70 عاما على النكبة: احتلال طبرية ١٩٤٨ (13)

قرار التقسيم المشؤوم فقد اعتبر طبرية جزءا من الدولة اليهودية، مما أعطى لأغلبيتها اليهودية "شرعية" دولية في حالة احتاجوا إلى الانقضاض على سكانها العرب، والسيطرة على مقدرات المدينة الصغيرة، ذات الأهمية الدينية والتاريخية، للمسيحيين واليهود، على حدٍّ سواء

70 عاما على النكبة: احتلال طبرية ١٩٤٨ (13)

من الأرشيف

سقوط عروس البحيرة


لطبرية خصوصية مختلفة عن باقي مدن فلسطين خلال حرب ١٩٤٨، حيث أنها كانت مدينة مختلطة، ذات أغلبية يهودية منذ عشرينات القرن الماضي. عشية النكبة بلغ عدد يهود طبرية أكثر من ٦٠٠٠ نسمة، بينما كان عدد سكانها العرب حوالي ٥٥٠٠ نسمة. أما قرار التقسيم المشؤوم فقد اعتبر طبرية جزءا من الدولة اليهودية، مما أعطى لأغلبيتها اليهودية "شرعية" دولية في حالة احتاجوا إلى الانقضاض على سكانها العرب، والسيطرة على مقدرات المدينة الصغيرة، ذات الأهمية الدينية والتاريخية، للمسيحيين واليهود، على حدٍّ سواء.

بل وإن طبرية لم تشهد أي أحداث تذكر خلال أحداث ثورة البراق، شأن باقي المدن المختلطة مثل القدس والخليل وصفد وحيفا، وذلك يوم انتفض العرب غضبا بسبب الحال الذي آلوا إليه لازدياد الهجرة اليهودية، والدعم البريطاني اللامحدود للصهيونية ومخططاتها، مما حدا باليهود إلى الاعتقاد أن الأوان قد حان، من أجل المطالبة "بحقهم" المزعوم في المسجد الأقصى بحجة أن حائط البراق جزء من هيكل سليمان المهدوم".

والجدير ذكره هنا، أن اليهود كانوا مسيطرين فعلا على زمام الأمور في المدينة، منذ عام ١٩٢٨، عندما تحولت رئاسة البلدية لصالحهم، وذلك بعد انتهاء مدة الرئيس العربي الأخير للبلدية، قدري حافظ أفندي، واستبداله بـ"زكي الحديف" اليهودي. وحتى أغلب المحال التجارية كانت في حوزة يهود طبرية.

اليهود في طبرية

اليهود في طبرية أصلانيون، وكانوا يقطنوها قبل المشروع الصهيوني، أو حتى قبل الفكرة الصهيونية بكثير. وأقصد هنا أنهم من أهل البلاد الأصليين، فلسطينيون بكل معنى الكلمة، وكانوا يتكلمون العربية، كما العرب الآخرين، من مسلمين ومسيحيين، ويختلفون عنهم بأنهم ينتمون إلى طائفة أخرى.

طبرية مهمة دينيا بالنسبة لليهود، مع أن احدا من أنبيائهم لم يقطن فيها، ولكن أهميتها تنبع من نقل مجلس السنهدرين إلى طبرية، وهو بمثابة المجلس الديني الأعلى لدى اليهود، وكان ذلك بعد فشل ثورة "باركوخڤا" عام ١٣٥ للميلاد. بعدها تأسست مدارس دينية يهودية كان لها مساهمات جمة في إنتاج مجموعة ضخمة من شروحات العهد القديم وتفسير النص التوراتي. ولكن الإنتاج الرئيسي للمدرسة الدينية الطبرية فهو كتابة "التلمود اليروشلمي" والذي يسمى بالمشناة (هناك تلمود بابلي ويسمى چمرا) والتي انتهت في نهاية القرن الرابع الميلادي. كما أن عددا من حكماء اليهود أو كما يسمونهم "تساديكيم"، مدفونون في طبرية مثل: "رابي مئير صاحب المعجزة" و "الرابي حاييم أبو العافية" وغيرهم، كما أن موسى بن ميمون أو كما يسميه اليهود "هرمبام"، طلب أن ينقل رفاته إلى طبرية.

إذا، فأهمية طبرية هي أهمية دينية بحتة، ولذلك لا عجب أن تواجد فيها أصحاب الديانة اليهودية بشكل ثابت، بل وإن عددهم كان يفوق الفلسطينيين من طوائف أخرى، ففي عام ١٨٣٩ عاش فيها أكثر من ٧٠٠ يهودي، وفِي عام ١٨٥٦ كان عدد سكانها اليهود أكثر من ١٥٠٠، منهم أكثر من ٨٨٠ يهوديا شرقيا، أما الباقون فكانوا يهودا غربيين، وهؤلاء سكنوا في طبرية بدون علاقة بالحركة الصهيونية، أو المشروع الصهيوني الذي جاء بعدها، وأدى شيئا فشيئا إلى زيادة عدد اليهود الغربيين الأوروبيين (الأشكناز)، وبالتالي زيادة نسبة اليهود من عدد السكان الإجمالي. في عام ١٨٩٥ كان عدد يهود طبرية ٣٢٠٠ بينهم ١٥٨٠ أوروبيا (قسم منهم كان قديم العهد بطبرية، كما تقدم) و ١٦٢٠ يهوديا عربيا.

عندما قامت الإمبراطورية العثمانية ببناء مشروع قطار الحجاز، جعلت إحدى محطاته الرئيسيّة عام ١٩٠٥ في سمخ، وهي قرية فلسطينية تبعد عشرة كيلومترات عن طبرية إلى الجنوب الشرقي. وقد أدى بناء هذا المحطة إلى تحويل طبرية إلى مدينة مركزية في منطقة الغور الشمالي، وهذا زاد من أطماع الحركة الصهيونية فيها.

عام ١٩١١، قامت شركة "پيكا" (اختصار للجمعية اليهودية الفلسطينية للاستيطان Palestine Jewish Colonization Association) وهي شركة استيطانية صهيونية تابعة للبارون روتشيلد، أسسها من أجل السيطرة على الأراضي العربية، بواسطة شراء الأراضي وإغراء الملاكين بالمال، قامت هذه الجمعية ببناء ثلاث مزارع خارج أسوار مدينة طبرية، برغم رفض السلطات العثمانية للبناء خارج الأسوار، ومن ثم تحولت هذه المزارع إلى حي يهودي صهيوني باسم "أحاڤا" أي أخوة باللغة العربية.

عام ١٩٢٥ أقام اليهود حي "كريات شموئيل"، وسموه حينها على اسم المندوب السامي الأول "هربرت صموئيل" اليهودي الصهيوني، والذي قام بوضع حجر الأساس لهذا الحي، وتحول هذا الحي، مع الزمن، إلى مكان السكنى الرئيسي ليهود طبرية، إذ أنه يقع عَلى المرتفعات الشمالية الغربية للمدينة، ووصلت حدوده إلى الشارع المؤدي إلى الناصرة، فهو إذا يقع في مكان إستراتيجي، إذ يشرف على أحياء العرب في المدينة من جهة، والشارع المؤدي إلى الناصرة من جهة أخرى. وهذا يشبه ما فعله اليهود في حيفا عندما أنشأوا حي "هدار هكرمل" و"أحوزا" وغيرها، بحيث تكون على المرتفعات، بينما الأحياء العربية في المناطق المنخفضة من المدينة.

عام ١٩٢٨، أصبح "زاكي الحديف" رئيسا للبلدية، وهو رئيس البلدية اليهودي الأول، وفِي فترته تطورت طبرية بفضل دعم بريطانيا له، فربطت طبرية بشبكة الكهرباء، وأقيم فندق "إليزابيث" بحضور المندوب السامي وذلك عام ١٩٢٩، ثم مستشفى يهودي تحت اسم "شڤايتسر" وهو المتبرع الرئيسي للمشروع.

وهكذا تحولت الحياة المشتركة في طبرية، بين جميع الطوائف، إلى علاقة بين طرف يدين للصهيونية التي أصبحت تسيطر على مجرى أمور اليهود بفضل المشاريع المدعومة منها، وأموال البارون روتشيلد. أما العرب أبناء المدينة فلم يكن في وسعهم إلا الانضمام الى نضال شعبهم في نيل استقلاله الوطني، ووقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

سكان طبرية الآخرون وعائلة الطبري

منذ منتصف القرن الثامن عشر، ابتدأت طبرية تستعيد عافيتها وتتحول إلى بلدة مركزية، وذلك بفضل ظاهر العمر الذي اتخذها مركزا له عام ١٧٣٠، وسمح لليهود أن يعيشوا فيها. وبقيت طبرية مدينة مركزية حتى بعد وفاته، بل وأصبحت مركزا لقضاء طبرية، حتى احتلها نابليون بونابرت عام ١٧٩٩، عندما قام بحملته إلى الشرق.

ورغم تعرضها لزلزال كبير دمر معظمها عام ١٨٣٩ إلا أنها عادت وازدهرت مرة أخرى، وحتى في تلك الفترة كانت الطائفة الأكبر هي الطائفة اليهودية، أما العائلة الأكبر والتي سيطرت على "زعامة" المدينة فهي عائلة الطبري، والتي شغل أبناؤها وظائف أساسية في المجتمع الطبراوي، وذلك على مدار أكثر من مائة عام، وانتهت "وجاهتهم" في المدينة، عندما احتلت وهجر غير اليهود من سكانها إلى الناصرة وخارج البلاد.

أما الزعيم الأول المعروف لنا فهو الشيخ عبد الله الطبري، الذي شغل وظيفة قاضي المدينة بين السنين ١٨٣٠ حتى ١٨٧٣، وفي نفس الفترة شغل منصب المفتي الشيخ محمد أفندي الطبري، والذي استمر في وظيفته حتى عام ١٨٧٣، وخلفه الشيخ عبد السلام الطبري الذي استمر حتى عام ١٩١٤، وبعد وفاة الشيخ محمد الطبري خلفه ابنه سعيد في زعامة العائلة، وأصبح عضوا في المجلس البلدي بين السنين ١٨٧٦ حتى ١٨٧٨، وسكرتيرا للمجلس عام ١٨٨٤، وأصبح رئيسا للبلدية عام ١٩٠٠ حتى عام ١٩٠٨، وبعدها استمر في زعامته للعائلة حتى بعد الانتداب البريطاني، ومن المعروف أن الشيخ سعيد باع أرضا لشركة "پيكا" بني عليها حي "كريات شموئيل".

من أولاد سعيد محمد الطبري برز اثنان منهم، الشيخ طاهر الطبري والشيخ نايف، والذين قادا العائلة حتى الاحتلال عام ١٩٤٨. كان الشيخ طاهر يتبوأ وظيفتين هامتين بحيث كان مفتي طبرية، وشغل أيضا وظيفة القاضي، حتى عام ١٩٤٦، حيث أصبح قاضيا في الناصرة. كان الشيخ طاهر يمثل المدينة في المؤتمرات الوطنية ففي عام ١٩١٩ شارك في المؤتمر السوري في دمشق، وعام ١٩٢١ شارك في المؤتمر الفلسطيني الرابع في القدس. من الناحية الأخرى كان الشيخ طاهر يعتقد أن الإضرابات والمظاهرات الوطنية في مدينة أغلبيتها يهودية، لا تجدي خاصة ان أغلب المحال التجارية مملوكة ليهود.

من الجدير ذكره أن الشيخ عبد السلام الطبري، جمع وجهاء المدينة من العرب واليهود في مضافة العائلة، في ٢٨ آب / اغسطس عام ١٩٢٩، إثر انطلاق ثورة البراق، ووقعوا اتفاقية تقضي بالالتزام بالهدوء في طبرية، بخلاف باقي المدن المختلطة في فلسطين. وكان ممثلو العرب الذين وقعوا على الوثيقة، هم: الشيخ طاهر طبري وخليل خرطبيل وَعَبَد الواحد حمّاد وأمين العبد الله وإسماعيل العبد الله ومحمد الشيخ خليل ومحمد قاسم شاهين وَعَبَد السلام الطبري ويوسف العاقل ومصطفى الطرابلسي.

من أبرز النشطاء السياسيين في عائلة الطبري، صدقي الطبري الابن الوحيد للشيخ عبد السلام الطبري، وقد شارك في المؤتمر الفلسطيني عام ١٩٢٢ وعام ١٩٢٨، وفِي عام ١٩٣٥ أسس جمعية المزارعين العرب في طبرية ومنطقتها. ومع بداية ثورة ١٩٣٦-١٩٣٩، قام صدقي بتأسيس اللجنة القومية في طبرية، بهدف قيادة النشاطات السياسية والمشاركة في الإضراب ومقاطعة اليهود اقتصاديا، ولذلك تم إبعاده لستة أشهر إلى رام الله، وأن يقدم تعهدا شخصيا بمبلغ ٢٠٠ جنيه، وكفالة ١٠٠٠ جنيه. وكان القرار في ٦ آذار / مارس ١٩٣٧، أمام مساعد حاكم اللواء الشمالي، والذي أصدر الأمر بدون أن يعطي صدقي الطبري وقتا كافيا للاستعداد، بل إن سيارة نقلته فورا إلى القدس، على أن يثبت وجوده يوميا في الساعة السابعة مساء.

فيما بعد عين مديرا للبنك العربي، وأسس صندوق الأمة في نهاية عام ١٩٤٣، وكان هدف الصندوق منع بيع الأراضي لليهود. وفِي عام ١٩٤٦ أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب العربي الفلسطيني، وكان صدقي الطبري من المقربين للحاج أمين الحسيني.

بعد قرار التقسيم، قاد صدقي الطبري المجتمع العربي في طبرية، في نضالهم من أجل وقف المؤامرة، حتى سقطت طبرية في ١٨ نيسان / أبريل ١٩٤٨.

عملية تشرين أول/أكتوبر ١٩٣٨

لم تتأثر طبرية كثيرا بالأحداث التي كانت في فلسطين، حتى ثورة عام ١٩٣٦، فرغم التوتر الشديد الذي ساد في أحداث ثورة البراق، والصدامات الدموية بين العرب واليهود، استمرت الأوضاع في طبرية على طبيعتها تقريبا. وكذلك الأمر خلال الإضراب الكبير والثورة المسلحة، رغم أن التوتر قد زاد، فالصهاينة ممعنون في مخططاتهم للسيطرة على الأرض، وجلب كل من هب ودب من أنحاء أوروبا، أما العرب فقد صاروا يؤسسون الجمعيات التي تهتم لهم ولمصالحهم ولمنع تسرب الأراضي إلى شركات البارون روتشيلد. ولذلك كان من الطبيعي أن ينفجر البركان، ويعكر صفو الحياة المشتركة التي أصبحت "مزعومة" منذ زمن، فكانت أحداث تشرين أول/ أكتوبر ١٩٣٨.

في التاسعة إلا ربعا من مساء يوم الأحد، الثاني من تشرين أول /أكتوبر، دخلت مجموعة مسلحة كبيرة من رجال الثورة الفلسطينيين العرب إلى طبرية، كان عددهم كبيرا، مقسمين إلى خمسة فصائل، الفصيل الأول بقيادة القائد أبو عمر، والفصيل الثاني القائد أبو عاطف، والفصيل الثالث القائد الشيخ محمد، والفصيل الخامس بقيادة الشيخ يوسف أبو أحمد. وقبل الهجوم قام الثوار بقطع أسلاك الهواتف وعلى بعد عدة كيلومترات من طبرية، لمنع الاتصال من أجل النجدة، قدمت المجموعة من اتجاهين مختلفين، الأولى من جهة صفد شمالا، إلى حي "چان شموئيل"، والثانية من جهة الناصرة إلى حي "أحاڤا". بعد ذلك بخمس دقائق تقريبا، سمعت صافرة قوية من الجبال، وهذه كانت الإشارة لبدء الهجوم.

أطلق الثوار النار باتجاه مركز إدارة المنطقة، ومحطة الشرطة، وعلى موقع معسكر الشرطة البريطانية، وتفرق الثوار إلى مجموعات صغيرة، كل واحدة تهاجم موقعا بريطانيا، أو حراسا صهاينة.

ثم قام الثوار بإلقاء قنبل المولوتوف على مركز إدارة المنطقة النابع لحكومة الانتداب، مما أدى إلى اشتعال النار في العمارة. خلال خمسة وعشرين دقيقة وصلت نجدة بريطانية من سمخ، ولكن الثوار أمطروها بوابل من الرصاص، واستمرت المعارك بين الجيش والثوار حتى الساعة الحادية عشر ليلا، وتوقفت المواجهات بعد انسحاب الثوار المسلحين، وخلال انسحابهم تعرضوا لهجوم من نجدة جاءت بسيارات مصفحة من غور الاْردن، فاستشهد ستة منهم خلال إطلاق النار، وانسحب الباقون بسلام، ففرضت السلطات العسكرية منع التجول فورا في المدينة، وابتدأت بالبحث عن المسلحين.

تبين فيما بعد، وعند انتهاء المعارك، أن الثوار كانوا مزودين بكمية كبيرة من قنابل المولوتوف، والتي ابتدأوا بإلقائها على كل من يقابلونه في طريقهم، وقد أدى استعمالها إلى اشتعال النار في ثلاثة بيوت: بيت يعكوڤ زالتس وبيت مناحيم كوتين وبيت يهوشع بن أريه. وكذلك قام الثوار بقتل حارسين صهيونيين، بعد أن نادوهما بالإنجليزية فظنوا الثوار جنودا بريطانيين، فخرجا وواجها مصيرهما المحتوم.

لم يتجرأ أحد من سكان المدينة على الخروج من منزله، وذلك لأن الهجوم كان في مناطق متعددة من طبرية، بل وإن دار السينما المليئة بالمشاهدين، ومنهم الكثير من الجنود والضباط البريطانيين، لم يتجرأ من فيها بالخروج، بل أطفأت الأنوار، ورمى الحضور أنفسهم على الأرض، خوفا من الإصابة.

كان هذا الهجوم، مخططا بإحكام، فقد قامت مجموعات من الثوار بإلهاء رجال الشرطة البريطانيين، في عدة أماكن، وقبل تنفيذ العملية، قامت مجموعة منهم بالهجوم على حراس حي كريات شموئيل ولاذوا بالفرار، فقام الحراس بمطاردة المهاجمين بينما دخل الباقون إلى الحي، بعد أن بقي الحي بدون حراسة من المنطقة الشمالية، التي هوجمت.

قتل في هذا الهجوم تسعة عشر يهوديا، وستة من الثوار. وقدر بيان المجاهدين الخسائر البريطانية بخمسة عشر ألف جنيه، وحوالي ثلاثين ألف جنيه خسائر يهودية بسبب الحرق والتخريب.

بعدها قامت كتيبة "الليل الخاصة" والتي أسسها وقادها الضابط الإنجليزي الصهيوني أورد تشارلز ڤينچيت الملقب بالصديق، بسبب تأسيسه لهذه الكتيبة والتي قتلت وأسرت ما نسبته عشرين في المائة من الثوار الذين قتلتهم بريطانيا، منذ تأسيس هذه الكتيبة في شهر حزيران / يونيو ١٩٣٨، وحتى انتهاء خدمتها التي استمرت لمدة سنة كاملة. قامت هذه الكتيبة القادمة من مركزها في مستعمرة "عين حارود" بعملية انتقامية من أهالي حطين، إذ دخلت الكتيبة الى القرية، وجمعت رجالها، ثم اختار القائد ڤينچيت عشرة رجال وطالبهم بالتقدم خطوة إلى الأمام، ثم صاح بهم قائلا: قتلتم أولادنا ونساءنا وهم نيام، ولذلك أحكمكم بالإعدام، ثم أطلق جنوده النار عليهم، وأردوهم شهداء.

اغتيال رئيس بلدية طبرية

في يوم السبت، الموافق ١٨ حزيران/ يونيو عام ١٩٣٨، تعرض رئيس بلدية طبرية "الأدون زاكي الحديف"، الذي كان في منصبه هذا منذ عام ١٩٢٣، لمحاولة اغتيال، فعندما كان عائدا من زيارة أحد أصدقائه، حوالي الساعة التاسعة مساء برفقة زوجته، قام مجهول بإطلاق تسع رصاصات من سلاح ناري عليه، فارتمى رئيس البلدية على الأرض، ولذلك تعذر على المجهول إصابته، فنجى من محاولة الاغتيال. في هذه المحاولة أصيب السيد أديب كركبي، والذي كان يعمل موظفا في جمرك طبرية، بجراح خطيرة، نقل على إثرها إلى المستشفى الأسكتلندي.

بعد هذه الحادثة بأربعة أشهر، وتحديدا يوم الخميس، الموافق ٢٧ تشرين أول/أكتوبر، وفِي تمام الساعة الواحدة والعشرين دقيقة ظهرا، أطلق صاحب مطعم شاب من طبرية، اسمه خالد محمود الطرابلسي النار على زاكي حديف، وذلك عندما كان في طريقه من بناية البلدية إلى بنك "أنجلو فلسطينا" وذلك ليكفل صديقه يتسحاك بن تسڤي من اجل الحصول على قرض لشراء أراض عربية في المنطقة، وكان إطلاق النار بجانب فرع البنك عندما كان يهم بدخوله.

سقط زكي حديف على الأرض مضرجًا بدمائه، إذ أصيب بثلاثة عيارات نارية، أحدهما في ظهره، ووصل إلى عموده الفقري، والثاني استقر في كبده، أما الثالث فاخترق أمعاءه. أما خالد الطرابلسي فقد فر هاربا، ولَم يعثر له على أثر عندها، رغم حظر التجول المباشر والذي فرضته السلطات البريطانية، ولكن السلطات البريطانية استطاعت القبض عليه فيما بعد، ونفذ فيه حكم الإعدام في سجن عكا، في السابع من أيلول/سبتمبر عام ١٩٣٩.

تم نقل رئيس البلدية المصاب على جناح السرعة إلى مستشفى "شفايتسر"، وحضر إلى طبرية البروفيسور ماركوس، من تل ابيب، الذى وصل إلى المدينة بواسطة طائرة تابعة لشركة "نتيڤي أڤير"، وقام بإجراء عملية معقدة لزاكي حديف، ولكن المنية عاجلته، فمات في تمام الساعة الثانية ظهرا من بوم السبت الموافق ٢٨ تشرين أول/ أكتوبر. وكان عمره آنذاك ستة وأربعين عاما.

بعد اغتيال زاكي الحديف، وحتى إعلان قرار التقسيم، لم تكن هناك أي أحداث تذكر في مدينة طبرية.

تغير الأحوال وبداية المعارك

حدد قرار التقسيم المشؤوم، بأن طبرية ستكون جزءا من الدولة اليهودية المزعومة، فصار العرب واليهود يعدون العدة للمعركة القادمة، حيث تمركز في طبرية مئات من مقاتلي "الهاغاناه"، مدججين بأسلحة حديثة، مدربين على استعمالها، ومقسمين إلى مجموعات عسكرية منظمة، بينما العرب لا يملكون إلا ما ندر من الأسلحة الخفيفة، بسبب الخطر البريطاني على حمل السلاح للعرب. لذلك قامت اللجنة العربية العليا بتعيين السيد صدقي الطبري مسؤولا عن شؤون العرب في طبرية، والعمل على تجنيد مدافعين للدفاع عن المدينة منها ومن القرى المجاورة، خاصة قرية لوبية، والتي كانت تضم نخبة كبيرة من المجاهدين العرب.

لم يرق لمجاهدي لوبية مرور قوافل الأسلحة والمؤن إلى طبرية، عن الطريق التي تربط بينها وبين الناصرة، وتمر بجانب قريتهم، ولذلك قرروا أن يوقفوا هذه القوافل، فقاموا في العاشرة من صباح الرابع والعشرين من شباط/فبراير ١٩٤٨، بنصب كمين لإحدى هذه القوافل وذلك في الكيلو ١٦١، في وادي "المصابات"، بجانب قرية لوبية.

كانت القافلة تضم باصات مصفحة لشركة "إيجد"، وسيارة شحن، وسيارتي شحن صغيرتين مليئتين بحراس المستعمرات اليهود. أطلق المناضلون النار بكثرة على القافلة، مما منع تقدمها، وأدى إلى إصابة عدد من رجال "الهاغاناه"، الذين اتصلوا بالنجدة من طبرية، وكذلك من مناطق أخرى، واستمر القتال على أشده حتى الساعة الثانية ظهرا، مما أدى إلى إصابة عدد من الصهاينة، واحتراق سيارة الشحن بحمولتها.

لولا تدخل الجيش البريطاني، لما بقي صهيوني على قيد الحياة، إذ كانت الغلبة للعرب، وعندما بات رجال "الهاعاناه" في وضع حرج، وعندما أصبحت المواجهة مباشرة، أي اقترب المجاهدون للقافلة، من أجل الإجهاز على حراسها، قدم الجيش من طبرية، وذلك عند الساعة الثانية ظهرا.

سقط في هذه المعركة شهيد واحد، هو دواس عثمان، وأصيب بجراح عارف محمد عبد الرحمن وإبراهيم منصور، أما الصهاينة فقتل منهم نحو عشرة أشخاص. بعد انتهاء المعركة بساعتين أي في الرابعة بعد الظهر، نشبت معركة جديدة عند مضارب عشيرة الزعفرانية، البعيدة ثلاثة كيلومترات عن لوبية، وتمكن اليهود من حرق عدة مضارب عربية، ولكنهم فقدوا واحدا من مهاجميهم، وأصيب آخر بجراح بالغة.

بعد هذه المعارك، بقي شارع الناصرة - طبرية مغلقا، وصارت القوافل تذهب إلى طبرية عن طريق الشارع الذي يوصلها إلى مستعمرة "كفار طابور".

مواجهات داخل المدينة

في العاشر من آذار / مارس ١٩٤٨، انتشرت إشاعة داخل مدينة طبرية مفادها أن الزعيم اليهودي في المدينة، موشي ڤايس قد اغتيل، ولذلك فإن جنود "الهاغاناه" سيهاجمون العرب انتقاما لذلك، مما زاد التوتر في طبرية، حتى انطلقت الرصاصة الأولى عند الساعة الرابعة صباحا، وسرعان ما سمعت العيارات النارية في كل أنحاء المدينة، وما حلت الساعة السادسة صباحا، حتى اشتد القتال، واستعملت فيه القنابل اليدوية والمتفجرات، ووقعت حوادث متفرقة، قتل فيها يهوديان هما موشيه باركوڤيتش صاحب مطعم "أورا"، وأدون حيون صاحب حانوت لتنظيف الملابس، وأصيب غيرهم الكثير. أما العرب فاصيب منهم أربعة هم: سعيد السيدي وعفيف العبد سعد ومصطفى الأستاذ السعدي من سمخ وَعَبَد الوهاب الشيخ سليم.

إثر اشتداد المعارك، قام القائد العسكري لمنطقة الجليل ومدير شرطة الناصرة بدعوة رئيس بلدية طبرية والسيد خليل الطبري، عن اللجنة القومية، ووجها لهما إنذارا بوقف المعارك فورا. ولكن الأمور لم تهدأ حتى اليوم التالي، لذلك فرض حظر التجول، حتى اليوم التالي في الساعة السابعة صباحا.

وهكذا استمرت المعارك لمدة ثلاثة أيام، وتم الاتفاق على وقف إطلاق نار في الثالث عشر من الشهر، بعد اجتماع قيادة الطرفين، على أن يترك اليهود البلدة القديمة، ولا تبقى فيها "الهاغاناه". ولكن قيادة "الهاغاناه" وبعد طلب مهلة ٤٨ ساعة، قرر قائدها إبقاء ٢٥ مقاتلًا ، مما ساهم في استمرار التوتر في المدينة، رغم أن باقي اليهود تَرَكُوا الحي القديم فعلا، وقام العرب بترك الأحياء المختلطة، والانتقال إلى البلدة القديمة، أو الذهاب إلى قرى أخرى خارج طبرية.

قتل في هذه المعارك ستة من المجاهدين العرب وأربعة من اليهود.

في ظهر الحادي عشر من آذار/مارس، هاجم مقاتلو عرب الصبيح، قافلة من "الهاغاناه" تحمل الرجال والعتاد، لدعم يهود طبرية، واستمرت المعركة ساعة من الزمن، تراجعت فيها القافلة وعادت إلى مصدرها وهو مستعمرة العفولة.

المعارك تحتدم

في صباح الثامن من نيسان /أبريل، ذهب عدد كبير من مناضلي قرية لوبية إلى مدينة طبرية، وكانوا قد أعدوا عدتهم لمهاجمة مناطق طبراوية حيوية، وتظاهروا بأنهم تجار، جاؤوا لبيع السكر لليهود. حضرت إلى المكان وهم في الأحراش في ضواحي المدينة، سيارة تجارية صغيرة فيها يهوديان، ولدى وصولهما قام العرب بإطلاق النار عليهما، ثم هاجموا كراج شركة "إيجد" للباصات، بالقنابل والمتفجرات، وكذلك ألقوا قنابلهم على بنك أنجلو فلسطينا اليهودي، كما قام القناصة العرب بإطلاق الرصاص على الحراس المتواجدين على أسوار البلدة القديمة، وكان مركز الهجوم عند شارع الجليل، ثم هاجموا حي "أحاڤا"، وأحياء يهودية أخرى. في الحال ابتدأ سائقو شركة "إيجد" بنقل اليهود إلى حي "كريات شموئيل". واستمرت الموقعة حتى ساعات بعد الظهر المتأخرة، حيث تدخل الجيش البريطاني، وهاجم المناضلين العرب وأجبرهم على الانسحاب، ليس قبل أن يستشهد أربعة منهم. أما اليهود فقتل منهم ثمانية أشخاص.

اندلع القتال مجددا في ساعات المساء، واستمر طوال الليل، ونهار اليوم التالي، التاسع من نيسان/أبريل، وتحول إلى قتال مرير، من شارع إلى شارع، ومن بيت إلى بيت، وكان السلاح المستعمل هو السلاح الخفيف، والقنابل اليدوية والمتفجرات، وبلغ عدد القتلى اليهود في هذا اليوم ثمانية عشر شخصا، واستشهد أربعة من العرب، اثنان منهم بيد الجيش البريطاني، وجرح اثنان. وبقيت المواصلات منقطعة عن طبرية من يوم أمس، والحالة شديدة التوتر.

كان هدف مناضلي لوبية، أن يحرروا البلدة القديمة من "الهاغاناه" نهائيا، وإجلاء الخمسة والعشرين جنديا منها، ولذلك تركز القتال في منطقة البلدة القديمة وشارع الجليل والأسوار، ولكن كل محاولاتهم فشلت.

في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، أي صباح العاشر من الشهر، استطاعت إحدى حافلات "إيجد" المصفحة اقتحام البلدة القديمة، عن طريق شارع السلام، وإيصال المؤن والعتاد والسلاح إلى رجالات "الهاغاناه" المرابطين هناك. ولكن عندما حاولت الحافلة الخروج من البلدة القديمة، فجر العرب لغما أرضيا تحتها مما أدى إلى اندلاع النار فيها، ومقتل خمسة من ركابها، وفر الأغلبية تحت غطاء ناري من "الهاغانا".

في الصباح الباكر احتدم القتال، وقام اليهود بإلقاء القنابل على عمارة بنك الأمة لتدميره، مما أدى الى إصابة يونس أبو ليل أحد الموظفين. وحاول اليهود التسلل إلى الأحياء العربية حيث قذفوها بالقنابل والرشاشات الثقيلة، وألقوا بمدافع الهاون الى المعركة، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، بعد أن تكبدوا خسائر في الأرواح، وكان عدد القتلى اليهود ثمانية، وخمسة أسرى، سلمهم المناضلون للجيش البريطاني، الذي أطلق سراحهم فورا.

في نفس اليوم، هاجم المناضلون بنك أنجلو فلسطينا مرة أخرى، ونسفوا أربعة بنايات كبيرة، خالية من سكانها، وظل القتال محتدما عند كراج "إيجد" وشارع السلام حتى ساعات المساء، ولَم يتمكن اليهود من نقل جرحاهم من هناك إلا بمساعدة الجيش البريطاني.

بعد ظهر اليوم، حضر القائد العسكري البريطاني لمنطقة الجليل، وفرض وقفا لإطلاق النار، لمدة ثمان وأربعين ساعة، على أن تنتهي يوم الإثنين الحادي عشر من الشهر ظهرا.

في هذا اليوم تجاوز عدد القتلى اليهود خمسة وثلاثين شخصا، أما العرب فاستشهد منهم: سعيد المنصور وصبحي حموري وأحمد سعيد الشيخ خالد وحسن مصطفى الحوراني والسيدة حسنة خليل خلف وطفلان صغيران من عائلة الزعيوط ومجهول الهوية من شرق الاْردن. وانتهى اليوم بسيطرة كاملة للعرب على الموقف في طبرية.

الخطة العسكرية لاحتلال المدينة

في الثاني عشر من نيسان/أبريل، أعلنت "الهاغاناه" عن تجنيد عام في طبرية، على أن يتجند كل من بلغ الخامسة والثلاثين، وأعلنت عن توزيع السلاح لكل جندي صهيوني لم يتسلح في حينه.

كان الخطة الصهيونية تقضي بأن تقوم كتيبة "چولاني" بالسيطرة على المدينة، على أن تقوم أولا بالسيطرة على كل الطرق إلى طبرية، وخاصة المرتفعات، لمنع وصول الإمدادات والرجال إلى طبرية، وإدخال إمدادات إلى جنود "الهاغاناه" المتواجدين في البلدة القديمة، وتفجير بناية قيادة القوات العربية المسماة "بيت ست محفوظة (محفوزة)"، واحتلال فندق طبرية (تايبيرياس) وفتح الطريق إلى الجليل الأعلى واحتلال البلدة القديمة.

من أجل تنفيذ هذه العمليات، أضافوا قوة من "البلماح" والتي كانت مهمتها احتلال فندق طبرية. وكان القرار على إجراء تنفيذ الخطة حالا، بدون أي تأخير.

مجزرة قرية ناصر الدين

في ليل الثاني عشر من نيسان/أبريل ابتدأ تنفيذ الخطة، بواسطة احتلال المرتفعات القريبة من طبرية، وأوكلت المهمة لوحدة "باراك". قامت هذه الوحدة باحتلال قرية الشيخ قدومي (خربة) في الناحية الغربية لطبرية، وقتلت اثني عشر مواطنا من ساكنيها، ثم انطلقت إلى قرية ناصر الدين القريبة لاحتلالها.

كانت قرية ناصر الدين (خربة)، قرية صغيرة وادعة، يقطنها تسعون شخصا تقريبا لا أكثر، وكان هؤلاء في خوف شديد من سقوط طبرية في يد "الهاغاناه"، خوفا على أرواحهم، ولذلك كانت فرحتهم كبيرة، عندما وصلت إلى المكان قوة عربية في ليل الثاني عشر من الشهر، واعتقدوا أنها قادمة لنصرة إخوانهم المقاتلين في طبرية والنواحي القريبة، فما كان منهم إلا أن رحبوا بهذه القوة، وأدخلوها إلى القرية بالترحاب. كانت هذه النجدة من وحدة "باراك" الموكلة باحتلال القرية، والتي قام أعضاؤها، بإطلاق النار بشكل عشوائي على السكان، بدون رحمة او شفقة، مما أدى إلى استشهاد خمسين شخصا من أصل تسعين، أما الناجون فقد هربوا في منتصف الليل إلى المجهول حفاظا على أرواحهم.

وهكذا نفذ البند الأول من الخطة، بواسطة تنفيذ مجزرة فظيعة، وصلت أخبارها إلى أهالي طبرية، فتقطعت أوصالهم، وأدركوا أن المجازر غير مقتصرة على منظمة "الإرغون" و"الليحي" اللتين نفذتا مجزرة دير ياسين قبل عدة أيّام، ووصلت أخبارها إلى المدينة.

سقوط مدينة طبرية ونزوح اَهلها

ابتدأ بعض العائلات العرب، بترك المدينة إلى أماكن يعتقدون أنها أكثر أمنا، وفي نفس الوقت توجهوا إلى قائد المنطقة الشمالية في الجيش البريطاني مطالبينه بإخلاء قوات "الهاغاناه" من البلدة القديمة، لوقف التوتر وحل الأزمة في المدينة. ولكن اليهود رفضوا ذلك، وبعد وعيد وتهديد تراجع قائد الجيش البريطاني عن مطالبته لليهود بإجلاء جنودهم من البلدة القديمة، وتركهم ليستمروا بتنفيذ خطتهم.

في ليل الثالث عشر من نيسان/أبريل، خرجت سفينة كبيرة من "عين چيڤ"، وعندما وصلت إلى شاطئ المدينة، ربط رجال "الهاغاناه" بها أربعة قوارب، يحمل كل منها الأسلحة والذخيرة والجنود، فقامت السفينة بجر القوارب الأربعة، حتى وصلت بهم إلى شاطئ البلدة القديمة، ناحية الحي اليهودي، وهناك نزل الجنود، وسبحوا إلى الشاطئ، بينما كان يطلق عليهم وابل من رصاص العرب، وكانت قوات كبيرة تحميهم وتهاجم العرب بنيران ثقيلة.

فِي النهاية نجحوا في الوصول إلى البلدة القديمة بالسلاح والذخائر والمؤن، مما أعطى "الهاغاناه" أفضلية على المقاومين العرب، المتطوعين والذين لا يعرفون شيئا من الخطط العسكرية، وفنون القتال المنظم.

اشتدت المعارك في صباح اليوم التالي (الرابع عشر) في طبرية، وقام العرب بتفجير فندق "إدلر" والذي كان مقرا لـ"الهاغاناه"، فدمر الفندق وقتل بعض الأشخاص، الذين كانوا في داخله. ثم قامت قوة من السيارات الصهيونية المصفحة بمحاولة اختراق عربي المدينة القديمة، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، حيث هاجمها العرب بالمولوتوف والقنابل اليدوية، فاستطاعوا تدمير إحداها، وقتل بعض جنود "الهاغاناه". وهذا ما حصل مع سيارة شحن يهودية، إذ احترقت بعد استهدافها بالقنابل الحارقة.

وردا على تفجير فندق "إدلر" قامت "الهاغاناه" بتفجير مقر النجادة، وهدمت بعض البيوت في البلدة القديمة.

ومع اشتداد المعارك قامت سلطة الانتداب بفرض حظر التجول في كل المنطقة.

استمر حظر التجول حتى السادس عشر من نيسان/ أبريل، ولَم يعكره إلا بعض المناوشات هنا وهناك، وخلاله كانت "الهاغاناه" تخطط لمواصلة هجومها على المدينة.

فِي ليل السادس عشر قامت مجموعة من وحدة باراك، بمهاجمة بيت الست محفوزة في البلدة القديمة، حيث تتواجد القيادة "العسكرية" العربية، وقامت بتفجيره على من فيه، فاستشهد أكثر من خمسة عشر شخصا، حيث اجتمعوا للبحث في أمر المعارك في طبرية، ولمحاولة تحسين الوضع العربي فيها، أي المعارك. بهذه المعركة لم يبق للعرب قيادة محلية يلجأون اليها، مما زاد من ارتباك السكان والمقاتلين على حد سواء، فاشتدت حدة نزوح السكان العرب من المدينة.

شيئا فشيئا، صارت المدينة القديمة تخلو من سكانها، أما المقاتلون فصاروا يطلقون النار من مناطق مختلفة بعشوائية أكثر من ذي قبل، وفراغ طبرية من سكانها، لم يعطهم المعنويات اللازمة، لمحاربة عدو يفوقهم عددا وعتادا.

في ليل السابع عشر، قامت وحدة "البلماح"، بمهاجمة آخر معقل للعرب وهو فندق "تايبيرياس"، وجرت هناك معركة حامية الوطيس، دفاعا عنه، ولكن قوات "البلماح" استعملت مدافع الهاون لقصف الفندق، ونجحت ـخيراً في ذلك، بعد انسحاب المناضلين منه آخر الليل.

استسلام العرب في طبرية

في صباح الثامن عشر من نيسان/أبريل، حاول أكثر من أربعين مجاهدا، القدوم من لوبية وغيرها لمساعدة المقاتلين في طبرية، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك، إذ هاجمتهم قوة من "الهاغاناه"، وقتلت عشرة منهم، وأسرت أربعة، ولما وصل هذا الخبر إلى مقاتلي طبرية، أوقفوا إطلاق النار كليا، قبل أن تقوم "الهاعاناه" بهجوم واسع على البلدة القديمة.

خلال ذلك، كان العرب يتركون طبرية، بأعداد كبيرة، حتى وصل العدد إلى ألفي شخص بعد احتلال فندق "تايبيرياس"، وحتى الساعة السادسة والنصف صباحا لم يبق في طبرية أحد، إذ أعلن الجيش البريطاني حظر التجول حتى يخرج آخر عربي من المدينة.

في التاسع عشر من نيسان/أبريل، أعلن قائد "الهاغاناه" في طبرية: "يا سكان طبرية، ترك العرب المدينة، وأصبحت لنا كلها، أعلن إقامة سلطة عبرية مستقلة في المدينة".

في الثامن والعشرين من نيسان/أبريل، انسحب الجيش البريطاني من المدينة، تاركا إياها لليهود.

بعد الاحتلال قام اليهود بتفجير بيوت العرب جميعا تقريبا، لمنعهم من العودة إليها.

التعليقات