أول من استعمل مصطلح "النكبة"

يسود الاعتقاد بأن قسطنطين زريق، نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، كان أول من استعمل مصطلح "النكبة" في سياق النزاع العربي الإسرائيلي وذلك في كتابه "معنى النكبة" الصادر في آب 1948

أول من استعمل مصطلح

يسود الاعتقاد بأن قسطنطين زريق، نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، كان أول من استعمل مصطلح "النكبة" في سياق النزاع العربي الإسرائيلي وذلك في كتابه "معنى النكبة" الصادر في آب 1948.

يقول زريق معقبًا على قبول الدول العربية للهدنة الأولى: "ليست هزيمة العرب في فلسطين مجرد إخفاق، أو شر عابر. هذه نكبة بكامل معنى الكلمة، وإحدى أصعب النكبات التي ألمت بالعرب خلال تاريخهم الطويل. تعلن سبع دول عربية الحرب على الصهيونية في فلسطين، وتقف عاجزة مرتدة على أدبارها. تريد سبع دول إلغاء التقسيم والقضاء على الصهيونية، لكنها تترك المعركة بعد أن خسرت جزءًا كبيرًا من أرض فلسطين، حتى ذلك الجزء الذي أُعطي للعرب. إنها تضطر إلى قبول الهدنة التي لا يوجد فيها أية ميزة أو مكسب من جهتها".

من الجدير بالذكر أن قسطنطين زريق لم يخض في ما حل عام 1948 بالفلسطينيين من تقتيل وتشريد وتهجير وتدمير لمعظم معالمهم السياسية والاقتصادية والحضارية، وإنما رأى أن النكبة مع ولادتها كانت للعرب كافة.

بين يدينا منشور إسرائيلي، كان من المفروض أن يلقى من الطائرة على قرية الطيرة بعد سقوط اللد والرملة (طيرة بني صعب، أو طيرة الكرمل فالأمر سيان) يتوعد فيه الجيش الإسرائيلي أهالي القرية بدك قريتهم بالمدافع والطائرات والدبابات، وتدميرها بالكامل، ولتلافي النكبة عليهم الاستسلام وإلقاء السلاح. أي أن الجيش الإسرائيلي كان أول من وصف ما حل بالفلسطينيين من ويلات بالنكبة باعتباره عالما بخفايا الحرب ومجرياتها. ولأهمية هذا المنشور في ما يلي نصه:


إلى عرب الطيرة

إن السويعات المعدودة التي تمر عليكم هي ساعات فصل، وأنتم تقدرون أن تقرروا مصيركم. قد حلت بين ظهرانيكم عصابات آثمة من الأجانب المسلحين الذين تحكموا في رقابكم، وساموكم الذل والهوان، وحملوكم على الاعتداء والعدوان، وقد انخدعتم وانقدتم وانصعتم لهؤلاء الأشراس الأوباش، وشاركتموهم أعمالهم المفضوحة، وساعدتموهم على جرائمهم التي ارتكبوها بالأبرياء من الناس. وها قد طفح الكيل وامتلأ الكأس وجاءت ساعة الحساب-ونحن ندعوكم إلى تسليم رجال العصابات الأجانب، والأسلحة الموجودة لديكم إلى الجيش الإسرائيلي، وفي هذه الحال لكم الحياة الآمنة المطمئنة في ربوعكم.

وإن أبيتم وعصيتم وفي طريق الضلال مضيتم فعوا أن السيف سيعمل في رقابكم بدون أيما رحمة ورأفة، وإذا عاندتم وتماديتم في غيكم واعتمدتم على المدفعين الثقيلين والدبابة التي لديكم- فاعرفوا أن طائراتنا ودباباتنا ومدافعنا ستدك قريتكم دكا وتقصف بيوتكم وتقصم ظهوركم. تقطع أدباركم- حتى أن تطير الطيرة في الهواء وتصبح قاعًا صفصفًا وخرابًا يبابًا تنعق فيه البوم والغربان.

فيا عرب الطيرة

إن أردتم تلافي النكبة وتفادي المصيبة والخلاص من الهلاك المحتوم، فاستسلموا لأن حبل الخناق قد التف حولكم، وكماشة الحصار قد انطبقت عليكم وأحاطت بكم من كل ناحية وجانب. إن المنافذ قد سدت بوجوهكم، ولم تبق لكم للنجاة طريق وسبيل إلا الاستسلام.

إنكم لا تكسبون من إصراركم وعنادكم إلا ضياع أموالكم وخراب مزارعكم ومحصولاتكم وزهق أرواحكم!

إن جيش اسرائيل الظافر قد دمر أوكار العصابات في يافا وحيفا وعكا وطبرية وصفد، واستولى مؤخرا على اللد والرملة ورأس العين وعشرات القرى الأخرى في شمالي البلاد وجنوبها وهذا الجيش المنتصر سيقضي عليكم حتماً وبظرف سويعات إن لم تلقوا السلاح وتستسلموا حالا.

وانتم مخيرون في الأمر- فإما الاستسلام والحياة والأمن والطمأنينة لكم ولأطفالكم وذريتكم- وإما العناد، فالهلاك والموت الزؤام.

قيادة الجيش الإسرائيلي


تعقيب على المنشور أعلاه:

1. ورد في المنشور أن الجيش الإسرائيلي احتل حيفا ويافا وعكا وطبرية، واستولى مؤخرًا على اللد والرملة ورأس العين، وبناء على ذلك يمكننا أن نقرر أن المنشور المذكور صدر بعد سقوط اللد والرملة في 11/7/1948 وقبل بدء الهدنة الثانية في 18/7/1948؛

2. في المنشور دعوة إلى تسليم رجال العصابات الأجانب والأسلحة الموجودة في القرية إلى الجيش الإسرائيلي، وفي هذه الحال لأهل القرية الحياة الآمنة المطمئنة في ربوعهم؛ والمقصود برجال العصابات عناصر من الجيش العراقي الذين كانوا يرابطون منذ أواخر شهر أيار في طيرة بني صعب يرافقهم مقاتلو فوج صلاح الدين الفلسطيني، أما الأسلحة الثقيلة فكانت مدفعان ودبابة بالإضافة إلى الرشاشات والبنادق. حاول الجيش الإسرائيلي في منشوره إحداث شرخ بين الجيش العراقي وأهالي الطيرة قائلاً: "قد حلت بين ظهرانيكم عصابات آثمة من الأجانب المسلحين الذين تحكموا في رقابكم، وساموكم الذل والهوان، وحملوكم على الاعتداء والعدوان..."، من الواضح أن كاتب المنشور كان يعي أن الإيقاع بين الأهالي والجيش العراقي ضرب من المحال، لذلك أخذ يصعد من حدة لهجته وبدأ يتوعد حيث يقول: "وقد انخدعتم وانقدتم وانصعتم لهؤلاء الأشراس الأوباش، وشاركتموهم أعمالهم المفضوحة، وساعدتموهم على جرائمهم التي ارتكبوها بالأبرياء من الناس، وها قد طفح الكيل وامتلأ الكأس وجاءت ساعة الحساب"؛

3. لغة المنشور لغة قوية ذات نغمة صارمة تحمل أشد أنواع التهديد والوعيد، والكاتب مثقف وعالم بخفايا اللغة العربية الفصحى وبمفرداتها وتراكيبها اللغوية الدقيقة، وهو ليس بمستشرق، وإنما يهودي من إحدى الدول العربية، وربما كان إلياهو ساسون السوري الأصل، أو من يضاهيه؛

4. تتوعد قيادة الجيش الإسرائيلي أهل الطيرة بأشد أنواع العقاب حيث تقول: "وإن أبيتم وعصيتم وفي طريق الضلال مضيتم، فعوا أن السيف سيعمل في رقابكم بدون أيما رحمة ورأفة، وإذا عاندتم وتماديتم في غيكم واعتمدتم على المدفعين الثقيلين والدبابة التي لديكم- فاعرفوا أن طائراتنا ودباباتنا ومدافعنا ستدك قريتكم دكاً وتقصف بيوتكم وتقصم ظهوركم. تقطع أدباركم- حتى تطير الطيرة في الهواء، وتصبح قاعاً صفصفا وخرابا يبابا تنعق فيه البوم والغربان". كان ينتظر سكان الطيرة إذا ما سقطت القتل والتشريد والتهجير وهدم قريتهم وإزالتها عن الوجود!؛

5. تتوعد قيادة الجيش الإسرائيلي أهل الطيرة بالنكبة حيث تقول: "إن أردتم تلافي النكبة وتفادي المصيبة والخلاص من الهلاك المحتوم، فاستسلموا لأن حبل الخناق قد التف حولكم، وكماشة الحصار قد انطبقت عليكم وأحاطت بكم من كل ناحية وجانب. إن المنافذ قد سدّت بوجوهكم، ولم تبق لكم للنجاة طريق وسبيل إلا الاستسلام". تعترف قيادة الجيش الإسرائيلي بأن ما حل بالشعب الفلسطيني منذ سقوط حيفا ويافا وحتى سقوط اللد والرملة هو "النكبة" بكل ما يحمله هذا المصطلح من معان، واستعمال هذا المصطلح في تلك الفترة يدل على أن تلك القيادة كانت أول من استعمل هذا المصطلح في السياق الفلسطيني؛

6. إن التهديد والوعيد لأهل الطيرة لم يكن من باب الحرب النفسية التي شنتها إسرائيل ضد الفلسطينيين والعراقيين فحسب، وإنما كانت هذه القيادة تضمر السوء لأهل الطيرة على ما فعلوه بالجنود المقتولين في معارك شهر أيار 1948، واستبسالهم في الدفاع عن قريتهم.

التعليقات