10/02/2018 - 08:37

د. دهامشة: قراءة أدبية وثقافية في الأسماء العربية للأماكن

د. عامر دهامشة: الأسماء هي نتاج التجربة الجماعية الفلسطينية التي شكلت هوية المكان * الأسماء العربيّة الفلسطينيّة عريقة ومتأصّلة ورغم انها تطوي في ثناياها محطّات من تاريخ الشّعوب الّتي عبَرَتْ هذه البلاد

د. دهامشة: قراءة أدبية وثقافية في الأسماء العربية للأماكن

د.عامر دهامشة

* د. عامر دهامشة: الأسماء هي نتاج التجربة الجماعية الفلسطينية التي شكلت هوية المكان

* الأسماء العربيّة الفلسطينيّة عريقة ومتأصّلة ورغم انها تطوي في ثناياها محطّات من تاريخ الشّعوب الّتي عبَرَتْ هذه البلاد

* علاقة الفلسطيني بأرضه أثمرتْ مخزونًا ثقافيًّا يضم عشرات الاف الأسماءِ والحكايا

*المسميات تعكس العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والجندرية في المجتمع الفلسطيني


في إطار سعيها لتهويد المكان قامت الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل على مدى نحو 125 عاما بعبرنة أسماء 7000 موقع، منها أكثر من 5000 موقع جغرافي، وعدة مئات من الأسماء التاريخية، وأكثر من 1000 اسم للمستوطنات، كما يورد الدكتور شكري عراف، الذي يفيد أن عملية العبرنة تمت بواسطة لجنة كانت الوكالة اليهودية ألفتها سنة 1922 لهذه الغاية، وهي تضم حاليا 24 عضوا من العلماء اليهود في شتى الاختصاصات، كما تشمل ممثلين عن بعض الوزارات المعنية، والوكالة اليهودية، والصندوق القومي اليهودي، والجيش.

الباحثة الإسرائيلية، نوعا كدمون، تشير في كتابها "على قارعة الطريق" أن إسرائيل ترى بتلك الأسماء أسماء غريبة وسلبية يجب إزالتها، واستكمال المهمة التي بدأتها الحركة الصهيونية قبل عام 1948، وعدم الاكتفاء بطرد السكان من أرضهم ومن قراهم، بل إلى ضرورة تأسيس حيز جديد للأسماء ينسجم مع الرواية الصهيونية، وقد عبر بن غوريون عن ذلك بقوله إن "علينا إبعاد الأسماء العربية لاعتبارات سياسية، ومثلما لا نعترف بالملكية السياسية للعرب على هذه البلاد، فإننا لا نعترف بملكيتهم الروحانية وبأسمائهم".

أما الباحث نبيه بشير فيشير وفي كتابه "حول تهويد المكان" الذي صدر عن مركز "مدى الكرمل"، إلى أن الأيديولوجية الصهيونية الاستيطانية لا تكتفي بتجيير المكان والسيطرة عليه، بمفهوم التملك والحيازة، بل تسعى لفرض السيطرة الثقافية والدينية والتاريخية والجغرافية عليه، أي بفمهوم فرض "اليهودية" و"الصهيونية" على المكان.

من جهتهم يتشبث الفلسطينيون، في سياق الصراع المحتدم، بسهولهم وجبالهم ووديانهم ويعيدون تشكيل مسمياتها، من خلال البحث والتنقيب وإعادة الاعتبار لهذه المسميات، وتندرج في هذا الإطار أعمال وأبحاث الدكتور سلمان أبو ستة والدكتور شكري عراف وبروفيسور مصطفى كبها وغيرهم..

في السياق ذاته يقع كتاب د. عامر دهامشة الذي صدر مؤخرا باللّغة العبريّة بعنوان "مكان نسكن به واسم له: قراءة أدبية وثقافية في الأسماء العربية لأماكن البلاد" والذي يبحث في معاني أسماء الأماكن العربيّة، والعوامل الّتي أدّت إلى تكوينها، كما تتَجلّى في الذّاكرة الجماعية والرّواية المكانية المرويّة على لسانِ عرب الـ 48.

ويشير الكاتب إلى أنه منذ بداية الاستيطان اليهوديّ في سنوات العشرينيّات من القرن الماضي حُذفت الأسماء العربيّة بشكل تدريجيّ من الخرائط، وٱستُبدِلَتْ بأسماء توراتيّة وتلموديّة، بالإضافة إلى أن معظم الأسماء العربية ٱستُبْدِلَتْ بأسماء عبريّة، ولم تُكتب على لافتات الطّرقات ولافتات الإرشاد، ولم تجد طريقها إلى الكُتُبِ والسّجلّات.

الكتاب، كما جاء في مقدمته، يُعيدُ خارطةَ الأسماءِ العربيّةِ إلى الوعيِ الإسرائيليّ والفلسطينيّ ويُقَدِّم رؤية نقديّة جديدة، ويملأ أسماء الأماكنِ بمضامينٍ مغايرةٍ، حيث قام المؤلّف بإجراء مقابلاتٍ مع عرب الجليلَيْن: الأعلى والأسفل، ووثّق المئات من القصص والذّكريات المرتبطة بالأماكن، وأن العلاقة الحميمة والمباشرة والمستديمة الّتي ربطتِ العرب الفلسطينيّين مع الأرضِ، أثمرتْ مخزونًا ثقافيًّا وأدبيًّا يحوي عشرات الآلاف من الأسماءِ الّتي نُسِجَتْ حولَها رواياتٌ وتفسيرات تَحكِي قصّة تكوينها ومعانيها.

حول موضوع الكتاب وعلاقة الانسان الفلسطيني بالمكان، كان لنا هذا الحوار مع د. عامر دهامشة:

عرب 48: الصراع على الأسماء هو جزء من الصراع على المكان وعلى الذاكرة التاريخية، لذلك يكتسب أي بحث"بريء" في هذا المجال بعدا سياسيا، هاما حتى لو جاء ليذكر ويحفظ اسم خلة في كفركنا أو عين ماء في أم الفحم؟

دهامشة: هذا الكتاب غير سياسي بالمعنى التقليدي. أو هو كما وصفته الباحثة جياتري سفيباك، يهدف إلى عدم تسييس ما هو سياسي. بمعنى أن الأبحاث الأكاديمية حول أسماء البلاد ركزت على الأسماء العبرية، ولم تكترث للأسماء العربية، وبهذا لم تتجاهل الموروث اللغوي لعرب هذه البلاد فحسب، بل عرضت نصف القصة كقصة كاملة، وجاء هذا الكتاب ليضع خارطة الأسماء العربية بجانب خارطة الأسماء العبرية، وليكتب الرواية المفقودة دون أن يمحو الرواية التاربخية التي تبثها الأسماء العبرية، ومن هنا أهمية صدوره باللغة العبرية.

وفي البعد المحلي فالقضية ليست اسما هنا وآخر هناك، فهذه الأسماء وُلِدت من الذّاكرة المكانيّة والتّجربة الجماعيّة والشّخصيّة الّتي عاشها عرب هذه البلاد مع أرضهم ونتاج تفاعُلِهم مع بيئتهم، والتّسميات العربيّة للأماكن الجغرافيّة هي جزء من ثقافة شعبيّة شفويّة تراكمت على مدى مئات ألسنين، حيث أثمرت العلاقة الحميمة والمباشرة والمستديمة الّتي ربطتِ العرب الفلسطينيّين مع الأرضِ مخزونًا ثقافيًّا وأدبيًّا يحوي عشرات آلاف الأسماءِ الّتي نُسِجَتْ حولَها رواياتٌ وتفسيرات تَحكِي قصّة تكوينها ومعانيها.

عرب 48: لقد تعرضت أسماء المكان، وما زالت، إلى عملية محو ممنهجة تهدف إلى اجتثاثها، بعد اقتلاع جزء كبير من أصحابها، وإحلال أسماء توراتية وتلمودية يهودية مكانها، أسوة بإحلال المستوطنين محل السكان الأصليين، وحتى على لافتات الشوارع أصبحت بيسان تكتب بأحرف عربية "بيت شان"، وجبل طابور (الطور) جبل "تفور" ومرج ابن عامر "عيمق يزراعيل"؟

دهامشة: إسرائيل تفهم أن الأسماء تشكل هوية المكان، وممارساتها تنسجم مع توجهها في تغيير هذه الهوية، وما أشرت إليه من كتابة الأسماء العبرية بأحرف عربية وإغفال الأسماء العربية العريقة لهذه الأماكن، قد تعزز في أعقاب الأمر الذي أصدره وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، قبل فترة وجيزة بهذا الخصوص، وقد لا نستغرب مستقبلا إذا ما كتبت القدس "يروشلايم"، وصفد "تسفات" بأحرف عربية بهدف مسح هذه الأسماء من الذاكرة.

من جهة ثانية فإن خفض مكانة اللغة العربية، والتوقف عن اعتبارها لغة رسمية، ولو شكليا كما هو متبع اليوم، كما ينص قانون القومية الجديد، لا بد أن يؤثر على مكانة هذه اللغة في اللافتات، ويسحب منا الحقوق القليلة التي كنا نتمتع بها في هذا المجال.

عرب 48: يبدو أن هذه السياسة تنجح معنا، فكم منا يذكر أن مفرق "جولاني" هو "مسكنة" ومجيدو هو "اللجون"، وحتى من يذكرون ذلك لا يستعملون هذه الأسماء الفلسطينية، بالمقابل تصر المؤسسة في عصر "الويز"على إعطاء أسماء عبرية حتى لمواقع داخل القرى والمدن العربية؟

دهامشة: صحيح، ولذلك هناك حاجة لإعادة الاعتبار لتلك الأسماء والحفاظ عليها من الضياع، لأن الهدف محوها من الذاكرة ومن التاريخ بعد أن مسحت من الجغرافيا، والمرحلة الثانية هي التفتيش عن سبل لإعادة تلك الأسماء إلى عقول وقلوب وألسنة الجيل الشاب وهي ليست عملية سهلة.

عرب 48: الكتاب استثنى القرى المهجرة، كما أنه لم يشمل كافة المناطق الفلسطينية داخل الخط الأخضر، حيث اقتصر على الجليل؟

دهامشة: البحث اعتمد على مقابلات شفهية مع عشرات الأشخاص من معظم قرى الجليلين الأعلى والأسفل، جمعت خلالها مئات الروايات التي شكلت المادة الخام للكتاب، لأن البحث لم يقتصر على جمع مسميات المكان، بل ذهب إلى ما وراء هذه المسميات، واستشف منها علاقات الإنسان الفلسطيني بأرضه والعلاقات الاجتماعية التي كانت تسود المجتمع الفلسطيني، الاقتصادية والجندرية، لذلك استثنى القرى المهجرة لصعوبة الوصول إلى أهلها، واستثنى مناطق فلسطينية مثل النقب والمثلث لعدم الاستطاعة من تغطية كافة المناطق.

وينقسم البحث إلى مستويين الأول يعالج أسماء البلدات والقرى العربيّة الفلسطينية، والثاني يعالج أسماء المعالم الطّبيعية كالجبال والتّلال والوديان والطّرقات، وسبر غور المعنى الثّقافيّ والتّربويّ والأيديولوجيّ الذي يقف وراء هذه التسميات، والكشف عن أعرافِ التّسميات العربية والأساليب اللّغوية الّتي تميّزها، وهو يخلص إلى نتيجة مفادها أن الأسماء العربيّة الفلسطينيّة عريقة ومتأصّلة، ورغم أنها تطوي في ثناياها محطّات من تاريخ الشّعوب الّتي عبَرَتْ هذه البلاد، إلا أن معظم هذه الأسماء وُلِدت من الذّاكرة المكانيّة والتّجربة الجماعيّة والشّخصيّة الّتي عاشها عرب هذه البلاد مع أرضهم ونتاج تفاعُلِهم مع بيئتهم، وهي جزء من ثقافة شعبيّة شفويّة تناقلتها الألسن وتراكمت على مدى مئات ألسنين.

عرب 48: ما هي أهم الاستنتاجات التي خلصت إليها خلال بحثك لعملية التفاعل التي أنتجت الأسماء بين الإنسان الفلسطيني والمكان عبر تعاقب العصور وصولا إلى واقع اليوم؟

دهامشة: الأسماء العربية تكونت على مدى العصور، أي قبل اندلاع النزاع الفلسطيني الإسرائيليي، على الأرض وهويتها، واستنتاجي الأول أن مانحي الأسماء العربية كانوا متسامحين، ولم يتنكروا للحضارات الأخرى والشعوب والأديان الأخرى التي مرت على هذه البلاد، ولم يزيلوا آثارها، فهذه "رمانة" تنسب إلى الرومان، ومثلها "قيساريا" التي سميت نسبة إلى الأغسطس قيصر، وهذا "قصر اليهود" بالقرب من أريحا دعي كذلك لأن العرب اعتقدوا أن اليهود اجتازوا نهر الأردن، وتلك كوكب أبو الهيجا دعيت بهذا الاسم نسبة إلى حسام أبو الهيجا، أحد قادة صلاح الدين، وأمّا دير حنّا، فقد نالت اسمها بعد أن جاء إليها يوحنّا أثناء الحروب الصّليبيّة وبنى فيها ديرًا للرّهبان.


الدّكتور عامر دهامشة حاصل على شهادة الدّكتوراه في الأدب العبريّ من الجامعة العبرية في القدس. حاصل على منحة بوست دكتور من جامعة تل أبيب. محاضر في الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة للتّربية في حيفا، وباحث في "معهد ترومان" في الجامعة العبريّة، ومحاضر في الكلّيّة الأكاديميّة العربيّة للتّربية في حيفا

التعليقات