قلعة شفاعمرو: إعادة الحياة لمعلم تاريخي

زرتُ الأماكن الأثريّة في شفاعمرو، أكثر مِن مرّة، وكنت في كل مرةٍ أُفاجأ أنّ هناك تراجعًا سلبيًا في التعامُل مع آثارنا التاريخية ولو جرى المحافظة عليها كما يليقُ بها، لما تدهورت بعض البنايات ولما وجدنا أهم المعالم السياحية بالمدينة، قلعة شفاعمرو، مُحاطة بالأعشاب.

صحيح أنّ مشروعًا ضخمًا سيتم إنجازه في الأشهر القريبة، إذ جرى تخصيص ميزانية للمشروع، لكن العمل لم يبدأ بعد على الأرض، على أمل أن يتم تحسين وتنظيف كل ما مِن شأنه أن يُبرز المعالم الأثرية والتاريخية.

خوفا على ماضينا وحاضرنا: مطلوب التفاتة سريعة

تسعى بلدية شفاعمرو للمباشرة بترميم قلعة شفاعمرو، ومثلها الحال بخصوص المُغر البيزنطية التي تحكي قصص القبور مِن حقبٍ تاريخية بعيدة جدًا، وأوكلت مهمة ترميم القلعة التاريخية للمهندس المعماري عبد بدران، الذي يقوم بعملٍ ميداني وآخر يتعلق بالخرائط والتخطيط.

وقال المهندس المعماري عبد بدران، لـ'عرب 48'، إنه 'جرى تقسيم المشروع لمرحلتين: الأولى بدأت بعملية مسح توثيقي لأجل الترميم، والمرحلة الثانية تعتمد على بناء برنامج دراسي شامل حول المبنى وملاءمته لتنفيذ مشاريع معينة في القلعة التاريخية التي تحمِلُ إرثًا تاريخيا مِن حِقب عديدة. نتحدث عن مبنى تاريخي وليس مبنى عاديا، لذا كانت الحاجة لدراسة الموقع وبحث قدراته على استيعاب الترميمات والحفاظ عليه، مع الأخذ بالحسبان القدرات التي يُمكن للمبنى تقبُلها وما تستوعبه المساحات. رأينا إمكانية بناء مركز ثقافي ومتحف، شرط الحفاظ على الموروث العمراني'.

وأضاف أنه 'وجدنا في البداية صعوبة في تبني اقتراحات تخطيطية، بسبب عدم وجود دراسات وأبحاث أو حتى توثيق للقلعة، رغم وجود بعض المحاولات في فترة الانتداب البريطاني، بعدها جرت محاولات لبحث المكان في العام 2000 على يد باحثٍ بريطاني، وتسعى سلطة الآثار في السنوات الأخيرة لإجراء محاولات بحثية في المكان الأثري، علمًا أنّ القلعة التاريخية بُنيت في العام 1768، لكنّ أساسات القلعة هي الأقدم'.

وعن أهمية تبنّي المشروع قال بدران إنها 'فرصة تاريخيّة لنا، وللمعماريين العرب، نحنُ نتحدث عن موقعٍ لم يجر توثيقه مِن قبل، ولم يكن هناك تواصل مع الموروث المعماري والقيم الجمالية التاريخية والأثريّة الرائعة'.

حقبات تاريخية

وعن أهم الحقبات التاريخية التي مرت بها القلعة، قال المهندس بدران إن 'شفاعمرو مرّت بحقبات تاريخية وليس مجرد عمارة عسكرية ومدنية وآثارات، وهي آخر حقبة يمكن التواصل من خلالها مع العمارة، إذ محيت تقريبًا البيوت التي يعود تاريخها للعام 1200 أو أحدث قليلا، باستثناء آثاراتٍ مطمورة تحت الأرض، وإذا كان مِن السهل اليوم وصول إلى مبانٍ يعود تاريخها إلى زمن صلاح الدين الأيوبي في عكا أو القدس، لكن في شفاعمرو تحديدًا والأنماط المشابهة لشفاعمرو، قلّما نجد هذه الأثار لبيوتٍ جرى بناؤها في فترة متأخرة أكثر من بناء القلعة. ودراسة معالم القلعة سيسلّط الضوء على جميع البيوت الشفاعمرية في البلدة القديمة، ابتداءً من القلعة كمبنى ضخم، خاصة في الطابق الثاني، وكان عبارة عن قاعة استقبال وإدارة مدنيّة للحاكم، وهو أشبه بسرايا شملت بيت الحاكم، ويتميّز المبنى بتعدد الأنماط العمرانية من خلال تقنيات العمارة والأشكال المختلفة، التي تستحق الدراسة المستفيضة. أما الطابق الأول فهو عبارة عن طابق أرضي شمل اسطبلا لتربية الخيول، وما يُمكن التأكيد عليه في جميع الأحوال أنّ شفاعمرو ازدهرت من خلال بنائها بفضل الازدهار العثماني، ويُرجّح أن غالبية البنائين كانوا من شفاعمرو، لكنهم اعتمدوا الجغرافيا الواحدة وتبني نماذج الإمبراطورية العثمانيّة وبلاد الشام، وما تميزت به القيم الجمالية في القلعة انتشر في أرجاءٍ عدة بالعالم العربي، وهي تشبه القلاع في لبنان وغيرها'.

قلعة شفاعمرو ستتحوّل لمركز تاريخي ومتحف!

وقال مراقب بلدية شفاعمرو ومسؤول قسم السياحة، عصام نصر الله، لـ'عرب 48' إنه 'سيتم مؤخرا تنفيذ المشروع، لتتحول القلعة لمركزٍ ثقافي يحوي مسارح صغيرة، كنموذج المسرح الآخر في عكا، ويمكن تبنّي مهرجانات مسرحيّة على مدار العام في شفاعمرو، خاصةً أنّ هناك جمعيات يُمكن أن تُساهِم بإنجاح الفكرة من خلال استغلال المكان، وتحويل المكان لمتحفٍ وصالات عرض ويُمكن استقطاب أطفال المدارس في الجليل بعروضٍ مسرحية تتناول معارك ظاهر العمر، وسيتم استغلال الساحات والأروقة والعقود السبعة'.

وأضاف نصر الله أن 'مشروع 'درب الأديان' من شأنه تعزيز العلاقات بين أبناء المدينة الواحدة التي يسعى كلُ شخصٍ فيها لرؤية المدينة الأفضل والأجمل، وقد خُصصت الميزانية لهذا المشروع قبل سنوات، حيثُ خصصت الميزانيات ليكون 'درب الأديان' قريبًا من التحقيق بعد النجاح بتخصيص 10 ملايين شيكل'.

وعن المغر البيزنطية، قال نصر الله إنّ 'المغر البيزنطية من بين الآثار المهمّة في شفاعمرو: مدافن قديمة موجودة منذ القرن الثالث الميلادي، بعض الباحثين أشاروا إلى أنّ هذه المغر من أهم المعالم في العالم. في شفاعمرو نجد نحوتات ونقوشات ترمز لجميع الأديان. بلدية شفاعمرو أقرت ميزانية لإنشاء مسار داخل المغر وتوفير مقاعد للجلوس والإضاءة المناسبة واللائقة، ومن يتجوّل في المكان سيجد موادا مناسبة للقراءة في تاريخ المغر البيزنطية. ونأمل انطلاق العمل قريبًا لنراها بحلة جميلة وليس كما هو الحال الآن، منظر يصعُب تحمُله!'.