المختار في العهدين العثماني والبريطاني

على سبيل المثال كانت قرية عرعره، حسب الوثائق الموجودة لدينا، تابعة لناحية قيسارية، في قضاء حيفا، من لواء عكا، من ولاية بيروت وفيها مختار واحد،

 المختار في العهدين العثماني والبريطاني

يشير بعض الباحثين إلى أن الأتراك العثمانيين كانوا أول من أطلق لقب مختار على زعيم القرية المنتخب، وهذا القول غير صحيح إذ ذكر محمد بن يوسف الكندي (ت: 355ﻫ) في كتاب الولاة وكتاب القضاة أن الوالي يزيد بن عبد الله التركي عزل في عام 242ﻫ/ 856م رؤساء الكور(النواحي) بمصر، وأمر بالمختارين فجعلوا في الكور، وهو أول من جعلهم فيها1. حسب كل الدلائل هؤلاء أختارهم السكان وكانوا شبه مجلس محلي يُمثلهم أمام الإدارة المركزية في مدينة الفسطاط 2.

في 7 جمادى الآخرة 1281ﻫ/8 نوفمبر 1864م أصدرت الدولة العثمانية نظام إدارة الولايات العمومية الذي بموجبه قُسّمت الدولة إلى ولايات، وكل ولاية إلى ألوية (سناجق)، والألوية إلى قضاوات، والقضاوات إلى نواحٍ، والنواحي إلى قرى. في كل قرية كان مختار أو أكثر تابعًا لمدير الناحية.3 فعلى سبيل المثال كانت قرية عرعره، حسب الوثائق الموجودة لدينا، تابعة لناحية قيسارية، في قضاء حيفا، من لواء عكا، من ولاية بيروت وفيها مختار واحد، بينما كان في قرية كفر قرع المجاورة مختاران.4

نص قانون إدارة الولايات المذكور أعلاه على أن يكون في كل قرية مختار يساعده مجلس الاختيارية. وهؤلاء ينتخبهم السكان لمدة سنة واحدة بطريقة الاقتراع الحر، ويحق أن يكون في القرية مختاران لكل صنف من الأهالي ينتخبوهما هم ذواتهم توفيقًا.. لكن إذا كان أحد أصناف الأهالي أقل من عشرين بيتًا في قرية واحدة فيكون لذلك الصنف مختار واحد فقط.5 أما عدد أعضاء مجلس الاختيارية فيتراوح بين 3-12 عضوًا وفقًا لعدد السكان وأصنافهم.6

في الأول من نيسان 1868م أُنشئ مجلس شورى الدولة وذلك في إطار خطة عثمانية للإصلاح الإداري والتحديث. كان هذا المجلس يعنى برقابة الأعمال الإدارية للسلطات أي محكمة إدارية عليا. إليه توجهت عائلة من يعبد عام 1907 بطلب تعيين مختار خاص بها، وبعد النظر في المضبطة الموقعة من أبناء هذه العائلة أصدر المجلس المذكور كتاب التعيين باسم زعيمهم.

من يحق له المشاركة في انتخاب المختار ومجلس الاختيارية؟

نصت المادة 63 من (الأصول الانتخابية التي تجري في القرى) على أن كل صنف من أهالي كل قرية يزيد سنهم على الثماني عشرة وكانت لهم علاقة في القرية ومن تبعة الدولة العلية (العثمانية) ويعطون ويركو(يدفعون ضريبة أملاك) سنويًا إلى الدولة رأسًا لا أقل من 50 قرشًا يجتمعون في القرية مرّة كل سنة وينتخبون مختاري أصنافهم وأعضاء مجالس اختياريتهم.7

من يحق له الترشح لوظيفة المختار؟

نصت المادة 64 من (الأصول الانتخابية التي تجري في القرى) على ما يلي: المختارون وأعضاء مجالس الاختيارية يكونون كذلك من أصحاب العلاقة وتبعة الدولة العلية ومن الأشخاص الذين ليسوا أقل من سن الثلاثين ويعطون لا أقل من 100 قرش ويركو إلى الدولة رأسًا. 8

كيفية إجراء انتخاب المخاتير ومجالس الاختيارية:

- المختارون وأعضاء مجالس الاختيارية ينتخبون بالاقتراع الحر لأجل سنة؛

- صورة انتخاب المختارين وأعضاء مجالس الاختيارية الذين ينتخبون كل سنة في القرية تتبين وتبلغ إلى قائمقام القضاء بورقة أختام الأعضاء الذين انتخبوهم أو بإشاراتهم. وبعد ذلك يرسل القائمقام كتاب التعيين؛

- مختارو القرية وأعضاء مجالس الاختيارية ولئن كانوا ينتخبون لسنة واحدة يجوز انتخابهم تكرارًا على الدوام؛

 - يعزل المختارون إذا ظهرت منهم قباحة لدى الحكومة. يمكن عزلهم أيضًا إذا طُلِبَ ذلك من طرف مجالس الاختيارية؛

- إذا توفي المختار وانحلّ محله، وكذلك إذا توفي أشخاص من أعضاء مجالس الاختيارية تجتمع أصحاب الصلاحية للانتخاب بالنظر إلى القرية اجتماعًا فوق العادة وينتخبون آخرين عوضًا عنهم حسب الأصول.9

وظائف المختار في العهد العثماني وصلاحياته:

نص قانون (إدارة أمور القرى) على أن:

- مختاري كل صنف في كل قرية يكونون واسطة إجرائية للحكومة في إشغال تحصيل الأموال وسائر الخصوصات وتعود إليهم أيضًا الأمور البلدية العائدة لكل صنف من جهة كل قرية، وبذلك تم القضاء على منصب 'شيخ البلد'؛

- تعطى للمختارين تعليمات بما يتعلق في المواد التي يكونون واسطة لاجرائها بالنظر إلى الحكومة وإلى الأمور الداخلية العائدة إلى القرية وتكون الأهالي التي توجد من أصناف المختارين متكفلة ومتضمنة بمعاملاتهم المتعلقة في الأمور المالية.

ونص قانون (وظائف المختارين) على أن:

- وظيفة المختارين هي إعلان ما يتبلغ إليهم من طرف مدير الناحية من القوانين والنظامات وأوامر الحكومة إلى القرى التي هم منسوبون إليها؛

- وجمع أموال الدولة المطروحة على سكان القرى وتحصيلها بموجب قرارات مجالس الاختيارية وتذاكر التوزيع التي يرسلها مدير الناحية؛

- وتبليغ تذاكر الإحضار التي ترسل بمعرفة الحكومة لأجل جلب بعض الأشخاص وإحضارهم وإفادة كل من يوصلها عن اليوم الذي يتوجهون فيه إلى الحكومة وربط الأشخاص الذين تأمر بهم الحكومة بكفلاء؛

- وتبليغ الحجز وإعطاء علومة خبر بحسب الأصول للذين يأخذون تذاكر مرور؛

- وإخبار مدير الناحية عما يقع في القرية والمزارع من المواليد والوفيات بإوقاته المعينة  وإعطاء معلوميات له عن الذين يتوفون ولهم ورثة صغار أو غائبون؛

- وإعلامه بالسرعة عن قضايا الجرح والقتل والمعاونة بقدر الممكن في تسليم الخارجين والقتلة إلى الحكومة؛

- وإعطاء معلومات إلى مدير الناحية عن الأراضي المحلولة والمكتومة والمستملكات التي لم تجر معاملاتها الانتقالية والإنشاءات المغائرة للنظام؛

- والنظارة (مراقبة) على الناس الذين ينتخبون من طرف مجالس الاختيارية ليكونوا في ضابطة القرية كالنواطير وغيرهم وإجراء باقي الأمور والمصالح التي تحال إليهم. 10

وظائف مجالس الاختيارية:

نص قانون (إدارة أمور القرى) على أن:

- يكون في كل قرية مجلس اختيارية عبارة عن 12 شخصًا على الكثير وثلاثة أشخاص على القليل لكل صنف من الأهالي، وصورة انتخاب هؤلاء الأعضاء تجري توفيقًا على القاعدة المعينة في المادة الخامسة، ويكون أئمة أهالي الإسلام والرؤساء الروحانيين للأهالي غير المسلمة في كل قرية من الأعضاء الطبيعية بمجلس الاختيارية لذات أصنافهم؛

- يقوم مجلس الاختيارية بمساعدة المختار بتوزيع ضريبة الممتلكات المسماة بالويركو على الأهالي، وهي مأمورة بذلك وفق القانون؛

- يقوم مجلس الاختيارية بالمحافظة على طهارة ونظافة القرية وتسهيل زراعة أراضيها؛

- يقوم مجلس الاختيارية بانتخاب الأشخاص الذين يوجدون في ضابطة القرية كالناطور وغيره؛

- يقوم مجلس الاختيارية برؤية الدعاوى والمنازعات الجزئية التي تتسوى صلحًا في الدرجة التي عينها القانون وبتسويتها بوجه المصالحة؛

- يعطى مجلس الاختيارية خبرًا إلى قائمقام القضاء بواسطة مدير الناحية عندما تظهر قباحة أو سوء حركة من المختارين؛

- إذا توفي عضو من مجلس الاختيارية يقوم الأهالي بانتخاب آخر ليحل محله؛

- يقبل مجلس الاختيارية التبرعات الموصى بها لوجوه البر في القرية ويستعملها على صور إجراءاته؛

- يحافظ مجلس الاختيارية على أموال الأيتام وأموال وأملاك الذين يتوفون ولهم ورثة غائبون؛

- يعلم مجلس الاختيارية مدير الناحية بواسطة المختارين عن الأراضي الخالية التي تكون قابلة للزراعة ومستعدة إليها؛

- ينظر مجلس الاختيارية على تعمير الآثار الخيرية الموجودة في القرية، وعلى إدارة المكاتب(يقصد الكتاتيب) وأن يفرق النفوس التي تصيب حصة القرية من العملة المكلفين (المقصود العمل بالسخرة لمدة ثمانية أيام في شق الطرق أو دفع فدية مالية)؛

- يجري مجلس الاختيارية التحقيقات الأولية في القرية على أفعال وحركات المجرمين الذي يقتضي تسليمهم إلى الحكومة.11

ما ذكر أعلاه يبرهن على أن حق الانتخاب كان مكفولاً لكل مواطن من مواطني الدولة العثمانية إذا ما بلغ سن الثامنة عشرة ودفع ضريبة ويركو محددة، أما حق الترشيح فكان مكفولاً أيضًا لكل مواطن بلغ سن الثلاثين فما فوق ودفع ضريبة ويركو عالية، وقد وضع شرط دفع الويركو ليدل على أن الناخب، أو المرشح، يعيش في القرية وله فيها أملاك وبيت، وكما أن أعضاء مجالس الاختيارية منحوا صلاحيات واسعة بحيث كان على المختار الأخذ برأيهم.

حدد نظام إدارة الولايات العمومية للدولة العثمانية مهام المختار المتمثلة في تصريف شؤون القرية، وتنظيم الوثائق الخاصة بالأحوال المدنية كتسجيل وقائع الولادات والوفيات، وعقود الزواج والطلاق وحجج الميراث، ومكان الإقامة، وحسن السلوك وغيرها من معاملات الأحوال الشخصية، قبل أن تُنّظم في سجلات الأحوال المدنية، وتصبح وثائق رسمية.

وكذلك على المختار التعاون مع موظفي الحكومة فيما يخص شؤون القرية، ومنهم محصل الضرائب وعدّاد المواشي، والمُخمِّن الذي يُقَدِّر إنتاج المحاصيل، ويفرض عليها الضرائب. وكان المختار يُعطى حصّة من الضرائب التي تجبيها الدولة من قريته لمساعدته في تغطية مصاريف الضيافة لموظفي ومسؤولي الحكومة.

وبما أنه كان يحتفظ بسجلات المواليد كان هو المسؤول عن إخبار الأخذ عسكر بمن وصلوا إلى سن الجندية.

كان المختار في العهد العثماني حلقة الوصل بين سكان القرية والجهات الرسمية، ولوظيفته مكانة اجتماعية عالية ولا عجب أن كان من أبرز وجهاء القرية. 

المختار في العهد البريطاني:

في عام 1922 ألغت حكومة الانتداب نظام الضرائب الجماعي ليحل محله نظام الضريبة الفردية ، أي أن على كل فلاح أن يدفع ضريبته بنفسه حسب دخله وأملاكه، وبذلك تقلص عمل مجالس الاختيارية والمختار.

في عام 1934 صدر قانون تنظيم البلديات في المدن، وتم انتخاب مجالس محلية في بعض القرى الكبيرة. لكن الانتخابات ألغيت في كثير من القرى حيث استمر القائمقام بتعيين المخاتير في القرى حتى سنة 1940 حيث شكّل المندوب السامي لجنة خاصة لدراسة مهمة وظيفة المختار، وقدّمت عدة توصيات منها أن القرى التي يكون فيها أقل من ألف نسمة لها حق في مختار واحد، وإن كان السكان من ألف إلى خمسة آلاف يحق لها أكثر من مختارين، والتي يزيد عن خمسة آلاف نسمة لها الحق في أربعة أو أكثر. وأخيرًا صدر قانون 1944 فأبقى الأمور على سابق عهدها مع إضافة بسيطة وهي تعيين مساعد مختار حسب حجم القرية.12 أما في المستعمرات اليهودية فبقي لقب مختار يطلق على من يقوم بالاتصالات مع عرب القرى المجاورة والبدو، بينما انتخب السكان مجلسًا محليًا لإدارة شؤون المستعمرة. 

في فترة ثورة 1936-1939 عاش المخاتير في أصعب الظروف وأحلكها حيث ضغطت حكومة الانتداب عليهم ليصبحوا جواسيس لها وفرضت على قراهم غرامات مالية باهضة ما جعل بعضهم يسلم مفاتيح القرية لضابط المنطقة ويرحل، ومن ناحية أخرى ضغطت فصائل الثورة عليهم لجباية أموال للثوار، وأجبرتهم على إحياء نظام لجان الصلح وعدم التوجه إلى المحاكم المدنية البريطانية لفض النزاعات بين السكان. كان من الصعب على المخاتير التعامل مع هذه التحديات والتناقضات، فمنهم من فضل التعامل مع الحكومة فدفع الثمن، ومنهم من رفض ذلك فاستبدلته الحكومة بمختار آخر. ناهيك عن أن 'الفساد' لعب دورًا في الإيقاع ببعض المخاتير وتأجيح الاحتراب الداخلي. في تلك الفترة انخفضت مكانة المختار، ونما دور المتنفذين والوجهاء ورؤساء فصائل السلام العميلة.

فيما يلي أسماء لجنة الصلح التي عينها يوسف سعيد أبو درة في قرية إجزم:

( أنا يوسف سعيد أبو درة جئت إلى قرية إجزم يوم الجمعة الموافق 28 رجب 1357ﻫ( 23 أيلول 1938) وشكّلت لجنة صلح مؤلفة من: يوسف الصلوح، الطيب عبد العزيز، عيسى السعيد، أحمد اليونس، أحمد طه الشويخ أبو حسن. وقد أقسموا على إقامة العدل. تواقيع أعضاء اللجنة).

هوامش وملاحظات:

1.محمد بن يوسف الكندي، كتاب الولاة وكتاب القضاة، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003، ج1، ص 152-153. (المكتبة الشاملة)؛

2.محمد عقل، الدولة العباسية في عهد المتوكل على الله، رسالة دكتوراة، جامعة بار- إيلان، 1988؛

3.الدستور ترجمة من اللغة التركية إلى العربية نوفل أفندي نعمة الله نوفل، المجلد الأول، بيروت، 1301ﻫ/1883م، ص397.وانظر: محمود يزبك، النظم الإدارية، ص 56-57؛

4.ملف (سندات طابو) في أرشيف د.محمد عقل-عرعره. كتاب د.محمد عقل عن كفر قرع(تحت الطبع)؛

5.الدستور، ج1، ص 390؛

6. الدستور، ج1، ص 391؛

7. الدستور، ج1، ص 393؛

8.الدستور، ج1، نفس الصفحة؛

9. الدستور، ج1، ص 391-392؛

10. الدستور، ج1، ص 409-410؛

11. الدستور، ج1، ص 417-418؛

12. أحمد حسن جودة، أسدود: قلعة الجنوب الفلسطيني، الفصل الثالث، ص 39-40.

 

التعليقات