معركة وجود: حي العجمي في يافا والتهجير الصامت

صمد حي العجمي منذ احتلال المدينة في العام 1948، إذ تحول إلى ملاذ لفلسطينيي يافا الذين صمدوا خلال الحرب، وعنوانهم الأول، حتى تجمّع كافة المواطنين العرب داخله ليحول بعد ذلك إلى سجن كبير وأشبه بـ"غيتو" حوصروا داخله.

معركة وجود: حي العجمي في يافا والتهجير الصامت

حي العجمي (عرب 48)

"لن يهزم حي العجمي وسينتصر"، نطق الشاب إياد زبدة من يافا هذه الكلمات وبدأ من خلالها جولتنا في الحي العربي العتيق؛ دخلنا سويا الحي الواقع في عمق مدينة يافا التاريخية، حيث الملامح الفلسطينية العربية الآخذة بالاندثار بفعل مخططات السلطة الإسرائيلية.

صمد حي العجمي منذ احتلال المدينة في العام 1948، إذ تحول إلى ملاذ لفلسطينيي يافا الذين صمدوا خلال الحرب، وعنوانهم الأول، حتى تجمّع كافة المواطنين العرب داخله ليحول بعد ذلك إلى سجن كبير وأشبه بـ"غيتو" حوصروا داخله.

ومنذ ذلك الحين، حمل المواطنون العرب في يافا، السكان الأصلانيين للمدينة، أغصان الزيتون والسلاح، في مواجهة آليات الحرب الإسرائيلية، والحركات الصهيونية الدموية، إذ شهدت مدينة يافا ولا سيما حي العجمي معارك ضارية مع العصابات الصهيونية الإرهابية المدججة بالأسلحة، والتي شكلت بعد ذلك نواة الجيش الإسرائيلي، وسقط في الدفاع عن الوجود العربي في المدينة مئات الشهداء.

كان حي العجمي في العقدين الأخيرين، عربي حتى النخاع، ومع مرور الزمن وبفعل المخططات السلطوية للمؤسسة الإسرائيلية، بدأت علامات التهويد تظهر جلية مكرّسة لتهويده من قبل السلطات الإسرائيلية دون غيره من أحياء المدينة، حتى أصبح العرب فيه مجرد أقلية، كواقع وجودهم في سائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ولم تكتفِ السلطات الإسرائيلية بمخططات التهويد المؤسساتية للحي والمدينة، بل و"ساهم" في عملية التهويد الحركات الصهيونية ذات الصبغة الدينية، المدعومة بأموال طائلة من أجل "تحرير" كل عقار وقطعة أرض تابعة للمواطنين العرب في يافا.

الحي يلفظ أنفاسه العربية الاخيرة

إياد زبدة

تسيطر على الشاب إياد زبدة من سكان مدينة يافا، مشاعر الغمّ والغيظ، حين دخوله حي العجمي الذي ترعرع فيه وعاش فيه وشكل وعاءً لذاكرته ونقشًا لشخصيته، إلى أن انهمرت دموعه بشكل لا إرادي، لِما حل بالحي من عملية تهجير صامت، أضحى فيه السكان العرب غرباء.

وفي حديثه لـ"عرب 48"، قال زبدة بنبرة حزينة، "كأن هذا الحي حيٌ آخر، كان فيه ناس آخرين، ودّعوه منذ لحظة، واستبدلوهم بأناس غيرهم. كأني أرى الحي يحتضر لما حل به، ويلفظ أنفاسه العربية الأخيرة أمام البحر الذي ينظر صامتا لمشهد التهجير مع أصوات الأمواج المتلاطمة".

وأشار إياد إلى أن "الحزن اليوم جلل، وكطفل كنت ترعرعت في هذا الحي العريق، عندما أراه اليوم على هذا الحال، حي عربي شامخ، لا يسكنه العرب إلا كأقلية، تغيرت ملامحه بشكل كبير، هذا الحي الذي التحم به أبناء العروبة الفلسطينية في يافا، الذين صمدوا في الحروب والنكسات والنكبات، أصبح في أحلكِ الظروف سيغدو وحيدا خاويا من كل ملمح عربية".

تهجير صامت

وأوضح أن "القضية واضحة جلية، يمر حي العجمي بتهجير صامت، السلطات الإسرائيلية والحركات والجمعيات الصهيونية تشن حملات لم يسبق لها مثيل، لتهويد كل شبر من أرض يافا، المنازل هنا تشترى بمبالغ طائلة، بحيث لا يمكن للمواطن العربي البسيط شرائها، وبهذه الطريقة، تحول العقارات إلى أصحاب النفوذ والأموال الداعمين، والى الجمعيات اليهودية وغيرها".

وتابع "أنا أعول على أبناء مجتمعنا، لكن، لا يمكننا الاستمرار بصمت القبور، يجب على الجمعيات والحركات وأصحاب الأموال ممن تهمهم مصلحة أبناء شعبهم، أن يمدوا يد العون في يافا، ويساهموا في دعم وشراء والمحافظة على العقارات والأراضي العربية، كي لا تذهب سدى، ويُمحى كل معلم عربي ويطمس في مدينة يافا التاريخية".

حي العجمي (عرب 48)

وأشار إلى أنه "يجب على كل مواطن في يافا ألا يبيع أي عقار لغير العربي، وهذا من منطلق الحفاظ على الطابع العروبي ليافا، يجب أن يكون تكاتف من كافة الشرائح المجتمعية في يافا، والأحزاب فيها ومن خارجها، ليمنعوا كل مخططات التهجير والطمس التي خصصت لمحو عروبتها، ونشر التوعية في صفوف اليافيين، وأيضا لدعمهم في هذه المعركة أمام كل المؤسسات الصهيونية الحكومية والخاصة".

وأضاف أنه "أنهيت في الفترة الأخيرة دورة في بيع وشراء الأراضي والعقارات، ومن هنا فإني أبادر إلى تنسيق بيع الأراضي من العرب إلى العرب، في محاولة للحفاظ على الأملاك اليافية العربية، وهذه خطوة جديدة، لذ فإني أدعو من هنا كل مواطن في يافا، أن يقترح ويبادر من أجل وضع حل لهذه الظاهرة المقيتة".

العرب في العجمي أصبحوا غرباء

وتابع أنه "تدخل حي العجمي اليوم ولا تعرفه، مع مرور السنين، ربما قريبًا، أتوقع أن يكون كل الحي سكان غرباء، لأن نسبة العرب تقل مع مرور الوقت، يسعون إلى تحويل حي العجمي إلى حي آخر، أنا عندما أدخل حي العجمي أشعر كالغريب، والخطورة تبدأ عندما يكون الأغلبية ليسوا عربا وبدأنا نلمس ذلك اليوم، حيث بدأ السكان غير العرب، مضايقة المواطنين العرب من خلال إسكات صوت الأذان ويجري طمس ملامح عربية أخرى".

حي العجمي (عرب 48)

وأكد إياد أن "السلطات الإسرائيلية لا تريد مساعدتنا، بل إنها تقصد مضايقة العرب في حي العجمي، لا تبذل أي عناء للتمييز بين البيت العربي واليهودي هنا، عندما تنظر إلى البيت العربي، ترى أنه متهالك غير مرمم، لأنهم لا يسمحون بذلك، أمام البنايات الأخرى، تراها كالقصور، وجه العنصرية والتمييز هنا صارخ".

المطلوب... جمعية عربية عالمية تحافظ على الوجود العربي 

وانتقد إياد لجنة المتابعة وأعضاء الكنيست الذين تعاقبوا على مختلف الدورات البرلمانية قائلا: "ماذا فعلت لجنة المتابعة وأعضاء الكنيست لقضية المدن المختلطة، ماذا غيروا ما الجهود التي بذلوها، انتظرناهم سنين، لا شيء تغير، قضية التهجير والتهويد مستمرة وبشدة ولا أحد من القيادة يحرك ساكنا".

وتابع "نحن أمام الذكرى الـ70 من احتلال يافا وفلسطين، ماذا تغير؟ لا شيء، ماذا فعلنا؟ لا شيء، التهجير مستمر، والقتل مستمر، وفي كل يوم يمر، نفقد إما قطعة أرض، أو أرواح البشر".

وختم بالقول إنه "يجب إقامة جمعية ترعى كل هذه الأمور، لتشتري العقارات والأراضي في يافا من أجل إقامة مشاريع تخدم المواطنين العرب، يجب أن نبدأ ونبادر، وتكون الجمعية قُطرية بل وتكون عربية عالمية، كالوكالات الصهيونية التي تدعم اليهود، نريد حلا جذريا وإلا سنخسر ما بقي من وجود عربي في يافا، يافا هي الورقة الأخيرة قبل القدس، إذا ما خسرناها خسرنا فلسطين كلها".


 

التعليقات