08/09/2018 - 16:14

أمارة: سحب الاعتراف بالعربية كلغة رسمية يعني إسقاط الحق الجماعي الوحيد

اليمين سيسعى إلى إخراج اللغة العربية من الحيز العام خلال بضع سنوات | نستطيع استغلال قوتنا الشرائية لفرض احترام لغتنا على القطاع الخاص | لا أفهم مجالس وبلديات لا تستطيع إلزام المحلات التجارية كتابة لافتاتها باللغة العربية

أمارة: سحب الاعتراف بالعربية كلغة رسمية يعني إسقاط الحق الجماعي الوحيد

د. أمارة

* اليمين سيسعى إلى إخراج اللغة العربية من الحيز العام خلال بضع سنوات
* نستطيع استغلال قوتنا الشرائية لفرض احترام لغتنا على القطاع الخاص
* لا أفهم مجالس وبلديات لا تستطيع إلزام المحلات التجارية كتابة لافتاتها باللغة العربية


في مقابلة سبق أن أجريتها معه حول الموضوع، قال البروفيسور محمد أمارة، إنّه لم يسلم من العبرنة سوى المنابر والمقابر، وذلك في إشارة إلى مدى الاستهداف الذي تتعرض له اللغة العربية، ومحاولات إخراجها من الحيز العام وتهميش دورها والحطّ من مكانتها، وهو يرى في العبرنة مفهومًا يتجاوز اللغة ليلامس مجمل الثقافة والمنظومة القيمية والتربوية للمجتمع الفلسطيني في الداخل.

ويشتق أمارة نظرته للغة باعتبارها ليس وسيلة للاتصال فحسب، بل منظومة من الإشارات والدلالات، وكونها من أهم وكلاء التنشئة الاجتماعية للفرد والمجموعة، ومن أهم مكونات الهوية الفردية والجماعية، فهي ترسم الحدود الذهنية والثقافية والقومية بين الناطقين بها كلغة أم وبين "الآخر".

وعليه، فإنّه كلما كانت مكانة اللغة عالية وبارزة في الحيز العام، كما يقول، تكون قيمتها الرمزية وحيويتها أكبر من حيث التداول والاستعمال.
وتجاوزًا لتحدي العولمة الذي يواجه اللغة العربية في مختلف أرجاء الوطن العربي، فإنّ تحدي العبرنة هو الأخطر محليا، كونه يشكّل أيديولوجيا لغوية تمس تركيب الهوية، لا تقتصرعلى شكل استعمالي للغة الأخرى، كما قد يعتقد البعض.

وإذا كان تحصين مكانة اللغة العربية السابق على "قانون القومية" باعتبارها لغة رسمية وفقا للقانون الإسرائيلي، لم يسعفها من هيمنة اللغة العبرية، ليس لأن هذا التحصين كان شكليا فقط، بل لوجود سياسة عامة تستهدف عروبة الأرض والإنسان، يعتبر "قانون القومية" تحصيل حاصل لترجماتها الممتدة منذ عشرات السنين.

حول تأثير قانون القومية على مكانة اللغة العربية واستعمالاتها في الحيز العام، في ظل سياسة العبرنة والتهويد الكولونيالية كان هذا الحوار مع بروفيسور محمد أمارة:

عرب 48: كتبت، أنت وغيرك، كثيرا عن عبرنة الأسماء وعبرنة المكان وعبرنة الحيز العام، وكان ذلك في وقت كانت إسرائيل تعتبر فيه اللغة العربية لغة رسمية، فما الذي سيتغير اليوم بعد أن حط قانون القومية العنصري من مكانتها القانونية؟

أمارة: بداية يجدر التنويه إلى أن الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية أسوة باللغة العبرية، ولو كان ذلك حبرًا على ورق، كان هو الحق الجماعي الوحيد الذي تمتع به العرب الفلسطينيّون في إسرائيل، بالنظر إلى أنّ حقوقهم الجماعية الأخرى المشتقة من كونهم مجموعة قومية قد صودرت منذ عام 1948.

اليوم، تصادر حكومة إسرائيل هذا الحق، أيضًا، لتستكمل ما لم تنجح في إنجازه في حينه، لظروفٍ واشتراطاتٍ حكمتها ربما مسألة الاعتراف الدولي بكيانها السياسي الناشئ، لتؤسسَ لمرحلة جديدة في تاريخها.

فإذا كانت قد حاولت خلال المرحلة الفائتة الموازنة بين اليهودية والديمقراطية، ولو شكلًا وعلى استحياء، في المرحلة المنقضية، فإنّ الحقبة اليمينية التي يمكن تحديدها زمنيًا بالعقد الأخير، شهدت، وما تزال، تعزيزًا ليهودية الدولة على حساب ديمقراطيتها بشكل مخلٍ بهذا التوازن وهو توجه جاء قانون القومية تتويجا له.

عرب 48. ما تتحدث عنه، ويلمسه الجميع، من كون القانون جاء لتوفير الغطاء "الشرعي" والتشريعي لما هو قائم على الأرض منذ عام 1948 وتعزز في العقد الأخير، هو ما يجعله يواجَه بعدم اكتراث شعبي كبير، فلسان حال الناس يقول طالما أننا نعاني الظلم والتمييز منذ عام 1948، فما الذي تغيّر؟ وطالما تعرضت لغتنا عندما كانت لغة رسمية لهذا الإجحاف، فما الذي سيتغير؟

أمارة: هذا صحيح، ولكن القانون لا يوفر الشرعية والتشريع المطلوب فقط، بل إنه يغلق أمامنا أبواب التظلم ضد هذا الإجحاف وهذا التمييز، ويسحب من تحتنا أي مستند قانوني نستطيع التلويح به أمام السلطة التنفيذية والتشريعية اللتين ستعملان ضدنا من اليوم فصاعدًا دون أي وازع أو رادع.

ورغم تقليلنا من شأن ودور القضاء الإسرائيلي الذي يستقيم في الغالب مع المصالح الصهيونية العليا، فقد فرمل في الماضي الكثير من الخطوات التعسفية ضدنا، مثل شطب التجمع وأحزاب أخرى وإعادة الاعتبار للغة العربية في لافتات المدن المختلطة، وغيرها من القضايا التي تطلبتها حالة الحفاظ على نوع من التوازن بين اليهودية والديمقراطية، والتي أوكل القضاء بصيانتها.

أما في السياق اللغوي فإنّ الهدف هو إلغاء الدلالة الرمزية للغة العربية في الحيز العام، للتأكيد على أنه لا العرب ولا لغتهم شركاء في هذا الحيز، وأن هذه الدولة هي دولة عبرية ولغتها عبرية فقط.

عرب 48: إذًا، استهداف اللغة العربية ليس محض صدفة كما تقول، بل يقع في صلب التوجه القومي\الديني اليهودي الذي أفرز قانون القومية؟

أمارة: رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، شخصيًا، أصرّ على عدم إسقاط بند اللغة العربية من القانون، لوعيه بأهمية الحط من مكانة العربية وإخراجها من الحيز العام في تكريسٍ ليهودية الدولة، لما تحمله اللغة العربية من دلالات حضارية وتاريخية وجغرافية مرتبطة بهذه الأرض.

وكان من المهم لنتنياهو وحكومته اليمينية سحب المكانة الرسمية من اللغة العربية، التي تضعها على قدم المساواة مع اللغة العبرية، لما يحمله ذلك من دلالات باتجاه مساواة أصحاب هذه اللغة وشراكتهم في الحيز الجغرافي، الذي يريدونه حكرا على مجموعة قومية/دينية واحدة.

عرب 48: وماذا بشأن ما عرف في القانون بـ"المكانة الخاصّة" للغة العربية؟

أمارة: القانون تحدث عن مكانة خاصة للّغة العربية وهو مصطلح ضبابي غير واضح، ناهيك عن أنّه لم يجرِ تعريفًا لتلك المكانة الخاصة، واكتفى القانون بالقول إنّه سيتم تعريفها لاحقا، ومن المتعارف عليه إسرائيليا أنه عندما يريدون إغلاق ملف قضية يستعملون مثل هذه المصطلحات المطاطة وغير المحددة بوقت، ولكن نستشف أنّ "المكانة الخاصة" هي بمثابة جائزة الترضية التي تمنح للمتنافس الذي خسر السباق.

عرب 48: في الترجمات العملية للقانون، لا يقتصر الحديث على لافتات الشوارع التي يتم إسقاط التسميات العربية عنها ويجري كتابة الأسماء العبرية بلغة عربية فقط، المستغرب أن حتى تصبح عكا "عكو" ويافا "يافو"، بل إنّ الأمر يتعدى ذلك إلى المراسلات والمكاتبات والأوراق الرسمية، فاللغة العربية تظهر في دعوات المحاكم وشهادات الميلاد وبطاقات الهوية.

أمارة: وإن كنت لا أتوقع أن يتم الانسحاب من كل ذلك في الفترة القريبة، فإنّ هدف القانون هو شطب اللغة العربية عن كل هذه السجلات والوثائق وتنظيفها من الحيز العام لإلغاء ما يرمز إليه ذلك من شراكة، حتى لو كانت غير متكافئة بين اللغتين وتثبيت اللغة العبرية كلغة في الوثائق والبطاقات والسجلات الرسمية للدولة.

لقد ورثت إسرائيل القانون البريطاني الذي منح اللغتين العربية والعبرية مكانة متساوية، ولم تكن قادرة في حينه على إسقاط اللغة العربية، أما اليوم فإن كل الظروف المحلية والدولية والعربية وحتى الفلسطينية تساعدها على القيام بهذه الخطوة ضمن قانون عنصري، دون أن تضطر إلى دفع تكلفة ذلك.

لن تجد إسرائيل أفضل من هذه الفترة لاستكمال المهمات التي لم تنجز عام 1948، فهي تحظى بدعم أميركي غير محدود وتشجيع كبير من اليمين الأوروبي الذي يزداد نفوذًا يوما بعد يوم، ناهيك عن الدعم العربي الكبير الذي تحظى به من مصر والسعودية والإمارات، والدعم الفلسطيني غير المباشر النابع من واقع الانقسام الفلسطيني.

عرب 48: كيف يمكن أن يؤثر الحط من مكانة اللغة العربية في جهاز التعليم، فاليوم، مثلًا، يستطيع الطالب العربي إجراء الامتحان البسيخومتري باللغة العربية؟

أمارة: نحن نعرف أنّ وزير التعليم الحالي أدخل تعليم اللغة العبرية إلى جهاز التعليم العربي من جيل الروضة، وذلك في إطار سعيه لتعزيز هذه اللغة، والوزير ذاته هو رئيس مجلس التعليم العالي صاحب القرار في تحديد معايير وامتحانات القبول للجامعات، ومن غير المستبعد أن يقوموا، بعد بضع سنوات، باشتراط إجراء امتحان البسيخومتري باللغة العبرية، مستغلّين إلغاء المكانة الرسمية لتمرير هذا الإجراء، خاصة وأنّهم استحدثوا في السنوات الأخيرة امتحان اللغة العبرية "ياعيل".

عرب 48: أنت تعتقد أن اليمين سيقوم بتنظيف اللغة العربية من كل مؤسسات الدولة العامة، ولكن ماذا مع الشركات والمصالح الخاصة، التي هي بحاجة للعرب كقوة شرائية استهلاكية كبيرة؟

أمارة: نحن نستطيع استغلال وزننا في هذا المجال، ولكن ذلك يتطلب تكافلا وإرادة جماعية قادرة على فرض شروطنا واحترامنا كجماعة، وبالتالي احترام لغتنا على تلك الشركات، ولا ضير من اللجوء إلى سلاح المقاطعة ضد الشركات التي لا تحترم لغتنا، وبذلك نستطيع مقاومة توجه المؤسسة بإخراج لغتنا من الحيز العام، خاصة وأنّ الخصخصة قد طالت غالبية مؤسسات وشركات السوق الاقتصادية الإسرائيلية، مثل البنوك وشركات الاعتماد والتأمين والشبكات الغذائية وشبكات الألبسة والأحذية وغيرها.

عرب 48: الموضوع يتطلب إرادة وقرارا جماعيا غير قائمين حتى الآن، إضافة إلى اعتزاز ذاتي بلغتنا وثقافتنا، لو كان موجودًا، لحظيت اللغة العربية باحترام أكبر في لافتات المتاجر والمحلات في بلداتنا العربية ذاتها؟

أمارة: صحيح، ولكن لا أفهم مجالسَ وبلدياتٍ لا تستطيع فرض أنظمة تلزم المحلات العاملة في نطاقها بالحفاظ على مكانة اللغة العربية في لافتاتها، خاصة وأن تلك المحلات تحتاج إلى ترخيص من السلطة المحلية.

يجب استحداث قوانين مساعدة وأنظمة تلزم أصحاب المتاجر والمحلات باحترام لغتنا، بحيث تكون اللغة العربية موجودة وأكثر بروزا من غيرها في يافطات المحلات، وهذه دعوة للسلطات المحلية للقيام بذلك، ردًا على تهميش اللغة العربية.


بروفيسور محمد أمارة - رئيس الدراسات العليا في كلية بيت بيرل، ورئيس مشارك لجمعية سيكوي، ورئيس الرابطة الإسرائيلية لدراسة اللغة والمجتمع.

التعليقات