المرأة العربية في الداخل: تطلعات وتحديات

اقترن اسم المرأة الفلسطينية بميادين النضال، فهي التي شاركت في ميادين العمل الزراعي والصناعي، بالإضافة الى دورها البارز في ساحات النضال السياسي منذ ثورة فلسطين الكبرى مرورًا بنكبة الشعب الفلسطيني، وحتى يومنا هذا...

المرأة العربية في الداخل: تطلعات وتحديات

توضيحية من الأرشيف

لا يمر الثامن من اَذار من كل عام على المرأة الفلسطينية مرور الكرام، فالمرأة التي ناضلت وتناضل على مر الأعوام في الميادين النضالية والساحات السياسية والأطر الاجتماعية والاقتصادية، لا تختلف عن المرأة الأميركية التي ناضلت قديمًا، بداية من عام 1856 عندما خرجن أعداد كبيرة من النساء العاملات في نيويورك للاحتجاج على ظروف عملهن غير الإنسانية، بسابقة لم تحدث قبلًا، مما زاد من عزيمتهن ليخرجن عاملات النسيج بعدها أكثر عددًا وقوًة في الثامن من اَذار من العام 1908، حيث حملن الخبز اليابس وحفنة ورود كرمز لنضالهن.

ولاحقًا مع مرور الأعوام، اقترن اسم المرأة الفلسطينية بميادين النضال، فهي التي شاركت في ميادين العمل الزراعي والصناعي، بالإضافة الى دورها البارز في ساحات النضال السياسي منذ ثورة فلسطين الكبرى مرورًا بنكبة الشعب الفلسطيني، وحتى يومنا هذا، فهي الأم والعاملة وربة البيت والمتعلمة، لكنها لازالت تعاني من انتقاص من حقوقها الاجتماعية في بعض المناطق، وحقها بخوض العمل السياسي بالسلطات المحلية والأحزاب السياسية والبرلمان.

وفي هذا السياق، قالت الناشطة النسوية والتربوية، نبيلة إسبنيولي لــ"عرب48"، إن "المرأة اليوم تشكل 51% من المجتمع، أي أكثر من نصف المجتمع، ويتمثل دورها في جميع مناحي الحياة، فهي المتعلمة والعاملة والتي تدبر الاقتصاد البيتي، فالمرأة الفلسطينية كانت ومازالت المرأة المنتجة ما قبل النكبة وما بعدها، واليوم تحاول أن تستعيد هذا الدور الذي اقترن اسمها به، من خلال عملها خارج البيت وداخله، وفي الإنتاج المنزلي والاقتصادي في ظل الفقر الذي يعاني منه مجتمعنا، فلا يخفى على أحد أن 62% من الأسر العربية تندرج تحت خط الفقر، وطبعًا الإدارة المالية تقع على عاتق المرأة في هذه الأسر، لأن الرجل يتمثل دوره في سوق العمل، لأن مجالات العمل مفتوحة له بشكل أكبر".

وأضافت إسبنيولي: "بالحديث عن سوق العمل، البنية المجتمعية تؤثر على اقتحام المرأة للكثير من المجالات، فعلى الرغم من المجهود المبذول، إلا أنه ومع الأسف، تشكل النساء العاملات في مجتمعنا 32 بالمئة فقط، وهنا تكمن المفارقة ففي عام 1948 كان 90 بالمئة من النساء في مجتمعنا عاملات، وهذه كارثة نعاني منها اليوم".

ومن جهتها، قالت عضو اللجنة المركزية في التجمع الوطني الديمقراطي لــ"عرب 48"، دعاء حوش، إنها تعتقد "بأنه اَن الأوان ليصبح يوم الثامن من اَذار يوما رسميا للنضال الفلسطيني برمته، لأن المرأة هي جزء أساسي من نضال الشعب الفلسطيني، ولربما تكون في سلم الأولويات في أماكن متقدمة، لأنها تعاني اليوم من اضطهاد على مستويين، الأول في داخل مجتمعها كامرأة، أما الثاني فهي تعاني من كونها امرأة عربيّة فلسطينيّة خاضعة لسياسات حكوميّة عنصرية من قبل المؤسسة الإسرائيلية، ولا ننسى بأنها شريك أساسي للنضال على مر التاريخ في القضية الفلسطينية وكانت جزءا مهما في ساحات النضال الفلسطيني، لذلك أعتقد أنه اَن الأوان ليصبح الثامن من اَذار يومًا للنضال الفلسطيني ويومًا حقوقي إنساني".

وعن دور المرأة في العمل السياسي أضافت حوش: "نتحدث عن دور المرأة ونحن في خضم الحديث عن

دعاء حوش

انتخابات السلطات المحليّة وقد تكون هناك قريبًا انتخابات للكنيست أيضًا، وفي التجمع الوطني الديمقراطي نسعى ليكون أكبر تمثيل للنساء في السلطات المحليّة ومن خلال تحصيل مقعد نسائي داخل هيئات الأحزاب نفسها أيضًا، اذ أننا إذا أردنا الحديث عن تغيير، فيجب بدايةً، أن يحدث داخل مؤسسات الأحزاب والحركات الوطنية والجمعيات الأهلية ومن ثم نتحدث عن الكنيست والمؤسسات التمثيلية الاخرى".

وقالت حوش: "نحن في التجمع استطعنا أن نحصل من خلال مؤتمراتنا نسبة ثلث المقاعد في الكنيست للمرأة ويتمثل هذا اليوم، بوجود النائبة حنين زعبي كأول امرأة عربية تدخل الكنيست من خلال حزب عربي ونسعى لأكثر من ذلك، لأننا نحتاج مستقبلًا لتحصين مكانة المرأة، وهذا يتعلق بالسلطات المحلية كذلك الأمر، فقد عقدنا أيامًا دراسية للجنة المركزية في التجمع مؤخرًا، وكان أحد أهم المواضيع التي وضعت على الطاولة، هو تمثيل النساء في السلطات المحلية العربية ونسعى لتطبيق ذلك".

وفي حديث مع النائب عن القائمة المشتركة، عايدة توما سليمان، قالت لـعرب48، إنه "لازال هناك تمثيل ضئيل جدًا لا يتناسب مع حجم قدرات وكفاءات النساء في المجتمع، على مستوى التمثيل القُطري السياسي في الكنيست أو التمثيل القُطري المحلي في السلطات المحلية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك 6 أعضاء من النساء فقط، في المجالس المحلية العربية، وطبعًا كان عددهن أقل من ذلك بقليل في بداية الدورة، وعلى مستوى قيادات الأحزاب مازال تمثيلنا النسائي لا يتساوى مع حجم عطائنا في المجتمع، وأعتقد أنه رغم الكثير من النضالات مازالت المرأة كالجندي المجهول الذي لا يحظى بالتقدير الكافي وعلينا أن نعمل على تغيير هذا الوضع".

عايدة توما

وأوضحت توما أن "هناك تنامي واسع للتواجد النسائي في شتى المجالات، ونستطيع مثلًا أن نقول إن تواجد النساء العربيات في الجامعات يتجاوز نسبة الـ50% بقليل، بالإضافة إلى مِهن كثيرة، تم اقتحامها نسويًا وإثبات القدرات والنجاحات كالطب والتمريض والتعليم والمحاماة والهندسة، التي اقتصرت على الرجال سابقًا، لكن للأسف مازالت نسبة النساء العاملات في المجتمع العربي ضئيلة ولا تتعدى الـ32% كعاملات خارج المنزل، أو عاملات بأجر مدفوع، وإذا تحدثنا مثلًا عن المجالات الأكاديمية، فقد تزايدت في السنوات الأخيرة أعداد النساء الحائزات على لقب الدكتوراه وعلى درجة الماجستير، مما يثلج الصدر، لكن هذا لا يغيَر من واقع النسب الضئيلة، ومازلنا نسعى لأن يتواجدن في شتى حلبات النضال والعمل، ليتساوى وجودهن وقدراتهن وكفاءاتهن في المجتمع".

أما الناشطة النسوية ورئيسة مجلس نعمات في المثلث الجنوبي، ميسم جلجولي، تحدثت لــ"عرب48" قائلة إن "نساء منطقة المثلث قد أثبتن جدارتهن على الساحة الاجتماعية والسياسية، واليوم هناك مشاركة واسعة جدًا للنساء في العمل الميداني والنضالي في جميع النشاطات السياسية والاجتماعية والثقافية، وأنا أعتقد ان المثلث يمر في نهضة اجتماعية وسياسية ثقافية خاصة في المجال النسائي".

ميسم جلجولي

وبيّنت جلجولي، أن "وجود النساء في سوق العمل ضئيل نسبيًا ويرجع ذلك لأسباب تتمثل بسياسات الحكومة العنصرية ضد المجتمع العربي بشكل عام وضد المرأة العربية بشكل خاص، وتشكل نسبة النساء العاملات وفقًا للإحصائيات الحكومية 32%، فيما تفيد إحصاءاتنا في المؤسسات النسوية بأنها لا تتعدى الـ30%، في حين أن النساء في المجتمع اليهودي يتجاوزن نسبة الـ80%، وحتى في مجتمع المتدينين اليهود، نسبة النساء المتدينات اليهوديات تتجاوز الـ70%، وهذا يفسر سياسة الحكومة الموجهة ضد تنامي النساء العربيات، فلا تجد المرأة العربية مكانا في سوق العمل الإسرائيلي بعد التخرج، فهو مغلق أمام النساء العربيات كنّ أكاديميات أو غير أكاديميات، وحتى حينما يفتح سوق العمل أمام الأكاديميات العربيات، فنجد أنه يفتح في المجالات والمهن منخفضة الأجر".

وتابعت جلجولي قائلة:  إن أكبر مثال على ما ذكرته مسبقًا هو "إحصائية مركز 'طاوب' التي نُشرت في بداية الأسبوع، والتي تؤكد على أن الفرق بين أجر المرأة العربية الأكاديمية في سوق العمل يقل بنسبة 60% عما تتقاضاه المرأة اليهودية، وهذه فجوات فظيعة نسعى لمناهضتها".

وفيما يتعلق بمكانة المرأة الاجتماعية، قالت الناشطة في جمعية "كيان" النسوية، منى محاجنة، لـ"عرب48" إنه من الواضح "أن النساء المتعلمات وبسبب الضغط الاجتماعي، يتجهن للمهن المعتادة مثل التربية والتعليم، لدرجة أن وزارة المعارف لم تعد تستوعب العدد الهائل من حاملات شهادة التدريس، وهذا سبب لتدنّي وجود النساء في سوق العمل، إذ أن المجتمع يرى بأنه على المرأة أن تعمل بدوام ثابت وساعات محددة وداخل البلدات العربية، وهو ما يحد من ممارسة المرأة لمجالات متعددة أخرى، أما السبب الثاني لضحالة التواجد النسائي في سوق العمل، هو السياسات الحكومية الإسرائيلية التي تحد من وجود المناطق الصناعية في البلدات العربية وهذا يفسر عدم ارتقاء النساء للمواضيع العلمية على الرغم من أننا نرى في السنوات الأخيرة إقبال المرأة العربيّة على المواضيع العلمية في الأكاديميات".

منى محاجنة

وأردفت محاجنة: "بالحديث عن وجود النساء في سوق العمل، فبالإضافة إلى نسبة النساء المنخفضة في سوق العمل، تبيّن وفق دراسة أجريناها أنّ 88% من النساء العاملات العربيات يتقاضيّن أقل من الحد الأدنى للأجور، لأن أرباب العمل العرب يفضلون استيعاب النساء لمنحهم رواتب قليلة".

وحول المكانة السياسية للمرأة العربية قالت محاجنة: "في السلطات المحلية العربية هناك 9 نساء فقط بين 800 رجل في مناصب إدارية، وهذا العدد يكاد أن يؤول إلى الصفر، ونحن في كيان نعمل منذ زمن على زيادة الدعم للنساء العاملات في المضمار السياسي المحلي بشكل مستقل، لزيادة وجود النساء في ميادين العمل وليس فقط في المنحى التمثيلي، وهذا برأيي ما يمكن أن يرتقي بمكانة النساء العربيّات".

التعليقات