ازدواجية المعايير

وسائل الإعلام الاسرائيلية تجندت في الحملة الدموية ضد النائب غطاس والتجمع والعرب عمومًا، وكادت تقنع حتى من هم من جلدتنا بأنه ارتكب جرما بل جريمة غير مغفورة، في حين كانت تحاول نفس تلك الأبواق تحويل الجريمة البائنة، قتل الجريح الفلسطيني

ازدواجية المعايير

المشهد الأول: عند حوالي الساعة 8:40 من صبيحة يوم الخميس الموافق 24.3.2016، التقطت عدسة كاميرا مصور منظمة 'بتسيلم'، قيام الجندي إليئور أزاريا  بإطلاق النار على الشاب الفلسطيني عبد الفتاح الشريف (20 عاما)، وأرداه قتيلا وهو جريح وملقى على الأرض، وذلك بعد ما يقارب 20 دقيقة من إطلاق النار عليه من قبل جندي آخر.

الجندي القاتل أطلق النار على رأس الشاب الجريح من مسافة تقدر بثلاثة أمتار، وسط صيحات مستوطنين حضروا إلى المكان يقولون إن 'المخرب ما زال حيًا'، وبعدما كان ذلك الجندي يتحدث إلى ضابط يبدو أعلى منه رتبة، وفقًا لما كان يظهر من رموز على بدلته العسكرية.

إطلاق النار وقع على حاجز في مدينة الخليل بعد أن حضرت أربع سيارات إسعاف، وقام المسعفون بتقديم المساعدة الطبية لجندي مصاب، ولم يتم تقديم أية مساعدة للجريحين الفلسطينيين (القصراوي والشريف) اللذين كانا ينزفان بشدة، وبعدما تم تحميل الجندي المصاب في إحدى سيارات الإسعاف الإسرائيلية التابعة لـ'نجمة داود الحمراء'.

***

المشهد الثاني: يوم الأحد الموافق 19.12.2016 وثقت كاميرات سجن كتسيعوت زيارة النائب باسل غطاس لأسيرين فلسطينيين أحدهما وليد دقة، الذي يمضي في السجن منذ أكثر من 31 عاما وهو محروم من الإفراج وفق إفراجات اتفاقيات أوسلو ووفق صفقات التبادل، ومحروم من العفو وتخفيف العقوبة وكذلك من أبسط الشروط الإنسانية مثل التمتع بمكالمة هاتفية يومية مع أهله.

 كاميرات المراقبة التي كانت تتعقب النائب غطاس أظهرت أنه أخرج رزما من جيب معطفه الشتوي وأعطاها لأحد الأسرى الذي قام بدوره بدسها في سرواله.

وتدعي الشرطة أنه بعد أن أجرت مصلحة السجون تفتيشا على جسد الأسير المذكور، عثر على الرزم وبداخلها هواتف خليوية وبطاقات لهواتف خليوية.

الشرطة الإسرائيلية التي تربصت بالنائب غطاس مسبقا ونصبت له كمينا، بلسان الوزير المسؤول عنها، حاولت اعتقاله فور خروجه من السجن، إلا أن الأخير أصر على احترام حصانته البرلمانية، فاستدعته للتحقيق في اليوم التالي واعتقلته لخمسة أيام بعد نزع حصانته، وطالبت لاحقا باعتقاله لمدة 45 يوما، إلا أن المحكمة منحتها عشرة أيام جرى تحويلها إلى اعتقال منزلي.

النائب غطاس كان أول عضو كنيست يجري اعتقاله خلال إشغال منصبه، رغم أن الحديث يدور عن حالات كثيرة تشمل رئيس حكومة ورئيس دولة أدينوا بالاغتصاب والسرقة وسجنوا لسنوات ولم يجر اعتقالهم.

***

في الحالة الأولى، قامت إسرائيل ولم تقعد، وجرى إبعاد وزير الأمن، موشيه يعالون، الذي انتقد جريمة الجندي المذكور، وجرى تعيين الشخص الذي دافع عن فعلته وشرفه بحضور محاكمته، أفيغدور ليبرمان، مكان يعالون. وكالعادة، لم يتخلف نتنياهو الذي ينافس على البقاء في مقدمة الراقصين على الدم العربي والفلسطيني، فسارع إلى الاتصال بعائلة الجندي القاتل الذي سرعان ما جرى احتضانه وتحول إلى 'ابن الجميع'، وهو فعلا كذلك لأن مجتمعا استيطانيا عنصريا لا يليق به إلا هكذا أبناء.

وبعد أشهر والعديد من الجلسات الاستعراضية، أدانت المحكمة العسكرية بالإجماع الجندي المذكور بالقتل غير العمد وسط استياء القيادة السياسية من يمينها إلى شيلي يحيموفيتش، الزعيمة السابقة لحزب العمل، التي انضمت إلى المطالبين بمنح العفو للقاتل، في حين يقتصر الجدل في أوساط القيادة السياسية الإسرائيلية حول الطريقة التي سيتم فيها تمرير العفو عن الجندي القاتل، وإذا كان من خلال التوجه إلى قائد المنطقة العسكرية لتخفيف العقوبة وإطلاق سراحه، أو من خلال صلاحية العفو الممنوحة لرئيس الدولة والتي ستؤدي إلى النتيجة ذاتها، العفو، أي إطلاق سراح المجرم الذي قتل برصاصه الجبان جريحا فلسطينيا لا حول ولا قوة له وهو ملقى على الأرض.

***

في الحالة الثانية أيضًا، قامت إسرائيل ولم تقعد وجرى استنفار جميع الأذرع القانونية والأمنية و'الشاباكية'، حيث تم نزع الحصانة والتحقيق والاعتقال خلال يوم واحد، وأبدى المستشار القضائي المتلكئ عادة (خصوصًا عندما يتعلق الأمر بنتنياهو) نشاطا منقطع النظير، ولم تقصر النيابة العامة وكذلك رئيس ولجان الكنيست المعنية، حيث قام الجميع بواجبه مثلما يجب عندما يتعلق الموضوع بالعرب.

طبعًا، رافق ذلك حملة تحريض لم يتخلف رئيس الحكومة بصفته القائد الأعلى عن قيادتها، حيث سارع إلى التعليق قائلا إنه إذا ما اتضح أن الشبهات الموجهة إلى النائب غطاس صحيحة، فإن الحديث عن مس بأمن الدولة ومواطني إسرائيل، ومن يمس بأمن إسرائيل سيعاقب بقساوة، ومن المحظور أن يكون نائبا في الكنيست.

وسائل الإعلام الإسرائيلية تجندت في الحملة الدموية ضد النائب غطاس والتجمع والعرب عمومًا، وكادت تقنع حتى من هم من جلدتنا بأنه ارتكب جرما بل جريمة غير مغفورة، في حين كانت تحاول نفس تلك الأبواق تحويل الجريمة البائنة، قتل الجريح الفلسطيني الملقى على الأرض، إلى مجرد جنحة أو إلى عمل بطولي، فعن أي إعلام وأي اخلاق وأي عدالة يتحدثون؟

التعليقات