28/10/2017 - 14:51

د. أبو ربيعة: المهنيات العربيات في النقب تحت وطأة تمييز مزدوج

رغم أن التعليم سلاح للمرأة في المجتمعات العربية حيث يمنحها الحق في العمل، ويوفر لها الوظيفة المناسبة، فإنه لا ينهي معاناتها، وإن نقلها إلى وضع أفضل بكثير، لتبدأ رحلة معاناة من نوع آخر في سوق العمل الإسرائيلي والمحلي

د. أبو ربيعة: المهنيات العربيات في النقب تحت وطأة تمييز مزدوج

تشق المرأة العربية في النقب طريقها بصعوبة، حيث تواجه ظلما مزدوجا أشد وطأة في طرفيه السياسي والاجتماعي من الظلم الواقع على قرينتها في الجليل والمثلث، أولا لأنها تنتمي لمجموعة سكانية يعيش ما يقارب الـ 50% منها في قرى تفتقر لشروط الحياة الأساسية، مثل الماء والكهرباء والخدمات الصحية، بسبب رفض إسرائيل الاعتراف بها وإصرارها على ترحيل سكانها، وحشرهم في تجمعات سكنية أعدت لهذا الغرض بهدف السيطرة على أراضيهم؛ وثانيا لأنها تنحدر من مجتمع كان يعيش نمط حياة بدوية بكل ما يعنيه ذلك من رسوخ وسيطرة قيم وتقاليد وقوالب البناء الفوقي لهذا المجتمع، خاصة وأن عملية الانتقال التي مر بها المجتمع الفلسطيني والمجتمعات العربية لم تأت نتيجة ثورة اجتماعية سياسية حطمت هذه القوالب وأحلت محلها قيما عصرية ولدت بولادة طبيعية.

والحال كذلك، فالمرأة والمجتمع ككل يقع بين قوالب قديمة هي عبارة عن عادات وتقاليد بغالبيتها بالية، وبين قيم عصرية بغالبيتها وافدة أو انها لم تمر عملية تعريب. ويشتد التناقض بين طرفي هذه المعادلة كلما كانت المسافة الفاصلة بينهما أكثر بعدا كما هو حال النقب، حيث تكون المرأة الضحية الأولى لهذا التجاذب.

وفي الواقع العملي تعاني الفتاة البدوية في القرى غير المعترف بها، مثلا، من عدم منالية التعليم لغياب المدارس الواقعة في مكان سكناها، ومن بقايا عادات وتقاليد لا تؤمن بحق الفتاة بالتعليم أسوة بأقرانها الذكور وتخصص لها خانات مختلفة عن الخانات المخصصة لزملائها الرجال.

ورغم أن التعليم سلاح للمرأة في المجتمعات العربية حيث يمنحها الحق في العمل، ويوفر لها الوظيفة المناسبة، فإنه لا ينهي معاناتها، وإن نقلها إلى وضع أفضل بكثير، لتبدأ رحلة معاناة من نوع آخر في سوق العمل الإسرائيلي والمحلي.

د. سراب ابو ربيعة المحاضرة في جامعة بئر السبع، بحثت واقع النساء الفلسطينيات المهنيات في النقب من خلال دراسة صدرت مؤخرا عن معهد "ماغنس" في الجامعة العبرية بعنوان "صيرورة هوية طبقية - المهنيات الفلسطينيات في النقب".

حول كتابها الجديد والتحديات التي تواجهها المرأة العاملة في النقب كان لنا هذا الحوار مع د. أبو ربيعة


عرب 48: عندما نتحدث عن مهنيات فلسطينيات في النقب، هل العدد الذي نقصده هو بالمئات أو بالعشرات؟ وفي كل الحالات هل نتحدث عن مجموعة وضعها أفضل من السواد الأعظم لنساء النقب؟

أبو ربيعة: الحديث يدورعن شريحة تشكل 6-8% من مجمل النساء المتعلمات في النقب، نساء حاصلات على أكثر من 16 سنة تعليمية، هن أكثر من عشرات، وأقل من مئات، من مختلف الاختصاصات المهنية يرتدن سوق العمل الإسرائيلي، الذي تمت الإشارة إليه كسوق عمل استعماري يمارس العنصرية الممأسسة تجاه المهنيات الفلسطينيات، إضافة إلى سوق العمل المحلي الذي تعاني منه النساء من مشاكل مختلفة أيضا. الدراسة استندت إلى مقابلا ت أجريت مع 50 امرأة من هذه الشريحة يعملن في سوق العمل الإسرائيلي والمحلي.

عرب 48: تحدثت عن طبقة في طور التشكل، فما هو القصد؟

أبو ربيعة: عندما أركز على الهوية الطبقية أعني أن هناك طبقة واعية من ناحية مهنية وسياسية وهي لا تمتلك رأس مال مادي فقط، من خلال المهنة التي توفر ذلك، بل رأس مال ثقافي يحاولن من خلاله العمل على إحداث تغيير في المجتمع أيضا.

عرب 48: لن أسأل لماذا اخترت إجراء دراسة على هذه المجموعة الصغيرة وتركت الغالبية، لأني أعرف أن دراسة هذه المجموعة قد تعطي الكثير من المؤشرات حول السياسة الإسرائيلية تجاه مجموع النساء في النقب وغير النقب، فما هي أهم تلك المؤشرات (النتائج)؟

أبو ربيعة: مواجهة العنصرية في سوق العمل الإسرائيلي أمر طبيعي نابع من تعريفنا له كسوق عمل استعماري، ولكن في حالة المرأة البدوية بالذات تتجلى هذه العنصرية بعدة أساليب منها القومي والعرقي والديني والقبلي، وتلقى ترجماتها بمحاولات طمس الهوية وطمس الزي الديني وإعاقة تقدم النساء في الوظائف الإدارية.

المرأة الفلسطينية البدوية، ورغم أنها تمتلك نفس رأس المال المهني الذي تمتلكه زميلتها اليهودية، تجد نفسها مضطرة لمواجهة الأفكار المسبقة عن المرأة العربية، والتي عادة ما يتم استغلالها لتقليص وجودها المهني في سوق العمل الإسرائيلي.

عرب 48: تقصدين الأفكار الاستعلائية التي تعتقد بدونية العربي ذاته، فكم بالحري إذا كانت امرأة وبدوية؟

أبو ربيعة: نعم فقد صادفت كثيرا من الحالات التي قابلتها أعاقت هذه النظرة تقدمها في العمل أو ارتقائها بالسلم الوظيفي، وإذا ما وصلت بالرغم من ذلك يستغربون وصولها رغم كونها امرأة عربية، أو يستكثرون عليها تلك الوظيفة رغم تمتعها بالكفاءة المطلوبة، فمثلا هناك قصة امرأة عربية كانت تعمل في مجال معين، وتحمل لقبا ثانيا، وجاءت امرأة يهودية تحمل اللقب الأول فقط، فعينوها مسؤولة رأسا، وعندما تساءلت عن السبب قالوا لها إن سبب عدم تعيينها هو وجود ما أسموه بـ "فجوات ثقافية"، وهناك عدة حالات من هذا القبيل حيث يتم أحيانا التعامل مع المهنية العربية وكأنها غير كفؤة، وهناك قصص سمعتها من قبل طبيبات وممرضات وعاملات اجتماعيات في المستشفيات يتم التعامل معهن احيانا كمترجمات وليس كمهنيات.

عرب 48: ذكرت عنصرية على أساس ديني، ماذا تقصدين؟

أبو ربيعة: هناك عنصرية على أساس ديني تتبدى في التحفظ من الزي الإسلامي الشرعي، حيث تتخوف الكثير من النساء المهنيات من عدم قبولهن للعمل بسبب الزي، وذلك رغم تمتعهن بالكفاءة المطلوبة، هذا إضافة إلى تسميع ملاحظات حول الزي في أمكنة العمل كأن يقال للمرأة أنت جميلة بدون الزي أو تبدين مثلنا "متحضرة" بدون الزي، وكأن التحضر يرتبط بلباس المرأة. ومثلا إذا أرادت المرأة العربية الخروج لدورات استكمال يقولون لها "حرام" لديك أطفال، وهي نظرة نابعة من الأفكار المسبقة بأن مكان المرأة العربية يجب أن يكون في البيت مع الأولاد.

عرب48: ما هي التحديات التي تواجهها المرأة المهنية في سوق العمل المحلي؟

أبوربيعه: في سوق العمل المحلي تتمتع المرأة التي تلبس الزي الديني بمصداقية أكبر من المرأة التي لا ترتدي هذا الزي، ولكن المشكلة الأساسية هناك تكمن في الاصطدام ما بين القيم المهنية والقيم القبلية، والمؤسف أن المؤسسات الإسرائيلية تلعب دورا كبيرا في تعزيز القيم القبلية، فمثلا عندما تريد عاملة اجتماعية ممارسة مهنيتها في حالة امرأة معنفة أو أطفال معنفين لا تستطيع، لأن الأمر، وفقا للقيم القبلية يعتبر تدخلا في شؤون خاصة لعائلات أخرى، وأحيانا يذهبون للاشتكاء لوالدها، بمعنى أن النظرة لتلك المرأة كجزء من قبيلة ثانية وليس كعاملة اجتماعية، وهذا الأمر تصادفه المستشارات التربويات في المدارس والمحاميات وغيرهن، والمؤسف أن المؤسسة الإسرائيلية تدعم القبلية ولا تدعمهن.

إحدى المحاميات تحدثت عن إغلاق ملفات ضد نساء معنفات لأنهم "لا يريدون مشاكل مع القبيلة"، أو لأنهم يريدون الحفاظ على "هدوء صناعي"، كما يقولون بالعبرية، وهذا أمر يضر ليس بالنساء المهنيات فقط بل بالنساء المعنفات المحتاجات لدعم النساء المهنيات.

وتبرز هذه الحاجة في المستشفيات والعيادات، حيث نلاحظ مدى أهمية أن تكون طبيبة أو ممرضة أو عاملة اجتماعية عربية وابنة المنطقة، تفهم لغة النساء ونمط حياتهن وتقاليدهن وهي كلها أمور تخلق مودة نسائية من امرأة لامرأة، والتي هي ضرورية في المعالجة.

عرب 48: ما هي مميزات تلك الفئة أو الطبقة الآخذة في التبلور كما أسميتها؟

أبو ربيعة: معظمها تتشكل من نساء طموحات، وهي جزء من الطبقة الوسطى التي تتمتع بثقافة ودخل أعلى في مجتمعها، معظمها تتشكل من عائلات مع ولدين أو ثلاثة وفيها زوج داعم لعمل الزوجة وتقدمها المهني، وهو يشكل جدار حماية لها ليس من المجتمع فقط بل من العائلة الموسعة في حال تعرضها لانتقادات بسبب عملها أو تعليمها.




*دكتوره سراب أبوربيعه قويدر- محاضره في قسم دراسات الصحراء في جامعة بئر السبع. تدرس العنصريه وعلاقات القوى بين النساء الفلسطينيات والدوله اليهوديه في مجال التعليم العالي وسوق العمل.

التعليقات