يارا أيوب: الورود بدأت بالذبول على قبرها

الجشّ هادئة، ويارا، تلك الفتاة التي كانت تملأ القرية ضجّة وصخبًا وحياة، لم تعد موجودة ببساطة. اختفت آثارها لثلاثة أيام، حتّى استيقظ أهلها على خبر العثور عليها، ولكن جثة هامدة!

يارا أيوب: الورود بدأت بالذبول على قبرها

صور من العائلة

لم يصدّق أحدٌ ما حدث. ولمَ يصدّقون... تلك الفتاة التي كانت تلبس ملابس بابا نويل وتوزّع الهدايا على أهل القرية لا يمكن أن تموت... وكيف؟ أن تقتل؟

كانت العائلة تجلس في الصالة، صور يارا تملأ المكان، تستطيع أن تراها في العيون أيضًا، في العيون المرتبكة، العيون الصامتة،العيون التي تتحدّث، وهنا، كانت الأمّ هي التي تتحدّث، جميلة أيّوب، وبجانبها زوجها، نشأت أيّوب.

الجشّ هادئة، هادئة مثل المقبرة المستلقية في مدخل البلدة. هناك أيضًا تستلقي يارا. ابنة الـ16 عامًا لن تكبر بعد الآن، ولكنّ المقابر تكبر والقبور تشيخ.

"كل هذا الحكي ما بيفيد، أنا بنتي ماتت"، لم تكن اللحظات الأولى سهلة، فقد عانت العائلة ما عانته مع الإعلام، من الشائعات التي طالتهم، ومن المضايقات كذلك.

الأمور كلها  كانت طبيعيّة في البداية. يارا تريد أن تفاجئ صديقتها في عيد ميلادها، يارا تريد أن تشتري هديّة، كانت هذه هي اللحظة الأخيرة، فتحت يارا الباب وخرجت... ولم تعد.

لا تزال الجنازة حاضرة في الأذهان، الجشّ بأكملها تمشي صامتة، وطلّاب المدارس يقرعون الطبول، وصوت خطوات أهل القرية يأكل كلّ هذا الصمت. الجنازة أيضًا تمرّ من صالة البيت، تتسرّب بين الكنبات والكراسي والأثاث... لا أحد ينسى هنا ببساطة.

"شو الذنب اللي عملته يارا؟"، لا زال هذا السؤال يشغل جميلة ونشأت... "ما عملت إشي... ما كنّا نتوقّع أصلًا يصير هيك بالجش"... حتّى يضيف الوالد "إياه صار مع بنتي".

تستمرّ جميلة بالكلام "من وقت اللي اختفت يارا... قلبي حسّني. في هاي اللحظة عرفت إنّه بنتي مش رح ترجع أبدًا... أنا مين ممكن يرجعلي بنتي؟".

وتستمرّ جميلة بالحديث حول الشائعات والمضايقات التي تعرّضت لها العائلة "يعني فوق ما بنتنا انقتلت بيزيدوا علينا... بيكفي من الوسط العربي، الوسط العربي صار لا يطاق... يحكوا كلمة منيحة، مش يحطوا عالأهل نار...".

تضيف جميلة "كلام كلام كلام... واحنا تعبنا من الكلام". ما الذي يمكن أن يقال أكثر من ذلك؟ لقد رحلت يارا، وأخذت معها صخبها وضحكها ومرحها، رحلت وأخذت كلّ شيء معها، والمنزل من بعدها أصبح فارغًا.

الموت لا يتوقّف، ماكينة تحصد كلّ شيء أمامها، وهذه المرّة كانت في الجشّ، وفي يافا وعكا والنقب واللد والرملة...، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وها هي الورود بدأت بالذبول على قبر يارا، عابرو طريق يتوقّفون ويقرأون الفاتحة، وآخرون يصمتون ويحدّقون، وكلّما ذبلت وردة على قبر يارا، قُتلت امرأة جديدة في هذه البقعة الجغرافيّة التي نسمّيها "البلاد".

التعليقات