منصات "غاز المتوسط" وحقل "ليفياثان" تعمق معاناة أهالي جسر الزرقاء

تخوض قرية جسر الزرقاء نضالا ضد مشروع مصنع معالجة الغاز الطبيعي ومنصات غاز المتوسط، التي نصبت قبالة السهل الساحلي، والتي تخدم حقل "ليفياتان"، إذ تم الانتهاء من العمل بمنصتين على بعد نحو 10 كيلومترات من شاطئ القرية

منصات

منصات حقل ليفياثان قبالة جسر الزرقاء

تخوض قرية جسر الزرقاء نضالا مشتركا مع بلدات "ساحل الكرمل" ضد مشروع مصنع معالجة الغاز الطبيعي ومنصات "غاز المتوسط"، التي نصبت قبالة شواطئ البلاد، والتي تخدم حقل "ليفياتان"، إذ تم الانتهاء من العمل بمنصتين على بعد نحو 10 كيلومترات من شاطئ جسر الزرقاء.

ورغم رفض المحكمة المركزية في القدس 3 التماسات إدارية تقدمت بها جمعيات حماية البيئة في البلاد و6 سلطات محلية بينها جسر الزرقاء، لمنع شركة "نوبل إنيرجي" المشغلة لحقل الغاز "ليفياتان"، من أطلاق المشروع، إلا أن المحكمة أرجئت تشغيل منصات الغاز والضخ التجريبي للغاز من الحقل إلى محطة توليد الكهرباء، علما بأن الضخ التجريبي كان من المفروض أن يتم خلال الأسبوع الماضي.

وألزمت الوزارة لحماية البيئة، الشركة المشغلة، تأجيل تدشين وتشغيل منصات الغاز قبالة سواحل جسر الزرقاء، لحين استيفاء الشركة لشروط ومتطلبات التراخيص لضمان سلامة وصحة السكان والحفاظ على البيئة والطبيعية البحرية، كما ألزمت شركة "نوبل إنيرجي" إعلام الجمهور قبل يومين من الموعد التالي المحدد لتشغيل الضخ من المنصات.

غاز وطاقة

وطالب مجلس جسر الزرقاء واتحاد بلدات "ساحل الكرمل" ومنطقة الخضيرة أن يتم إبعاد منصات غاز المتوسط مسافة 100 كيلومتر في أعماق البحر، لتجنب التلويث البيئي والمخاطر الصحية وانبعاثات الغازات السامة التي قد تتسبب بالموت البطيء لسكان المنطقة التي يقطنها قرابة 500 ألف من المواطنين العرب واليهود.

لم تجد هذه المطالب آذان صاغية لدى أصحاب القرار، إذ أقرت الحكومة الإسرائيلية وبشكل نهائي قبل عام مشروع تشغيل منصات الغاز ومنحت شركة "نوبل إنيرجي" كل الدعم والتسهيلات لإنجاز المنصات التي سيتم ربطها بمصنع لتكرير الغاز سيقام على شارع الشاطئ (شارع 2) قبالة الفريديس، ومنه سيتم ربطه بمشروع خط الغاز القطري المتاخم لشارع عابر إسرائيل (شارع 6) الذي سينقل الغاز المسال لمينائي حيفا شمالا وأسدود جنوبا.

الخندق.. مدخل جسر الزرقاء بعد حد توسعها بشق شارع الشاطئ ("عرب 48")

يضاف مشروع منصات "غاز المتوسط" إلى سلسلة المشاريع والمخططات التي حاصرت قرية جسر الزرقاء والبالغ تعداد سكانها اليوم 15 ألفا، علما بأنها القرية الفلسطينية الساحلية الوحيدة التي بقيت على شاطئ البحر بعد النكبة.

تشريد وتجميع

كانت جسر الزرقاء التي امتدت على مساحة 15 ألف دونم حتى العام 1922، محط أطماع الحركة الصهيونية التي عملت قبل النكبة إلى جانب الوكالة اليهودية على تشريد السكان وتجميعهم على التلة الكركارية التي شكلت جسر الزرقاء والممتدة اليوم على مساحة 1566 دونما.

بعد مصادرة الغالبية العظمى من أراضي القرية وتنفيذ مخطط التشريد والتجميع، أتى مشروع شق وتوسيع شارع الشاطئ في ستينيات القرن الماضي، الذي منع القرية من التوسع باتجاه الشرق أو حتى المطالبة بمساحات واسعة من أراضي السكان.

منظر لقرية جسر الزرقاء من جهة شارع الشاطئ ("عرب 48")

وفي ثمانينات القرن الماضي أتى مشروع محطة توليد الطاقة والكهرباء، ليكون بداية الحصار البحري الذي دفع بمئات العائلات في القرية التي تعتاش من الصيد على ترك البحر، بسبب التلويث البيئي والقضاء على الثروة السمكية.

تمييز وتهميش

تفتقر قرية جسر الزرقاء إلى أدنى مقومات الحياة من جراء سياسات الإهمال التهميش والتمييز التي تعتمدها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، إذ تتذيل السلم الاجتماعي والاقتصادي، فيما تتربع على عرش البطالة بمعدل 40%، ويعيش 80% من سكانها تحت خط الفقر، كما أنها سجلت المعدلات الأعلى من حيث نسب الأمراض والوفيات في البلاد.

لم تقتصر سياسة التمييز العنصري على التهميش والإهمال والحصار البحري ومشاريع الطرقات الرئيسية وتوسيع الكيبوتسات والبلدات اليهودية على حساب مسطح القرية، وكانت بدايات الألفية الثانية ببناء جدار ترابي يعزل جسر الزرقاء عن مدينة قيسارية التي يقطنها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ولفيف من القيادات السياسية والاقتصادية والأمنية.

منظر عام لجسر الزرقاء من جهة قيسارية حيث يظهر الجدار الترابي ("عرب 48")

أحيطت جسر الزرقاء بكيبوتسات وببلدات يهودية زراعية وصناعية متطورة تنعم برغد العيش والرفاهية وأعلى مستويات المعيشة الاقتصادية والاجتماعية لجذب اليهود للسكن في المنطقة، فيما دفعت سياسات التهميش والإقصاء على التلة الكركارية، المئات من الأزواج الشابة إلى هجرة جسر الزرقاء طواعية، لانعدام الأرض المخصصة للبناء وقسوة الظروف المعيشية.

نضال وتحديات

في ظل هذه المشاريع ومخططات الحصار وواقع مشروع الطاقة والغاز في المياه الإقليمية في جسر الزرقاء، استعرض رئيس المجلس، الشيخ مراد عماش، التحديات ومحطات النضال المشترك ضد مخطط مشروع منصات الغاز التي أقيمت قبالة شاطئ القرية، والمطلب الملح بإبعاد المنصات عن التجمعات السكنية ونقلها لعمق البحر بمساحة 100 كيلو متر، قائلا "حكومة إسرائيل تثبت مشاريع الغاز والطاقة على حساب صحة وسلامة وأمن السكان العرب واليهود، ولعل أهالي جسر الزرقاء أكثر المتضررين من كافة النواحي".

نضال مشتركة للتجمعات السكنية ضد منصات الغاز

وقال رئيس المجلس، عماش، في حديث لـ"عرب 48"، إن "الحكومات الإسرائيلية أقرت مشروع منصات الغاز في البحر المتوسط في العام 2009، ومنذ ذلك الحين وتقوم مختلف أذرع الحكومة ومؤسسات الدولة بدعم الشركات صاحبة الامتياز لبناء مشروع الغاز سواء في البحر أو بالبر، دون الأخذ بعين الاعتبار اعتراضات السكان والبلدات سواء على مصادرة الأراضي لإقامة المشروع أو حتى على المخاطر البيئية والصحية وانبعاثات والتلويث من جراء المشروع".

وأوضح عماش أن "حكومة بنيامين نتنياهو صادقت بالعام 2018 على مشروع منصات الغاز لحقل ‘ليفياثان‘ قبالة شاطئ الطنطورة وجسر الزرقاء، وأيضا تبع ذلك بالمصادقة على مشروع مصنع تكرير الغاز قبالة الفريديس وزخرون يعقوب (زمرين)، فيما شرعت التجمعات السكنية في المنطقة بمتابعة الملف والاستفسار عن المشروع الذي أنجزته شركة "نوبل إنيرجي"، على عجالة، ومن دون الاكتراث بمطالب السلطات المحلية في المنطقة".

إيرادات ومدخولات

رئيس مجلس جسر الزرقاء، مراد عماش

ويضيف عماش أن نضال جسر الزرقاء تم تصعيده جماهيريا وقضائيا من خلال مظاهرات وفعاليات احتجاجية مشتركة مع التجمعات السكنية اليهودية، سواء قبالة منصات الغاز أو حتى قبالة مختلف المكاتب الحكومية التي واصلت الاستهتار وعدم الاهتمام بمطالب الجمعيات واتحاد بلدات الخضيرة و"ساحل الكرمل"، بإبعاد منصات الغاز عن الشاطئ وتدشينها على بعد 100 من السهل الساحلي، حيث تم الإبقاء عليها على بعد 10 كيلومترات من ساحل الطنطورة وجسر الزرقاء.

واستبعد عماش إمكانية التزام الحكومة، على رغم التقارير المهنية الطبية والبيئية التي تحذر من تداعيات ومخاطر التلويث، بنقل وإبعاد منصات غاز المتوسط عن شاطئ جسر الزرقاء، لافتا إلى أن النضال القضائي المشترك أثمر بإلزام وزارة حماية البيئة، تأجيل ضخ الغاز من منصات حقل "ليفياثان" حتى تقوم الشركة المشغلة، "نوبل إنيرجي"، باستفاء شروط ومتطلبات الترخيص لضمان صحة وسلامة السكان، وكذلك جودة البيئة والطبيعة والثروة السمكية.

وأكد رئيس المجلس أن النضال الجماهيري سيستمر أيضا لحين الاستجابة لطلبات البلدات التي يحيط بها مشروع منصات الغاز ومصنع الغاز، لضمان شروط الأمن والسلامة والحفاظ على البيئة وصحة السكان والبيئة البحرية، وأيضا حتى إلزام الشركة المشغلة للمشروع والحكومة بتحديد قيمة الإيرادات والضرائب التي يجب أن تدفعها عن أرباح المشروع للسلطات المحلية وخاصة جسر الزرقاء، حيث تقع منصات غاز حقل "ليفياثان"، بالمياه الإقليمية التابعة للقرية.

منصات الغاز تبعد 10 كيلومترات عن شاطئ البحر

حصار وهجرة

ذات الموقف عبر عنه، رئيس اللجنة الشعبية في الزرقاء، سامي العلي، وهو عضو طاقم النضال المشترك ضد منصات حقل "ليفياثان"، قائلا إن "مشروع منصات الغاز بمثابة حصار بيئي وصحي وبحري لأهالي جسر الزرقاء، فالمشروع تجديد وتشديد للحصار الذي تعيشه القرية منذ النكبة".

سامي العلي

وتساءل العلي، عدا عن المخاطر والتلويث، ماذا تُحصّل السلطات المحلية وسكان المنطقة من منصات ومصنع الغاز؟، مبينا أن الحكومة ملزمة بموجب مناقشات تمت بالكنيست في العام الماضي، بإنشاء صندوق خاص لإيداع إيرادات مشاريع الغاز والطاقة على أن يتم تخصيص جزء من الإيرادات وتوزيعها على السلطات المحلية والسكان في "ساحل الكرمل".

وحذر العلي في حديث لـ"عرب 48" من تداعيات ومخاطر مشروع منصات ومصنع الغاز على صحة وحياة سكان المنطقة، وعلى أهالي قرية جسر الزرقاء على وجه الخصوص، التي تواجه أعلى معدلات الأمراض والوفيات في البلاد، علما بأن 57% من سكان القرية بالفئة العمرية 0 إلى 19 عاما، أي أن الشريحة الشابة وحديثة العهد، تواجه مخاطر صحية قد تتسبب بالموت البطيء، بسب التلويث المنبعث من منصات ومصنع الغاز.

نحو 15 ألف نسمة يقطنون فوق مساحة لا تتعدى 1000 دونم ("عرب 48")

مخاطر وترسبات

لا تقتصر المخاطر والترسبات البيئية وانبعاثات الغازات السامة على البشر وحسب، يقول رئيس اللجنة الشعبية "بل أيضا على المخاطر المحدقة بالطبية البحرية والثروة السمكية، التي لا تعد ولا تحصى، إذ ستفرض منصات الغاز الإعدام على الموروث التاريخي والاجتماعي ومهنة صيد الأسماك في القرية، وستكون هناك مخاطر على البيئة والطبيعة والبيئية البحرية المهددة أصلا بالانقراض بسبب تلويث ونفايات محطة توليد الطاقة والكهرباء بالخضيرة".

محميات طبيعية ملاصقة للأحياء السكنية بجسر الزرقاء ("عرب 48")

ووصف العلي تداعيات التلويث البيئي والصحي الذي سينجم عن مصنع ومنصات الغاز بـ"الكارثي" والمخاطر الوجودية على سكان جسر الزرقاء، لافتا إلى أن ذلك قد يدفع المزيد من الأزواج الشابة إلى الهجرة القسرية بحثا عن بيئة صحية من دون أي تلويث أو مخاطر، علما بأن أي خلل بالمنصات ومصنع الغاز قد يؤدي إلى انفجارات من شأنها أن تكون كارثية على السكان.

 

التعليقات