"طوشات العيد" من تجليات العنف في مجتمعنا... أين فشلنا؟

أثارت ما بات يُعرف بـ"طوشات العيد" في المتنزهات والمسابح والحدائق والمنتجعات العامة حالة من الاشمئزاز والغضب في مجتمعنا العربي في أراضي العام 48، رغم كونها ظاهرة جانبية محدودة اقتصرت على مجموعات طائشة هنا وهناك، خلافا للغالبية الصامتة.

(توضيحية)

أثارت ما بات يُعرف بـ"طوشات العيد" في المتنزهات والمسابح والحدائق والمنتجعات العامة حالة من الاشمئزاز والغضب في مجتمعنا العربي في أراضي العام 48، رغم كونها ظاهرة جانبية محدودة اقتصرت على مجموعات طائشة هنا وهناك، خلافا للغالبية الصامتة.

وعكست الشجارات التي انتشرت مقاطع فيديو مصورة لعدد منها على شبكة التواصل الاجتماعي أزمة حقيقية يعيشها المجتمع العربي منذ سنوات، وهي ظاهرة العنف التي تمزق نسيج المجتمع العربي.

ويرى الاختصاصي في علم النفس، د. علي بدارنة، من عرابة البطوف، أن المشاهد التي تجلت في العيد، ليست أمرا عاديا، فكل مشهد يحتوي ممارسة إيذاء الآخر هو مشهد غير طبيعي، سواء كان إنسانا أو حيوانا أو نباتا أو بيئة".

علي بدارنة

وقال بدارنة لـ"عرب 48": "نحن كمجتمع نعاني منذ فترة طويلة من مظاهر العنف على أشكالها، وتطور العنف وصولا إلى الجريمة المنظمة، ولم نعد نولي أهمية كبيرة للعنف العادي بين الأشخاص، وفقط عند حالة القتل نرى اهتماما في واقعة العنف، وحتى في حالات إطلاق النار والإصابة دون القتل ننظر للأمر كأنه عادي، وقد لا يحظى حتى بتغطية إعلامية، لأننا لم نعد نولي مظاهر العنف العادي أهمية وهذا أمر خطير. وأؤكد أنه يجب الاهتمام بهذه الظاهرة ويتوجب على مجتمعنا معالجتها".

وأوضح الاختصاصي النفسي أنه "بغض النظر عما حدث في العيد من قبل مجموعات شبيبة تعيش دون أطر وتعاني من الكثير من الفراغ، ولا تحظى بإرشاد أدوات تعبير، تجد لنفسها طريق العنف للتعبير، فمظاهر العنف في مجتمعنا موجودة بشكل مقصود أو غير مقصود نشجعها، وحتى عندما ندعو إلى مكافحة العنف، نفعل ذلك بطريقة عنيفة، فلا يمكن أن تنهى عن شيء وتأتي بمثله، ونرى نماذج تسقط سريعا في أول امتحان بالعنف".

وعن مشاهد العنف والشجارات خلال إجازة العيد، قال بدارنة، إن "ما شاهدناه في إجازة العيد نتيجة تواجد مجموعات شبيبة متفرغة دون إطر، مع كثير من الطاقات. وهذا وحده كاف لإنتاج حالات العنف، فالعنف صار حالة 'طبيعية' لمواجهة أي استفزاز، ويكفي شخص واحد ليحدث حالة جماعية من العنف، وبشكل طبيعي نلحظ تفريغ الضغوطات المتراكمة في الفترة السابقة وكأنها بطريقة شرعية، ومع هذا فإن الظاهرة لا تستوجب عملية جلد الذات، فهناك عشرات الآلاف أمضوا إجازاتهم بشكل سلمي وهادئ، ولكن إبراز حالات العنف كما شهدنا، يؤدي إلى تشجيعها، وكل من ظهر في الصور والفيديوهات نقدم له بشكل أو بآخر رسالة بأنه أصبح مشهورا! والعلاج يجب أن يكون مناقضا. آن لنا أن نكف عن جلد الذات، فهذا أصلا عنف والطريق للعلاج يجب أن يكون مغايرا".

صالح نجيدات

وختم بدارنة بالقول إنه "من الواضح أن هناك تقصيرا من قبل الشرطة والمؤسسات المسؤولة لمعالجة ظاهرة العنف، وأضرب لهذا مثلا، هل يمكن لشخص مسالم أن يمارس عنف؟ عندما يتعرض هذا الشخص للعنف، يتوجه بشكل طبيعي للشرطة مرة وثانية وثالثة ولا تقوم الشرطة بواجبها، فماذا يحدث؟ وهذا ما سيدفعه إما للجوء للعنف بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن جهة أخرى علينا كمجتمع أن نسأل أنفسنا، هل نحن نموذج شخصي للتربية لنبذ العنف وتشجيع التسامح؟ نحن نحتاج إلى تنشئة جيل مع ثقة بالنفس وهي كفيلة أن تجعل العنف في أسفل سلم الأولويات وهذا يحتاج سنوات طويلة وصبر".

ومن جانبه، قال المختص في علم الإجرام، د. صالح نجيدات، من قرية عيلبون، لـ"عرب 48" إنه "للأسف، نحن في وضع مخز ومحزن ومؤلم، وهنا نسأل أين تعثرنا وفشلنا في موروثنا الحضاري؟ بل نقول إن كثر منا تنصل من تربية أبنائه، وهناك فراغ كبير في عملية التربية. البعض أشغلته الوسائل الهابطة، وبعضها بشكل موجه لخلق حالة تنكر لدى الشباب العربي وبينه وبين موروثه الحضاري".

وأضاف أنه "لو أردت أن أصيغ في مخيلتي 'صورة عرضية بروفايل' لمفتعلي هذه المشاهد، كمن شاهد تلك المشاهد يستطيع أن يرى بشكل بسيط أننا نتحدث عن شبان صغار، على الأغلب تسربوا من مدارسهم مبكرا، أبناء عائلات محدودة الثقافة أهملت تربيتهم في الصغر، وأهملوا أيضا من قبل المدارس ومكاتب الخدمات الاجتماعية، وترعرعوا دون إرشاد وتربية صحيحة، وتناولوا المشروبات الروحية وتعاطوا المخدرات خصوصا في مثل هذه الأيام، ليكونوا مجهزين للرد بسرعة مع أقل استفزاز أو نقاش مع الآخرين".

وختم نجيدات بالقول إنه "يجب على المؤسسات والدوائر الاجتماعية أن تؤخذ دورها في عملية تصحيح المسار الخاطئ، خصوصا لدى الفئات محدودة المعرفة والثقافة، لإحداث التنشئة السليمة، ودعونا نتناول معطى بحث د. خالد أبو عصبة عن نسب مكوث الوالد مع أبنائه في المجتمع العربي بمعدل 7 دقائق وهذا خطير جدا، فكيف يمكن أن تكون التربية السليمة؟ للأسف مجتمعنا أفلس تربويا، اجتماعيا وأخلاقيا ودينيا".

التعليقات