الأمراض الوراثية بالنقب: العادات الاجتماعية مقابل مستقبل العائلة

تتسبب الظروف الحياتية الصعبة وانخفاض مستوى الوعي على عدة أصعدة، وسط سياسات التجهيل الإسرائيلية وانعدام الخطط والبرامج لتحسين الواقع الحياتي، مقابل مجموعة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة، بنتائج كارثية تؤثر على حياة الأفراد والعائلة في المجتمع العربي المحافظ بمنطقة النقب،

الأمراض الوراثية بالنقب: العادات الاجتماعية مقابل مستقبل العائلة

توضيحية، حديقة ألعاب الأطفال في قرية رخمة بالنقب

تتسبب الظروف الحياتية الصعبة وانخفاض مستوى الوعي على عدة أصعدة، وسط سياسات التجهيل الإسرائيلية وانعدام الخطط والبرامج لتحسين الواقع الحياتي، مقابل مجموعة من الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة، بنتائج كارثية تؤثر على حياة الأفراد والعائلة في المجتمع العربي المحافظ بمنطقة النقب، جنوبي البلاد، والتي يسكنها نحو ربع مليون عربي فلسطيني.

وفي حين يعاني المجتمع العربي بالنقب من السياسات العنصرية التي تمارسها المؤسسات الإسرائيلية، التضييق وهدم المنازل والنقص الحاد في المرافق الطبية والتعليمية واللامنهجية في القرى، مسلوبة الاعتراف، تتحول العادات الاجتماعية السائدة في قضايا معينة قد يكون أهمها قضية زواج الأقارب في غياب الوعي لأهمية الخضوع للفحوصات الوراثية اللازمة قبل الزواج إلى شبح يهدد مستقبل العائلة وصحة الأبناء.

فحوصات مبكرة

ويستدل من معطيات المركز الوراثي في مستشفى "سوروكا" ببئر السبع، أن أكثر من 80% من العرب بالنقب يتزوجون من ذات القبيلة، وأكثر من 65% من الزيجات تجري بين أبناء وبنات العمومة.

وتشكل هذه الحالات خطرًا جديًا على الأجنة وحدوث تشوهات جينية للأطفال وانتقال الأمراض الوراثية في داخل العائلة، في ظل غياب الفحوصات الوراثية اللازمة قبل الزواج وخلال الحمل.

كما تبين إحصائيات المركز الوراثي أن 17 جنينا يموتون من بين كل ألف جنين في المجتمع العربي بالنقب، فيما يموت 4 أجنة من بين كل ألف جنين بين اليهود.

أمراض وراثية

وقال مدير المعهد الوراثي في "سوروكا"، بروفيسور أوهاد بيرغ، لـ"عرب 48" إن "نحو 25% من الزيجات بالعالم العربي تحدث بين أبناء وبنات العمومة، لكن في المجتمع العربي بالنقب نسبة زواج أبناء وبنات العمومة تبلغ 65% وهي نسبة كبيرة جدا، وتتسبب هذه الزيجات بأمراض جينية، والبعض منها خطير جدًا، وإحدى المشاكل أن بعض هذه الأمراض لم تكن معروفة لدينا سابقًا وكان من الصعب توفير الفحوصات لها".

وأضاف أنه "خلال 18 عاما مضت استطعنا في مختبرات المركز الوراثي في مستشفى 'سوروكا' اكتشاف أكثر من 30 مرضًا جينيًا منتشرًا بالنقب، بعضها منتشر في دول عربية أخرى بحكم القرب الثقافي بين المجتمعات ومنها السعودية ودول أخرى، والبعض الآخر من الأمراض هي خاصة بالمجتمع النقباوي".

وأشار بيرغ إلى أنه "استطعنا خلال السنوات الماضية تحصيل تمويل كامل من الوزارات لإجراء فحوصات وراثية مجانية للمقبلين على الزواج ما ساهم بشكل جدي في تخفيض نسبة موت الأطفال بالنقب منذ الولادة حتى جيل سنة بنسبة 30% بالإضافة لتخفيض نسبة الأمراض الوراثية المختلفة".

وختم مدير المعهد الوراثي بالقول إنه "ما زال لدينا الكثير من العمل في المجتمع العربي بالنقب والأولوية هي للتوعية ودفع المجتمع العربي لإجراء فحوصات وراثية قبل الزواج، بهدف إنجاب أطفال أصحاء".

سُلالة

وبرزت في مجال الإرشاد الوراثي بالمجتمع العربي في النقب جمعية "سُلالة" وهي حسب تعريفها جمعية غير ربحية، متخصصة بالاستشارة الوراثية. وتتمحور أهداف الجمعية الرئيسة حول محاربة الأمراض الوراثية في المجتمع العربي بواسطة تقديم الاستشارة الوراثية وتعزيز مستوى وعي الجمهور بما يخص فحوصات الجينات والاستشارة الوراثية عند الأزواج الشابة.

وأقامت "سُلالة" أمسيتها الثانية ضمن سلسلة محاضرات توعوية لطلاب الجامعات، مؤخرا، في جامعة بئر السبع.

وعن الفعاليات التوعوية ونشاط الجمعية، قالت مديرة جمعية "سلالة" والمستشارة في المعهد الوراثي بمستشفى "سوروكا"، عبير أبو صيام، لـ"عرب 48": "تتمحور أهداف جمعية 'سلالة' حول توفير التوعية والفهم الكافي بشأن سبل التصدي والتعامل مع الأمراض الوراثية وفهم أسبابها بالشكل العلمي الصحيح، وبالطبع الترويج لإجراء الفحوصات الوراثية للأهالي والأزواج في المرحلة المناسبة وقبل فوات الأوان".

وأضافت: "نعمل من خلال 'سلالة' في هذه المرحلة للوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأهالي والشرائح السكانية المختلفة. أقمنا عدة محاضرات في الجامعات والكليات المختلفة بالنقب ونهدف للاستمرار حتى الوصول للمدارس وداخل البيوت في المجتمع لأننا نؤمن بأهمية الوعي وأن الفهم يؤدي إلى الفحص، وبالتالي الوصول لأطباء وتخفيض نسب الأمراض الوراثية الموجودة والمتناقلة في المجتمع".

إرشادات

وعن عمل المؤسسات الطبية في البلدات العربية بالنقب، قالت مركزة الأمراض الوراثية في خدمات الصحة الشاملة "كلاليت" بمنطقة الجنوب، الطبيبة رسمية أبو ربيعة، لـ"عرب 48": "أتولى مسؤولية تركيز طاقم الممرضات المسؤول عن إرشاد وتوجيه المقبلات على الزواج قبل الحمل وقبل الزواج والفحوصات الوراثية وأهميتها وكيفية التعامل مع نتائجها". 

وأضافت: "نعمل بالتشبيك مع المعهد الوراثي في مستشفى 'سوروكا' وقد بدأنا بالعمل مع ممرضة واحدة قبل سنوات واليوم وصلنا إلى 10 ممرضات عربيات موجودات في العيادات الكبيرة بالقرى العربية في النقب، يتحدثن اللغة العربية ويتواصلن مع النساء الحوامل ويقدمن لهن الإرشاد خلال الفحوصات المختلفة وحولها".

وختمت أبو ربيعة بالقول إن "أهمية وجود ممرضات عربيات يقدمن الإرشاد الوراثي في المجتمع العربي بالنقب تنبع من وجود حواجز اللغة والعلاقة السلسلة بين الطبيب والمتوجهة والثقافة المشتركة، حيث نقوم بمتابعة النساء خلال كل المراحل من قبل الزواج ولغاية الولادة، وبعدها وتتلقى النساء إرشادًا وتوعية من خلال الممرضات ومن خلال ورشات توعوية ننظمها لفهم كل ما يتعلق بالأمراض الوراثية وآليات التصدي لها والتعامل معها في حال وجودها".

 

التعليقات