مكعبات إسمنتية عسكرية وحواجز للشرطة الإسرائيلية ونقاط تفتيش للسكّان. هكذا يبدو مدخل الحارتين 21 و32 في مدينة رهط.
في مشهدٍ يذكّر بقصص الحكم العسكري في البلاد، تمارس الشرطة الإسرائيلية ما يراه الأهالي في رهط انتقامًا جماعيًا منهم بعد تعرض سيارتين للشرطة لإطلاق النار نهاية الأسبوع الماضي.
أهالي رهط عالقون، في الأيام الأخيرة، بين مطرقة المجرمين ومطلقي الرصاص وبين سندان شرطة إسرائيل ومسعاها لتصعيب حياة الأهالي جميعًا بالأخص في الأحياء 21 و32، لكي تشفي غليلها و"تربّي الآخرين بهم" حسب قول أهالي رهط. اعتقالاتٌ للأهالي ومنعٌ للتحرك إلى خارج وداخل الحي لساعات وأيام واقتحامات للبيوت وتخريب للممتلكات بحجة التفتيش. لم تعد هنالك أيام هادئة في مدينة رهط.
تشكيلة واسعة من عناصر الوحدات الشرطية المختلفة تملأ شوارع مدينة رهط، وحدات من حرس الحدود الإسرائيلي ومن يسمون بالـ"يسّام" و"اليمّار" وبالطبع عناصر من وحدة "يوآف" وأخرى لم يرها أهالي رهط من قبل.
يقولون أهالي رهط، ومنهم عطوة أبو خرمة، من سكان حي 9 المجاور لحي 21، لـ"عرب ٤٨" إن شرطة إسرائيل أظهرت ألوانها الحقيقة عندما شعرت بالخوف في رهط، إطلاق رصاص حيّ، أفزع أبناءنا لأشهر بشكل شبه يومي وهدّد حياتنا، ولكن ليس هذا ما يحرك شرطة إسرائيل في عملها، لم نرَ عناصر الشرطة تقوم بأي مجهود لوقف إطلاق النار سابقًا، ولكن بعد تعرض وحداتها للرصاص حولت أحياء رهط إلى مناطق عسكرية مغلقة، الشرطة تمارس عقابًا جماعيًا للأهالي وعملهم لا يمت للمهنية بصلة".
انفجر النزاع المسلح بين العائلتين يوم الخميس الماضي: إطلاق النار في شوارع مدينة رهط وعلى بيوتها، لكنّ هذا لم يحرك الشرطة الإسرائيلية لأخذ خطوات جدية، حتى تعرضت مركبتان لإطلاق النار أثناء تبادل لإطلاق النار، الأمر الذي نتج عنه إغلاق مدينة رهط بشكل شبه تام لساعات متواصلة، وتسجيل 87 مخالفة بذريعة "تهديد الحياة"، وتسليم 17 منعًا لاستخدام السيارات، واعتقال 13 شخصًا اتهموا بتورطهم في إطلاق أو التحريض على منابر التواصل الاجتماعي، كان منهم نائب رئيس بلدية رهط، سامي أبو صهيبان، الذي أطلق سراحه لاحقًا، وابن رئيس بلدية رهط، أنس أبو صهيبان، الذي مُدّد اعتقاله حتى اليوم الثلاثاء القادم.
دائرة أراضي إسرائيل تزرع الفتنة
الخلاف بين العائلتين بدأ منذ قرابة 3 أعوام بعد تسويق دائرة أراضي إسرائيل، قسائم بناء لإحدى العائلتين على أرض تقع بين مكان سكن العائلتين، ونشب خلاف حاد بينهما تحوّل لنزاع مسلح على قسائم البناء التي استوفت ثمنها العائلة لدائرة أراضي إسرائيل، بعد تغيير طاقم التخطيط في بلدية رهط لنقل قطع الأرض من أرض شخصية إلى أرض عامة.
أدّى "النزاع المسلح" في بدايته إلى إصابة مهندس بلدية رهط، إبراهيم أبو صهيبان، بجروح متوسطة نتيجة تعرضه لعيارات نارية في قدميه، بالإضافة إلى إصابة 5 أشخاص، بينهم 3 قاصرين، بإصابات متفاوتة في شجار نشب في المدينة على الخلفية ذاتها.
أصبح مشهد إطلاق النار المستمر طبيعيًا في ليل مدينة رهط، أشهر من المشاحنات بين العائلتين لم يستطع رجال الإصلاح في النقب وقفها حتى انفجرت بوفاة الشاب عزمي أبو صهيبان، شقيق مهندس بلدية رهط، متأثرًا بجراحه في أعقاب ليلة من إطلاق النار في المدينة. وفاة الشاب عزمي تلتها ليلة دامية أخرى في المدينة، أحرقت خلالها عدة بيوت لعائلة أبو غنيم في المدينة... ورُحِّل سكانها منها.
رصاص من رشاشات آلية وبنادق ثقيلة أضاء سماء مدينة رهط لأشهر، وأصيب أفراد من أبناء العائلتين المتنازعتين على مدار فترة النزاع، وأقلق الخلاف، الذي لم تُرى نهايته، مضاجع أهالي رهط وظهرت علامات سؤال كثيرة حول فشل حل الصراع بآليات العُرف العشائري المعتادة في النقب ودور الأطراف المسؤولة عن الحل في رأب الصدع وتهدئة الأنفس.
استنكر رئيس بلدية رهط، فايز أبو صهيبان، العنف وحمّل المسؤولية للأطراف المتنازعة والشرطة الإسرائيلية على تخاذلهم وعدم وضوح معاييرها في معالجة العنف.
وقال أبو صهيبان لـ"عرب ٤٨": عانى أهالي مدينة رهط على مدار أشهر من إطلاق النار. وازدادَ الوضع في الأشهر الأخيرة، 8 عائلات كانت مشتركة في إطلاق النار والذي وصل ذروته يوم الخميس الماضي عندما تم إطلاق النار على سيارات الشرطة، نحن نستنكر إطلاق النار على سيارات الشرطة كما نستنكر تقاعس الشرطة في أداء دورها ونسبية معاييرها"، وأضاف "نحن نأمل تجدد مساعي الصلح بين العائلتين للأسف الشديد النزاع يقارب عمره الـ5 سنوات، وقد قتل بسببه شخص، وتم إحراق ممتلكات وإصابة آخرين. هذا مستنكر ونريد توجه رجال الإصلاح من جديد لإيقاف الخلاف بين العائلات بشكل نهائي".
وأنهى أبو صهيبان بالقول "واضح أنّ إطلاق النار على سيارات الشرطة أهم لها من تعرض حياة الأهالي للخطر، نطالبها بأداء دورها بشكل كامل تجميع السلاح من الأحياء ومعاقبة المجرمين".
وزار وفد مكون من النائبين د. منصور عباس وسعيد الخرومي، بالتنسيق مع نائب رئيس بلدية رهط، عطا أبو مديغم، وبحضور عضو بلدية رهط، حسن النصاصرة، يوم الجمعة الماضية، عائلتي أبو صهيبان وأبو غنيم في أمكنة سكنهم في رهط، وبوساطة الوفد تم الوصول إلى هدنة بين عائلتي أبو صهيبان وأبو غنيم في حي 21 (التقوى) حتى بداية شهر رمضان.
عائلة عبد الكريم أبو غنيم - الزبارقة خارج النزاع
وعن الوصول إلى هدنة وأفق للحل، قال عضو بلدية رهط، حسن النصاصرة، لـ"عرب ٤٨": شهدت العائلتان الكثير من المآسي في هذا الخلاف. هنالك قتيل وجرحى وبيوت أحرقت وعداوات تكونت بين الجيران قد لا تنتهي أبدًا. الحمد لله تم التوصّل إلى هدنة بموافقة الطرفين، لا نرى حلًا شاملا للقصة ولكن نشدد على خروج عائلة عبد الكريم أبو غنيم من النزاع بحكم عدم تبعيتها للعائلة الكاملة بسندات رسمية وهم ليسوا جزءًا من الخلاف".
وأنهى النصاصرة "كل العنف والجريمة ليست مبررًا لشرطة إسرائيل لتبحث عن انتقام يشفي غليلها من أهالي رهط ما تفعله الشرطة في حارة 21 و32 هو إبراز عضلات يحركه حقدها الشخصي".
وحول تعامل الشرطة الإسرائيلية، قال النائب عن القائمة المشتركة، سعيد الخرومي، لـ"عرب ٤٨" إنّ الوصول إلى تهدئة بين العائلات "هو أولوية العمل الاجتماعي في هذه المرحلة لوقف البلاء عن أهالي رهط ومحاولة الوصول إلى حلول نهائية، الشرطة الإسرائيلية تقول إن هناك تعديا على مركباتها ونحن نطالبها بأداء دورها ونريد أن تكون العلاقة بين الشرطة والبلدية تكاملية للحفاظ على الأمان ووقف العنف".
وقال عضو بلدية رهط عن الائتلاف البلدي، سليمان العتايقة، لـ"عرب ٤٨" تعاني مدينة رهط من إطلاق النار الكثيف، "أهالي رهط ليسوا بحاجة للعيش في رعب مستمر، طالبنا بوقف إطلاق النار من جميع الأطراف، رهط بلد الجميع هي للشيخ والشاب والفتاة ونحمل الشرطة المسؤولية على تقاعسها المستمر الشرطة بإهمالها ودعمها للجريمة سمحت لهذا الوضع بالتطور ولم تحرك ساكنًا حتى وصول الرصاص إليها واليوم تحاول الانتقام من الناس جميعًا بسبب أفراد أطلقوا النار عليها".
التعليقات