18/04/2018 - 16:25

واكيم: "صوت الضحية يُعلن بعد 70 عاما أنها ترفض أن تموت"

مهجرو الداخل أو "الحاضرون الغائبون" بالعرف الإسرائيلي، هم الفلسطينيون الذين منعوا من العودة إلى من ديارهم التي هجروا منها، رغم بقائهم داخل الجزء الفلسطيني الذي أقامت عليه إسرائيل دولتها عام 1948

واكيم:

مسجد الغابسية المهجرة

مهجرو الداخل هم الفلسطينيون الذين منعوا من العودة إلى من ديارهم التي هجروا منها، رغم بقائهم داخل الجزء الفلسطيني الذي أقامت عليه إسرائيل دولتها عام 1948.

ما يسمى بـ"قانون أملاك الغائبين" الذي سنته إسرائيل عام 1950 والذي صادرت بموجبه أراضي وأملاك اللاجئين الفلسطينيين، اعتبر من لم يتواجدوا في الأراضي التي وقعت تحت سيادة دولة إسرائيل في الأول من أيلول/سبتمبر عام 1948 غائبين بمن فيهم الذين نزحوا إلى قرى ومدن في الجليل والمثلث وقعت لاحقا في نطاق دولة إسرائيل.

ويناهز عدد المهجرين داخل الخط الأخضر نصف مليون مهجر، يشكلون ثلث السكان الفلسطينيين الباقين في فلسطين المحتلة عام 1948، وهم جزء من أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني ( وفق إحصاءات الأونروا) قامت العصابات الصهيونية ودولة إسرائيل بتهجيرهم خلال وبعد نكبة 48، وما زال يعيش ثلث اللاجئين الفلسطينيين أي ما يزيد عن 1.4 مليون لاجئ، ( وفق إحصاءات الأونروا) في 58 مخيم للاجئين في كل من الأردن ولبنان وسورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

وتضمّ شريحة المهجَّرين داخل "الخط الأخضر" مجموعتين من المهجرين، المجموعة الأولى وهي المجموعة الأكبر، هم الذين هجّرتهم المنظّماتُ الصهيونية من بيوتهم قبل قيام إسرائيل، وبقوا داخل حدودها، وحتّى اليوم، تمنع إسرائيل عودتهم إلى قراهم ومدنهم وييوتهم الواقعة على مسافة قريبة من أماكن سكناهم، ويطلق عليهم "الحاضرون الغائبون".

والمجموعة الثانية هم مهجَّرو ما بعد 1948 وتتألّف من الفلسطينيّين الذين هجّرتهم إسرائيل في سنوات مختلفة بعد قيامها، في عمليّات طرد داخليّ أو طرد إلى خارج حدود دولة إسرائيل، علما أن جزءا كبيرا من هذه المجموعة هم من البدو الفلسطينيّين، يسكن بعضهم في ما يسمّى اليوم القرى "غير المعترف بها".

ووفْق هذه التعريفات فإن التهجير لم يجرِ إبّان حرب عام 1948 فقط، وإنّما استمرّ إلى ما بعد الحرب، وبعد الإعلان عن إقامة إسرائيل، مثال على ذلك تهجير السكّان من القرى أمّ الفرج وقطيّة والجاعونة وإقرث وكفر برعم والغابسيّة والخصاص.

وبعد إقامتها، نفذت إسرائيل عمليات طرد للفلسطينيّين من عدّة قرى ومدن إلى خارج حدودها، كما في حالة طرد السكّان المتبقّين في مدينة المجدل - عسقلان ، والذين بلغ عددهم ما يقارب الـ 2,700 نسمة من أصل 10 آلاف نسمة، حيث تلقّى هؤلاء السكّان، في العام 1950، أوامر طرد من مدينتهم، وجرى ترحيلهم إلى حدود قطاع غزّة خلال أسابيع قليلة.

من الأمثلة الأخرى لعمليّات الطرد، التي جرت بعد قيام دولة إسرائيل، عمليّاتُ التهجير التي جرت في النقب، و التي طردت إسرائيل خلالها نحو 17 ألف فلسطينيّ من بيوتهم في الفترة الواقعة بين سنة 1949 وسنة 1953. و تمكنت إسرائيل بفعل عمليّات التهجير والطرد من تقلّيل عدد العرب البدو في النقب الذين تراوح عددهم وفق التقديرات التي وردت في نهاية الانتداب البريطاني بين 65-95 ألف إنسان إلى 13 ألفًا في سنة 1951، كما تورد الباحثة أريج صباغ.

ولتنفيذ مخططها في منع اللاجئين والمهجرين داخل الوطن من العودة لديارهم التي أخرجوا منها، فرْضت إسرائيل "الحكم العسكريّ"على المناطق التي يسكنها الفلسطينيون في الجليل والمثلث والنقب بين الأعوام 1948–1966، والذي خول الحكّام العسكريّين صلاحية الإعلان عن المناطق العربيّة كمناطق مغلقة، بموجب المادة 125 من أنظمة الطوارئ، حيث كان يتم الخروج منها والدخول إليها بواسطة تصاريح فقط، كما لجأت إلى هدم بيوت الفلسطينيين في بعض القرى والمدن المهجرة، وإلى طرد السكّان إلى خارج الحدود التي أعلنت عنها أنّها دولة إسرائيل، وتوطين جزء من المهاجرين اليهود في بيوت اللاجئين، ولاحقا قامت بهدم القرى المهجرة عن بكرة أبيها وتغطية آثارها بأحراش "الكيرن كييمت"، وإقامة مستوطنات يهوديّة على أراضيها.

في كل سنة تقوم جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين وجموع المتظاهرين المحتشدين في مسيرة العودة التي تنظمها في يوم استقلالهم/يوم نكبتنا، باختراق إحدى غابات "الكيرن كييمت" التي تحجب النور عن آثار قرية مهجرة، ما زال يسكن بعض من أهلها على مرمى حجر من مرابع طفولة آبائهم واجدادهم، لتؤكد أن الأبناء والأحفاد لا ينسون، وأن حق العودة لا يموت.

عشية مسيرة العودة السنوية، التي تجري هذا العام في ظل مسيرة العودة الكبرى المنطلقة من قطاع غزة، حاورنا رئيس لجنة المهجرين وابن البصة المهجرة، المحامي واكيم واكيم:

عرب 48: تنظمون غدا مسيرة العودة السنوية الـ 21 الى عتليت، والتي من المتوقع أن يشارك بها عشرات الآلاف تجري سنويا تحت شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا"، الذي أطلقته لجنة المهجرين ورفعه المتظاهرون في المسيرة الأولى، التي انطلقت بالمئات في الغابسية قبل 21 عاما، ماذا كان وراء إطلاق هذه المسيرة؟

المحامي واكيم واكيم

واكيم: في أعقاب انعقاد قمة مدريد وعشية توقيع اتفاق أوسلو في الـ 93- 94 ، استشعرنا خطر إمكانية تحييدنا من إستراتيجية عمل منظمة التحرير الفلسطينية، عندما بدأ الحديث على أساس اعتبار جماهير الداخل جزءا من الحالة الإسرائيلية، والتعامل معهم كشأن إسرائيلي داخلي، وعندما فهمنا أن كل جماهيرنا داخل الـ 48 أخرجوا من المعادلة، فكم بالحري الشريحة الأكثر خصوصية وهي المهجرون، وهم لاجئو الداخل الذين طردوا من بيوتهم عام 1948 وبقوا في أرض الوطن.

كنا دائما نعتبر قضية الداخل ومهجريه جزءا من القضية الوطنية العامة، ولكن في أعقاب الحراك السياسي المذكور استشعرنا الخطر، وقررنا أن نأخذ زمام الأمور بأيدينا، فبدأت اجتماعات تشاورية لتنظيم أنفسنا على أساس تأكيد حقنا بالعودة، ورفض أي مشروع من شأنه أن ينتقص من هذا الحق، أو أي اتفاق مستقبلي يمكن ان ينتقص من حقنا كمهجرين ولاجئين، وأعلنا أننا نمثل هذه الشريحة.

عرب 48: تقصد أن المبادرات الأولية لتحرك المهجرين بدأت في مطلع التسعينات، مع بدء التحركات السياسية التي قادت إلى توقيع اتفاق أوسلو، قبل الإعلان رسميا عن تشكيل لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين في عام 1995؟

واكيم: نعم، انطلقت المبادرة مع مطلع عام 1992 بتشكيل لجان محلية لتنظيم الحالة، وتوجت بـ"مؤتمر قصر السلام" في طمرة، الذي انعقد بتاريخ 25.3.1995 بمشاركة 280 مندوبا، وانبثقت عنه لجنة المبادرة للدفاع عن حقوق المهجرين كإطار جامع لمهجري الداخل، والتي أكدت في بيانها التأسيسي على التمسك بحق العودة، ورفض أي تبديل أو تعويض أو توطين. وفي هذا السياق اعتبرنا اندماجنا في "قريتنا الثانية" نوعا من أنواع التوطين، بمعنى أننا نشكر هذا الاحتضان، ولكن دون أن يمس ذلك بأي شكل بحقنا الثابت بالعودة إلى قرانا المهجرة.

عرب 48: قبل هذا التاريخ كان هناك لجان محلية عاملة في عدة قرى مهجرة؟

واكيم: صحيح كانت لجان من هذا النوع في إقرث وبرعم والغابسية والمجيدل وصفورية وغيرها، ولكن عملها اقتصر على الشأن المحلي، بغياب أفق ووعي لقضية المهجرين كقضية سياسية وطنية عامة وشاملة.

الخطاب الذي طرحناه لم يغفل الجانب المدني في القضية، المرتبط بكون إسرائيل تعتبرنا ولو "حبرا على ورق "مواطنين فيها، ورغم اعتمادنا الخطاب الوطني الذي يرى أننا جزء من قضية اللاجئين العامة ينطبق علينا حق العودة الذي يقره القانون الدولي، وقرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص، بالرغم من ذلك فقد أردنا أيضا استغلال الجانب المدني الذي يقر بعودتنا إلى قرانا ليس فقط من باب الحق التاريخي والوطني، بل من باب حق كل مواطن في السكن حيثما شاء، ودحضا للادعاء الذي يقول إنك حاضر بالفعل، ولكنك غائب بالحق في العودة إلى قريتك.

نحن في خضم هذه التناقضات نطرح رؤيتنا دون تردد، نقول هذه هي وضعيتنا ليتحملوا هم مسؤولية ادعاءاتهم الكاذبة، ونحن نعرف أنها كاذبة، فقد تم تجريب المحاكم الإسرائيلية في قضية إقرث وبرعم وكذلك الغابسية، حيث كانت صحوة ضمير مؤقتة جرى تعطيل قراراتها بواسطة الإعلان عن القرى مناطق عسكرية مغلقة، ولم يحرك القضاء ساكنا للدفاع عن انتهاك قراراته طيلة 70 عاما.

عرب 48: أنتم تتحركون في ساحة غاية في التعقيد والتركيب ومع ذلك عملكم، وخاصة مسيرة العودة السنوية، يحقق نجاحات والتفافا من مختلف التيارات والفئات وخاصة الشباب؟

واكيم: صحيح، فنحن نمثل قضية وطنية أخلاقية من الدرجة الأولى هي قضية العودة، ولكن ذلك لا يكفي فنحن نعتمد على ركيزتين في نجاحنا، الأولى هو المبنى الداخلي للجمعية والذي يحتوي أكثر من 20 جمعية ولجنة محلية لها ممثلون في الهيئة العامة التي تنتخب الهيئة الإدارية التي هي الجسم التمثيلي للجمعية، وعلى هذا الأساس ندعي أن هذا الجسم منتخب.

والركيزة الثانية تتمثل في التعامل مع التيارات والمركبات السياسية المختلفة لجماهيرنا، والوقوف منها على مسافة واحدة دون إخفاء الانتماءات السياسية لأعضاء الجمعية، والحرص على مراعاة التشكيلة السياسية القائمة واحتواء الجميع ضمن التأكيد على أن قضية العودة هي قضية وطنية تخص الجميع.

من هذا المنطلق رفضنا طلب الانضمام للجنة المتابعة، ليس لأننا لا نقر بتمثيل المتابعة بل لأننا جسم تمثيلي منتخب لا نستطيع أن ندع قضية العودة عرضة للتجاذبات والانشدادات السياسية، فنحن نعتبر أنفسنا حالة وطنية تحظى بإجماع الجميع، وبحاجة لدعم الجميع.

عرب 48: يؤخذ عليكم موسمية النشاط، وأن عملكم يقتصر أساسا على مسيرة العودة؟

واكيم: أولا مسيرة العودة هي عمل ضخم يحتاج منا أسابيع وشهورا من الاستعدادات والتجهيزات لإنجاحه؛ ثانيا، نحن نقوم بنشاطات على مدار الساعة وفي مختلف القرى المهجرة والمناطق ولكن، طبعا ليس بحجم مسيرة العودة التي نتوج بها نشاطنا السنوي، فنحن نتابع قضايا المقدسات في القرى المهجرة، ونحن ننشط في إطار اللجنة الخاصة بمقبرة القسام، ولدينا خطة لتسييج مقبرة أم الشوف، إضافة إلى أننا ننظم عشرات الزيارات والجولات لهذه القرى خلال السنة، ونقوم بإصدار تقارير ومنشورات تخص اللاجئين والعودة.

وقمنا مؤخرا بالتصدي لمخططات بيع الأراضي في القرى المهجرة، بعد انتشار "فرية" أن موعد انتهاء طلب التعويضات ينتهي في 21.3.16 ، التي تم الترويج لها حيث قمنا بتنظيم خمس مهرجانات منطقية ضخمة لدحض تلك الافتراءات والأكاذيب وتأكيد التمسك بالأرض.

عرب 48: شعار "يوم استقلالهم يوم نكبتنا" واختيار التقويم العبري لتنظيم المسيرة، هل هما رسالة للمؤسسة أم لجماهيرنا؟

واكيم: هي رسالة مزدوجة للدولة التي قامت على أنقاض شعبنا، نقول لها إن استقلالكم هو الوجه الآخر لنكبة شعبنا، وإنه في ذات اليوم الذي كنتم تعلنون هذا الاستقلال كان موشيه ديان وبن غوريون يعطون الأوامر لتهجير عشرات آلاف الفلسطينيين من اللد والرملة.

وهي أيضا رسالة تربوية وتثقيفية لنا لجماهيرنا وللأجيال الشابة، البعيدة عمريا عن زمن النكبة، لكي لا تنسى أن هذا اليوم هو ذات اليوم الذي جرى فيه تهجير شعبنا عن أرضه بعد تهديم بنيانه الوطني والاجتماعي وارتكاب المذابح والمجازر ضده، وهي رسالة الضحية التي جرى ذبحها عام 48 تعلن فيها أننا شعب لا يموت، وحقه بالعودة إلى أرضه لا يموت.

عرب 48: هذه السنة تجري المسيرة في ظل مسيرة العودة الكبرى المنطلقة من قطاع غزة، ما يعطي لقضية العودة زخما أكبر؟

واكيم: نشعر أن هذا الحراك طبيعي في غياب أي مبادرة، إن كان على مستوى الكفاح المسلح أو المسار السياسي، والوصول إلى طريق مسدود أعطى الإشارة للناس بالتحرك. المأزق السياسي والحالة العبثية التي تعيشها الفصائل المتخبطة بين شعار الوحدة وغريزة الانقسام هي التي فجرت الغضب على حدود غزة، والذي سيكون يوم النكبة وفق التقويم العبري إحدى محطاته الهامة، التي تتفاعل وتتوحد فيها تجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة تحت شعار حق العودة.

التعليقات