بروفيسور روحانا: مرحلة المفاوضات والراعي الأميركي وحل الدولتين انتهت

مقابلة خاصة مع البروفيسور نديم روحانا: برنامج إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وصل إلى طريق مسدود* عنوان المرحلة القادمة هو التخلص من الكولونيالية* الدولة الواحدة في كل الوطن باتت حاضرة في وعي الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر

بروفيسور روحانا: مرحلة المفاوضات والراعي الأميركي وحل الدولتين انتهت

نتنياهو وعباس (صورة أرشيفية - أ.ف.ب)

في مقال له بعنوان "الحالة الكولونيالية - هل حل التقسيم ممكن في فلسطين"، يقول بروفيسور نديم روحانا، إن التقسيم لم يكن يومًا أحدَ مطالب السكان الأصليّين الذين يجري استعمارهم والاستيطان في أراضيهم، كما أنّه لم ينته أي مشروع من المشاريع الكولونيالية باقتسام البلاد التي جرى استعمارها بين المستوطنين والسكان الأصليّين. ومثل سِواهم من السكان الأصليّين في جميع أنحاء العالم، رفض الفلسطينيّون مختلف خطط التقسيم، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتّحدة رقم 181 الصادر عام 1947.

ويشير روحانا، أستاذ العلاقات الدولية ودراسات الصراع في كلية القانون والدبلوماسية في جامعة "تافتس" في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة، إلى أن المشاريع الاستعماريّة الاستيطانية انتهت تاريخيا بواحدة من ثلاث طرق هي، القضاء على السكان الأصليّين أو تقليصهم إلى مجموعة أو مجموعات ذات أهمية سياسيّة هامشية (كأستراليا وأميركا الشمالية)، أو هزيمة الكولونياليين حيث يختار معظمهم العودة إلى بلدهم الأم (الفرنسيون في الجزائر، والصليبيون في الأراضي المقدسة)، أو ظهور نظام سياسيّ جديد بعد فترات من العنف والسيطرة، ونضال طويل ومستمر للسكان الأصليّين، وتكون الحصيلة نظامًا يضمّ كلاًّ من الكولونياليين والسكان الأصليين (نيوزيلندا وجنوب أفريقيا وزمبابوي).

ورغم أنّ الصهيونيّة سعت صراحة إلى إقامة دولة يهوديّة إقصائيّة في فلسطين، ولم تضم هذه الدولة السكّان الأصليّين في تعريفها الوطنيّ، إلا أن البروفيسور روحانا رأى أن التوصل إلى حل الدولتين سيترك مجموعة كبيرة من الفلسطينيّين خارج الحّل، أي اللاجئين والفلسطينيين داخل إسرائيل، حيث تُعتبر اللامساواة، في الواقع، ميّزة ثقافيّة وسياسيّة معرّفة للدولة. إذ يُنظر إلى المساواة، وبحقّ، كتهديد قاتل للفكرة الصهيونيّة. وهكذا، فإنّ الحلّ المستند إلى التقسيم لا يتناول بل ويَقْصُرُ عن مخاطبة هذا المصدر الرئيسي من مصادر الصراع، ناهيك عن أن الفلسطينيين لا يستطيعون الاعتراف بشرعية الدولة اليهودية لأسباب عدّة، إذ يعني هذا الاعتراف في جوهره الاعتراف بشرعية الصهيونية، التي سعت إلى أن يكون وطن الفلسطينيّين وطنًا إقصائيًّا للشعب اليهوديّ. وبالتالي، قد يؤدي مثل هذا التقسيم، وفي ظروف معينة، إلى مزيد من التطهير العرقي وجرائم الحرب.

واعتمادا على ذلك، يشكك روحانا بنجاح حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يقوم على أساس تقسيم البلاد بين الكولونياليين والسكان الأصليين، لمجرد أنه يتم في عملية تفاوض تجري هندستها على نحو جيد وتلقى دعما دوليا يدعم الحل، وذلك لأن دعاة هذا الحل يتجاهلون الجوانب العمليّة للاستعمار الكولونياليّ، والحقائق السياسيّة والمادّيّة المعقّدة التي يفرزها على الأرض لعدّة أجيال، إضافة إلى تجاهلهم للأنماط التي ينتهجها الكولونياليّون للسيطرة العنيفة، والشعور بالتفوق المتأصل الذي يأتي تلقائيًّا مع أي عملية استعمار وعمليات الاقتلاع والسيطرة الديمغرافية المستمرة على السكان الأصليّين، والنظم المعرفية والنفسية التي تظهر بين المستعمرين والرامية إلى إنكار أو تبرير الاقتلاع والسيطرة. زد إلى ذلك أن هذا الحل يواجه برفض السكان الأصليّين التنازل عن وطنهم وإضفاء الشرعيّة على المشروع الكولونيالي.

صراع كولونيالي

في ضوء التطورات السياسية التي أعادت إلى السطح خيار الدولة الواحدة - العلمانية الديمقراطية أو ثنائية القومية، بعد وصول ما يسمى بـ"عملية السلام"، التي ترعاها أميركا والقائمة على حل الدولتين إلى طريق مسدود، أجرى موقع "عرب 48" المقابلة التالية مع البروفيسور روحانا.

"عرب 48": يبدو أن إعلان ترامب وضع أطراف ما يسمى بـ"العملية السلمية"، وخاصة الطرف الفلسطيني أمام أزمة حقيقية، قد أتي على ما اصطلح على تسميته بمشروع التسوية؟

روحانا: "نستطيع القول بوضوح أننا أمام انتهاء شبه رسمي لمرحلة من مراحل الصراع، هي مرحلة حل الدولتين والتي استندت إلى التعويل على المفاوضات تحت الرعاية الأميركية للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، أو مرحلة تقسيم فلسطين. نحن أمام انهاء شبه رسمي لهذه المرحلة. والانحياز الأميركي المكشوف لإسرائيل، وما سبقه وتلاه من خطوات إسرائيلية على الأرض، وضع الصراع في نصابه الحقيقي وهو: صراع كولونيالي بين حركة كولونيالية وأصحاب البلاد الأصليين. والسؤال هو هل يعني ذلك أننا وصلنا إلى نهاية شعار دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧؟ نعم. لم تعد هناك إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. نهاية المرحلة تعني فشل برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة. وفشل البرنامج يرتبط بفشل القيادة التي حملته، وهو ما يجدر التوقف عنده عبر المحاسبة والمكاشفة والتحدث عن الفشل بصراحة دون لملمة الأمور وكنس العيوب تحت السجادة. وهناك قيادة يجب أن تتحمل مسؤولية أخطائها. أوليس من الأوليات، بعد 30 عاما من المفاوضات، أن يكون هناك بديل، ولو من باب تعزيز قوتنا التفاوضية؟ لما لم تتحضر القيادات لإمكانية المقاومة وتعزز مقوماتها كخيار حاضر في حال فشلت المفاوضات. على القيادة ان تتحمل مسؤولياتها وتفسح المجال لقيادات جديدة".

"عرب 48": قيادة السلطة تتحدث عن برنامج يتمثل بما تسميه تدويل القضية، بمعنى الانتساب إلى المؤسسات الدولية وإقامة دولة تحت الاحتلال؟

روحانا: "الخطوات الدبلوماسية قد تعطي المرجو منها عندما يكون لديك مشروعا، لأن الجميع يعرف أن المهم هو ما يجري على الأرض وبدون ذلك تصبح الخطوات الدبلوماسية مجرد قفزات في الهواء".

"عرب 48": من جهة ثانية، فإن التسليم بما تفرضه إسرائيل على الأرض ليس برنامجا، وكلنا يعرف أن إسرائيل هي الذاهبة باتجاه ضم الضفة الغربية وإقامة دولة واحدة؟

روحانا: "لا يمكن التسليم بما تفرضه إسرائيل. يجب مقاومته. إسرائيل فعلا تسير باتجاه حل الدولة الواحدة: الدوله الكولونياليه الاستيطانيه الواحدة. إذا كان الأمر كذلك – واعتقد أن هذا صحيح، فأن جوهر مقاومة إسرائيل سيتحوّل إلى مقاومه النظام الكولونيالي الواحد وتبديله بنظام ديمقراطي للفلسطينيين واليهود الإسرائيليين في كل فلسطين. وحل الدولة الواحدة هو أحد الاحتمالات التي يجب تطويره. وحل الدولة الواحدة لم يُطرح فقط بسبب فشل حل الدولتين، فهذا الحل كان أحد الخيارات الفلسطينية دائما. ولكن اليوم هو بحاجة إلى بلورة من جديد بحيث يشكل بديلا سياسيا حقيقيا ممكنا وبحيث يتحول إلى برنامج وطني تلتف حوله كافة تجمعات وأطياف الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. ومن الواضح أن الشرط الأساس لتحقيق ذلك هو التخلص من الكولونيالية الصهيونية. ومشروع الدولة الواحدة يجب أن يعتمد على تصور إنساني ووضوح أخلاقي وسياسي لمكانة ودور وشراكة اليهود الإسرائيليين بعد التخلص من الكولونيالية، وبذلك يجب أن تنضم إليه قوى إسرائيليه مناهضه للصهيونية".

"عرب 48": ما افهمه أن مشروع الدولة الواحدة ينقل الصراع من صراع مع قوة محتلة، يسعى إلى إنهاء احتلالها على جزء من الأرض وإقامة الدولة عليه، إلى صراع داخلي من أجل تغيير النظام السياسي لتلك الدولة التي باتت تفرض سيادتها على كامل الأرض الفلسطينية؟

روحانا: "ما تقوله صحيح. فالصراع الفلسطيني مر بثلاث مراحل. المرحلة الأولى، التي وصفت بصراع وجود واستهدفت القضاء على إسرائيل بالوسائل العسكرية. والمرحلة الثانية، التي سميت بمرحلة التسوية وتمثلت بالاعتراف بإسرائيل والسعي لتقاسم البلاد معها عبر المفاوضات. والمرحلة الثالثة، التي نحن على أعتابها يمكن تسميتها بمرحلة التخلص من الكولونيالية وإقامة دولة واحدة مشتركة متحررة من الكولونيالية الصهيونية بكل ما ترتّب على امتيازات المستعمر والسيطرة على المستعمر. واليوم تقع فلسطين كلها تحت السيطرة، وعمليا تحت السيادة، الإسرائيلية. ويتحول الأمر تدريجيا إلى تحويل السيادة الفعلية إلى سيادة سياسيه كولونيالية – يعني دوله كولونيالية. مشروع المقاومة لهذا التحول هو مشروع التحرر من الكولونيالية. ويجب أن نذكر أن مشروع الدولة المستقلة في الضفة والقطاع دفعت باتجاهه قيادات وأوساط أساسية في الضفة والقطاع، خاصة بعد الانتفاضة الأولى. واليوم بعد 30 سنة هناك تحول كبير، حيث نرى الكثير من النخب هناك تتبنى مشروع مقاومة الكولونيالية في كل فلسطين والذي يستقطب المزيد من الأوساط في مختلف تجمعات الشعب الفلسطيني وبعض الإسرائيليين أيضا".

فلسطينيو 48

"عرب 48": ما نراه هو حالة من غياب البديل في ضوء وصول حل الدولتين إلى طريق مسدود، بمعنى أن الطرح الذي تتحدث عنه غير حاضر كخيار سياسي واضح ومترجم إلى برنامج وطني، الأمر الذي يفتح الباب أمام محاولات إحياء وإنعاش حل الدولتين وبعثه مجددا؟

روحانا: "أوافق أن حل التحرر من الكولونيالية لم يتحول بعد إلى برنامج سياسي، لكنه بات حاضرا في وعي الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر وفي حياتهم اليومية. فقد بات تفكير الفلسطيني يتعدى حدود 67 و48 ، كما أن النهج الكولونيالي تعاظم داخل الـ 48 وتغول داخل حدود 67. ونستطيع القول إننا تجاوزنا كفلسطينيين الحدود السياسية وبات الوطن بالنسبة للكثيرين كل متكامل في وعي مختلف طبقات الناس ألا وهو فلسطين".

"عرب 48": ما تقوله يعني تغييرا في أجندتنا وبرامجنا نحن أيضا كفلسطينيي 48 وانضمامنا إلى الكل الفلسطيني، ماذا ستكون مساهمتنا في هذا المشروع؟

روحانا: "في الواقع هناك أسس في التفكير السياسي لفلسطينيي ال٤٨ لمثل هذا المشروع ممكن الاعتماد عليها. مثلا يجب المجاهرة بالمعاني السياسية لدولة المواطنين، بمعنى النضال من الداخل من أجل نزع الطابع اليهودي - الصهيوني وتطويره ليشمل كل الوطن الواقع تحت السيادة الكولونيالية. هذا التغيير، والتغييرات الحاصلة على أرض الواقع، تقود بالضرورة إلى التفكير بتغيير الأجندة. وإذا بدأ الكولونيالي بتطبيق مشروع الدولة الكولونيالية الواحدة على كل الأرض الفلسطينية، كيف يمكن ألا نغيّر أجندتنا لمقاومه الكولونيالية كنظام سيادي في كل الوطن".

"عرب 48": ما هو دور فلسطينيي 48 في مشروع الدولة الواحدة؟

روحانا: "هناك من يعتقد أن فلسطينيي 48 هم المؤهلون لقيادة هذا المشروع. أنا لست من هؤلاء لأني أعتقد أننا لا نملك المقومات الكافية لذلك. ولكننا نستطيع أن نساهم في الفكر السياسي بجرأة ونتحمل قسطا كبيرا في حمل المشروع. التجربة المختلفة لفلسطينيي ال٤٨ وفهمهم – بسبب موقعهم – لأعماق المشروع الصهيوني ونظامه السياسي وألوانه الفكرية، وتحررهم من مستلزمات الفكر التفاوضي، تمكّن من المساهمة في المشروع التحرري لكن ليس قيادته".

التعليقات