النقب: حتى الجِمال تحتاج رخصةً وأجهزة رصد وتعقب!

البدوي والجمل صورة فلكلورية عالقة في أذهان الكثيرين عن النقب والبادية، فهل هذه الصورة إلى زوال؟ تقييدات وتشديدات إسرائيلية جديدة على تربية الإبل في النقب، قد تجعل الأمر من صدى الماضي البعيد.

النقب: حتى الجِمال تحتاج رخصةً وأجهزة رصد وتعقب!

جمال في النقب (أ ف ب)

البدوي والجمل صورة فلكلورية عالقة في أذهان الكثيرين عن النقب والبادية، فهل هذه الصورة إلى زوال؟ تقييدات وتشديدات إسرائيلية جديدة على تربية الإبل في النقب، قد تجعل الأمر من صدى الماضي البعيد.

فقد توجه وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، إلى وزير الزراعة، أوري أريئيل، بطلب إدخال تعديلات على قانون تربية المواشي لضمان إمكانية التعرف على مالك الجمل وتقديمة للمسألة القانونية. وذلك بعد حادثة اصطدام مركبة خاصة بجمل بالقرب من بلدة رتاميم بمحاذاة بير هداج، قتل على إثرها مواطن يهودي طالب ذووه بتقديم الجمّال للمحاكمة.

 وتعني هذه الخطوة، بالضرورة، إجبار الجمّالين على تسجيل إبلهم ضمن قاعدة بيانات حكومية وإرغامهم على زرع رقائق رقمية في آذان البعير، التي تقدر أعدادها في النقب بالآلاف، وفقًا لإحصاءات غير رسمية.

ويقول أصحاب الجمال إن الإشكال لا ينبع من زرع الرقاقة وضرورة التعرف على أصحاب الجمل، بل إلى النوايا المبطنة التي أثبتتها تجارب السنين. كما يذهب المتابعون لشؤون النقب إلى أن المضايقات التي تشنها المؤسسة الإسرائيلية على مربّي المواشي تأتي ضمن مخطط لقطع الصلة بين الإنسان والأرض التي يعتمد عليها في تربية المواشي.

 

للوهلة الأولى، قد يعتقد المرء أن هذه التدابير والإجراءات تأتي حفاظا على سلامة الجمهور وتنظيما لهذا المجال لفتح الباب أمام الاستثمار في الثروة الحيوانية والصناعات الزراعية. إلا أن قراءة متمعنة لسياسات إسرائيل المتعاقبة تؤكد سعيها الدائم للقضاء على نمط الحياة الزراعي والتخلص من البداوة عن الوجود، سواء كان الأمر يتعلق بسياسة التمدين القسري أو سياسة مصادرة الأراضي أو بذرائع اقتصادية ليبرالية، مثل الحاجة الملحة لتنظيم القطاع وإنفاذ القانون.

 وفي الماضي، أجبرت السلطات المربين على تسجيل مواشيهم كمصلحة في مصلحة الضرائب، وشددت إجراءات منح التراخيص لنقل المواشي، إذ ألزمت مُقدم الطلب لنقل المواشي بالحضور إلى مكتب وزارة الزراعة بدلًا من إبراق الطلب عبر الفاكس أسوةً بالمربيّن اليهود وتفرض العراقيل والصعاب.  كما تقوم وحدة إنفاذ القانون والتحقيقات التابعة لوزارة الزراعة بتحرير المخالفات وفرض الغرامات التي تصل إلى عشرات آلاف الشواقل بحجة نقل مواشي بدون تصريح كما تنفذ عمليات هدم لحظائر الأغنام، ما يشدّد الخناق على مربيها.

وتنضاف إلى هذه المضايقات تضييقات على مربي المواشي من خلال الإجراءات والتشريعات، بالإضافة إلى دأب السلطات على إبادة وإتلاف المحصولات من خلال حرثها بحجة التعدي على أراضي الدولة، ما يضطر أصحاب المواشي إلى الاعتماد على العلف لتغذية قطعانهم ما يزيد من كلفتها ويجعلها دون جدوى اقتصادية.

وفي حديث مع أحد مربي الإبل من منطقة بير هداج، جنوبي النقب، أكّد صباح أبو لقيمة ضرورة إيجاد حلول للتخفيف من معاناة الجمّالين قائلًا إن 'الحل لا يكمن  في فرض العقوبات وإنزال المخالفات والغرامات بأصحاب الإبل، بل بالعمل على مساعدتهم' وأردف أن 'الجّمالين في النقب يشعرون بأنهم مطاردون ومستهدفون بغض النظر وجدت رقاقة أم لم توجد'.

 وشرح أبو لقيمة أنه 'في حال تحرّت الدوريات الخضراء أحد مربي الإبل يتم مخالفته وتغريمه وتفتح ملفات جنائية بحقه بدلا من تشجعيه كونه بقي قريبا منها' وأضاف 'بهذه الطريقة تدفع الدوريات الخضراء الناس لترك الجمال خشية مخالفتهم'.

وتساءَل أبو لقيمة بمرارة 'في الشمال هناك أبقار ضالّة كثيرة لكن لماذا لا يطالب أحد أصحابها بزرع رقائق؟' لكنّه، ما لبث أن أجاب بتململ 'العملية هي استهداف للناس، حتى المواشي التي لا حاجة لرقائق لا يدعونها ترعى، المسألة تشبه عملية مصادرة المواشي وعمليات هدم البيوت هي تضييق على الناس'.

وخلص أبو لقيمة إلى أن الحل يكمن بالاعتراف بتربية الإبل كقطاع زراعي 'المطلوب الاعتراف بتربية الإبل قطاعًا زراعيًا، ما يتيح المجال لتخصيص أماكن للرعي ويحفظ للناس أرزاقهم وهذه التقليد من الاندثار'.

وقد اعترفت السلطات الإسرائيلية بتربية الخيل قطاعًا زراعيًا وخصّصت لذلك مساحات للرعي بينما رفضت إدراج تربية الإبل على أنه قطاع زراعي، ما اضطر أصحاب القطعان إلى الرعي في الأماكن المفتوحة والتي باتت تنحسر يومًا بعد يوم مع ازدياد المد العمراني والمناطق العسكرية والمحميات الطبيعية ويجعلها عرضة للحوادث'.

التعليقات