70 عامًا على النكبة: اشتعال ثورة مجيدة (6)

انطلقت الثورة الفلسطينية الكبرى في 20 نيسان/ أبريل عام 1936، عندما أعلن الإضراب العام، واستمر لمدة ستة أشهر، وما توقف إلا بوساطة الدول العربية عند قيادة الإضراب، اللجنة العربية العليا، وعلى رأسها الحاج محمد أمين الحسيني.

70 عامًا على النكبة: اشتعال ثورة مجيدة (6)

ثورة 36، من الأرشيف

قصة بداية الثورة الفلسطينية الكبرى ١٩٣٦

انطلقت الثورة الفلسطينية الكبرى في 20 نيسان/ أبريل عام 1936، عندما أعلن الإضراب العام، واستمر لمدة ستة أشهر، ولم يتوقف إلا بوساطة الدول العربية عند قيادة الإضراب، اللجنة العربية العليا، وعلى رأسها الحاج محمد أمين الحسيني.

ورغم توقف الإضراب، أكملت الثورة مسيرتها حتى نهايات العام 1939، وإن لم تحقق أهدافها رغم التضحيات الجسام، وسقوط أكثر من 5 آلاف شهيد فلسطيني، وآلاف البيوت المهدمة، حيث قام عدة آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، بمواجهة أكثر من 50 ألف عسكري بريطاني، وأكثر من 30 ألف صهيوني من عصابات إرهابية منظمة وقوات "الهاغاناه" و"الإرغون"، وكان لهذه العصابات "مساهمة" كبيرة في محاربة المنتفضين، واستشهاد أكثر من 1200 فلسطينيًا بنيرانها.

واجهت الثورة عدوين رئيسين، ينسقان بينهما الخطى، وإن كان كل منهما يدعي أن شريكه ضد له، خاصة العصابات الصهيونية.

تلخصت مطالب الثورة بوقف الهجرة الصهيونية إلى البلاد، ووقف بيع الأراضي لليهود، والحصول على الاستقلال التام وزوال الانتداب البريطاني.

أما أسبابها فكان من أهمها تكثيف الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ عام 1933، واستيلاء اليهود على أراضي البلاد، بطرق شتى، تحت بصر وسمع الاحتلال البريطاني، الذي كان يوفر لهم القدرات والأسباب لإنشاء دولة صهيونية، على حساب أحلام شعب جلّه من الفلاحين الذين كانوا يفقدون أراضيهم شيئا فشيئا.

أما الأسباب المباشرة، أو الشرارات الأولى للثورة، فأسوقها إليكم هنا، وأقص عليكم قصتها كاملة.

القدح بالزند: تأسيس العصبة القسامية

قدم الشيخ المجاهد عز الدين القسام إلى حيفا عام 1920، بعد أن كان اسمه قد انتشر في بلاد الشام بسبب علمه الذي استعمله في خدمة الناس، وتعليمهم القراءة والكتابة في بلده جبلة في سورية، ومن ثم تأليب الناس من أجل الكفاح ضد المستعمر ورفض الاستعمار، ثم الخروج إلى الجهاد بنفسه ومريديه ضد الانتداب الفرنسي، حتى حكم عليه بالإعدام، فانتقل إلى فلسطين واختار حيفا مقرا له، حيث أنها تزخر بالعمال القادمين من القرى العربية، بل لأن جزءا كبيرا من هؤلاء العمال كانوا من الذين شردوا بسبب استيلاء اليهود على الأراضي التي عملوا بها، بعد أن قام بعض الأفندية والإقطاعيين ببيعها إلى اليهود.

أصبح الشيخ القسام إماما لجامع الاستقلال بعد بنائه عام 1925، وهناك صار يوصل رسائله في الحض على الجهاد، ورفض الظلم، وإرشاد الناس إلى أن الإنجليز هم رأس البلاء، وأنهم يسعون إلى إقامة دولة اليهود، تنفيذا لوعد بلفور، وحذر من أن اليهود ينتظرون الفرصة للقضاء على الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه، ولذلك حرض على رفض الهجرة اليهودية إلى البلاد.

لم يكن الشيخ القسام "داعية الجهاد" كما لقب في بلاده، متهاونا ومتصالحا مع الوضع القائم، فصار يبث بين الناس عزة الإيمان التي ربطها دائما برفض الظلم والاستعمار، بل وببذل الغالي والنفيس من أجل هذا، ولما رأى أن الروح التي نشرها صارت تؤتي أكلها، انتقل إلى مرحلة اختيار رفاق له، يشاركونه المقاومة المسلحة لأنه وصل إلى قناعة مفادها أن هذا هو السبيل الوحيد لطرد المستعمر ووقف المشروع الصهيوني.

هكذا تكونت العصبة القسامية، من أشخاص اختارهم الشيخ بنفسه، بشكل دقيق وبعد أن تعرف عليهم جيدا من خلال قدومهم إلى مسجد الاستقلال، أو بتنظيم زيارات لهم في قراهم من خلال أصدقاء له، وتركز نشاطه في قضاء حيفا والناصرة وجنين.

بعد ثورة البراق عام 1929، انتقل الشيخ إلى مرحلة التدريب العسكري على حمل السلاح واستعماله، وتولى تدريب المجاهدين بنفسه، ليس فقط على حمل السلاح، بل على التكيف مع الظروف الصعبة، من سير دون حمل طعام أو شراب، أو النوم في العراء في ليالٍ باردة.

ازدادت الهجرة اليهودية إلى فلسطين، كما وازدادت مساحات الأراضي التي استولوا عليها، فقرر الشيخ أنه آن الأوان للخروج إلى الجبال، والانتقال بين القرى لتحريض سكانها على حمل السلاح، خاصة أن الفلاح كان المتضرر الرئيسي من المستعمر الصهيوني.

الشرارة الأولى: اشتباك يعبد واستشهاد القسام وصحبه

في العشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1935، هاجمت قوة مكونة من عناصر الجيش والشرطة البريطانية، الشيخ الثائر عز الدين القسام ورفاقه، وذلك في أحراش يعبد بجانب جنين، على أثر مقتل الشاويش اليهودي "روزنفلد" في قرية شطة، وبعد أن كان الشيخ قد انطلق إلى الريف، حيث أن السلطات البريطانية كانت قد ضيقت عليه وعلى عصبته الجهادية الخناق، ووضعتهم تحت المراقبة في مدينة حيفا.

اتخذ الشيخ القسام من قرية الشيخ زيد في منطقة جنين مقرًا له، حتى استطاعت السلطات الوصول إليه، كما تقدم، ودارت معركة شرسة ولكنها غير متكافئة بين المجاهدين وبين قوات كبيرة من الشرطة والجيش الإنجليزي.

وصلت القوات المدججة بالأسلحة من حيفا ونابلس والناصرة وبيسان وطولكرم، من دون أن يقول لهم الضباط إلى أين يذهبون، حتى لا يتقاعس العرب منهم.

عند ساعات الفجر الأولى وصلت القوة إلى مكان اختباء رجال العصبة، في مكان يدعى "الطرم" ويبعد عن يعبد ثلاثة كيلومترات، وطوقت المكان، واضعة رجال الشرطة العرب في الخطوط الأمامية، وخلفهم الإنجليز. كان رجال العصبة في وادٍ عميق ورجال الشرطة في أعلى الجبال، ودارت معركة حامية الوطيس، بين جند بريطانيا الكثر، والقلة القليلة من عصبة القسام.

طالبَ شرطي عربي القسام بأن يستسلم وعصبته، فصاح القسام قائلاً "إننا لن نستسلم، إن هذا جهاد في سبيل الله والوطن"، ودعا رفاقه قائلا "موتوا شهداء".

وبعد ست ساعات استشهد القائد الشيخ عز الدين القسام أولاً ثم رفاقه، وهم الآتية أسماؤهم: يوسف عبد الله الزيباوي من الزيب، وعطية سيد المصري من حيفا، وأحمد الشيخ سعيد من خربة الشيخ زيد، وهو من سكان المنطقة ولَم يكن من أعضاء العصبة، ولكن الشرطة قتلته لأنه كان يحمل بندقية غير مرخصة. أما الجرحى فكانوا: نمر حسن السعدي من غابة شفاعمرو، وأسعد المفلح من حيفا. وسقط في الأسر: حسن الباير من برقين، وعربي البدوي من قبلان وحكم عليهما بالسجن أربعة عشر عاما، ومحمد يوسف من سبسطية. وقتل من الإنجليز خمسة عشرة عنصرا، قبل أن يتمكنوا من النيل من جماعة القسام.

لم تفن العصبة، إذ أن القسام كان قد أرسل الشيخ فرحان السعدي على رأس مجموعة من العصبة ليبقوا في قرية نورس شمال جنين، ومن هناك ينطلقون إلى عملياتهم الجهادية، بمنأى عن السلطات وجواسيسها، وقبل المعركة بيوم، قرر الشيخ القسام أن ينقسم مرافقوه إلى مجموعتين، واحدة تبقى معه، وتحاول ألا ينكشف أمرها، والفئة الثانية تنطلق إلى الشيخ فرحان وفي طريقها قامت المجموعة بتخريب سكك حديد وخطوط هواتف المستوطنات اليهودية.

معركة يعبد كانت الشرارة الأولى، ولكن قادحها استشهد في هذه المعركة، وانتقلت قيادة العصبة القسامية إلى الشيخ فرحان السعدي.

الشرارة الثانية: عملية نابلس ومقتل الصهيوني كازان

في الساعة الثامنة والنصف مساءً من يوم 15 نيسان/ أبريل عام 1936، وصلت سيارة قادمة من حيفا تقل أربعة ركاب إلى قرية بلعا الواقعة بين نور شمس وعنبتا، على طريق طولكرم نابلس، واكتشف الركاب أن الشارع مغلق بواسطة عشرة براميل من الزفت، فلم تستطع السيارة التقدم، وفجأة خرج من بين المزروعات، ثلاثة ملثمين يحمل كل واحد منهم بندقية، وقاموا بتهديد السائق وفحصوا إذا كان هناك يهود بين الركاب، وهكذا كان حتى وصل عدد السيارات عشرين سيارة.

في سيارة كبيرة محملة بالدجاج، وجدوا تاجرا يهوديا تركيا اسمه إسرائيل إبراهام كازان، فأطلقوا النار عليه وعلى سائق المركبة مما أدى إلى قتل التاجر، بينما أصيب السائق، واسمه تسفي تننبرغ، بجراح بالغة بثلاث رصاصات. كما وأطلقوا النار على سائق سيارة يهودي كان اسمه يهودا أنابشه من تل أبيب، وأصيب بثلاث طلقات، ولكنه لم يمت.

بعد تفتيش كافة السيارات، انطلق المسلحون إلى الجبال، ليس قبل أن يقولوا للركاب أنهم يسعون للانتقام لزعيمهم القسام، وطالبوهم بإبلاغ الصحافة عن الأمر.

كان الشيخ فرحان السعدي قائدا لهؤلاء المسلحين، بالإضافة الى محمود السالم وداوود الديراني.

الشرارة الثالثة: انتقام الصهاينة واعتداءات على العرب

بعدها بيومين، أي بتاريخ 17 نيسان/ أبريل، قامت مجموعة من اليهود بقتل فلسطينيين في كوخ لأحدهما، على طريق ملبس - كفر سابا، بالقرب من جسر العوجا، بينما كانا نائمين ليلا، حيث طرق اليهود الباب، وما أن تم فتحه حتى انهالوا عليهما بالرصاص. وهما حسين علي أبو راس من قرية صبارين الذي توفي على الفور، وسليم المصري الذي توفي في المستشفى بعد أن وصف للشرطة ما حدث وأن القتلة كانوا يرتدون بنطلونات قصيرة وحاسري الرؤوس، مما يشير إلى هويتهم الغربية.

كما اعتدى اليهود في تل أبيب على باعة الخضار العرب في المركز التجاري، واعتدوا على الحوارنة وأخرجوهم من المدينة، وعلى جمّال عربي اسمه ابراهيم وأوسعه ضربا حوالي 150 شخصا، وفِي سوق الخضرة أصيب شاب في عنقه وآخر في يده، وثالث ضربه اليهود بقسوة، وهكذا بدأ مسلسل اعتداءات كثيرة، وما أن هدأت النفوس حتى توفي السائق تسفي الذي أصيب في عملية 15 نيسان/ أبريل، مما ساهم في استمرار التحريض على العرب.

ألشرارة الرابعة: اشاعات خطيرة، وتوتر في يافا

انتشرت بين الناس شائعة كالنار في الهشيم، تقول إن اليهود يتجمعون في تل أبيب من أجل الهجوم على يافا، مما أدى إلى حالة من الترقب الشديد لدى المواطنين في يافا، والخروج إلى الشوارع، لصد أي هجوم محتمل. وكان ذلك يوم السبت الموافق 18 نيسان/ أبريل، ولكن ذلك لم يحدث، بيد أن النفوس لم تهدأ إذ انتشرت يوم الأحد إشاعة أخرى مفادها أن ثلاثة رجال عرب وامرأة قتلهم اليهود في تل أبيب، وصار الرقم يتزايد باضطراد، مما زاد من البلبلة والتوتر الشديدين.

شيئا فشيئا ابتدأت المدينة تغلق أسواقها، وزادت أعداد الناس في الشوارع، ثم بدأت الحكومة بإرسال شرطتها لإثبات تواجدها، ولكبح الجماهير الغاضبة، وأخذت هذه القوات تغلق المفارق والشوارع الرئيسيّة، مع وجود أوامر بإطلاق النار، إذا حدث أي شغب. وعند الخامسة مساء أصدرت السلطات أمرا بمنع التجول ليلا من السابعة مساء حتى الخامسة صباحا، واحتل الجيش المدينة بالكامل.

النار تدب في الهشيم: يافا تغيرت في دقيقة واحدة

انطلقت المظاهرات في جميع أنحاء يافا، ردا على الإجراءات الأمنية المشددة، وتصرفات الشرطة الهمجية، وبدأ عدد المصابين بالارتفاع، وحاولت الحكومة فرض الهدوء بالقوة، ولكن ذلك لم يحصل، حيث أن اليهود صاروا يستغلون الوضع الحساس في يافا، ويعمدون إلى حرق بيوت في أحياء متاخمة لتل أبيب، حتى وصل إلى تسعة بيوت في يوم واحد، مما زاد من لهيب المظاهرات والمواجهات مع الشرطة والجيش، وأدى إلى ازدياد أعداد المصابين والشهداء.

في المقابل ازدادت اعتداءات اليهود على الخارج من يافا والداخل إليها، من تكسير سيارات وضرب ركابها أو حتى إطلاق النار عليهم، وأصبحت الشرطة تتجول في كل مكان لتنشر الرعب بين المواطنين العرب، بلا طائل، بل إن هذا "زاد الطين بلّة"، واستمرت الانتفاضة، فاضطرت السلطات إلى ترحيل الموظفين اليهود من يافا عن طريق قوارب في البحر، لتجنب مرورهم من وسط المدينة.

يافا انتفضت بكل أهلها وسكانها، شيبة وشبابا وتقرر في العشرين من نيسان/ أبريل، وفِي العاشرة صباحا، عقد اجتماع لمسؤولي المدينة، بدون أي صبغة حزبية، وذلك لأخذ قرارات مصيرية بشأن يافا، والأيام الخطيرة القادمة، وكان انعقاد هذا الاجتماع في بيت الوجيه محمود بك أبو خضره.

بالإضافة إلى ذلك كانت هناك تحركات جماهيرية واعتداءات يهودية وبوليسية في طولكرم والخليل والرملة وغيرها من المدن الفلسطينية.

اشتعال الثورة وإعلان الإضراب الكبير

قرر الاجتماع الذي عقد في بيت محمود بك، إعلان الإضراب العام، وأصدر بيانا تاريخيا، هذا بعض ما جاء فيه: "نظرا للأحوال الشاذة في فلسطين، بل نظرًا للسياسة الغاشمة التي اتبعتها الحكومة البريطانية منذ الاحتلال البريطاني حتى الآن، وبما أن الحكومة قد أثبتت في كل مواقفها وخططها أنها ليست مستعدة لإنصاف العرب وتحقيق أمانيهم القومية، بل إن هذه الحكومة لا تزال تسخر كل سلطتها وقواها، إن كان هنا أو في لندن، لإنشاء الوطن القومي اليهودي رغم إرادة العرب، بل رغم الاعتبارات الاقتصادية والسياسية التي أثبتت أن هذه السياسة هي سياسة غاشمة، وأن تجربة حكم الشعب بخلاف إرادته ورغبته هي تجربة فاشلة بنتيجة ما حدث حتى اليوم في البلاد من الاضطرابات والقلاقل رغم زيادة القوة العسكرية".

وتابع "لذلك كله فإن فريقا كبيرا من أهالي يافا، يمثل مختلف طبقاتهم وطوائفهم، اجتمع اليوم وقرر أن هذه الحالات السيئة هي نتيجة طبيعية للأحوال الشاذة والسياسة الغاشمة ولذلك قرر المجتمعون مبدئيا إعلان إضراب عام في مدينة يافا، إعلانا عن سخط العرب على هذه الخطط الفاسدة والتي بها إبادة العربي في بلده العربي، ولأجل تنظيم الإضراب انتخبوا اللجنة الموقعة على هذا البيان وهي تدعو الأمة العربية الكريمة في سائر الجهات لأن تعمل أيضا بهذا القرار، متأكدة أن إعلان الإضراب العام يعبر كل التعبير عن رأي الأمة العربية الشريفة".

ووقع على البيان السادة يوسف عاشور، راغب أبو سعود الدجاني، محمود أبو خضره، ألفرد روك، حمدي النابلسي، فخري النشاشيبي، إبراهيم الشنطي، سعيد الخليل.

أضربت نابلس أيضا في نفس اليوم، وسارت فيها مظاهرة جبارة جابت كل الشوارع منادية بالاستقلال وسقوط الاستعمار البريطاني وتذكر الشيخ عز الدين القسام. وفِي الثالثة بعد الظهر خرجت مظاهرة أخرى ولَم تتفرق إلا عند قدوم الليل، وعقدت اللجنة القومية النابلسية جلستين بعد الظهر، اتخذت فيهما قرارات عن استمرار الإضراب ودعوة باقي مدن فلسطين للإسراع بتأليف لجان قومية لإنجاح الإضراب العام.

وأعلنت طولكرم إضرابا لأسبوع كامل، وحصلت صدامات مع الشرطة والجيش. ثم دعت حيفا إلى إضراب عام في اليوم التالي، وكذلك أعلن في الخليل عن إضراب شامل ومظاهرة كبرى، وأيضا في غزة وعكا وجنين والقدس والناصرة واللد والرملة والمجدل وغيرها. كذلك لبت الجماهير العربية في عمان ومدن مصر وسورية النداء، مما أدى بلجنة يافا العليا إلى إصدار بيان في ٢١ من نيسان/ أبريل، يعلن على الملأ "أن الأمة الكريمة وأن فلسطين العربية جميعها قررت الإضراب لا احتجاجا على حوادث وقعت، ولكن على سياسة فاسدة ظالمة، لا تزال السلطة تتبعها من شأنها أن تقضي على كيان العرب في بلادهم وإحلال عنصر غريب محلهم".

وهكذا ابتدأ الإضراب العظيم، الذي لم يشهد العالم مثله في التاريخ، واستمر ستة أشهر، معلنا بداية ثورة مجيدة، لم تضع أوزارها إلا بعد ثلاث سنوات، وكان وقودها دماء الشهداء والجرحى والبيوت المهدومة من قبل الاحتلال، والأراضي المسلوبة لصالح الحركة الصهيونية، إنها ثورة واجهت أكبر امبراطورية في التاريخ، ولَم تنتصر لأن الظروف الموضوعية كانت أكبر منها بكثير ومن مقدرات شعبنا العظيمة، الذي لم يلاق الدعم المنشود من العرب والعجم على حد سواء.

 

التعليقات