تدويل قضايا فلسطينيي الداخل: تحديات المجتمع المدني

في ظل الواقع الصعب الذي يعيشه العرب الفلسطينيون بالداخل من تضييقات في الكثير من مناحي الحياة، أبرزها قضايا الأرض والمسكن وهدم المنازل والملاحقات السياسية والتحريض العنصري وانعدام الأمن والأمان وغيرها من القضايا الحارقة، باتَت الحاجة مُلحّة إلى وضع هذه القضايا على طاولة مؤسسات حقوق الإنسان الدولية،

تدويل قضايا فلسطينيي الداخل: تحديات المجتمع المدني

عرعرة، أيلول/ سبتمبر 2016 (رويترز)

في ظل الواقع الصعب الذي يعيشه العرب الفلسطينيون بالداخل من تضييقات في الكثير من مناحي الحياة، أبرزها قضايا الأرض والمسكن وهدم المنازل والملاحقات السياسية والتحريض العنصري وانعدام الأمن والأمان وغيرها من القضايا الحارقة، باتَت الحاجة مُلحّة إلى وضع هذه القضايا على طاولة مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، في حين تعمل مؤسسات المجتمع المدني المحلي منذ أعوام على طرح قضايا العرب الفلسطينيين من الداخل في كافة المحافل.

تنظيم المجتمع ونضاله

وحول دور المجتمع المدني، قال مدير جمعية الثقافة العربية، إياد برغوثي، لـ'عرب 48'، إنّ 'دور المجتمع المدني يكمن في تنظيم المجتمع أو الشعب، بقطاعاته وفئاته المختلفة، للنضال من أجل الحقوق والحريات المنتهكة من قبل الدولة أو القطاع الخاص أو حتى من قوى اجتماعيّة أخرى تمارس انتهاكات. ويكون التنظيم من خلال خلق أطر العمل الجماعي التي تعرّف وتحلِل القضايا وتصيغ الخطاب والمطالب وترفع وعي الناس حولها وتنظّم العمل الجماهيري والميداني وما يرافقه من مرافعة ومناصرة'. 

وبما يتعلّق بأدوات النضال، رأى برغوثي أنّ 'الأمر يتم من خلال الإبداع والمعرفة وأولويّة زيادة مشاركة الجماهير في النضال. صحيح أنّ الأدوات محدودة ومعروفة، لكن يبقى السؤال كيف نبدع في استخدامها بشكل يوصِل الرسالة بشكل واضح ومؤثِر ومقنِع ولافت للانتباه، فالمظاهرات مثلاً يمكن أن تكون فعلا نضاليا رتيبا وتقليديا وغير مؤثِر ليكون الوضع بعدها أسوأ مما كان قبلها، ويمكن أن يتم الإبداع في تفاصيل اختيار مكانها وزمانها وشعاراتها وكيفية التحشيد الجماهيري لها وعناصر مرئية للأداء الجماعي تحمل رسالة ذات صلة بالقضية. ومن الصعب جدًا اليوم أن تلفت الانتباه في هذا العالم، كذلك المعرفة حول القضايا التي نناضل من أجلِها، ومعرفة كيف ننظم هذه المعرفة؟! وكيف نسردها وننقلها للناس وننقلها للإعلام ونرافع عنها أمام المؤسسات القضائيّة والحقوقيّة والدوليّة'.

ويعتقد برغوثي أنّه 'علينا أن نأخذ هذا الموضوع بجديّة، كوننا نتعامل مع دولة إعلامها قوي ومؤثِر على المجتمع الإسرائيلي وعلى مجتمعنا بالداخل ولديهم جهاز دبلوماسي متمرّس ومراكز أبحاث ولوبيّات مناصرة له في أنحاء العالم، بينما يمكن تعزيز النضال بالمشاركة الجماهيريّة الواسعة، وعلى القوى السياسيّة والمدنيّة أن تفهم ديناميكيّات التفاعل الجماهيري مع النشاطات النضاليّة، ودوافع المشاركة والعزوف عن المشاركة؟ لماذا ومتى يشارك الجمهور؟ ولماذا ومتى لا يشارك؟ وكيف يمكن أن نبني تراكمًا وزخمًا ونوسِّع القواعد المشارِكة؟'.   

وأكد أنّ 'الأدوات غير مهمة بحدّ ذاتها، فالأهم الآن أن نخرج من ورطتنا الأزلية بردّة الفعل فقط، ويجب أن تكون لدينا رؤية واضحة لوجهة النضال، وبنفس طويل. هل سنتظاهر فقط بعد هدم بيت أو قتل إنسان لتنطفئ الشعلة بعد أيام قليلة؟ أم أننا سنخلق حراكًا ضد محاصرة وجودنا ومستقبلنا، بأهداف واضحة ومعرّفة، تتماهى معها قطاعات أوسع من المتضررين، ونستخدم ما يلائم من أدوات نضالية من أجل تحقيق هذه الأهداف. التدويل كان دومًا ذا أهميّة للقضية الفلسطينية، وكذلك بالنسبة للفلسطينيين في الداخل فهناك حاجة أساسيّة للكشف عن وجودنا أصلا في حالات كثيرة وعن حقيقة وضعنا والتمييز البنيوي ضدنا، في ظلّ صورة خاطئة عن 'ديمقراطيّة وحيدة في الشرق الأوسط' تصوِّر حالة مساواة مدنيّة كاملة. ويبقى السؤال هل يتم طرحها كقضية منفصلة أو كقضايا منفصلة؟ كقضية أقليّة قوميّة أصلانيّة أم كل قضيّة على حدة مثلما تمّ طرح قضية النقب؟ أم كإحدى مكوّنات القضية الفلسطينية ضمن الجهود الدبلوماسية أو حركة المقاطعة (التي تركّز في خطابها على حقوق الفلسطينيين في الداخل)؟!. الأولويّة الآن لوجود إستراتيجيّة فهي حتى الآن مفقودة ولا يوجد اتفاق بين المؤسسات على خطاب سياسي أساسي، بسبب اختلاف الخلفيّات السياسيّة لقيادات الجمعيات أو بسبب التقييدات التي تفرضها اشتراطات وتوقعات المؤسسات المانحة الدوليّة أو الإسرائيليّة في حالات معينة. عدا عن غياب الاتفاق على الخطاب والرؤى وهو عائق سبّب تفكّكًا في المجتمع المدني بالداخل منذ عقود وعطّل تطوير دوره وأخفض سقف خطابه ونشاطه الجماهيري المحلي والدولي. وفي حال اتخذنا مسعى العمل الدولي بجديّة هناك إمكانيات هائلة للتأثير في المؤسسات الدوليّة الرسمية وعلى صعيد حركات التضامن المختلفة. المدّ اليميني الشعبويّ الذي يجتاح البلاد والعالم يتطلّب أنّ نأخذ الأمور بجديّة، وأن نبني خطابنا على القيم الإنسانيّة المشتركة وعلى الخطاب الحقوقيّ والأخلاقيّ الرافض للعنصريّة والظلم والاستغلال والذي ستبنى عليها الحراكات المعارضة والمناهضة في نضالاتها القادمة وأن نتواصل معها، والإمكانيات لذلك أسهل اليوم من ذي مضى'.

العمل المنفرد وانعدام التشبيك بين الأطر

وقالت المحامية عبير بكر وهي خبيرة في القوانين المحلية والدولية، لـ'عرب 48'، إنه 'على الرغم من أن المجتمع المدنيّ يجمع ما بين الناشطين والقادة السياسيين والخبراء المختصين إلا أننا ما زلنا نشهد تفاقم ظاهرة العمل المنفرد وانعدام التشبيك بين الأطر المختلفة انطلاقا من نفسية 'أنا سبقت'. وقد أثبتت تجربة التصدي لهدم البيوت في أم الحيران والغضب الذي أحدثه مقتل المربي يعقوب أبو القيعان أنّ سر نجاح العمل الميدانيّ ملتصق بالدمج المهني مع السياسي وعدم اتكال السياسي على المهني والعكس هو الصحيح، بمعنى أنّ النجاح القانوني لأي محامٍ لن يكون له أي مردود وفاعلية إذا لم تمتلئ القاعة بالناشطين حاملي رسالة واضحة للمحكمة بأنّ القضية قضيتنا جميعًا وجئنا نؤازر العمل القانوني لنذكِّر أنّ من ورائه مطالب سياسيّة'.

وفيما يتعلق بتدويل قضيّة العرب الفلسطينيين في البلاد، أوضحت أنه 'من المحبذ الخوض بالتفاصيل والابتعاد عن الشعارات، فإنْ كان طرح قضايا عرب 48 أمام المحافل الدوليّة كالأمم المتحدة أو منصّات الاتحاد الأوروبي هو تدويل فأذكِّر أن جمعيات حقوق الإنسان تعمل بهذا الشأن منذ عقود طويلة، وبالشكل الذي يتوافق مع مصالحها وأجندتها الداخليّة، الأمر الذي يفسر لماذا لم تتم ترجمة هذا العمل؟ّ! (الذي قد يكون ممتازًا) لكنه لم يُحوَّل إلى خطّة سياسيّة مدروسة'.

وأشارت المحامية بكر إلى أنّ 'مشكلتنا المركزيّة هي حينما يتم ترجمة المطلب السياسيّ إلى مهني كالذهاب إلى المحكمة على سبيل المثال لإبطال قانون عنصري، وإذ يتم توجيه جميع طاقاتنا للمهنيين، بينما نجلِس نحنُ جانبًا بانتظار الإنجازات المهنيّة وكأنّ دور السياسيين والناشطين انتهى'.

ضرورة مأسسة لجنة المتابعة ومشاركة الأحزاب والمؤسسات

وقال مدير مؤسسة حقوق الإنسان في الناصرة، محمد زيدان، لـ'عرب 48'، إنّ 'موضوع التدويل بدأ يأخذ صدى واسعا، وباتت عدة هيئات محليّة تتحدث عن التدويل، بينهم أعضاء كنيست، أحزاب سياسية وجمعيات مدنيّة، وجاء هذا الاهتمام نتيجة عمل ضخم وتراكمات في التدويل، كما فرض الواقع الجديد من حيثُ الانتهاكات والتضييقات على حقوق المواطن والفرد والآخذ بالازدياد، ما يجعل قضية التدويل قابلة للتنفيذ'.

وبما يتعلق بالتراكم وعمل الجمعيات العربية، أكد أنّ 'فكرة التدويل لقضايا فلسطينيي الداخل بدأت منذ فترة طويلة، وكون إسرائيل أقيمت حسب قرارات الأمم المتحدة جعل التعامل مع إسرائيل بكل ما يتعلق بحقوق الإنسان مرتبطًا بالقرارات الدولية، وهذه القرارات ألزمت إسرائيل على التعامل مع الفلسطينيين، بحيثُ يتم التعامل معهم كمواطنين متساوين، وتمّ إلزام إسرائيل على التعامل مع فلسطينيي الداخل بشكلٍ ديمقراطي واحترام حقوق الإنسان تجاه هذه الأقليّة'.

ورأى زيدان أنّ 'الجمعيات والأكاديميين والسياسيين وصلوا إلى مرحلة من الخبرة الكافية لإيصال الرسالة، وهناك ثمار لهذا العمل، إذ اكتسب المختصون خبرات على مستوى المؤسسات وعلى مستوى المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار الإحباط، إذ هناك من يقول إننا لا يمكن أن نؤثر بسبب الإحباط من العمل الدولي بالموضوع الفلسطيني العام، فإسرائيل لا تقيم وزنًا للعالم بموضوع المستوطنات والاحتلال وقرارات مجلس الأمن بشأن الاستيطان، فهل ستعمل حسابًا لعمل مؤسسات أو بيانات عن هيئات دولية، وله سببه الشرعي'.

وحول ما نحتاجه اليوم، قال زيدان، 'ما نحتاجه اليوم أن يكون لدينا شكل من أشكال التنسيق، فموضوع إرسال رسائل متناقضة للمجتمع الدولي يُسيء في أسلوب التوجه، ويشوش الرسائل، وعليه هناك ضرورة لمأسسة لجنة المتابعة ومشاركة الأحزاب والمؤسسات، ورغم الاختلاف بين الأحزاب إلا أنه يجب علينا أن نحمِل رؤية حول احتياجاتنا ومطالبنا دوليًا، بنقاط واضحة وخطاب موحّد، والمطلوب في المرحلة الأساسية تحديد البرنامج الوطني المشترك، ويشمل الذراع المهني والتمثيل الحقوقي شرط أن يكون البرنامج واضحا ولا يشمل تناقضات في الرسائل، وأن نعمل على مساقين، محلي وعالمي، هكذا فقط يمكننا أن نأخذ دورًا في بناء مجتمع سليم وقادر على انتزاع حقوقه'.

التعليقات