06/07/2019 - 16:41

حدّاد حاج يحيى: امتناع العرب عن التصويت لا ينبع من اللامبالاة

لسان حال العرب يقول طالما أنّ الديمقراطية لليهود فقط فلا حاجة للمشاركة بلعبتها وهذا خطأ | لا حاجة لإقناع نتنياهو بدمجنا اقتصاديًا، لأنّ رأسمالية الاقتصاد أقوى من عنصريته| 96% من عمل النواب العرب في القضايا الخدماتية ولكن الصحافة تغطي الـ4%

حدّاد حاج يحيى: امتناع العرب عن التصويت لا ينبع من اللامبالاة

حدّاد حاج يحيى

  • لسان حال العرب يقول طالما أنّ الديمقراطية لليهود فقط فلا حاجة للمشاركة بلعبتها وهذا خطأ
  • لا حاجة لإقناع نتنياهو بدمجنا اقتصاديًا، لأنّ رأسمالية الاقتصاد أقوى من عنصريته
  • 96% من عمل النواب العرب في القضايا الخدماتية ولكن الصحافة تغطي الـ4%

في الندوة التي نظمها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية حول مشاركة المجتمع العربي في انتخابات الكنيست، بمشاركة أكاديميين وأعضاء كنيست عرب وغير عرب، لفتت الباحثة نسرين حداد حاج يحيى إلى أن هبّة القدس والأقصى شكّلت نقطة كسر بين الجمهور العربي والدولة بدأت بعدها نسبة التصويت للكنيست في الانخفاض بشكل تدريجي، وذلك بعد أن كانت تلك العلاقات قد شهدت تحولا إيجابيا في التسعينيات (في عهد حكومة يتسحاك رابين).

وأضافت أنّ نسبة التصويت ارتفعت في انتخابات 2015 كرد فعل على إقامة القائمة المشتركة، ثم عادت وهبطت إلى حضيض عير مسبوق بعد تفكيكها في الانتخابات الأخيرة، حيث وجه الغضب الجماهيري كله نحو الأحزاب العربية، حتى بدا، للحظة، أنّ "قانون القومية" لم يسنّ.

وحول المشاركة العربية في انتخابات الكنيست بصفتها قضية ليست "مفهومة ضمنا"، وباعتبارها مؤشرًا على علاقة العرب مع الدولة وربما علاقتهم (كأحزاب) مع بعضهم البعض، أجرينا هذا اللقاء مع نسرين حداد حاج يحيى، التي تعدّ لرسالة الدكتوراه في موضوع الجغرافية الاجتماعية في جامعة تل أبيب، وهي مديرة برنامج العلاقات اليهودية العربية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.

عرب 48: سمعت مدير المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يقول في افتتاحيته، إنّ القضية الأهم في الانتخابات القادمة والتي ستحسم نتائج الانتخابات القريبة هي أنماط التصويت بين الجمهور العربي، وإنّ للقيادة دورًا مركزيًا في الأخذ والرّد السياسي، ليس أمام للجمهور العربي فقط، بل أمام الجمهور اليهودي، أيضًا، وإنّ على القيادة العربيّة التوجه للجمهور اليهودي لإعادة شرعية التأثير، هذا في وقت نعرف فيه جميعًا، أنّ الأحزاب الرئيسية في معسكر يسار- الوسط تتخوف من مجرد تحويل نظرها باتجاه العرب.

حاج يحيى: أنا لا أعتقد أنّ المشكلة موجودة عندنا كجماهير عربية أو الأعضاء العرب في الكنيست، فأنا أتابع، بحكم عملي، لعمل النواب العرب في الكنيست، وأستطيع أن أقول إنّهم يقومون بعمل جيّد والدورة السابقة كانت من أفضل الدورات من ناحية التمثيل في لجان الكنيست، فرئاسة عضو كنيست عربي للجنة في الكنيست ليست أمرًا مفهومًا ضمنا، ومن ناحية الميزانيات التي خصصت للسلطات المحلية العربية والشراكات التي بنيت مع وزارة المالية بشكل خاص.

وكثيرًا ما يحكى أنّ الجماهير العربية غير مسيّسة، ولكن الحقيقة أنّنا مسيّسون أكثر بكثير من المجتمع اليهودي، ولكننا لا نستطيع ترجمة هذا التسييس إلى قوة برلمانية أو حتى غير برلمانية تعود بالفائدة على مجتمعنا، ولعل التعامل مع موضوع "مقاطعة الانتخابات" هو دليل على تسييس المجتمع الفلسطيني في الداخل، فالإنسان الذي يملك قليلا من العقل يدرك أن رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، وجماعته يستعملون حقّنا في الانتخاب كورقة تين يسترون فيها عورة الديمقراطية الإسرائيلية أمام العالم.

شهدت الانتخابات الأخيرة انخفاضًا في نسبة تصويت العرب (أ ب)
شهدت الانتخابات الأخيرة انخفاضًا في نسبة تصويت العرب (أ ب)

ومع الوعي لأهمية أن يكون لنا تمثيل في الكنيست يصل ويتجاوز الـ13 مقعدًا، وأن لا نكون مجرد ورقة تين يستعملها نتنياهو وغير نتنياهو من اليمين المتطرف، فإنّ هناك محاولات نزع الشرعية التي توجت بـ"قانون القومية"، ولذلك، جاءت المقاطعة كأداة عقاب لدولة إسرائيل.

عرب 48: إذًا، أنت تقولين إنّ المقاطعة مبرّرة؟

حاج يحيى: أنا أقول إنّنا حيال مجتمع مسيس يعرف ما يريد، ولا أعزو الامتناع عن التصويت إلى عدم الاهتمام بالسياسة واللامبالاة، علما بأنّ رأيي الشخصي بأن المقاطعة تكتيك خاطئ وهي خيار لن يأخذنا بعيدًا، ورغم الاختلاف بيننا وبين جمهور الصهيونية الدينية والحريديين بكوننا غير معدودين على فئة الأغلبية، إلّا أننا نشكل قوة انتخابية أكبر معدودة على المعسكر الديمقراطي.

عرب 48: ولكن، في النهاية، أنت تعتقدين أن الأسباب الرئيسية للمقاطعة لا تعود إلى خيبة الأمل من الأحزاب العربية وتفكيك المشتركة، بل إلى قانون القومية ومحاولات نزع الشرعية، وهذا جواب مهم لأنه قد يؤثر على سلوك العرب في الانتخابات القريبة رغم عودة المشتركة، إذا ما عادت؟

حاج يحيى: نعم، لسان حال جماهيرنا يقول لماذا نشرعن الديمقراطية الإثنية في دولة إسرائيل، التي نحن لسنا جزءًا منها، وطالما أنّ الدولة ديمقراطية لليهود ويهودية للعرب، فليس هناك حاجة أن نكون جزءًا من لعبة الديمقراطية الإثنية.

وأنا أعتقد أنه طالما بقي هذا الشعور مسيطرًا، فإنّ نسبة التصويت لن ترتفع بشكل كبير، حتى لو عادت المشتركة.

عرب 48: هو شعور يبقى ويتعزز في ظل غياب كامل للمعسكر الديمقراطي الذي تتحدثين عنه، وتخوف ما يسمى بمعسكر اليسار- الوسط من الالتفات باتجاه العرب؟

حاج يحيى: أنا لا أؤمن بوجود وسط أو مركز في السّياسة، لأن أحزاب المركز لا تصمد طويلا وبالنهاية يوجد إمّا يمين وإمّا يسار، وإذا كنت تقصد حزب "كاحول لافان"، فهو حزب آخر من أحزاب اليمين، وموقفه من العرب هو أحد المؤشرات على ذلك.

وكيف يمكن لحزب أو لمنظومة ديمقراطية كاملة أن تكون ديمقراطية إنْ لم تأخذ 20% من مواطني الدولة بعين الاعتبار؟ وبدون الأحزاب العربية وبدون تمثيل عربي قوي لن يكون معسكر ديمقراطي ولن يكون تغيير للحكم في إسرائيل، مثلما أعتقد أنّه لا يستطيع أي حزب أن يمثلنا مثلما تمثّلنا الأحزاب العربية لأنه في النهاية "ما بحك جلدك غير ظفرك"، فأعضاء القائمة المشتركة التي سيعلن عن إقامتها قريبا بعد تجاوز كل العقبات، يعرفون مشاكل مجتمعنا ومصالحه أكثر من عناصر اليسار الصهيوني، الذين يجلسون في تل أبيب، وغالبيتهم لا يعرفون العرب.

من الانتخابات الأخيرة (أ ب)
من الانتخابات الأحيرة (أ ب)

ولكن، في المقابل، يجب بناء شراكة مع اليسار برغم الرواسب التاريخية ومرارة ما حدث في عام 2000 وسقوط 13 شهيدًا في أحداث الانتفاضة الثانية، و"قانون القومية" وغيره، فإنّ مصلحتنا السياسية تقتضي إعطاء شبكة أمان لحكومة تتشكل من المعسكر الديمقراطي.

عرب 48: ولكن المعسكر الذي تتحدثين عنه غير موجود، علمًا بأنّ التاريخ أثبت أن العرب، وبعد تجربتهم اليتيمة مع حكومة رابين 1992-1996، أعطوا أصواتهم لشمعون بيرس وخيّب أملهم وأعطوا أصواتهم لإيهود باراك عام 1999 وقتل أولادهم، إلا أن بيني غانتس لا يفاخر فقط بأعداد العرب الذين قتلهم في غزة، بل يصرح هو وشركاؤه، صباح مساء، بأنهم لن يجلسوا مع العرب، فكيف تريدين أن يعطيهم العرب شبكة أمان هم لا يريدونها أصلا؟

حاج يحيى: لقد رأينا كيف أن ناتان إيشل، الذي شغل في السابق مدير مكتب نتنياهو، وهو المعروف بيمينيته وتطرفه، تحدث في مقال نشره في "هآرتس"، مؤخرًا، عن بناء شراكة مع العرب، وهذا دليل على أنّه حتى اليمين عندما يكون في مأزق لا يتوانى عن مد يده للعرب لإنقاذه من مأزقه، عندما يشكلون قوة وازنة.

وأنا لا أسوق ذلك لأقول إنّه من الشرعي التعاون مع اليمين، بل للتدليل على القوة التي يمكن للعرب أن يتمتعوا بها في السياسة الإسرائيلية.

عرب 48: ما كتبه ناتان إيشل، بايعاز من نتنياهو، يشير إلى أمر واحد، وهو أن اليمين هو فقط القادر على نزع الشرعية عن العرب وعلى إسباغ الشرعية عليهم مجددًا، بينما يقف اليسار- الوسط بمن فيه من تسميهم بالعسكر الديمقراطي لا حول له ولا قوة؟

حاج يحيى: صحيح، وربما يكون توجه اليمين هذا بمثابة جرس إيقاظ لما يسمى باليسار- الوسط، وجعله يكف عن التلفت من حوله خوفًا من اتهامه بالتعاون مع العرب، لأن استمراره في تجاهل 20% من السكان سيكون بمثابة المسمار الأخير في نعشه.

عرب 48: هناك "اتهام" تروجه الصحافة والإعلام الإسرائيلي، بأنّ أعضاء الكنيست العرب منشغلون بالقضية الفلسطينية على حساب قضايا "مواطنيهم العرب"، وأن كان ذلك صحيحًا، فهو لا يشكّل تهمة، ولكن من موقعك إلى أي ما مدى ترين أن ذلك صحيحًا؟

حاج يحيى: من الواضح أنّ الصحافة العبرية تروج ادعاءات اليمين المتطرف، التي تهدف إلى المس بأعضاء الكنيست العرب، علمًا بأنّ العمل الجوهري لعضو الكنيست يفترض أن يكون العمل السياسي وليس قضايا الصرف الصحي والخدمات، ولكن بالرغم من ذلك، فإنّ البحث الذي أجراه عكيفا نوبيك يشير إلى أن 96% من عمل أعضاء الكنيست العرب مخصص للقضايا الاقتصادية الاجتماعية ولكن الصحافة العبرية تغطي فقط الـ4% من نشاطهم المتعلق بالقضية الفلسطينية أو قضية هويتنا وكياننا الوطني داخل دولة إسرائيل.

وأنا من الناس الذين يعتقدون بوجوب زيادة مساحة انشغال النواب العرب بالسياسة العامة وبالقضية الفلسطينية، لأنّني أريدهم أن ينشغلوا بقضايا أكثر جوهرية تختص بمكانتي وحقوقي في هذه الدولة، لأنه في النهاية من الواضح لليمين أنّ هناك حاجة لدمج العرب في الاقتصاد، فليس هناك حاجة ليذهب أيمن عودة لإقناع أقطاب اليمين بأن يدمجونا في اقتصاد إسرائيل لأن رأسمالية الاقتصاد أقوى من عنصرية نتنياهو وجماعته.

عرب 48: بمعنى أنّك تقولين إن اندماج العرب بالاقتصاد الإسرائيلي هو بمثابة "ميكانيزم" داخلي وليس كرم أخلاق من نتنياهو؟

حاج يحيى: أبدًا، نتنياهو لا يوجد لديه لا كرم ولا أخلاق، وهو بالتالي كان يستخدمنا فقط كآليّة من أجل البقاء في السلطة، كما أن التحريض على العرب ونوابهم الذي تساهم في ترويجه الصحافة العبرية هو جزء من هذه الآليّة.

بينما في الحقيقة أنّ القضية الفلسطينية وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يخدم مجتمعنا الفلسطيني في الداخل ليس بسبب الترابط السياسي الوثيق بينهما فقط، بل لأنني مثل آلاف الفلسطينيين الآخرين، لديّ عائلة في الضفة وعائلة في غزة فنحن بالنهاية أهل وشعب واحد وليس خمسة شعوب، كما يحاولون إقناعنا.


نسرين حداد حاج يحيى: مديرة برنامج العلاقات اليهودية العربية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وتعمل على إعداد رسالة الدكتوراه في الجغرافية الاجتماعية في جامعة تل أبيب.

التعليقات