70 عاما على النكبة: احتلال صفد (15)

قام "البلماح" باعتقال أكثر من ٣٧ رجلا من القرية، ووضعوهم مقيدين في مسجد القرية، ثم تم قتلهم بالرصاص، مع مجموعة أخرى من القرى المجاورة، وفِي اليوم التالي وجدت سبعون جثة للشهداء المغدورين، وذلك بعد أن تم تعذيبهم بشكل وحشي

70 عاما على النكبة: احتلال صفد (15)

صفد عام 1908، من الأرشيف

قصة سقوط قلعة الجليل...


قصة سقوط مدينة صفد، هي صورة مصغرة لما حدث كثيرا، بل في أغلب الأحيان، إبّان معارك عام النكبة، ففيها ظهرت كل العيوب القتالية والعسكرية للعرب، خاصة المقاتلين المتطوعين المنظمين عسكريا، من جيش الإنقاذ وغيره.

في معركة صفد، كان هناك خطة عسكرية خاطئة، وخلاف بين ضباط، وانقسام بين المقاتلين على أساس الولاء السياسي، وتقاعس بعض القيادة، وأسلحة غير كافية، وإمدادات شحيحة، والأهم أن الخوف كان سائدا بين سكان صفد والمقاتلين المتطوعين، من فلسطينيين وعرب، من أن تسقط المدينة بيد الصهاينة، فيمعنوا بهم قتلا وتجريحا، ولذلك كانت المعنويات منخفضة، خاصة بعد سقوط حيفا وطبرية، وخوف العرب من نفس المصير، الذي واجه أهل هاتين المدينتين.

كل هذا مقابل تنظيم عسكري حديث، وتفكير قتالي سليم، من قبل العصابات الصهيونية، والتي استطاعت في اللحظة الحاسمة، وبعد أن كانت الغلبة للعرب طوال فترة من الزمن، أن تقلب الأمور رأسا على عقب، وتحول المعركة لصالحها، وذلك بالتركيز على نقاط ضعف المدافعين عن المدينة، وتنفيذ خطة عسكرية محكمة، تخللتها مجزرة إرهابية في قربة "عين الزيتون"، أدت إلى زيادة الخوف لدى السكان، الذين تَرَكُوا المدينة عندما شعروا بتحولها لصالح الصهاينة، وكذلك المقاتلين.

اليهود في صفد

منذ ثلاثة آلاف سنة، لم تخل مدينة صفد من اليهود، إلا لفترات قصيرة جدا، ودائما كانوا يتركونها مرغمين فقط، إن كان بسبب حروبات نشبت، أو كوارث طبيعية مثل الزلازل، أو انتشار وباء ما، فهي بالنسبة إليهم، إحدى المدن الأربعة المهمة تاريخيا لمعتنقي الدين اليهودي. وهذه المدن هي القدس والخليل وطبرية بالإضافة إلى صفد.

بل إن اليهود في كثير من الأوقات، شكلوا الغالبية العظمى من عدد السكان، خاصة في القرن السادس عشر، بعد طرد اليهود من إسبانيا عام ١٤٩٢، وبداية الاحتلال العثماني عام ١٥١٧، إذ أن العثمانيين عاملوا اليهود معاملة حسنة، ودعوهم يسكنون في كنف الإمبراطورية، وأصبحت صفد مركزا لمنطقة الجليل الأعلى. حسب الإحصاءات العثمانية، كان عدد سكان صفد عام ١٥٥١ حوالي عشرة آلاف، بحيث أن اليهود شكلوا خمسين في المائة من السكان، واستمرت نسبتهم في الارتفاع، حتى فترة الظاهر عمر، والمعارك التي نشبت بينه وبين العثمانيين، مما أثر على كل أهالي صفد، بكل طوائفهم.

ما يهمنا هنا، هو القرن التاسع عشر، حيث شكل اليهود الفلسطينيين نسبة كبيرة من السكان، ففي عام ١٨٠٠ كانت نسبتهم خمسين بالمائة، بينما عدد السكان الكلي كان يتجاوز ٥٥٠٠ نسمة. وفِي زلزال عام ١٨٣٧، كان أكثر الضحايا من الطائفة اليهودية، ويقال إن عددهم، أي الضحايا من اليهود، كان بين الألفين إلى أربعة آلاف في رواية اخرى. عام ١٨٨٠ كان عدد السكان في مدينة صفد حوالي ٨٣٠٠، منهم ٤٣٠٠ يهوديا، من هؤلاء اليهود كانت نسبة كبيرة من الأوروبيين. عشية الحرب الكونية الأولى كان اليهود يشكلون ٦٠٪؜ من ١١٠٠٠ نسمة، بينما انخفضت النسبة في نهاية الحرب، وبداية الانتداب البريطاني، فكانوا عام ١٩٢٢، حوالي ثلاثة آلاف من حوالي تسعة آلاف، وعام ١٩٣١ أصبح عدد اليهود ٢٥٠٠ من ٩٥٠٠ نسمة. عام ١٩٤٥ نزل العدد إلى ٢٤٠٠ بينما مجمل السكان كان أكثر من عشرة آلاف مواطن صفدي. أما عشية النكبة فكان عدد المواطنين اليهود، ألفين فقط من اثني عشر ألفا.

من الواضح أن الاستيطان الصهيوني، قفز عن هذه المدينة ورغم أن سكانها اليهود العرب كانوا يشكلون نسبة ٣٠٪؜ فقط من اليهود، إلا أن اليهود الأشكناز لم يكونوا صهاينة، بل قدموا إلى صفد لأسباب دينية بحتة، لا تمت إلى الصهيونية بصلة، وكانوا جميعا من أتباع حركة "الحسيدوت"، وجاؤوا إلى البلاد أساسا من مناطق الإمبراطورية الهنغارية النمساوية.

وجود الحركة الصهيونية، وفعلها الآثم في فلسطين، أدى الى توتر في المدينة ونزاعات بين اليهود والطوائف العربية الأخرى، وشيئا فشيئا تحول اليهود إلى جزء من المنظومة الاستعمارية، قلبا وقالبا، إذ أن "الهاغاناه" تواجدت في المدينة منذ بداية ثورة ١٩٣٦، بادعاء المحافظة على اليهود وحراستهم من اعتداءات جيرانهم الآخرين.

صفد خلال ثورة البراق ١٩٢٩

صفد هي واحدة من المدن الفلسطينية، التي كانت مركزا لأحداث ثورة البراق عام ١٩٢٩، وقد جئت بقصتها في الحلقة العاشرة، بعنوان "انفجار الغضب"، ولا بأس أن نذكر مجددا أن الهجوم العربي على الحي اليهودي، والذي أسفر عن مقتل أربعة عشر يهوديا، حدث بسبب اعتداء بالسلاح الحي من يهودي على صبيان عرب كانوا يلعبون بجانب حي اليهود، مما أزعج أحد السكان اليهود، فشتمهم وصاح بهم أن يذهبوا بعيدا، فما كان من الصبيان إلا أن ردوا عليه بالشتائم، فقام بإطلاق النار في الهواء لتخويفهم، فاعتقد باقي سكان الحي أن العرب يهاجمون الحي، فصاروا يطلقون الرصاص خوفا وفزعا، وبدون مبرر لذلك، بل إن كثافة الرصاص أدت إلى إصابة مخزن للغاز، يمتلكه يهودي، فحدث حريق هائل في السوق وقضى على عدة دكاكين لتجار يهود.

كان ذلك بتاريخ ٢٩ آب / أغسطس عام ١٩٢٩، بعد أسبوع تقريبا من انطلاق ثورة البراق، وبعد إضراب شامل لمدة ثلاثة ايّام في صفد، ومظاهرات سلمية حاشدة قام بها العرب، نصرة للقدس وردا على اعتداء اليهود على الأقصى في ٢٣ من نفس الشهر.

ومن الطبيعي بمكان أن يكون التوتر في المدينة شديدا جدا، بسبب تلك الأحداث، وكان أي خطأ يقوم به أحد الطرفين من شأنه إشعال نار الفتنة، وهذا ما حصل فعلا عندما قام اليهودي المذكور أعلاه بإطلاق النار، ومشاركة الآخرين من حيه في ذلك، دون أن يتبينوا الأسباب. وبالإضافة إلى ذلك انتشر خبر بين أهل المدينة أن المجاهد أحمد طافش قد استشهد بعد أن اعتدى عليه اليهود، فهب العرب المجتمعون في الجامع الكبير في السوق، وهاجموا الحي اليهودي بالحجارة، والعصي والسكاكين، مما أدى إلى مقتل أربعة عشر يهوديا خلال ساعة ونصف من الهجوم، مما كان له أكبر الأثر في تناقص عدد اليهود في صفد بحوالي ألف يهودي بعد هذه الأحداث، وتكوين نواة مسلحة لـ"الهاغاناه" في الحي اليهودي، بحجة حراسته من اعتداءات العرب، وبذلك استطاعت العصابات الصهيونية، أن تجعل لها موضع قدم في صفد، كان له أكبر الأثر فيما حدث في صفد بعدها حتى النكبة.

قامت السلطات البريطانية خلال الأحداث بقمع العرب بشدة، فاعتقلت ما يتجاوز الأربعمائة شخص من السكان، وحكمت على الشهيد فؤاد حجازي بالإعدام شنقا، وقد نفذ هذا الحكم في ١٧ حزيران/ يونيو ١٩٣٠، مع الشهيدين عطا الزير ومحمد جمجوم. كما وحكمت بالسجن المؤبد على نايف توفيق غنيم، وأخيه عارف توفيق غنيم، وتوفيق عبيد، وأحمد صالح الكيلاني، ورشيد سليم الحاج درويش، وأخيه علي سليم الحاج درويش، ومحمد علي زينب، وجمال سليم الخولي، ورشيد محمد خرطبيل، ومصطفى أحمد دعبس، ومحمد مصطفى شريفة، وسعيد شما. في المقابل لم تقبض أو تحاكم يهوديا واحدا من المدينة.

عصابة الكف الأخضر

كانت الإشاعة عن استشهاد المناضل أحمد طافش، وهو أحد سكان صفد، غير صحيحة، حيث أنه لم يصب بأي أذى في أحداث ١٩٢٩، واستمر بعده في جهاده وأسس "عصابة الكف الأخضر"، وكان تأسيسها في شهر تشرين أول/ أكتوبر عام ١٩٢٩، وكان عدد أعضائها سبعة وعشرين مناضلا، وابتدأت نشاطها حالا بهجوم على الحي اليهودي. في الشهر التالي انضم إليها مجاهدون سوريون كانوا قد شاركوا في الثورة العربية الكبرى في سورية عام ١٩٢٥، وبذلك أصبح عدد أعضاء عصابة الكف الاخضر، أكثر من ثمانين مناضلا، وقد قامت العصابة بعدة عمليات ضد البوليس الإنجليزي في منطقة صفد ومنطقة عكا.

سرعان ما حشدت بريطانيا قوات كبيرة للقضاء على العصابة، واستعانت بفرنسا التي قطعت عنها الإمدادات من الحدود السورية، واستطاعت أن تقضي عليها خلال شهرين من الملاحقة، وهرب أحمد طافش إلى الاْردن، وهناك قبض عليه في شهر شباط / فبراير ١٩٣٠، ومن ثم تم تسليمه لسلطات الانتداب في فلسطين، وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، يضاف إليها سبعة أعوام أخرى، بتهمة المشاركة بأحداث ثورة البراق، ثم عفت عنه السلطات في شهر آب/ أغسطس من العام ١٩٣٥، بعد إلغاء الحكم بخمسة عشر عاما.

هناك من يعتبر عصابة الكف الأخضر أول تنظيم عسكري ضد القوات البريطانية في فلسطين، ويعتبره البعض امتدادا للثورة العربية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وذلك لأن القسم الأكبر من أعضائها، كانوا ممن شاركوا في الثورة السورية.

صفد ومنطقتها في ثورة ١٩٣٦-١٩٣٩

كان لصفد مشاركة فعالة في الثورة الفلسطينية الكبرى، وكان من أشهر مجاهديها عبدالله الشاعر، والذي خاض معارك طاحنة ضد القوات والبوليس البريطاني، ومن المجاهدين المعروفين من المدينة نفسها، عارف غنيم أحد رؤساء الفصائل، والمجاهد الشهيد رشيد الشاعر، والمجاهد الشهيد أحمد الحاج ياسين وغيرهم من المجاهدين، وبلغ عددهم من صفد ومنطقتها أكثر من أربعمائة مجاهد. ولَم تخبُ نار الثورة طوال سنواتها الثلاثة، وكانت وتيرة المعارك والصدامات متناغمة مع المواقع والمناطق الأخرى من فلسطين.

وكانت المعركة الأولى في ليلة ٢١-٢٢ حزيران/يونيو ١٩٣٦، حيث هاجم الثوار بقيادة عبد الله الشاعر سيارات شرطة بريطانية تحرس حافلة ليهود، وذلك قرب قرية جب يوسف على طريق صفد - طبرية، واستمر إطلاق النار لمدة ثماني ساعات، قبل انسحاب الثوار إلى الجبال.

وفِي ظهر يوم الرابع عشر من تموز / يوليو عام ١٩٣٦، نشبت أربع معارك كبرى بين الثوار والشرطة البريطانية، واستمرت المعارك لمدة خمس وعشرين ساعة، أي حتى الثانية صباحا من اليوم التالي، واشترك في هذه المعارك أكثر من ثلاثمائة جندي مستعملين المدافع الرشاشة. وكانت المعركة الأولى في وادي الطواحين الواقع في الجهة الغربية لصفد، حيث سيطرت عليه القوات البريطانية، بينما تمركز الثوار في جبل الجرمق، واستمرت المعركة حتى السابعة مساء، وكان أوجها في الساعة الرابعة بعد الظهر، عندما قامت مجموعة من الثوار بالهجوم على الجند بواسطة حركة التفاف حولهم، مما ساهم في تخفيف وطأة الهجوم على الثوار في الجرمق. المعركة الثانية ابتدأت عند الساعة الحادية عشر ليلا، إذ قام الثوار بالهجوم على مدينة صفد من جهاتها الأربع، مستهدفين مقر الشرطة البريطانية والجيش المرابط في الحي اليهودي. وعند سفح جبل كنعان، هاجم الثوار سيارات بريطانية مصفحة، ووقع صدام عنيف بين الجند والثوار استمر لمدة ساعات. أما المعركة الرابعة فكانت عند موقع بئر الشيخ حيث هاجم الثوار دوريات الشرطة بالبنادق والأسلحة الخفيفة. وقد استشهد في معركة وادي الطواحين أحمد خليل ومحمد شحادة بعد أن رفضا الاستسلام للقوات البريطانية عندما قامت بتطويقهما.

وفِي ليلة التاسع من آب / أغسطس، جرى هجوم من قبل عشرين مجاهدا، على مراكز الجيش والشرطة في جبل كنعان، وقتل في المعركة اثنان من الجنود.

وفِي ظهر ١٢ آب/ أغسطس ١٩٣٦، هاجم فصيل المجاهد عبد الله الشاعر قافلة من سيارات الجيش البريطاني، التي تحرس حافلة يهودية، وكان الهجوم عند قرية الجاعونة ("روش بينا" اليوم)، واستمرت المعركة لمدة ساعتين، قتل فيها بعض اليهود والجنود البريطانيين.

وفِي ١٤ آب / أغسطس ١٩٣٦ ليلا، قام سبعون ثائرا بالهجوم على القوات البريطانية المرابطة في الحي اليهودي، واستمر إطلاق النار مدة أربع ساعات، وقتل في المعركة أربعة يهود.

وفِي ٣١ آب/ اغسطس ١٩٣٦، قام الثوار ليلا بمهاجمة مستعمرة الوقاص، وأمطروها بالرصاص، وأشعلوا بعض مخازن القمح والشعير، واستمرت المعركة لمدة ثماني ساعات. وفِي نفس الليلة هاجموا مستعمرة روش بينا، وتبادلوا إطلاق النار مع حراس المستعمرة، وقاموا بحرق أشجار وبيوت. كما وهاجموا في نفس الوقت مستعمرة "عين زيتيم"، ومستعمرة نجمة الصبح، وفِي نفس الليلة أيضا، تم الهجوم على الجند البريطانيين في الحي اليهودي، واستمر القتال لعدة ساعات.

وفِي ١٥ أيلول / سبتمبر ١٩٣٦، وقعت معركة في جبال صفد، شارك فيها ستون ثائرا، وأربعون فارسا من قوة حرس الحدود البريطانية، وقوات من الجند في عشرين سيارة عسكرية وطائرة حربية، تعطل فيها مدفع رشاش.

وفِي ٨ أيار / مايو ١٩٣٧، تمت محاولة اغتيال فاشلة، لمفتش شرطة بريطاني في صفد، أسفرت عن إصابته بجروح.

وفِي ٢٣ ايلول / سبتمبر ١٩٣٧، تصدى الثوار لمجموعة من الجند القادمة من حيفا إلى صفد، وكان ذلك في الساعة الخامسة مساء، قرب قرية قرابية، في موقع يسمى الرميلي، وجرت معركة حامية الوطيس، واستمرت المعارك لساعتين، قتل فيها جندي بريطاني.

وفِي ليلة ١٦-١٧ تشرين ثان/ نوفمبر ١٩٣٧، هاجم عبد الله الشاعر وخمسة عشر مجاهدا، سيارة مدير شرطة صفد الضابط، مارتن، ولكنه لم يَصْب بأذى، رغم جرح بعض أفراد الشرطة الذين كانوا يحرسونه.

وفِي ٢٩ تشرين ثان/ نوفمبر، تم تنفيذ هجوم على حافلة لليهود، على خط صفد - حيفا، وجرح ثلاثة يهود، وردت السيارات التي تحرس الحافلة بإطلاق الرصاص من مدفع رشاش.

وفِي الأول من كانون ثان/ يناير ١٩٣٨، قامت فصائل صفد بالهجوم على عدة دوريات بريطانية، بين قرية فرادة وقرية مسموع، وقرب قرية السموح.

وفِي ٢٣ أيار / مايو ١٩٣٨، قام الثوار بقيادة عبد الله الشاعر بمهاجمة قافلة للعمال اليهود محروسة من الجيش البريطاني، وذلك في الساعة الثالثة بعد الظهر، على طريق سعسع - صفد، مما أدى إلى مقتل بعض العمال وجنديين بريطانيين.

وفِي ١٠ حزيران/ يونيو ١٩٣٨، هاجم الثوار مستعمرة "روش بينا"، وقتلوا عددا من اليهود.

وفِي ١٩ تموز / يوليو ١٩٣٨، قام فصيل بقيادة محمود عثمان بتفجير سيارة يهودية قرب مستعمرة نجمة الصبح، مما أدى إلى مقتل كل ركابها.

وفِي الثاني من كانون أول / ديسمبر ١٩٣٨، هاجم الثوار بقيادة إبراهيم الشاعر، دورية بوليس ذاهبة من صفد إلى مارون الراس، وأطلقوا عليها النار مما أدى الى إصابة بعض أفراد الشرطة.

وفِي السادس من حزيران/ يونيو ١٩٣٩، رابط عبد الله الشاعر ومعه خمسة وثلاثون مجاهدا، لقافلة بريطانية مكونة من اثني عشر سيارة عسكرية، وعندما وصلت القافلة الى موقع باسم حلاوة بجانب قرية جب يوسف، وذلك في تمام الساعة الحادية عشر قبل الظهر، وجدت الطريق مغلقة بالحجارة الكبيرة، وعندما نزل بعض الجنود من أجل إزالة الحجارة من الطريق، هاجمهم الثوار وقتلوا بعضهم، واستمر القتال مدة ثماني ساعات، حتى حلت الظلمة، واستشهد في المعركة رشيد الشاعر أخ القائد عبد الله الشاعر ومصطفى علي عوض من تلحوم.

قتال وصدامات بعد قرار التقسيم

كما حصل في أغلب البلاد الأخرى في فلسطين بعد قرار التقسيم، ابتدأ الطرفان بإعداد العدة للسيطرة على المدينة، حيث أن قرار التقسيم حدد أنها في المنطقة اليهودية، رغم أغلبيتها العربية الكبيرة، ما لم يرق للمناضلين العرب، والذين قدموا الغالي والرخيص من أجل الحرية والاستقلال، فابتدأوا بجمع الأسلحة المتوفرة، وكان أغلبها أسلحة خفيفة من بنادق وذخيرة حية، وفِي نفس الوقت قاموا بمحاصرة القوة الصهيونية من "الهاغاناه" المرابطة في الحي اليهودي، وأوقف العرب أي تجارة أو تعامل مع سكان الحي اليهودي، من أجل الضغط عليهم، وجعلهم يسلمون بأن صفد عربية.

ابتدأت المناوشات في شهر كانون أول/ ديسمبر عام ١٩٤٧، حيث أن اليهود ابتدأوا يحسون بالشلل بل وقلة المؤن، بسبب الحصار العربي على الحي اليهودي، ويقال إن شخصا يهوديا باسم مناحم مزراحي، خرج من الحي اليهودي في ١٥ كانون الأول/ ديسمبر ولَم يعد، وبذلك رجح اليهود مقتله، وجرح أيضا في نفس اليوم ابراهام هاروس قائد الحرس اليهودي في صفد، وعضو "الهاغاناه" يوسف بنتو.

وقام أعضاء "الهاغاناه" بعدها بعدة أيّام، وتماما في ليلة ٢٠ كانون أول / ديسمبر، بتنفيذ جريمة نكراء في قرية قزازة الواقعة إلى الشمال من صفد، حيث دخلوا القرية الساعة التاسعة ليلا بسيارتين محملتين بالمسلحين، وأطلقوا النار بشكل عشوائي، ورموا القنابل اليدوية على السكان، مما تسبب باستشهاد عشرة أشخاص، أربعة منهم أطفال، وأدت هذه الجريمة إلى زيادة التوتر في المنطقة.

كان جيش الإنقاذ متخذا من سحماتا، بجانب صفد، مقرا له، وكان الضابط المسؤول عن العمليات في المنطقة المقدم أديب الشيشكلي، قائد فوج الجليل في جيش الإنقاذ، وكان هو المسؤول عن سير العمليات في كل المنطقة.

في صفد كان هناك عدة مئات من المتطوعين من سكان المدينة، يقارب عددهم خمسمائة مناضل، وفِي ما بعد التحق بهم أكثر من مئتي جندي من جيش الإنقاذ، من سوريين وأردنيين، بينما يدعي الصهاينة أن عدد المقاتلين العرب وصل إلى ألفين وسبعمائة، وهذا رقم مبالغ فيه، والهدف من ذلك تعظيم نصرهم في معركة صفد، حيث أن عددهم ابتدأ من سبعمائة مقاتل في المعارك الحاسمة، ووصل إلى أكثر من ذلك بكثير بعد قدوم النجدات من حيفا وطبرية، بعد سقوطهما في يد "الهاغاناه".

في ٢١ كانون أول / ديسمبر ١٩٤٧، قام الصهاينة بقتل عربي في حي الأكراد في صفد، يدعى أحمد عبد القادر العراقي، وأصابوا شخصا آخر بجروح، بينما أصيب من اليهود ثلاثة أشخاص، في أربع حوادث مختلفة، فقد تم إطلاق النار على سيارة شرطة يهودية، وعلى سيارة أخرى في نفس اليوم، وسيارة إسعاف، وفرضت السلطات البريطانية حظر التجول بعدها في المدينة.

في ٣١ كانون أول/ ديسمبر، هاجم العرب مستعمرة "عين زيتيم"، واستمرت المعركة أكثر من ساعتين، وفِي نفس اليوم هاجموا مستعمرة جب يوسف واستمرت المعركة لمدة ساعة من الزمن.

في السادس من كانون ثان/ يناير، استطاع اليهود فك الحصار عن صفد، حيث وصلتهم قافلة محملة بالمؤن من طبرية، وبعدها بساعة تقريبا قام العرب بمهاجمة الحي لليهودي، واستمر إطلاق النار لعدة ساعات، جرح على اثرها أربعة يهود.

وفِي ٢٢ كانون ثان/ يناير، وقعت معركة كبيرة على الحدود بين الحيين العربي واليهودي، وقعت فيها عدة إصابات. وقامت "الهاغاناه" بمهاجمة العرب الذين كانوا يطوقون مستعمرة "عين زيتيم" ولكنهم لم ينجحوا في فك الحصار عنها، بعد إصابة عدة عناصر منهم.

كما وكانت هناك صدامات متفرقة في ٢٩ كانون ثان / يناير ، والسابع من شباط/ فبراير، وفِي ٢٢ شباط / فبراير قامت "الهاغاناه" بتنفيذ هجوم على قرية عين الزيتون العربية، ولكنهم ردوا على أعقابهم، وفِي نفس اليوم نفذ العرب هجوما على الحي اليهودي في صفد، في ساعات بعد الظهر، حتى ساعة متأخرة ليلا.

وفِي ٢١ آذار / مارس نفذ العرب هجوما واسعا على الحي اليهودي، وفِي نفس اليوم هاجموا مستعمرة "عين زيتيم"، وفِي ٢٣ آذار / مارس هاجم العرب حافلة لشركة "إيجد"، فقتل سبعة من ركابها، وبعدها توقفت المواصلات إلى الحي اليهودي.

اشتدت المعارك المتفرقة، ولكنها كانت عشوائية، فالمناضلون العرب لم يكونوا أكفاء عسكريا، كانت لديهم الشجاعة وحب الوطن، ولكنهم كانوا يعتقدون أن اليهود سيهربون من صفد، بسبب معارك هنا وهناك، وعلى أمل أن جيش الإنقاذ المدرب رجاله على الحرب من شأنه أن يحسم المعركة. بينما كان الصهاينة يعدون العدة للانقضاض على صفد وخطفها من العرب، ولكنهم حتى أوائل نيسان لم يكونوا مستعدين تماما للمعارك، حتى جاءتهم الصفقة الكبيرة في بداية نيسان/ أبريل.

انسحاب بريطاني مفاجئ يغير الخطط العسكرية

منذ بداية المعارك، كان المقدم أديب الشيشكلي مهتما باسقاط مستعمرة "عين زيتيم" لأنها كانت تحمي الصهاينة من المنطقة الغربية للمدينة، حيث كان تقسيم القوات بحيث أن العرب كانوا يحتلون الحي الشرقي من صفد، وهذا الحي لا يوجد خلفه قرى عربية تستره وتحميه من الشرق. أما اليهود فكانوا يحتلون المنطقة الغربية من المدينة، أي من جهة قرية عين زيتون وقرية بيريا، ولكن مستعمرة "عين زيتيم" المجاورة لها، كانت تشكل خطرا، فهي الرئة التي يتنفس منها الحي اليهودي، وكانت موصولة بجبل كنعان الإستيراتيجي، والذي كانت تسيطر عليه "الهاغاناه"، وكان هذا الجبل مشرفا على الحي اليهودي والحي العربي في المدينة.

استمر حصار "عين زيتيم" فترة طويلة، دون أن ينجح الشيشكلي باختراقها، ولكن الانسحاب البريطاني من المدينة، جعله يغير الخطة العسكرية، بعد منتصف شهر نيسان / أبريل، ويقرر إدخال قوات إلى داخل المدينة من أجل الهجوم على الحي اليهودي من الداخل، ونقل ثقل المعارك إلى هناك، ومن ثم احتلاله. وكان تغيير الخطة حسب بعض الخبراء العسكريين، خطأ إستيراتيجيا أدى إلى قلب موازيين القوى لصالح الصهاينة.

انسحبت القوات البريطانية بشكل مفاجئ من المدينة، في الساعة الثانية ظهرا من ١٦ نيسان/ أبريل، وعند انسحابها كانت تطلق النار على طرفي المعركة. ويقال إن أغلب إطلاق النار كان على الجهة العربية.

بعد هذا الانسحاب، قام الطرفان بالتسابق من أجل السيطرة على المواقع الإستيراتيجية، التي أخلاها الجيش، وكان هناك ملازم أول عربي اسمه إحسان كم الماز، متواجدا في المدينة يحارب مع مناضليها، فقام بهجوم سريع مع عدد من المقاتلين، على مركز الشرطة واحتلاله بعد معركة شرسة، وكان هذا نصرا هاما لأن المركز كان مشرفا على الحي العربي أكثر من اليهودي، واحتلاله من قبل "الهاغاناه"، كان من الممكن أن يؤدي إلى عواقب شديدة.

في صباح اليوم التالي، انطلقت الكتيبة الثالثة من "البلماح"، وهي القوة الضاربة لـ"الهاغاناه"، من جبل كنعان إلى صفد، وذلك في تمام الساعة الثالثة صباحا من الموافق ١٧ نيسان / أبريل، ووصلت في الساعة الخامسة صباحا إلى الحي اليهودي، وكان بحوزتها الكثير من الأسلحة، والمتفجرات، ومدافع رشاشة من نوع "برن"، و"مچلاد ٣٤". كان لدخول هذه القوة إلى الحي اليهودي، شأن كبير في تغيير مجرى المعارك.

تنفيذ الخطط، ومجزرة عين زيتون

استمر الشيشكلي بتنفيذ خطته الجديدة، فاحضر القوات التالية إلى قلب المدينة، السرية الأردنية بقيادة النقيب ساري فنيش، فصيلة من سرية القيادة وهم متطوعون سوريون وزمرة مدفع هاون ٨١ ملم، بقيادة الملازم عبد الحميد سراج، فصيلة وحضيرة من إدلب بقيادة محمد هشام العظم، ودخلت كل هذه القوات ليلا إلى صفد، وكلف الملازم حافظ، وهو أردني، بالدفاع عن مركز الشرطة، والملازم فؤاد، وهو سوري، باحتلال القلعة وعمارة الحاج فؤاد، وهي عمارة إستيراتيجية، والدفاع عنهما، وكلف الملازم هشام العظم بالدفاع عن شرقي المدينة، وتأمين الاتصال مع مركز الشرطة، وكلف الملازم اول أميل جميعان بالدفاع عن مركز القيادة في عمارة البلدية، وتمركزت قوة الهاون ٨١ مم، في شرق مركز القيادة، وكان قائدها هو الرقيب محمد قاسم الطوقتلي، وكانت تأتمر بأمر قائد القوات في صفد، وهو النقيب ساري فنيش، وكان هذا المدفع هو سلاح الإسناد الوحيد في صفد.

كان قائد الحامية ساري فنيش، يتصرف في المدينة كأنه حاكم عسكري، وكان يستعمل الجنود الأردنيين من أجل تنفيذ أوامره في القبض على المذنبين من أهل المدينة، كما أن أغلب المقاتلين لاحظوا تقاعسه عن المعارك الرئيسيّة عندما تشتد المعارك، مما أثار استياء الناس بشكل كبير، وأدى ذلك إلى التأثير على الروح القتالية لدى المناضلين، لا بل إن الملازم أول إحسان كم المز، والذي أحبه السكان، لشجاعته وتفانيه وبطولته في تحرير مركز الشرطة، ومنع اليهود من احتلاله، ما كان منه إلا أن رفض قيادة ساري فنيش فترك صفد وذهب ليرابط على طريق صفد - الجاعونه.

هذا ما كان من أمر العرب، أما الصهاينة فقد كانت خطتهم تقضي بإحضار كل الكتيبة الثالثة لـ"البلماح" من "عين زيتيم" وجبل كنعان، ولذلك قرروا مفاجأة العرب واحتلال عين الزيتون وبيريا العربيتين.

ابتدأ الهجوم على عين الزيتون عند صباح الأول من أيار / مايو، وابتدأ بقصف مدفعي شديد منذ الفجر، ثم تبعه هجوم بالمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية. ورغم شجاعة المدافعين عن القرية من اَهلها ومن المتطوعين السوريين، إلا أنهم لم يصمدوا أمام قوة عسكرية منظمة من نخبة "البلماح"، فسقطت القرية بعد عدة ساعات بسبب نفاذ ذخيرة المدافعين، وانسحابهم من القرية.

قام "البلماح" باعتقال أكثر من ٣٧ رجلا من القرية، ووضعوهم مقيدين في مسجد القرية، ثم تم قتلهم بالرصاص، مع مجموعة أخرى من القرى المجاورة، وفِي اليوم التالي وجدت سبعون جثة للشهداء المغدورين، وذلك بعد أن تم تعذيبهم بشكل وحشي.

هجوم كبير وأخطاء عسكرية عربية

كان الهدف من جريمة عين الزيتون، كما غيرها من الجرائم الأخرى التي نفذها الصهاينة سابقا، وهو إثارة الرعب الشديد في قلوب العرب الفلسطينيين، خوفا على مصير مشابه، وهذا ما حصل فعلا لدى سكان مدينة صفد، ولكنهم بقوا في بيوتهم بسبب أن الوضع العسكري في المدينة، كان حتى ذلك اليوم في مصلحة العرب.

في نفس يوم المذبحة، قام أديب الشيشكلي بتنفيذ هجوم كبير على مستعمرة "رموت نفتالي"، ولكن يغئال ألون قائد "البلماح" رفض ذلك، لأنه كان يريد تركيز كل القوات من أجل احتلال صفد.

بعد احتلال بيريا وعين الزيتون، دخلت كل الكتيبة الثالثة "للبلماح"، مع أسلحة وذخائر عديدة، وأعدت العدة من أجل هجوم كبير على القوات العربية في المدينة، وإسقاطها في يد الصهاينة، حيث أن معنوياتهم كانت عالية جدا بعد سقوط حيفا وطبرية، وتحويل كل الدعم لاحتلال صفد، بينما كانت معنويات المقاتلين العرب منخفضة، وصاروا يفكرون بمصيرهم إذا وقعوا بيد "الهاغاناه"، لمعرفتهم أن لديهم شحّ في العدة والعتاد.

في الساعة الواحدة صباحا من يوم السادس من أيار/ مايو، ابتدأ هجوم كبير نفذته "البلماح" من أجل احتلال القلعة التي كان العرب يتمركزون فيها، وابتدأوا الهجوم بقصف مدفعي شديد من مدافع الهاون وراجمات الألغام، على المراكز العربية، في القلعة ومركز الشرطة ومقر القيادة، ولكن العرب استطاعوا صدّ الهجوم، واستبسلوا في الدفاع عن مواقعهم، خاصة على مركز الشرطة وعمارة الحاج فؤاد، إذ أن الهجوم كان يهدف بالأساس احتلال هذين الموقعين.

تقدمت "قوات" البلماح حتى خنادق القلعة ومركز الشرطة، إلا أن خسائرهم الفادحة وعدم تزحزح العرب عن مواقعهم، وقصف مواقعهم بمدفع الهاون عيار ٨١ مم، أجبرهم على الانسحاب في ساعات الصباح المبكرة، واستمر الهجوم لمدة ثلاث ساعات.

بعد انسحاب قوات "البلماح"، كان الوضع العسكري العربي على أحسن ما يرام، خاصة أن أديب الشيشكلي وعد الضباط المدافعين عن صفد، بمدهم بالذخيرة الحية، وبالرجال لتبديلهم، حيث أن المدافعين عن صفد، كانوا في مواجهات صدّ ورد، منذ أكثر من سبعة وعشرين يوما، بدون تبديلهم حتى يأخذوا قسطا كافيا من الاستراحة.

في الجانب الآخر، كانت الإمدادات تصل بانتظام، من طعام وأسلحة وذخيرة حية، وحشودات بشرية وعسكرية كبيرة، من أجل إعادة الهجوم.

بعد هذا الهجوم الكبير، ابتدأ العرب في صفد بالهروب من المدينة، خاصة أن شائعة سرت في الحي العربي، تقول إن جيش الإنقاذ سينسحب من المدينة، خاصة أن قائد الحامية في صفد، ساري الفنيش، لم يكن متواجدا خلال الهجوم، حيث تخلف عن المشاركة في المعركة، ولَم تكن هذه المرة الوحيدة، ثم انسحبت سريته من المدينة، لتلقيها أوامر بالعودة الى الاْردن، لأن مهمة القوات الأردنية تبدأ بعد الانسحاب البريطاني الرسمي من فلسطين.

بتاريخ الثامن من أيار / مايو، حضر الملازم أول أميل جميعان الى المدينة، واستلم القيادة مكان سامي الفنيش المتغيب، وفِي نفس اليوم حضرت قوة عربية لتبديل المقاتلين، وكانت سرية بإمرة الملازم عز الدين التل الأردني، ولكن جنود السرية كانوا لبنانيين من طرابلس، وليست لديهم خبرة كافية بالقتال، وحتى يقال إن أغلب بنادقهم لم تحرب بعد. في الحال صدرت أوامر بتغيير المقاتلين في عمارة الحاج فؤاد، والقلعة، ومركز الشرطة، وفندق الحاج داوود، وانسحبت القوات الأولى من أجل الاستراحة، وانتقلت الى خارج صفد، ملتحقة بقيادتها.

المعركة الفاصلة وسقوط المدينة

ابتدأ الهجوم الكبير على القوات العربية، في تمام الساعة التاسعة وخمس وثلاثين من مساء التاسع من أيار/ مايو، وكان الهجوم مرتكزا على ثلاثة محاور، قامت السرية الأولى "للبلماح" باحتلال قرية عكبرة، من جهة الجنوب وبذلك أصبح الحي العربي مطوقا بالكامل. المحور الثاني تركز على مدخل المدينة، والمحور الثالث تركز على مركز الشرطة والقلعة وعمارة الحاج فؤاد.

ابتدأ الهجوم بقصف شديد من مدافع الهاون، وبعدها تقدم مقاتلو "البلماح" باتجاه القلعة، واستطاعوا التقدم نحو الخنادق الدفاعية العربية، وعندها استعملوا مدافع "فيات" حيث قصفوا بها القوات العربية المرابطة في القلعة، واستطاعوا السيطرة عليها.

في عمارة الحاج فؤاد كان القتال شديدا، من غرفة إلى أخرى، وقتل في هذه المعركة قائد قوة "البلماح"، أبراهام ليخت. أيضا في مركز الشرطة كانت هناك معركة طاحنة قتل فيها أيضا قائد قوة "البلماح"، واستمر القتال حتى الساعة الثانية والنصف من صباح العاشر من أيار/ مايو، حيث فرغت ذخيرة المدافعين، وحتى مدفع الهاون الكبير الوحيد نفذت ذخائره، وصدرت الأوامر للقوات العربية بالانسحاب من أرض المعركة، مخلفين بعض الأسلحة والذخائر التي وقعت في يد الصهاينة.

في الصباح الباكر، أشرقت الشمس على مدينة صفد وهي خالية من المقاتلين العرب، ومواطني المدينة الذين أخلوها خلال المعارك الضارية في الأيام الاخيرة.

فقد العرب حصنا آخر، وتلقوا هزيمة أخرى، بينما أتم الصهاينة أحد أهدافهم المهمة قبل إعلان دولتهم المزعومة، وذلك الهدف يقضي باحتلال المدن العربية الثلاث الكبيرة والمهمة، حيفا وطبرية وصفد، والتي حدد قرار التقسيم أنها في جزء الدولة اليهودية، وكان لهم ذلك، رغم أن انتصارهم في صفد كان مفاجأة كبيرة لهم، ولَم يتوقعوا حدوثه بهذه السرعة.

التعليقات