زياد الظاهر: مشروع لإحصاء جذور عائلات الناصرة

يعكف المهندس والمؤرخ والفنان زياد أبو السعود الظاهر زيداني من مدينة الناصرة، على مشروع لإحصاء جذور عائلات الناصرة بشكل خاص والعائلات الفلسطينية على وجه العموم.

زياد الظاهر: مشروع لإحصاء جذور عائلات الناصرة

زياد أبو السعود الظاهر زيداني (عرب 48)

يعكف المهندس والفنان زياد أبو السعود الظاهر زيداني من مدينة الناصرة، على مشروع لإحصاء جذور عائلات الناصرة بشكل خاص والعائلات الفلسطينية على وجه العموم.

بدأ الاهتمام بموضوع شجرة العائلة، الرسم البياني الذي يمثل العلاقات العائلية في هيكل تقليدي على شكل شجرة، وجذور وأصول عائلات الناصرة في بداية الثمانينيات حين عمل لسنوات على تجميع وتسجيل وتخطيط رسم لشجرة عائلته (ظاهر العمر الزيداني) وأنهى مشروعه عام 1989، وكان قد أحصى أسماء جميع أفراد العائلة من عام 1600 حتى عام 1989. ويعمل زيداني، اليوم، على إعداد شجرة جديدة لعائلته ليكمل بها المشروع بدءا من 1989 وحتى 2018 أو ربما لغاية 2020 أي بعد سنتين من اليوم. وتضمنت شجرة عائلته وهي امتداد لسلالة ظاهر العمر زيداني (حاكم فلسطين) 465 اسما، ويعتزم اليوم إضافة 250 اسما للشجرة وهذا يتطلب عملا وجهدا شاقا جدا.

"عرب 48": كيف جرى التحول من عمل شخصي عائلي إلى مشروع لإحصاء سائر عائلات الناصرة والمنطقة؟

زيداني: بعد أن أنجزت شجرة عائلتي قرأت كتاب "تاريخ الناصرة" للمؤلف أسعد منصور من شفاعمرو، والذي حضر إلى الناصرة عام 1905 وهو قسيس من طائفة البروتستانت، كتب تاريخ الناصرة بين الاعوام 1920 – 1924 واستعرض الكاتب منصور في الجزء الأول من الكتاب تاريخ الناصرة منذ ميلاد السيد المسيح. وفي الجزء الثاني من الكتاب تخصص في العائلات حيث طاف على جميع عائلات الناصرة في ذلك الحين وجمع المعلومات الوافية عن أصول وأجداد كل عائلة وأحصى أسماء أفرادها، واستطاع أن يعود بتاريخ هذه العائلات 300 سنة إلى الوراء. وكان من السهل عليه أن يعود إلى سجلات الكنائس للتأكد من المعلومات التي جمعها، وفي حينه كتب عن 139 عائلة مسيحية كانت في الناصرة سنة 1924.

"عرب 48": هل ما زال عدد العائلات المسيحية في الناصرة على حاله لغاية اليوم؟

زيداني: لا، في الحقيقة هناك 30 عائلة تبددت، لا نعرف إذا كان قد هاجر أفرادها أو انقطع نسلها، وما هو مؤكد أن عدد العائلات المسيحية في الناصرة اليوم هو 109 عائلات. أما عدد العائلات المسلمة التي وردت في كتاب "تاريخ الناصرة" فبلغت في ذلك الحين 15 عائلة، بينها عائلات الظاهر، الفاهوم، الزعبي، عون الله، الصفدي، يزبك. وعائلة بياطرة التي تتفرع منها عائلتي مروات وسعفان وتتفرع منها اليوم عدة فروع. أعتمد، اليوم، هذا الكتاب الذي حرص على إحصاء أفراد العائلات في ذلك الحين بدقة، كذلك اعتمد كتاب "تاريخ شرق الأردن وقبائلها" من تأليف كولونيل فردريك بك، وكتاب "قاموس العشائر في الأردن وفلسطين" من تأليف حنا عماري.

"عرب 48": من هي أقدم العائلات المسيحية بالناصرة، حسب معلوماتك؟

زيداني: عائلة يامين هي أقدم العائلات المسيحية بالناصرة، وهو ترجمان وصل من لبنان إلى التيراسنطة، بطلب من الراهبين الفرنسيسكيين، جاء مع اثنين من أبنائه ولكل واحد من أبنائه ثمانية أولاد ومنهم نشأت 26 عائلة بالناصرة. وعلى الرغم من أن عائلة يميني هي فرع صغير بالناصرة، اليوم، إلا أنه من عائلة يامين نشأت عائلة بطحيش، بضعان ودانيال يونس ويونس وإلياس وإسكندر وارحيل وغوروس وكتورة وصبّاح وسالم وشاهين ومنصور وجبران وطنوس وفران وأبو عرب وأبو سني وأبو زعكور.

وتجدر الشارة هنا إلى أنه عندما انتصر صلاح الدين على الصليبيين في العام 1100 وحرر القدس، جاء الظاهر بيبرس إلى البلاد وحارب الصليبيين وطردهم من الناصرة وهدم الكنيستين الوحيدتين بالناصرة وفي حينه أصبحت مدينة الناصرة خالية من المسيحيين لغاية العام 1620. في ذلك الوقت جاء أمير لبنان، فخر الدين المعني، الذي حارب الحكم العثماني ونفي إلى "توسكانا" في إيطاليا واستقبله الرهبان الفرنسيسكان، وعندما نال العفو عاد إلى الشرق الأوسط ومعه الرهبان الفرنسيسكان إلى الناصرة، وسمح فخر الدين المعني (اسمه منقوش على مدخل كنيسة اللاتين "البازيليكا" في الناصرة) للعائلات المسيحية بالعودة إلى الناصرة، وعندها طلب الرهبان الفرنسيسكان من مدرسة "خورية" في لبنان إرسال ترجمان لتسهيل التواصل بين العائلات والرهبان الفرنسيسكان فجاء يامين واثنان من أبنائه وأحفاده ومنهم تفرعت معظم العائلات المسيحية. وقبل إعدامه في لبنان، كان فخر الدين المعني، قد قدّم للفرنسيسكان كنيسة البشارة "بازيليكا" كبرى كنائس الناصرة، إضافة إلى كنيسة البشارة في منطقة عين العذراء، وكنيسة المجمع "السيناغوغ" في حي اللاتين بالمدينة.

"عرب 48": وماذا عن تاريخ الروم الأرثوذكس بالناصرة؟ أنت تتحدث عن اللاتين فقط!

زيداني: بين الأعوام 1700 – 1710 جاء الروم الأرثوذكس من حوران بالأردن، وكان أبرز العائلات فيها عائلة الخوري خليف، واختلف الخوري جبرائيل الحندوسي مع الخوري خليف الذي أسس طائفة الروم الملكيين، وفي حينه كان ظاهر العمر الذي عرف بتسامحه الديني قد سمح ببناء الكنائس للمسيحيين على مختلف طوائفهم، وهو من سحب يد الفرنسيسكان عن كنيسة الروم الأرثوذكس في منطقة عين العذراء ومنحها للروم الأرثوذكس الذين أقاموا عليها كنيستهم سنة 1762 وهي الكنيسة الموجودة حاليا. كذلك سحب يد الفرنسيسكان عن كنيسة المجمع "السيناغوغ" في سوق الناصرة (البلدة القديمة) ومنحها للروم الملكيين. وفي العام 1770 ازداد عدد الموارنة بالناصرة فتقدموا بطلب إلى ظاهر العمر الذي منحهم أرض النبعة (كنيسة البلاطة) أسوة بباقي الطوائف. وتجدر الإشارة هنا إلى أن عائلة الخوري خليف الكبيرة والقديمة بالناصرة تفرعت منها 24 عائلة مسيحية أرثوذكسية هي عائلة أيوب وأطرش وبيدس وجرجورة وحِسن وخوري وخليل ودحدل ورزق وسعيد وأبو سرّية وصباغ وطنوس وكنانية ومحيسن ومنصور ونمر ونويصر. ومن العائلات الكبيرة أيضا عائلة إمطانس، ومنها تفرعت عائلات سمعان وأبو نوّارة ورمضان والمزط والزيبق وأرميا وبشارة وسابا وعودة وبولس والخال وأبو النصر.

ومن عائلة البنا تفرعت عائلة برغوث وتوتري وأبو نصار ونوفي ودباك وأبو نصار وعائلة عليمي وحوا ومقلشي وغيرها. أما العائلات التي حافظت على اسم واحد فهي عائلة مزاوي وسروجي وحلو وقعوار وشقحة وقبطي.

"عرب 48": تحدثت عن كتاب أسعد منصور لغاية سنة 1924 وماذا عن الذين ولدوا بعد هذا التاريخ؟

زيداني: عندما يطلب مني أحدهم إعداد شجرة عائلة أقوم شخصيا بإحصاء أسماء الأشخاص الذين ولدوا بعد هذا التاريخ بالناصرة، من خلال استجواب كبار السن في هذه العائلات. أما بالنسبة للعائلات من خارج الناصرة فهم يأتون إليّ بسجلات العائلة فأقوم بدوري برسم شجرة العائلة لهم. فعائلة زوجتي، عائلة قدورة، على سبيل المثال كانت واحدة من العائلات العريقة في صفد، وكانت هناك عدة عائلات عريقة بالمدينة مثل عائلة النقيب والنحوي والخضرة والأسدي وعائلة صنديد والعباسي والمفتي والحاج عيسى. عاش في صفد قبل تهجيرها عام 1948 نحو 13 ألف عربي معظمهم من المسلمين، وكان فيها نحو 2.000 يهودي و500 شخص من الكاثوليك، ومن عائلاتها بشوتي وخوري وصباغ وحداد. قمت برسم شجرة عائلة قدورة نقلا عن شجرة كان قد أعدها أحد أبناء العائلة الذي تواجد في عمان عام 1928 ويعود فيها بنسل العائلة إلى خالد بن الوليد، ما يعني العودة إلى 40 جد إلى الوراء.

"عرب 48": كم شجرة عائلة قمت برسمها حتى اليوم، وكم يستغرق مثل هذا المشروع؟

زيداني: رسمت عشرات الشجرات لعدة عائلات، وهذه هواية بالنسبة لي، فرغم الجهد والصعوبة والتعقيدات إلا أنني أتمتع بهذا العمل وهذا التحدي الصعب. وتستغرق هذه العملية نحو شهرين لجمع وتكوين واستيعاب كل الأسماء وكل التفرعات، فضلا عن الاتصالات الهاتفية التي أجريها للسؤال عن أسماء أبناء فلان وأحفاده وإلخ...

وبالنسبة لكتاب أسعد منصور فهو لم يتضمن البنات (الإناث) واقتصر على الذكور فقط، بينما أحرص على جمع أسماء الإناث، وأضع ملاحظات بجانب كل اسم مثل تاريخ الوفاة إذا كان الشخص متوفى، واسم العائلة التي انتقلت إليها الفتاة بعد زواجها وغير ذلك من الملاحظات. وأذيّل الشجرة بنبذة تاريخية عن العائلة.

"عرب 48": أي الفئات من الناس التي تقصدك وتهتم بشجرة العائلة؟

زيداني: بالطبع الجيل الصغير، جيل الشباب، لا يهتم على الإطلاق ولا يعرف ولا يهمه أن يعرف تاريخه وأصوله، وهذا مؤسف، لكن من يهتم هم عادة أبناء العائلات العريقة وكبار السن الذين يرغبون في ترك أثر للأبناء قبل الرحيل. وحديثا يلاحظ ازدياد الاهتمام بالجذور لدى الكثيرين. بعضهم يتوجه إلى الأرشيف المتعلق بالولادات والكواشين، ويحصلون على معلومات جيدة يستفيدون منها، بعضها يعود إلى العهد العثماني ومسجل بالعربية (التركية) قبل أن تتبدل حروفها.

"عرب 48": كيف تستطيع أن تدخل 400 و500 اسم في شجرة بهذا الوضوح والإتقان؟ إنها أشبه بالنقش في الصخر!

زيداني: الأمر ليس سهلا في الواقع، ولكن كوني رساما محترفا ومهندسا فهذا يساعدني جدا، ولا أفاخر إذا قلت إنني العربي الوحيد بالبلاد الذي يقوم بمثل هذا العمل.

التعليقات