ظلم وقهر بالنقب: إسرائيل تهدم منازل العرب وتفرض عليهم الغرامات

تجبر السلطات الإسرائيلية المواطنين العرب في منطقة النقب، جنوبي البلاد، على هدم بيوتهم بأيديهم، في الوقت الذي سُجلت في السنة الماضية 1952 عملية هدم.

ظلم وقهر بالنقب: إسرائيل تهدم منازل العرب وتفرض عليهم الغرامات

"الهدم الذاتي" في النقب (عرب 48)

تجبر السلطات الإسرائيلية المواطنين العرب في منطقة النقب، جنوبي البلاد، على هدم بيوتهم بأيديهم، في الوقت الذي سُجلت في السنة الماضية 1952 عملية هدم.

كان مدير الحراسة في منطقة الجنوب التابعة لما يسمى "سلطة أراضي إسرائيل"، شورون إيلان، قد صرح في تاريخ 24.7.2014 عن نجاعة سياسة فرض الغرامات والتهديد بها على المواطنين العرب في النقب، بأن "سياسة التغريم المنفذة من قبل السلطات التي من خلالها يتم تغريم الغزاة بغرامات مالية على تكلفة عملية إخلاء البيوت وهدمها التي يتم دفعها من خزينة الدولة، تحقق نتائج جيدة جدا. الازدياد بعدد تنفيذ عمليات الهدم من قبل أصحابها يوفر ملايين الشواقل للخزينة العامة".

هذا التصريح جاء بعد عام من اتخاذ سياسة جديدة في النقب لزعزعة صمود الأهالي العرب في القرى مسلوبة الاعتراف الذي شكل مشكلة جدية للحكومات المتعاقبة التي تعمل على إخلاء النقب من سكانه وتركيز العرب الفلسطينيين في النقب في مناطق محددة وتحت معايير مقبولة على مقرري السياسات الإسرائيلية، وبعد فشل مخطط "برافر" ومقابلته برد شعبي واسع النظير في النقب والعالم، كان قد حان الوقت لتجريب أساليب تصعيدية جديدة تمارسها السلطات الإسرائيلية على أهالي النقب بشكل مباشر وهادئ مما يضعف التفاعل العالمي معهم، ويجبرهم على تنفيذ الإملاءات الإسرائيلية بترك بيوتهم، هدمها والوصول إلى اتفاقات مع ما يسمى "سلطة توطين البدو" ووزارة الزراعة مرغمين.

عرض تقرير منتدى التعايش في النقب، الناشط في قضايا الهدم سياسة هدم البيوت على يد الحكومة بشكل عام وظاهرة الهدم الذاتي للبيوت على أيدي الأهالي على أثر الضغوطات والتهديد الحكومي بتدفيع غرامات باهظة، والتي تم البت في صحتها قانونيا بعد الحكم على ستة أفراد من قرية العراقيب بدفع مبلغ ما 360 ألف شيقل كغرامات بتكاليف هدم القرية لأربع مرات، ويعد هذا القرار تشريعا حكوميا وقضائيا لضغوطات الحكومة على الأهالي العرب للقرى مسلوبة الاعتراف لإجبارهم على هدم بيوتهم بأيديهم.

استمر هذا النهج بعد شرعنته في المحاكم الإسرائيلية وتصريح وزيرة القضاء الإسرائيلية، أييليت شاكيد، في السنة الماضية بأن "البناء غير القانوني في النقب سيواجه بغرامات مالية ضخمة"، تم الحكم على أثر هذه التشريعات على عدة مواطنين عرب بمبالغ خيالية منهم المواطن سلمان أبو سبيلة من النقب بغرامة قدرها 80 ألف شيقل مقابل تكاليف الهدم، المواطن علي القرعان غُرّم بـ90 ألف شيقل عن الهدم وما يقارب 80 ألف شيقل تكاليف مصادرة والتحفظ على أغنامه، كما فرضت غرامات على 4 مواطنين عرب من قرية الزرنوق، غير المعترف بها، قدرها 12 ألف شيقل.

وكانت السلطات الإسرائيلية قد هددت بفرض الغرامات على المواطنين العرب في النقب قبل قرار المحكمة في قضية العراقيب بكثير،

سياسة هدم البيوت

يتعرض المجتمع العربي البدوي في النقب لسياسة هدم مستمرة للبيوت والمباني من قبل السلطات، هذه السياسة منبثقة بالأساس من قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي الذي سن عام 1902 بعد ذلك قامت الدوائر المعينة في مجال التخطيط والبناء بتحديد الأراضي في الدولة. يشمل ذلك المساحة التي تتواجد عليها القرى الغير معترف بها في النقب وتم تحديد غالبية هذه القرى كمناطق زراعية غير مخصصة للسكن، بطريقة أخرى حددت كل هذه البيوت كبيوت غير قانونية والأراضي على أنها للزراعة ولا يمكن بناء البلدات عليها.

في الواقع هذه القرى كانت موجودة، 7 بلدات مخططة أقيمت بواسطة الدولة توفر لسكانها إمكانيات سكن ويفترض أن تلائم هذه البلدات مدى نمو وتطور المجتمع فيها. كذلك فإن قرار الدولة الأخير في سنة 2000 بالاعتراف بـ11 قرية غير معترف بها لم يؤدي لحل مشاكل السكن عند أهالي هذه القرى في الواقع لأنه لا يوجد لهذه القرى أي مخطط تنظيم، ولذلك كل البيوت المبنية قبل الاعتراف 5 تعتبر بيوتا غير قانونية، وحتى الآن في غالبية القرى لم تعط إمكانية البناء.

في السنوات الأخيرة، حسبما ذكر العديد من السكان، كل بيت يمر بمرحلة تجديد حتى لو كان بشكل بسيط تقوم السلطات بإصدار أمر هدم له. كذلك فإن الأزواج الشابة الذين يقومون بالبناء لبداية حياة جديدة يحصلون على أوامر هدم بيوتهم، وفي بعض الأحيان حتى قبل الزواج يتم هدم البيوت. كل هذا يؤدي إلى وضع يضطر به سكان هذه القرى بالبناء بشكل غير قانوني مما يعرضهم طوال الوقت لأوامر هدم البيوت وتنفيذها.

انعدام قسائم البناء في البلدات المخططة وعدم وجود تخطيط في البلدات المعترف بها ومبدأ الدولة بأن القرى الغير معترف بها هي قرى غير قانونية، كل هذه الأسباب تؤدي إلى عشرات أوامر هدم المنازل في السنة بالنقب، وبالتالي إلى هدم العديد من المباني، في الأغلبية الساحقة من الحالات لا توفر السلطات الحلول لأصحاب البيوت المهدومة، وتبقى هذه العائلات في الغالب بعد الهدم دون مأوى.

ظهرت قضية الهدم الذاتي لبيوت الأهالي العرب على أيدي أصحابها في بداية العام 2011، لازدياد هذه الظاهرة هناك 3 أسباب رئيسية، الأول هو تهديد المفتشين بفرض غرامة مالية إذا قامت السلطات بالهدم، السبب الثاني هو محاولة إنقاذ معدات ومواد بناء، والسبب الثالث هو تفضيل السكان القيام بذلك بأنفسهم لمنع مواجهة التجربة القاسية عنهم وعن أبناء عائلاتهم.

منذ بداية عام 2011 بدأ مفتشو السلطات بتهديد السكان الذين أصدرت لبيوتهم أوامر هدم إذا لم يقوموا بهدم بيوتهم بأنفسهم سترفع ضدهم قضية تطالبهم بدفع مبالغ تعويض عمل آليات الهدم. هذه التهديدات نجحت وأيضا نرى ذلك في الازدياد الكبير بهدم البيوت بواسطة أصحابها. خلال السنوات الثلاث الأولى التي تم العمل بهذه السياسة فيها حتى عام 2015 فقط قدمت 3 شكاوى وبقيت في المحاكم، مما يؤشر أن التهديد بسياسة في وقتها لم تكن قانونية ودفع الناس إلى هدم بيوتها بأيديها بلا حجة قانونية كان تصرفا يعتمد بشكل كامل توجهات موظفي "سلطة تطوير النقب" دون مظلة قانونية.

وحسب معطيات وزارة الداخلية الإسرائيلية، فإنه في تلك الفترة يظهر أنه خلال عام واحد من تنفيذ السياسة الجدية هدم في النقب 859 مبنى، 78% من المباني تم هدمها على يد سكانها و22% من المباني بحملات منظمة بحماية الأجهزة الأمنية.

مع نجاح هذه السياسة لتحقيق الغاية المرجوة لدى الجهات الأمنية الإسرائيلية المعنية بتهجير عرب النقب وهدم بيوتهم وعدم قدرة الأهالي العرب القابعين تحت خط الفقر على دفع تلك الغرامات تستمر السلطة بممارستها وتصعد سياسة تدفيع الثمن للمواطنين العرب، وبعد حصولها على الشرعية القضائية (قضية العراقيب) يبدو أن أهالي النقب أمام سياسة قهر وظلم غير مسبوقة وهي إما هدم بيوتهم بأنفسهم أو أن يعانوا من العقوبات الجنائية المترتبة على عدم دفع تكاليف هدم بيوتهم بأيديهم.

مواطنون عرب يروون معاناتهم

وقال سلمان أو سبيلة الذي فرض عليه دفع مبلغ 80 ألف شيقل تكاليف هدم خيمته ثلاث مرات، لـ"عرب 48"، إن "قوات الهدم هدمت خيمتي أكثر من 10 مرات وطالبتني بدفع مبالغ خيالية تكاليف هدمهم لبيتي وبيت أبنائي".

وأوضح أنه "والد لعشرة أطفال، لا منزل آخر لي ولأبنائي غير هذه الخيمة، ولا أملك المبالغ التي تطلبها الدولة مني. هذا الأسلوب انتقامي ولا يترك لنا خيارا. الأفق مسدود أمامنا ونحن متروكون لنواجه المطرقة والسندان وحدنا، اين يريدون أن نذهب؟ وكيف لنا أن نعيش وأطفالنا في هذا الواقع؟ لا نريد سوى الحياة الكريمة وليس لنا مكانا آخر نذهب إليه، لن نترك هذه الأرض".

وقال علي القرعان وهو رب أسرة ويعيل أولاده من تربية الأغنام، لـ"عرب 48"، إن "الدولة تطالبني، اليوم، بدفع مبلغ 150 ألف شيقل تكاليف هدم بيتي ومصادرة أغنامي والعناية بها".

وأضاف أنه "في البداية هدمت الحكومة بيتي وبيت أبنائي، وتم سرقة ممتلكاتي وحلي زوجتي خلال عملية الهدم، صادروا أغنامي واضطررت لدفع 26 ألف شيقل لاسترجاع مصدر رزقي الوحيد، وفي المرة الثانية صادروا أغنامي مرة أخرى وطالبوني بدفع 50 ألف شيقل لاسترجاعها وهدموا منزلي مرة أخر ى. لم يكن لدي هذا المبلغ وهو أكثر من سعر الأغنام التي صادروها. تركنا بلا مأوى وبلا مصدر رزق ثم بلغت الغرامات علي 150 ألف شيقل وبيعت أغنامي في مزاد على أيدي من سرقوها بقيمة 26 ألف شيقل".

وختم القرعان بالقول إنه "لم يبق لي شيئا وأنا ملاحق في المحاكم، اليوم. فكرت حتى في طلب اللجوء إلى الاردن، جوعوا أبنائي لإشباع من هدموا بيوتنا".

وقال نصر العمور، لـ"عرب 48" إن "السلطات أجبرتنا على هدم المنزل الوحيد لعائلة مكونة من عشرة أفراد بينهم قاصرون وهددونا بفرض غرامات بمئات آلاف الشواقل إذا وصلت القوات إلينا وقامت بالهدم".

وأضاف أنه "نحن أناس بسيطون، نملك ما يكفينا، لا نريد منهم سوى أن يتركونا بحالنا، أين سنذهب بعد هدم المنزل؟ قد يكون المأوى حتى نجد حلا البقاء في منزل أحد الأقرباء، الله لا ينسى أحدا".

التعليقات