غول المصادرة يلتهم ألف دونم لتوسيع "عابر وادي عارة"

تواجه مئات العائلات العربية كما أراضيها ومحالها التجارية المصير المبهم، على جانبي شارع وادي عارة في منطقة المثلث الشمالي، وباتت هذه العائلات كالثمانينية، الحاجة عديلة أسعد مرزوق، لا تعرف إذا ما ستكون في مثل هذا الوقت من العام المقبل،

غول المصادرة يلتهم ألف دونم لتوسيع

الحاجة عديلة مرزوق تقطف الزيتون بأرضها المصادرة بوادي عارة (عرب 48)

تواجه مئات العائلات العربية كما أراضيها ومحالها التجارية المصير المبهم، على جانبي شارع وادي عارة في منطقة المثلث الشمالي، وباتت هذه العائلات كالثمانينية، الحاجة عديلة أسعد مرزوق، لا تعرف إذا ما ستكون في مثل هذا الوقت من العام المقبل على موعد مع قطف زيتونتها أو البقاء في تشغيل المحال التجارية والورش الصناعية في المنطقة.

البقاء والتجذر بالأرض

تشعر الحاجة عديلة كغيرها من السكان العرب بالهواجس وعدم الاستقرار بسبب مصادرة المؤسسة الإسرائيلية ألف دونم لتوسعة شارع 65، إذ تم إمهال أصحاب الأرض والمحال التجارية حتى الخامس من كانون الأول/ ديسمبر المقبل، لتقديم الطلبات للحصول على تعويضات مالية فقط، دون تخصيص أراض بديلة لهم على غرار ما كان في قانون "عابر إسرائيل".

الشروع في توسعة شارع وادي عارة في مفرق الأساور "بركائي" لربطه بمستوطنة حريش (عرب 48)

في الوقت الذي تسابق فيه الحكومة الإسرائيلية الزمن لإنجاز المخطط الممتد على طول 24 كيلومترا من مفرق السركس "غان شموئيل" جنوبا حتى مفرق اللجون ومجيدو شمالا، تواصل الحاجة عديلة زراعة الأرض والتسمك بها بجني ثمار الزيتون لهذا الموسم، إذ تصر على البقاء والتجذر بالأرض وترفض التعويضات المالية عن مساحة 5 دونمات اشترتها مع زوجها في سبعينيات القرن الماضي، ولعقود كانت الأرض وبسطات الفواكه والخضروات مصدرا للرزق لها ولعائلتها.

الحاجة عديلة مرزوق تتمسك بأرضها وترفض التعويض المالي (عرب 48)

تتساءل المُسنة بنبرة تحمل في ثناياها الآلام، لكنها مغمسة في ثرى الأرض والأمل، تارة تضحك بكبرياء وأخرى تبكي محاولة إخفاء دموعها حيال الواقع والمصير المبهم، "كيف لي أن أترك الأرض التي اشتريتها بعرق جبيني وربيت أولادي الأربعة وكبرتهم على حبها؟".

مصادرة الأرض والوجود

وقالت الحاجة عديلة مرزوق، لـ"عرب 48"، إنه "في التوسعة السابقة للشارع في سنوات الثمانين صادروا من أرضنا 5 دونمات دون تعويضنا بأرض بديلة ودون تعويضات مالية، وقبل أكثر من عام أغلقوا الأراضي على طول الشارع بجدار حديدي، ومنعونا من البيع في البسطات، واليوم تتم مصادرة آخر ما تبقى لنا من وجود".

شارع وادي عارة بمساره قرب عرعرة وعارة (عرب 48)

وأضافت أنه "لن أسمح لهم بمصادرة أرضنا واقتلاع أشجار الزيتون، فالأرض والأشجار هي روحي وحياتي، لا يكفيهم ما صادروا من أراضي العرب، هناك الكثير من الأراضي أخذها اليهود منا وما زالت فارغة وغير مستعملة، لماذا لا يشقوا عليها الطرق؟ عشرات السنوات ندفع الضرائب للمجلس والحكومة ويصادروا أرضنا؟، الله ما برضى بالظلم، وأنا بموت وما بتنازل عن أرضي ولن أبيعها، وأرفض التعويضات، فأموال الدنيا لن تغنيني عن أرضي".

تتنقل الحاجة عديلة بخطوات مثقلة بالهموم من مصادرة الأرض بين أشجار الزيتون، تتفقدها وتجمع ثمارها وتلامسها وتتحدث إليها كما تخاطب الأم أولادها، فيما شرعت الآليات والجرافات بأعمال توسعة الشارع في منطقة "برديس حنا" حتى مشارف مفرق الأسوار "بركائي"، ما يعني اقتراب الجرافات من البلدات العربية المتاخمة لمسار الشارع.

أعمال شق وتوسيع شارع وادي عارة بمساره بالقرب من الكيبوتسات التي يتم ربطها بالشارع مستقبلا (عرب 48)

باتت الجرافات على مرمى حجر من البلدات العربية، حيث ستمتد أعمال توسيع الشارع على طول 14 من أصل 24 كيلومترا فوق الأراضي العربية، بمساره من كفر قرع حتى مشارف مفرق اللجون- مجيدو، مرورا ببلدات عرعرة، عارة، البويرات، أم الفحم، مصمص، مشيرفة والبياضة.

خنق وحصار البلدات العربية

وقال رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في وادي عارة، أحمد ملحم، لـ"عرب 48" إنه "سيتم مصادرة مباشرة لألف دونم بملكية خاصة للعرب، ومثلها مصادرة غير مباشرة، حيث يحظر استعمالها لأغراض البناء والتجارة والزراعة وستكون مناطق خضراء يسمح لأصحابها فقط دخولها دون الاستفادة منها".

رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن، أحمد ملحم، يستعرض مخطط الشارع في مساراته ومقاطعه المختلفة (عرب 48)

وأضاف أنه "نتحدث عن شارع سريع على غرار شارع ‘عابر إسرائيل’ حيث ستقام جدران حديدية وإسمنتية على جانبي الشارع ولن يكون بإمكان السيارات المسافرة التوقف، ما يعني عدم استعمال الأراضي، كونه لن يتم شق طرق خدمات بالتوازي مع الشارع الذي سيتحول إلى 3 مسارات في كل اتجاه".

وأوضح رئيس اللجنة الشعبية أنه "عدا عن مناطق الارتداد على جانبي الشارع التي ستكون مناطق خضراء وممرات للمشاة، لن تكون لهذه المناطق ومسطحات الأراضي أي منافذ على الشارع الرئيسي مع وضع شروط تخطيطية حتى خارج نفوذ ومسطح الأراضي المصادرة، ما يعني أيضا إخلاء وهدم مئات المحال التجارية والمنشآت الاقتصادية، على أن يتم فقط ربط مداخل البلدات العربية بالشارع السريع من خلال 6 مفارق وجسور".

أحمد ملحم يشير إلى مسار وادي عارة (عرب 48)

وبيّن ملحم أنه "في بعض المناطق التي تقع ضمن نفوذ مخطط الشارع الذي صادقت عليه اللجنة القطرية لمشاريع البنى التحتية في العام 2015، تتواجد مئات المحال التجارية التي يلزم أصحابها بإغلاقها ما يعني فرض الإعدام الاقتصادي والتجاري على منطقة وادي عارة التي يقطنها قرابة 120 ألف نسمة".

تقاعس السلطات العربية وغياب النواب العرب

ولفت ملحم إلى أن "الشارع الحالي شكل شريانا رئيسيا للتجارة، إذ اعتاشت آلاف العائلات من المنشآت والمصالح التجارية التي تتواجد على جانبي وحتى داخل البلدات العربية، لكن تحويله لشارع سريع ‘عابر وادي عارة’ يشكل ضربة اقتصادية وتجارية للعرب".

وأشار إلى أن "المخطط سيحول دون الاستفادة من المسافرين على الشارع الذي سيحاصر البلدات العربية ويطوقها دون أي منفس أو إمكانية لإقامة مناطق صناعية وتجمعات تجارية وتسوق على غرار ما يقام في البلدات اليهودية المحاذية".

توسعة شارع وادي عارة أخطبوط يلتف على مئات المصالح التجارية ويخنق الأحياء السكنية (عرب 48)

وعن مراحل عرض مخطط الشارع وتقديم الاعتراضات، قال ملحم، إن "السلطات المحلية في المنطقة التزمت الصمت وتقاعست عن معالجة الموضوع فيما غاب النواب العرب وكأن القضية ليست حارقة ولم تكن في جل اهتمامهم. بدورنا كلجنة شعبية قدمنا أكثر من 200 اعتراض نجحنا من خلالها بتقليص حجم المصادرة بمئات الدونمات وإبعاد مسار الشارع عن عشرات المنازل التي تقع ضمن نفوذه".

محال تجارية وورش على جانبي الشارع سيتم هدمها (عرب 48)

وختم رئيس اللجنة الشعبية في وادي عارة بالقول إنه "في النهاية صودق على مخطط الشارع دون الإقرار بضرورة تعويض السكان بأراض بديلة، حيث رفض طلبنا، بل أقرت تعويضات مالية موزعة بين الحكومة بنسبة 70%، بينما حصة السلطات المحلية ستكون 30%، على أن يكون الموعد الأخير لتقديم طلبات التعويضات عن الأراضي والمحال التجارية حتى تاريخ 5.12.2018".

ضربة قاضية للاقتصاد والتجارة

يشرف موعد تقديم طلبات التعويضات عن مصادرة الأراضي وإخلاء المحال التجارية والمنشآت الصناعية على الانتهاء دون أن يعرف الكثير من السكان وأصحاب الأراضي عن إمكانية التعويضات وقرب انتهاء الفترة في تاريخ 5.12.2018.

وقال الحاج عماد فارس خربط، وهو صاحب محل لبيع الحجر الطبيعي والرخام في المنطقة، لـ"عرب 48" إن "توسيع الشارع سيؤدي إلى إغلاق محلي التجاري المتواجد منذ 11 عاما، ما يعني أنني سأضطر للبحث عن مكان آخر لفتح المحل، وهذا سيكبدني خسائر مالية تقدر بمئات آلاف الشواقل بشكل مباشر، عدا عن الخسائر المستقبلية لقيمة المصلحة بمئات آلاف الشواقل في العام، إذ كانت المصلحة مربحة لوجودها على شارع وادي عارة وهو شريان مواصلات حيوي بالنسبة لمئات المحال التجارية".

الحاج عماد فارس خربط كغيره المئات من أصحاب المحال التجارية التي ستهدم بسبب الشارع (عرب 48)

والحاج عماد خربط من سكان قرى زيمر يعمل في تجارة الحجر الطبيعي والرخام منذ عشرات الأعوام، فتح محله التجاري في شارع وادي عارة لما يشكله الشارع من أهمية وحركة المواصلات التي تنشط الحركة التجارية والاقتصادية، حيث يشكك في الجدوى الاقتصادية من المحل التجاري والربح في حال نقله إلى بلده في زيمر.

وأوضح أن "توسعة الشارع تشكل ضربة مباشرة للتجار ويمنع أي تطور تجاري واقتصادي للتجارة والصناعة للبلدات العربية"، مؤكدا أنه "مهما دُفع من مبالغ تعويضات عن إغلاق المحال التجارية والورش لا يمكن لأي مبالغ وأموال أن تعوض عن الخسائر المستقبلية والتي هي بمثابة فرض الإعدام على أي مشروع تجاري واقتصادي".

إهمال رؤساء السلطات المحلية وانتقادات للنواب العرب

وتحدث عضو بلدية أم الفحم وعضو لجنة البناء والتنظيم المحلية في وادي عارة، المحامي توفيق جبارين، عن حصار التجمعات السكنية في وادي عارة وتوسعة الشارع بتخطيطه النهائي ومصادرة الأراضي دون إثارة الملف سياسيا والحرمان من أراضي بديلة والاكتفاء بتعويضات مالية، ووجه انتقادات شديدة اللهجة لرؤساء السلطات المحلية التي أهملت المخطط ولم تعالجه، وكذلك للنواب العرب في القائمة المشتركة، حيث كان مخطط توسعة وادي عارة في طي النسيان بالنسبة لهم، كما قال.

المحامي توفيق جبارين: عابر وادي عارة ضربة قاضية للعرب (عرب 48)

وأضاف أن "المجالس المحلية والبلديات في وادي عارة أهملت الموضوع لسنوات، وبدورنا في اللجنة الشعبية دعونا وطلبنا من خلال الاعتراضات الحصول على أرض مقابل أرض، ومطلبنا رُفض. ولتحقيق ذلك يجب أن نخوض نضالا سياسيا وقانونيا من قبل النواب العرب للضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل إلزامها على إقرار التعويضات بأرض بديلة مثلما كان في مخطط الغاز في الجلمة وشارع عابر إسرائيل".

وأكد عضو لجنة البناء والتنظيم أن "مشروع توسعة شارع وادي عارة بمثابة مشروع بنى تحتية، على المستويين القطري والوطني بالمفهوم الإسرائيلي، وهو لا يقل أهمية عن مشروع خط الغاز وسكة الحديد وخط الكهرباء القطري، وعلى الرغم من أن القانون يقر بدفع تعويضات مالية فقط، فقد صدر قرار عن الحكومة يقر بمبدأ تعويض أرض مقابل أرض، لكن في حالة وادي عارة وبسبب إهمال الرؤساء وتقاعس النواب العرب بالكاد أقرت تعويضات مالية عن الأراضي والمحال التجارية".

عشرات المنازل ستكون تضمن نفوذ شارع "عابر وادي عارة" (عرب 48)

وأكد جبارين أن "الحكومة الإسرائيلية في مخطط الغاز في أراضي الجلمة رضخت للضغط السياسي الذي رافقه نضال شعبي من العرب الدروز في منطقة دالية الكرمل وعسفيا، وأثمر النضال عن تعويضهم بأرض بديلة، وهذا الحال كان يجب أن يطبق في وادي عارة".

السلطات المحلية العربية ملزمة بدفع 30% من التعويضات

وأوضح المحامي جبارين، أنه نشط من خلال اللجان الشعبية في العام 2013 لتقديم الاعتراضات على مخطط الشارع، وفي الوقت ذاته أشار إلى أنه "بدلا من أن يقوم الرؤساء بتقديم الاعتراضات والوقوف إلى جانب السكان وقفوا مع مؤسسات التخطيط. كان هناك نوع من التعاون ما بين هذه السلطات المحلية وبين مؤسسات الدولة التي بادرت للمخطط، كما أن النواب العرب لم يضعوا الملف على جدول أعمالهم في الكنيست كما كان الحال في مخطط الغاز وأراضي الجلمة".

شارع وادي عارة بمساره قرب كفر قرع (عرب 48)

ورأى أن "الشارع سيكون كارثيا على التجمعات السكنية في وادي عارة التي ستكون أشبه بمخيمات لاجئين دون مناطق صناعية أو تجارية، فالشارع يمنع تطورها في كافة المجالات وسيحاصرها ويحجبها حتى عن شريان المواصلات وحركة السير".

وأوضح أنه "نحن بصدد تقديم طلب باسم اللجنة الشعبية وأصحاب الأراضي لتمديد موعد تقديم طلبات التعويضات بعام إضافي، فالشارع كبد العرب خسائر فادحة وسيخدم البلدات اليهودية فقط، وستكون البلدات العربية الخاسر الأكبر، علما أنها ستكون شريكة في دفع جزء من التعويضات للمواطنين وللمتضررين من أصحاب الأراضي والمصالح، حيث تقدر مبالغ التعويضات التي سيكون على السلطات المحلية دفعها مئات ملايين الشواقل".

"عابر وادي عارة" سيقضي على تربية المواشي وسيهدم الحظائر (عرب 48)

ولفت جبارين إلى أنه "بحسب إقرار مبدأ التعويضات، سيتم إلزام السلطات المحلية العربية المشاركة في 30% من حجم التعويضات التي ستدفع للمواطنين"، مضيفا أن "ذلك سيكون بمثابة ضربة قاضية للحكم المحلي العربي في المنطقة رغم أنه يعاني من عجز في الموازنة، حيث أن مبدأ التعويضات سيعمق من العجز".

واستبعد إمكانية أن "تصمد السلطات العربية وتنجح، أو أن تكون لها قدرة على دفع التعويضات لأصحاب الأراضي".

التعليقات