الطوري لـ"عرب 48": السجن أحب إلي من اقتلاعنا وتهجيرنا

تهيمن مشاعر الاحترام والتقدير على الزائر لقرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف، بالنقب وأهلها الصامدين في وجه الاقتلاع والتهجير.

الطوري لـ

صياح الطوري (تصوير: باسل طنوس)

تهيمن مشاعر التقدير على الزائر لقرية العراقيب، مسلوبة الاعتراف بالنقب، لصمود أهلها المتواصل في وجه الاقتلاع والتهجير، إذ لا يزال أهالي القرية يتصدون لهدم منازلهم ومحاولات التهجير، فقد هدمت السلطات الإسرائيلية القرية للمرة 132، لغاية الآن.

وتواصل العراقيب الصمود في وجه السياسات والممارسات العنصرية الأخرى التي تنفذها السلطات بشكل مكثف منذ 8 أعوام، ويتمتع أهاليها بنفس نضالي قوي حيث نظموا441 وقفة احتجاجية أسبوعية ضد التهجير، وسطرت العراقيب مواقف شجاعة.

ولا تتوقف المؤسسة الإسرائيلية عن التصعيد في ملاحقة أهالي العراقيب الصامدين بهدف اقتلاعهم من أرضهم، وكانت الملاحقة السياسية الأخيرة رفض المحكمة طلب استئناف شيخ العراقيب، صياح الطوري، في السبعين من عمره، على قرار سجنه لمدة 10 أشهر و5 أشهر مع وقف التنفيذ بالإضافة إلى فرض غرامة مالية قدرها 36 ألف شيكل بادعاء "السيطرة على أراضي تابعة للدولة" ورفضه الإبعاد عن العراقيب.

وروى الشيخ صياح الطوري لـ"عرب 48" تجربة العراقيب النضالية ومعركة البقاء والتطورات الأخيرة وقرار دخوله السجن في تاريخ 16.9.2018 ووجه رسالته إلى أصحاب الأرض في النقب وتحدث دورهم في المرحلة المقبلة.

أصل الحكاية

تعتمد تسمية قرية العراقيب، حسب رواية الشيخ الطوري، على الرواية الشفوية للآباء والأجداد، ويعتبر الشيخ صياح أن العراقيب بصورتها الأكبر والتي تمتد من غرب وادي الشريعة المهجر والذي سكنه عرب النقب تاريخيا وتلتقي بمقام الصحابي أبو هريرة رضي الله عنه في النقب الموجود في حدود منطقة العراقيب حتى مدخل مدينة رهط الشرقي والذي سمي تاريخيا "إرجيم الذيب".

وقال الطوري إن "العراقيب في اللغة هي الجهة الخلفية من الأقدام، وسميت العراقيب بهذا الاسم لارتباطها بقصة تاريخية حدثت في وقت الفتح الإسلامي للمنطقة وحيثياتها وهي أن مجموعة من المسلمين انتهى طعامهم خلال إحدى الفتوحات، اضطروا لذبح جمالهم وبعد ذبحها رميت الأرجل لعدم الاستفادة منها واستمروا في المسير وحين قل الطعام عادوا لأخذها وسمي المكان بمنطقة العراقيب (عراقيب الجمال)".

النكبة والتهجير الأول

روى الشيخ الطوري أن النقب الشمالي كان حاضنة أساسية للحياة الاجتماعية التي سكنت وادي الشريعة حتى منطقة كركور المهجرة، وأكد أنه "اشترى الآباء أرض العراقيب في العام 1905 وسكنت إلى جانبنا عشائر كبرى منهم عشيرة بني عقبة وعشيرة التياها والقديرات وحمائل الطوري، الحكوك، أبو صيام، وابن بري. وكانت أكبر العشائر هي عشيرة العلامات المهجرة وغيرهم".

وأكد أن "العصابات الصهيونية جاءت إلى النقب بهدف التهجير وهجرّت العديد من العشائر المذكورة وجاء تهجيرنا نحن مدعين أنه لمدة 6 أشهر فقط بهدف التدريب العسكري لجنودهم، ومن لم يقبل بالتهجير كان يتعرض للتعذيب والضرب والإهانة وربط خيمته في جيب عسكري وهدمها أو أن يضرب ويدعس جنود العصابات الصهيونية بأحذيتهم على وجهه ومن ضحاياهم كان والدي، رحمه الله، وطلاق الطلالقة من بلدة طويل أبو جرول المهجرة، وقد حدث هذا في خمسينيات القرن الماضي".

وأضاف الطوري أن "من أساليب التهجير عشية النكبة كان ارتكاب المجازر في حق أهالي النقب الشمالي، ومما أذكر أنهم اقترفوا جريمة قتل 21 عربيا من عشائر مختلفة بشكل جماعي. أحضرتهم العصابات الصهيونية وأعدمتهم ومنهم حسين محمود أبو لطيف وأبناء مصطفى سالم أبو زياد وسليمان جبرين أبو جابر وأبو العطار أبو زايد. وبعد أن مرت 6 أشهر طلبنا العودة إلى أرضنا فاقترح الحاكم العسكري أن نستأجر الأرض من السلطات الإسرائيلية، لكننا رفضنا وعدنا تدريجيا إلى أرضنا".

التهجير الجديد

وقال الشيخ الطوري إن "أولى محاولات تهجيرنا كانت بعد النكبة حيث اقتحمت الجرافات الإسرائيلية والجنود أرضنا في العام 1997 فتصدى لهم أهل الأرض والكثير من العرب أصحاب الضمائر الحية. في يومها توجه أحد الضباط الإسرائيليين إلينا بعد اقترابنا من جرافة وكنا نحمل أسطوانة غاز وقال إنهم حضروا إلينا خطأ واعتذر وخرجوا من العراقيب".

وأشار إلى أنه "في العام 1999-2000 فوجئنا بقيام طائرات إسرائيلية برشتنا بمواد سامة دون سابق إنذار للمرة الأولى تبعتها 4 عمليات رش بالمواد السامة لغاية العام 2005. جرى ذلك دون إخطار أو أي أمر قضائي وأسفر التلوث إلى نفوق نحو 160 من الغنم و16 من الخيول الأصيلة وغيرها من المواشي والحيوانات بالإضافة إلى تدمير آلاف الأشجار ومحصول القمح والشعير وتدمير أرضنا، كما تسبب الأمر بأمراض خطيرة منها السرطان وتوفي بعض أبناء العراقيب ومنهم من لا يزال يعاني بسبب المضاعفات لغاية اليوم".

"عرب 48": كيف تصف دور القضاء الإسرائيلي في قضية العراقيب؟

الطوري: القضاء الإسرائيلي لم ينصفنا منذ اليوم الأول لقضيتنا التي بدأت منذ 21 عاما، فهو يقف إلى جانب العصابات الصهيونية، ونحن لا نعول على القضاء الإسرائيلي، في قضايا الأرض وقضايا الجرائم التي اقترفتها العصابات الصهيونية بحق عرب العراقيب وعائلة الطوري. أذكر أنه في إحدى الجلسات سأل القاضي ممثل الشرطة 'ماذا فعلتم بأربعة آلاف شجرة بعد مصادرتها من العراقيب؟' فأجاب الشرطي أنهم تبرعوا بها لما يسمى 'الصندوق القومي لليهود' ولم يحاسبه القاضي على شيء. ومنذ تصعيد العدوان في العام 2010 قدمت السلطات ضدنا مئات الملفات، بينها 57 ملفا قضائيا ضدي شخصيا، وفرضت علينا إسرائيل غرامة قدرها مليوني شيكل مقابل هدمها لبيوتنا".

قرار الحبس

وعن الحكم عليه بالسجن الفعلي والذي أصبح نهائيا وسينفذ لغاية 11.9.2018 قال الشيخ الطوري لـ"عرب 48" إن "القانون الإسرائيلي لا يحمي المواطن العربي. إسرائيل دولة ديمقراطية لليهود فقط والحكم علينا هو حكم موجه من عصابات صهيونية لا تريدنا هنا. نفتخر في مواقفنا وصمودنا على أرض العراقيب ونفاخر في تاريخنا العربي وهويتنا الفلسطينية على أرضنا. إسرائيل تشرعن سرقة المستوطنين لأرض العرب في الضفة الغربية وتقوم بسجننا بسبب بقائنا في أرضنا. هذا هو حكم العصابات وقرار المحكمة الإسرائيلية ينسجم مع أجندة الحكومة المتطرفة".

ولفت الطوري إلى أن "السجن والإبعاد لا يعني شيئا أمام المطلب الحق وهو التمسك بالأرض والدفاع عنها. أرضنا أغلى ما نملك ولن نتنازل عنها مهما فعلوا، فهي أرض الآباء والأجداد وجزء من أرضنا العربية الفلسطينية، وهي أرض وقف لا تباع ولا تشترى. نملك مستندات ووثائق عثمانية وبريطانية وحتى من إسرائيل إذ توجهنا في العام 2004 إلى سلطة المياه المركزية في البلاد واعترفت بحقنا في المياه، ودفعنا مبلغ 120 ألف شيكل قبل البدء بالتخطيط لمد شبكة مياه، ولكن في نفس اليوم الذي علمت السلطات في بئر السبع جن جنونها ودمرت خط المياه".

رسالة لأصحاب الأرض

وختم الشيخ الطوري بالقول إن "على أهالينا خصوصا وأبناء شعبنا عموما أن يصمدوا على أرضنا ووطننا. هذه هي هويتنا، لا هوية لنا بعد الأرض، وعلينا جميعا عدم التنازل عن الأرض، والصمود أمام كل مخططات الاقتلاع والتهجير، ورفض تهديد أرضنا العربية. كل من يسجن بسبب دفاعه عن أرضه هو علم عربي فلسطيني في هذه البلاد. الوحدة والصمود أقوى سلاح نملكه دفاعا عن أرضنا وكرامتنا".

التعليقات