، وهناك فقرٌ عاطفي بتنا نحياه في زمن العواطف الإنترنتيّة المزيّفة، إنه أيضًا الفقر التربويّ الذي نشاهده يوميًا بسبب انشغال العائلة، وانزواء مجتمعنا نحو الفرديّة والانفراديّة، بسبب مشاهد العنف اليومية في العالم من حروب وقتل وعنصرية وهذا هو فقرنا السياسي، كلّ ما ذكرته ينعكس على الفرد المضطهَد الرازح تحت هذا الثِقل والذي يحاول أن يتحرّر من همه بنفثه على الآخرين، فيتهم غيره بالزنى ليبرّر ضعفه وأنانيّته وجهله، وكأن الزنى حصر على النساء، وكأن شرف العائلة يتعلّق بالمرأة فقطّ ألا يتعلّق شرف العائلة بالقتل، والجريمة والسرقة والاغتصاب والضرب والتجريح وقتل الروح قبل النفس؟'.

ولخصت د. بربارة كيف يمكننا التغلّب على العنف، فتقول: 'إذا عالجنا أسبابه، والوقاية خير من ألف علاج، فأعتقد أنّها مسؤوليّة كل إنسان واعٍ وغيور على مستقبل أولادنا'.


 

التعليقات