08/09/2017 - 17:05

حبيب الله: الصراع على الحقوق بالكنيست لم يعد وجوديا

الباحث الاجتماعي علي حبيب الله لـ"عرب 48": إسرائيل أصبحت ترى ببعض القوى السياسية "أعشابا ضارة" يجب اقتلاعها* هناك من يطالب بتغيير خطاب دولة المواطنين لصالح خطاب وسائطي مع الدولة* المشتركة تأسست لسبب تقني لكن من المبكر تقييم دورها

حبيب الله: الصراع على الحقوق بالكنيست لم يعد وجوديا

علي حبيب الله

يعتقد الكثير من السياسيين والباحثين أن إخراج الحركة الإسلامية الشمالية عن القانون، وما تبعها من ملاحقة منهجية ضد حزب التجمع الوطني الديمقراطي، هي بمثابة استدارة بنسبة 180 درجة في السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الداخل.

ويقول الباحث الاجتماعي، علي حبيب الله، إن التقييم الأمني الإسرائيلي بإعطاء العرب في إسرائيل حرية التعبير عن معتقداتهم وأفكارهم السياسية، من خلال أحزاب شرعية، بعضها يعمل تحت قبة البرلمان وبعضها من خارجه، والذي كان هذا الحل الأفضل، لأنها ستكون ملتزمة بقواعد اللعبة الإسرائيلية وتبقى تحت رقابة المؤسسة الحاكمة، هو تقييم تغير في الآونة الأخيرة كما يبدو، وجرى ترجمة ذلك بإخراج الحركة الإسلامية عن القانون والتي قد تكون نتائجها مشجعة لاتخاذ المزيد من الخطوات ضد أحزاب أخرى ربما تكون مرشحة لهذا المصير.

تلك الاستدارة الحادة تحتاج منا الى وقفة لمراجعة برامجنا وتكتيكاتنا وخطابنا السياسي، استعدادا لمواجهة المرحلة الجديدة التي بات الخطر فيها يقتحم "بيوتنا السياسية"، التي اعتقدنا أنها حصينة أمام تلك الاقتحامات، وتندرج في هذا السياق ملاحقة قيادات وكوادر الحركة الإسلامية "المحظورة" والملاحقة المنهجية التي يتعرض لها التجمع تحت ذرائع مختلفة.

"عرب 48": تغيرات كثير شهدتها الساحة السياسية الإسرائيلية، أبرزها مغادرة الخطاب التصالحي مع الفلسطينيين، وما رافقه من فتح إسرائيل كمجتمع ومؤسسة أذرعها لنا للاندماج بها أو على هامشها، واستبدال ذلك بخطاب معاد للفلسطينيين يترافق مع محاولات إقصاء ونزع شرعية عنا كمواطنين. ألا يستدعي ذلك تغييرا في خطابنا؟

حبيب الله: "من المفيد والمطلوب دائما مراجعة برامجنا وخطابنا السياسي، خاصة في المحطات المفصلية من مسيرتنا. ولكن تجدر الإشارة إلى أن خطاب دولة المواطنين، الذي جاء به التجمع وتبناه الجميع، مصمم بشكل لا يمكن الإضافة عليه، وهو ذهب إلى أقصى مدى في موضوعي المساواة المدنية والقومية، بحيث يحول إسرائيل، بعد نزع يهودية الدولة، الى دولة مدنية ،وبعد نزع صهيونيتها الى دولة ثنائية القومية إن صح التعبير. وهو يصلح في حدود الخط الأخضر وعلى كامل فلسطين التاريخية، أي بغض النظر عن الواقع الديمغرافي. وهذا الخطاب ضايق إسرائيل وحشرها في الزاوية. وهو ما زال يكشف يوميا عن وجهها العنصري وبشاعة نظامها الكولونيالي. وما سلسلة القوانين التي تسعى إلى تأكيد يهودية الدولة، إلا محاولات دفاعية لصد الهجوم الذي مثله هذا الخطاب، وهي محاولات أصبحت تخيم على المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أيضا من خلال اشتراط الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية. لذلك، من الأجدر البحث في ما إذا كانت الأزمة تكمن في الخطاب، خاصة وأن هذا الخطاب تحول إلى المعجم السياسي للعرب في الداخل بمختلف قواهم السياسية، حيث جرى تبنيه على مستوى المفردات، على مستوى المناكفة السياسية في الأخذ والرد، وعلى مستوى استخدام التعابير".

"عرب 48": هذا لا يلغي حالة التراجع التي نشهدها في الآونة الأخيرة في الخطاب وفي الأداء؟

حبيب الله: "هناك دعوات تنطلق من أفراد وشرائح سياسية وبعض الأكاديميين، إلى تغيير الخطاب السياسي للتجمع والذي أصبح خطاب الفلسطينيين في الداخل عامة، لصالح خطاب وسائطي مع الدولة وأقرب إلى الأسرلة. وإلا ما المقصود بالمطالبة بإعادة النظر في الخطاب في ظروف تراجع وإحباط وانسداد في المسار السياسي".

"عرب 48": لكن هناك أيضا أصوات من داخل التجمع أو من حوله تطالب بضرورة المراجعة؟

حبيب الله: "هذه الدعوة أيضا تنطلق من التسليم بأن هناك أزمة في الخطاب. والحقيقة هي أن هذا الخطاب، الذي جاء على خلفية أزمة الحركة الوطنية التي أدخلتها بها اتفاقيات أوسلو، ساهم في قطع الطريق على الأسرلة وعزز من تماسك الهوية الجمعية لفلسطينيي الداخل وفتح لهم نوافذ على العالم العربي. هذا الخطاب أصبح غير ’مهضوم’ إسرائيليا، خاصة في ضوء التحول الذي حدث في توجه المؤسسة الإسرائيلية تجاه التعامل مع العمل السياسي لفلسطينيي الداخل، حيث كان السماح بالنشاط السياسي جزء من سياسة الاحتواء. اليوم لم تعد إسرائيل تتعامل مع مفردات العمل السياسي لفلسطينيي الداخل على أنها غابة يتوجب تقليم وتهذيب أشجارها، بل أصبحت ترى وجود ما تسميه ’أعشاب ضارة’ لا يمكن إصلاحها. ولذلك يجب اقتلاعها وهي لا تخشى من عواقب ذلك. وتجربة إخراج الحركة الإسلامية عن القانون كانت مشجعة بالنسبة لها".

"عرب 48": في تجربة الحركة الإسلامية الشمالية، كانت المفاجأة من رد الفعل أو ضعف رد الفعل على قرار الحظر لا تقل عن القرار نفسه. فنحن لم نتخيل أن تجرؤ إسرائيل على الإقدام بعد خمسين سنة على إخراج حركة الأرض عن القانون، في ظروف الحكم العسكري، على إخراج حركة بحجم الحركة الإسلامية الشمالية في ظروف القرن الـ21 وبعد أن اصلب عودنا، كما نقول؟

حبيب الله: "في موضوع حظر الحركة الإسلامية، هم قاموا بجس نبض الشارع. والحديث هنا يدور عن حركة متجذرة وواسعة الانتشار وأقرب إلى الناس وتملك وسائط تواصل أسبوعي ويومي مع جماهيرها. لكنها في ذات الوقت غير مدربة على العمل السياسي. هي حركة اجتماعية، وعظية، أكثر منها حركة سياسية تمتلك كوادر مؤهلة ومدربة. وهنا وجه الاختلاف مع حركات وأحزاب أخرى. لكن مع ذلك، نجاح التجربة يفتح شهية المؤسسة الإسرائيلية، ويشكل نجاحا لتغيير الإستراتيجية التي كانت متبعة تجاه العمل السياسي لفلسطينيي الداخل واستبدال الاحتواء بالاقتلاع".

"عرب 48": ربما تكون المسألة التي أشرت إليها والمتمثلة بكون الحركة الإسلامية "غير مدربة على العمل السياسي"، قد شكلت عاملا مركزيا في ضعف رد الفعل، وهو ما أخذته المؤسسة مسبقا في حساباتها عشية اتخاذ قرار الحظر، خاصة وأن تلك المؤسسة كانت تتخوف مثلا من إخراج حركة مثل أبناء البلد، على صغر حجمها، عن القانون تحسبا لرد فعل عشرات الكوادر المعبأة والمنظمة؟

حبيب الله: "لذلك هي تستعمل حتى الان، وأقصد مع التجمع الذي يمثل حالة أكثر اتساعا، الأساليب الناعمة وتحاول الدخول من أبواب جانبية وغير مباشرة، واستعمال أدوات منطقها أمني، إلا أنها غير أمنية، مثل الملف المالي، وذلك لكي لا يعطونه فرصة للاحتجاج وينزعونه من حاضنته الجماهيرية ويقطعوا الطريق أمام الادعاء أنه يتعرض لملاحقة سياسية".

"عرب 48": أتريد القول إن التجمع قد يواجه مصيرا شبيها لمصير الحركة الإسلامية الشمالية؟

حبيب الله: "بالتأكيد. وهذا هو التحدي الأكبر أمامه وأمام جماهيرنا وهيئاتنا الوطنية".

"عرب 48": ألا ترى أنه بدلا من أن تشكل القائمة المشتركة درع حماية للتجمع، باتت تثقل كاهله وتقيد حركته وتفرمل ردود أفعاله، ناهيك عن خفضها للسقف السياسي الوطني ككل؟

حبيب الله: "رغم أن تشكيل القائمة المشتركة جاء لسبب فني تقني يتعلق برفع نسبة الحسم، إلا أنه من المبكر تقييم دورها وأدائها، خاصة وأن الحديث لا يجري عن أحزاب لها أجندات سلطوية، بمعنى أن جميعها تفكر كيف تؤدي دورها في المعارضة ولا تفكر بالمناصب التي ستتبوأها في الحكومة. وبشأن ما تقوله، فإن الفرملة متبادلة، وكثيرا ما نسمع مثلا، انتقادات لأيمن عودة في الإعلام الإسرائيلي بأنه يخضع لأجندات بشارة وزعبي، وقد برز ذلك في قضية رفض المشاركة في جنازة بيرس وفي قضية العراقيب وغيرها، وربما ذلك هو حال التوافق على برنامج حد أدنى مشترك، بمعنى وجود فرملة متبادلة".

"عرب 48": لكن بغض النظر عن تجربة المشتركة، فان هناك "وشوشات" ترتفع في بعض الأحيان لتتحول إلى أصوات عالية، تصدر أحيانا عن أناس مركزيين في التجمع تطالب بمراجعة الموقف من النضال البرلماني وخوض انتخابات الكنيست؟

حبيب الله: "كما هو معروف فإن موقف التجمع في قبول العمل السياسي تحت قبة البرلمان الإسرائيلي 'الكنيست' جعلهُ عرضة للنقد الدائم، من قبل مثقفين وسياسيين وقوى وحركات فلسطينية وعربية، فيما برر التجمع هذا التناقض على أنه تناقض معطى، فرضته الظروف المطلبية والمعيشية لدى عرب الداخل والمرتبطة بواقعهم السياسي، إضافة إلى أن ظروف المرحلة السياسية التي ولد فيها، مطلع تسعينيات القرن الماضي، مع اتفاقية أوسلو والتسويات السياسية العربية - الإسرائيلية، اشترطت حضوره على الساحة السياسية في الداخل لمواجهة أشكال الأسرلة التي داهمت هذه الساحة. والتجمع أجاب عن سؤال المشاركة في الانتخابات بالقول إن العرب حين يشاركون، فهم ينتخبون ممثليهم ليمثلوهم أمام حكومة دولة إسرائيل من أجل قضاياهم المطلبية، وهمومهم اليومية، في حين أن حقوق العرب السياسية والمعيشية في الداخل لا تُستمد من ديمقراطية الدولة العبرية، بل من حقهم على الأرض وفيها، بمعنى أن الصراع الحقوقي مع الواقع الكولونيالي مجدول بالصراع على وجوده. واليوم وبعد مرور عقدين من الزمن على تجربته، يبدو مشهد حضور التجمع على الساحة السياسية أكثر تعقيدًا مما كان عليه سابقًا. فالتناقضات التي استطاع الإحاطة بها عند نشأته، بدأت تحيط به، والصراع على الحقوق من تحت قبة البرلمان لم يعد وجوديًا بل بات على حساب وجودية الصراع. وتبين أن ما هو مطلبي لم ولن ينتهي، الأمر الذي سيؤبد الخطاب الوطني كرهينة لما هو حقوقي على حساب ما هو وطني في الخطاب ذاته، ما يعني أن خطاب الهوية في مواجهة الأسرلة، يحتاج إلى مراجعة من حيث ماهية سياسات الهوية نفسها، والتي تعمل أحيانًا وفق إيقاع نظام السيطرة والتأديب الاستعماريين".

 

التعليقات