09/05/2018 - 14:04

د. عاص أطرش: استطلاع المتابعة نزع ثقة بالسلطات المحلية

أطرش: نحن أمام إعلان نزع ثقة بواقع السلطات المحلية، فـ 63% يعتقدون أن هناك فسادا داخل أروقة السلطة المحلية بمدى كبير أو متوسط، و68% غير راضين عن أدائها وما يقارب الـ 50% لا يثقون بالبلدية أو المجلس المحلي في بلدتهم

د. عاص أطرش: استطلاع المتابعة نزع ثقة بالسلطات المحلية

68% من المواطنين العرب غير راضين عن أداء السلطة المحلية في بلداتهم و 40% ليس لديهم أدنى ثقة برئيس السلطة المحلية و 47% ليس لديهم أي ثقة بأعضاء المجلس المحلي و43% لا يثقون بالجهاز البيروقراطي الذي يدير تلك السلطات وبموظفيه الكبار

حوار: سليمان أبو ارشيد


بغياب "الدولة" فإن الحكم المحلي هو السلطة الوحيدة التي يتمتع بها العرب في إسرائيل، بكل ما يعنيه ذلك من تركيز لجميع الطاقات وتصارعها على مساحة صغيرة من الموارد والوظائف والمراكز، يفترض أنها جزء صغير من الجهاز البيروقراطي الكبير التابع للدولة.

هذا التفرد هو في ذات الوقت الذي يجعل الحكم المحلي يجتذب خيرة الكفاءات التي يصطدم طموحها بسقفه الواطئ ويزيد بذلك من قيمته المعنوية والفعلية، فإنه يحول دون تحويله لساحة أو ساحات محلية للعراك السياسي المفترض أن يجري في المستوى الوطني على مقاعد السلطة التشريعية والتنفيذية للدولة.

بهذا المعنى فإن الحكم المحلي عوضا أن يحتل مكانه الطبيعي كحلقة في سلسلة السلطة (الدولة)، فإنه يتحول بحد ذاته إلى سلطة أو سلطات محلية صغيرة وكبيرة تتنافس، أساسا، النزعات المحلية على الفوز بها في ظل غياب حزب سلطة أو أكثر قادر\ة على مد نفوذه\ها على الساحات المحلية واحتواء تناقضاتها.

أي أن غياب "الدولة الوطنية" يسحب من تحت الأحزاب عوامل القوة، التي تتوفر لها في الحالة الطبيعية، وتجعلها أقرب إلى الحالة السياسية العاجزة عن مواجهة النزعات والنزاعات العائلية والطائفية المحلية واحتوائها، خاصة وأنها لا تمتلك أي مقابل تستطيع أن تقدمه اللعائلات والطوائف التي تدعمها بأصواتها للسلطة التشريعية (الكنيست)، سوى التنازل لها عن السلطات المحلية، وهي المعادلة الأكثر شيوعا في الآونة الأخيرة، بعد سقوط معادلة حزب العائلة أو عائلة الحزب التي صنعتها الجبهة بعد يوم الأرض 76 وعمرت ردحا من الزمن.

والحال كذلك، فإن لجنة المتابعة أصابت الهدف عندما وضعت يدها على الحكم المحلي، في سياق مؤتمر الطاقات البشرية، كما أن استطلاع الرأي الذي أجراه لصالحها "معهد يافا للأبحاث" أعطى صورة، اجتهد مخرجوها أن لا تكون كلها سوداء، لإبقاء بصيص من الأمل في إصلاح حال الحكم المحلي، بصفته المورد الوحيد والأساس الذي يمكن البناء عليه، كما يقول مدير معهد يافا د. عاص أطرش في الحوار الذي أجريناه معه حول نتائج الاستطلاع عشية انعقاد مؤتمر القدرات البشرية الذي ينعقد في مدينة الطيبة.

عرب 48: لنبدأ بالجانب السلبي الذي برز في الاستطلاع، رغم محاولات التجميل، وهو أن غالبية الناس ليس لديها ثقة بالحكم المحلي على اختلاف مركباته (رؤساء وأعضاء وموظفين) ، حيث تشير نتائج الاستطلاع إلى أن 68% من المواطنين العرب غير راضين عن أداء السلطة المحلية في بلداتهم (بمستوى عال ومتوسط)، وأن 40% ليس لديهم أدنى ثقة برئيس السلطة المحلية في بلدتهم، و 47% ليس لديهم أي ثقة بأعضاء المجلس البلدي في بلدتهم و43% لا يثقون بالجهاز البيروقراطي الذي يدير تلك السلطات وبموظفيه الكبار؟

د. عاص أطرش

أطرش: الصورة مركبة وهي أكثر تعقيدا مما قد يتصوره البعض، فهناك مستويات من الثقة ووسط يحتل مساحة واسعة، ويقع بين الثقة ونزع الثقة، هذا الوسط أو تلك الفئة التي يمكن تسميتها بالمترددة، لا تعطي ثقتها الكاملة بأداء السلطات المحلية ولا تنزع تلك الثقة بالمطلق، ولكن بالعموم يمكن القول إن النتائج يجب أن تكون مقلقة للرؤساء والأعضاء ولجماهيرنا كلها، لأن الحكم المحلي لا يتمتع بالثقة الكافية لتسهيل عمله، وهذا الأمر يشمل الرؤساء والأعضاء والجهاز الإداري وإن بتفاوت معين.

هذه النتائج تقول إن الجمهور لا يميز بين السلطة المحلية كمؤسسة تدير وتقدم خدمات للناس، وبين الأشخاص الذين يحتلون مقاعد تلك السلطة التمثيلية والإدارية، بمعنى أن التداخل بين الجانب التكنوقراطي والجانب التمثيلي يصل حد التماثل، بحيث لا يستطيع المواطن رؤية الألوان الفاصلة بينهما، ما يعني طغيان وإحكام قبضة إدارة السلطة المحلية على الجهاز التكنوقراطي، وهو أمر غير صحي وخطير.

عرب 48: المفارقة هي أن الثقة بالرئيس ( 40% لا يثقون به) هي أكبر من الجهاز الذي ينفذ سياسته، ( 43% لا يثقون بالموظفين الكبار) وأكبر من الأعضاء الذين يحركهم هو (48% لا يثقون بالأعضاء)؟

أطرش: من الواضح أن الرئيس فور انتخابه يتحول من رئيس عائلة إلى رئيس البلدة كلها، أو هكذا يفترض بينما يبقى الأعضاء رؤساء عائلات، وبالتوازي يتحول عمله واهتمامه لخدمة مصالح البلدة كلها في حين يبقى وربما يزيد اهتمام الأعضاء في الاهتمام بمصالح عائلاتهم، أما الجهاز البيروقراطي فإن ثقة الناس به تتردى لأنه جاهز بحكم بنيته وطريقة تعيين موظفيه ليس فقط لتنفيذ سياسة الرئيس بل وأي رئيس آخر، بما يتناقض في كثير من الأحيان مع المعايير المهنية.

عرب 48: في استطلاع آخر أجريته لصالح "مركز مدى الكرمل"، قبل سنتين، أعرب أكثر من 50% من المستطلعين عن عدم رضاهم من أداء السلطات المحلية في القضايا الأساسية مثل التعليم والمخططات الهيكلية؟

أطرش: الاستطلاع المذكور كان تفصيليا أكثر، وقسنا من خلاله رضا الناس عن أداء السلطة المحلية في قضايا عينية مثل التعليم وتوفير مساكن للأزواج الشابة، والتي وصلت فيها نسبة عدم الرضا وعدم الرضا بتاتا إلى 73% في حين لم تتعد نسبة الرضا عن أداء السلطة المحلية في مجمل الخدمات العامة الـ 50%.

ولكن بالمجمل النتائج متشابهة، وبالعنوان الكبير يمكن القول إن هناك عدم رضا تتفاوت نسبه بين قضية وأخرى، ويعبر عنه بفقدان الثقة بأداء السلطة المحلية ومركباتها المختلفة وفي مقدمتهم رئيسها.

عرب 48: من النتائج إلى الأسباب أو ما يعتقد الكثيرون أنها أسباب أساسية لفقدان الثقة بالسلطات المحلية، إلى أنماط التصويت، وهنا لا بد من التوقف عند الاختلاف وربما التناقض في نتائج الاستطلاعين، (استطلاع المتابعة الذي أجريته مؤخرا واستطلاع مدى الكرمل الذي أجريته قبل سنتين)، حيث أشار استطلاع المتابعة إلى أن 83% من المواطنين العرب أفادوا بأن الانتماء العائلي أو الطائفي للمرشح ليس هو ما يقرر كيفية تصويتهم، وذلك بعكس استطلاع مدى الكرمل الذي أفاد في حينه بأن الانتماء العائلي هو أهم العوامل التي تقرر كيفية التصويت ويبلغ تأثيره نسبة 59.1%، مقابل 27.2% فقط لكفاءة المرشح؟

أطرش: الفرق في النتيجة ناتج عن الفرق قي صياغة السؤال، والتناقض موجود عند الناس في الوقع الذي عكسته نتائج الاستطلاعين. فعندما تتوجه للشخص بشكل مباشر وتسأله عن العوامل الأكثر تأثيرا على تصويته من الطبيعي أن "يشبعك" مثاليات، ويتحدث عن الكفاءات والتجربة والشهادات كعوامل أكثر تأثيرا على تصويته، ولكن عندما تسأله كمحايد عن تصويت الآخرين أو الناس أجمعين فإنه "يصعقك" بالحقيقة المرة التي تننسحب عليه أيضا، وهي أن الانتماء العائلي هو العامل الحاسم في أنماط التصويت.

أما تفسير الظاهرة فيكمن في وجود النوايا الطيبة لدى الفرد الذي يفترض تحريره من أسر "القطيع"، إن صح التعبير، ربما من خلال توفير الأطر البديلة، أي من خلال الدخول إلى صميم اللعبة وتغيير قواعدها، وعدم الاكتفاء بدخولها، واللعب حسب الأصول التي وضعتها العائلات، كما تفعل الأحزاب اليوم.

عرب 48: ولكن مع ذلك هناك فرق في ما يظهره الاستطلاعان؟

أطرش: ربما الفرق يكمن في الاختلاف القائم بين توجه مدى الكرمل، وبين توجه اللجنة الأكاديمية المشرفة على مؤتمر القدرات البشرية، التابع للجنة المتابعة التي صاغت الأهداف العامة للاستطلاع، وما أراد كل منهما فحصه.

عرب 48: في قضية تمثيل النساء هناك تفاوت كبير، أيضا، بين الواقع وبين النوايا الحسنة للناس، حيث اظهر الاستطلاع أن 74% من الجمهور يرون أهمية لتمثيل النساء في المجالس والبلديات، بينما في الواقع فإن عدد عضوات المجالس والبلديات لا يتجاوز أصابع اليدين؟

أطرش: هذا مثال جيد لجواب يكون فيه التعبير عن النوايا مرغوب، فلا أحد يقول لك إن ذلك غير واقعي، لأن الجميع، بما فيها الحركات النسوية، يريدون إثبات أن المشكلة لا تكمن في المجتمع، الذي يتقبل ويشجع مشاركة المرأة بل في عوامل أخرى، ربما الأحزاب وربما اللعبة العائلية التي تحيد النساء.

هكذا هو الأمر بالنسبة للعائلية والطائفية، فمجتمعنا ليس عائليا أو طائفيا ولكن عجز البديل هو ما يبقيه ملتصقا بالأنماط القديمة.

عرب 48: ما تريد أن تقوله إن المشكلة ليست بالمجتمع، وإنما بالنخب السياسية والثقافية والاجتماعية، وهو ما يتجلى في موقع السلطة الوحيد الذي نمتلكه، السلطة المحلية، والتي يفترض أنها تدار من هذه النخب؟

أطرش: نعم، نحن أمام إعلان نزع ثقة بواقع السلطات المحلية، فـ 63% من الناس يعتقدون أن هناك فسادا داخل أروقة السلطة المحلية بمدى كبير أو متوسط، و68% غير راضين عن أدائها وما يقارب الـ 50% لا يثقون بالبلدية أو المجلس المحلي في بلدتهم.

هذا وضع يجب أن يضيء أكثر من ضوء أحمر في تلك السلطات ولدى قيادات الأحزاب والنخب السياسية والثقافية والاجتماعية الموجودة بيننا.

التعليقات