ناطور: غياب المهنية عن لجنة الوفاق ضربَ القائمة المشتركة

اعتبر رئيس المجلس القطري العربي للوساطة والتحكيم، وعضو لجنة الوفاق سابقا، بروفسور أحمد ناطور، أن هناك خللًا في آلية عمل لجنة الوفاق التي استقال منها مبكّرًا، مبينا أنه من المهم توضيح، وفصل المفاهيم، بين المحكم والوسيط، ولا سيّما في ظل غياب المهنية

ناطور: غياب المهنية عن لجنة الوفاق ضربَ القائمة المشتركة

بروفسور أحمد ناطور

اعتبر رئيس المجلس القطري العربي للوساطة والتحكيم، وعضو لجنة الوفاق سابقا، بروفسور أحمد ناطور، أن هناك خللًا في آلية عمل لجنة الوفاق التي استقال منها مبكّرًا، مبينا أنه من المهم توضيح، وفصل المفاهيم، بين المحكم والوسيط، ولا سيّما في ظل غياب المهنية، لذا حاوَر "عرب 48" القاضي المتقاعد، ناطور، للحديث عن لجنة الوفاق، وعن فشلها بتشكيل القائمة المُشتركة.

عرب 48: لا شك في أنك واكبتَ عمل لجنة الوفاق منذ البدء، فأين يكمن الخلل باعتقادك، ولا سيّما أنك صاحب تجربة مباشرة مع اللجنة؟
ناطور: أنا أقول كما يرى الناظر السوي، إن هناك خلطا عجيبا بين المفاهيم والمصطلحات في صيغة "التفويض"، ولا أدري من صاغ نصّ التفويض، لكن من الواضح أن التفويض لم يُصَغ من قِبَل خبير ومختص في الأمر، وهو ما يعود بنا إلى الوراء، وتحديدا للفترة التي فشلت اللجنة فيها، بصياغة اتفاق سنة 2015، إذ لم تأخذ بعين الاعتبار حينها احتمال استقالة، أو وفاة، أو سجن أحد النواب، إضافة إلى مسألة التناوب المشؤوم التي أنشأت خلافا وفتنةً ضربا المشتركة في مقتل، وهذا يعود إلى غياب المهنية. إنني أحترم أعضاء اللجنة واحدا واحدا، إلا أن مثل هذا التكليف الجلل كان لا بد أن يُؤخذ على محمل الجد، وكان يُفترَض أن يكون إلى جانب اللجنة، طاقم من المستشارين القضائيين والأخصائيين.

عرب 48: ما حذرتَ منه مبكرا في لجنة الوفاق، والذي يتمثّل بخلط المفاهيم ودور اللجنة، قد حصل، وها هو يلقي بظلاله على النتائج التي تجلت في إعلان اللجنة بمؤتمرها الصحافي الأخير عن فشلها في تشكيل المشتركة؛ فكيف ترى الصورة الآن، وما هي الأسباب؟
ناطور: أولا يبدو أن هناك خلطا في المفاهيم والمصطلحات المتعلقة بعمل المحكم أو الوسيط، إذ لا بد قبل كل شيء، توضيح هذه المفاهيم، وتوضيح الفاصل بينها، ولا سيّما أن كتاب التفويض شمل مصطلحين أساسييْن، وهما التوكيل والتفويض، فالتوكيل معناه عقدُ نيابة بإيجاب وقبول، ويحدث حينما يوكل أحدٌ، أحدًا آخر أو آخرين، ليقوم مقامه بتصرف قضائي، فيُسمى الموكل موكلا والثاني وكيلا، وأما التفويض فله دلالتان، الأولى تفويض الصلاحيات ويكون ذلك ممن يملك صلاحيات تنفيذية بالعادة، بحيث يفوض أحد الموظفين الأدنى منه في سلّم العمل، ليقوم  ببعض الأمور، وأما المعنى الثاني فهو  أن يفوِّض أحدهم أمره لآخر، ليقوم مقامه في تصرف ما، وهذا من أنواع الوكالة، أما التوفيق أو الوساطة فهو أن يقوم أحد بالتوسط بين الخصوم لإيصالهم إلى تسوية في ما بينهم، وهو بهذا لا يقرر شيئا، وإنما يساعدهم في التوصل لاتفاق، وأما التحكيم، فيعني أن يعين الخصوم محكّما بموجب اتفاق مُلزِم بينهم ويفوضونه لاتخاذ قرار، مشترطين عليه أن يعتمد على الأحكام والقوانين أو الأعراف التي يتفقون عليها لتكون سندا للحكم الذي سيأتي به.

عرب 48: وما هو الفرق الجوهري بين التحكيم والوساطة، وأين حصل التداخل بين المفهومين، وهل تعتبر أن لجنة الوفاق حقا "لجنة وفاق"؟
ناطور: هناك فرق فاصل بين  التحكيم والوساطة؛ إن المحكم يعمل كالقاضي، ويسري عليه ما يسري على القاضي من أحكام الحياد، ويُفترَض به أن يسمع البينات، وأن يدقق في ادعاء الأطراف، ليتخذ قراره بعدها تماما كالقاضي، إلا إن ذلك كله، يجب أن يُسبَق باتفاق على التحكيم بين الخصوم، يشمل كافة الشروط المتفق عليها، وهنا نذكر أنه لايجوز لأي من الأطراف، الخروج عن مسار التحكيم بعد توقيع اتفاق التحكيم، أما التوفيق والوساطة فإن الوسيط أو الموفق، لا يملك حق القرار وإنما تنحصر وظيفته في مساعدة الأطراف للتواصل بينهم، أما من يتخذ القرار فهم الأطراف أنفسهم، وهم الذين يتوصلون إلى التسوية بينهم، كما أن لكل منهم حرّية ترك المسار متى شاء، وإذا اتفقوا على تسوية يوقعون على اتفاقية مُلزِمة، لكن يُستدل من ذلك أن عمل لجنة الوفاق الموقرة كان تحكيما وليس توفيقا، لأن اللجنة هي التي اتخذت القرار، وفي حال قال البعض إن اللجنة قد وُكِّلت أو فُوِّضت لاتخاذ القرار، فنقول إن المفوض لا يستطيع أن يفوض غيره بما لا يملك، وإذا كانت اللجنة قد عملت كمحكم أو كلجنة تحكيم، فهي بذلك، لم تعد لجنة وفاق أولا، ثم إنه لا يجوز التحكيم قبل أن يكون هناك اتفاق تحكيم بين الخصوم، ترد فيه شروط التحكيم كاملة.

عرب 48: على ضوء كل ما تم استعراضه من خلل مهني وخلط للمفاهيم، كيف تلخص لنا الأمور؟
ناطور: بعد كل هذا، نقول إننا نرى -مع احترامنا الشديد للجنة ولأفرادها- أن الخلط بين المفاهيم كما أسلفنا قد قاد الأمور إلى ما وصلت إليه، وبالنسبة للمستقبل، فأنا أرى أنه ما دام الأمر متعلقًا بمصالح أمة، فإنه لا يجوز أن تغيب المهنية، ومن المؤسف حقا ما آلت الأمور إليه من فشل وإفشال، حتى اختلطت الأمور على الناس وصارت "المشتركة" اسما مشؤوما يهرب الناس منه، بعد أن كانت حلما يراود القاصي والداني.

التعليقات