كفر قاسم: بلورة نموذج طوارئ شعبي لمواجهة كورونا

سطّر التاريخ نضالات شعوب صمدت في وجه المصاعب، وصنعت من المستحيل واقعا وتغلبت على كل الإشكاليات والعوائق، وتابعت التغييرات والتحولات الشعبية، وحولتها إلى آليات عمل بديلة، في ظل انعدام المؤسسات ومعاناتها من سياسات عنصرية وتجاهل وتمييز.

كفر قاسم: بلورة نموذج طوارئ شعبي لمواجهة كورونا

منظر عام في كفر قاسم (عرب 48)

سطّر التاريخ نضالات شعوب صمدت في وجه المصاعب، وصنعت من المستحيل واقعا وتغلبت على كل الإشكاليات والعوائق، وتابعت التغييرات والتحولات الشعبية، وحولتها إلى آليات عمل بديلة، في ظل انعدام المؤسسات ومعاناتها من سياسات عنصرية وتجاهل وتمييز.

يعتقد البعض أن انعدام المؤسسات وعملها في أي مكان يؤدي إلى شل غالبية القطاعات في المجتمع، سواء القطاع الخاص أو العام، وفي واقعنا لا يمكننا فصل الجانب السياسي عن تفاصيل حياتنا، في دولة عّرفت نفسها "دولة لليهود" أولا، ومواطنيها الآخرين ثانيًا وثالثا ورابعا...

ولا شك أن الناظر إلى مجتمعنا العربي الفلسطيني في البلاد، يرى تغييرًا في آليات العمل التطوعي الشعبي، وخصوصا في ظل أزمة كورونا، وبروز بوادر جديدة لجدولة العمل الأهلي، سواء كان في مبادرات محلية، في بلدات معينة، أو حتى القُطرية لسد احتياجات ما لم توفره السلطات الإسرائيلية.

العمل الأهلي في كفر قاسم تحول لنموذج بالمجتمع العربي (عرب 48)

ولأول مرة يمر مجتمعنا في أزمة وباء قاتل كهذا، رغم أنه عاش من الأزمات ما يكفيه، ولا تزال تلاحقه وتتفاقم إلى اليوم، كالعنف وجرائم القتل. ويبقى السؤال هنا، هل ما تشكل من عمل وحدوي شعبي في ظل أزمة الكورونا يمكن تجسيده على كافة الأزمات، وجعل هذا النموذج مُمأسسًا؟

قد تكون الهيئة العربية للطوارئ القُطرية التي تشكلت وسط أزمة الكورونا في المجتمع العربي، والتي تضم 120 مختصا، ونحو 6 آلاف متطوع يتوزعون على 3 مناطق مركزية و6 فروع، النموذج والمثال لتطوير آلية الإدارة الذاتية، وسد الفجوات التي خلفتها سياسات التهميش على مر السنين.

ومع ذلك، فإن أهمية هذا النموذج تكمن في طابعه الوطني الجامع، الذي من المفترض أن يحافظ على ثوابت ومبادئ دون التأثر بالأجندات الإسرائيلية.

ولعل مدينة كفر قاسم ولجنتها الشعبية ومؤسساتها الأهلية، تمثل النموذج المصغر للعمل الشعبي الوحدوي، في ظل أزمة تعصف بالعالم وسط شح الإمكانيات والتحديات الكبيرة والكثيرة، وفي هذا السياق حاور "عرب 48" رئيس بلدية كفر قاسم، المحامي عادل بدير، ورئيس اللجنة الشعبية في كفر قاسم، سائد عيسى.

سائد عيسى (عرب 48)

"عرب 48": كيف ترى صورة الوضع في كفر قاسم؟

عيسى: حال كفر قاسم كحال كل بلداتنا العربية، لا نملك تجارب ماضية في كفر قاسم في التعامل مع الأوبئة، لذلك احتاج الأمر وقتا لإدراك خطورة الجائحة، ولكن في المجمل فغالبية السكان التزموا، هناك للأسف بعض المحلات التجارية لم تطبق التعليمات، ولكن بشكل عام يوجد التزام.

"عرب 48": المحلات التجارية يمكنها أن تكون أماكن لتفشي الفيروس، كيف تتعاملون مع هذه المحلات التي لا تلتزم بالتعليمات الوقائية؟

عيسى: نزور يوميا هذه المحلات بشكل خاص، ونحث أصحابها بالحسنى على اتباع التعليمات ونشرح لهم أهمية الالتزام بالتعليمات للوقاية من الفيروس، وحقيقة نحن فوجئنا من تجاوبهم.

"عرب 48": هل كانت لديكم خطة لمواجهة الأزمة في حال فشلت المؤسسات الحكومية في سد كافة الاحتياجات؟

عيسى: في التعامل مع كل أزمة لا بد من خطة إستراتيجية بعيدة الأمد. منذ اللحظة الأولى التي أدركنا فيها أن الوباء سيصلنا لا محالة، كانت لنا جلسة طارئة في مطلع آذار/ مارس الماضي، وقررنا تشكيل لجنة طوارئ في البلدة تضم متطوعين وأطباء وكل شرائح المجتمع بكفر قاسم. لا أعتقد أن أي بلد شكّلت لجنة في ذلك الوقت المبكر.

شوارع خالية في كفر قاسم بسبب كورونا (عرب 48)

"عرب 48": ما هو عمل هذه اللجنة بالأساس؟

عيسى: تجهزنا في اللجنة لمواجهة السيناريو الأسوأ، وضعنا خطة لثلاثة أسابيع مقبلة. قبل قرار إغلاق المدارس قمنا بجولة في المدارس والتقينا مديريها لتجهيزهم للإغلاق بهدف مساندتهم إذا احتاجوا لأي شيء فيما يخص التعليم عن بعد. كذلك الحال في قضية إلزام وضع الكمامات الواقية في الأماكن العامة، قمنا بشراء 10 آلاف كمامة، وزعناها على المحتاجين والمحلات التجارية، وحددنا سعرا موحدا كي لا يتم استغلال المواطن، وكلنا نعلم أنه في الأزمات تظهر بعض مظاهر الاستغلال. أقمنا كذلك لجنة لضبط الأسعار بالتعاون مع البلدية، تزور هذه اللجنة المحلات التجارية التي تتعاون معنا، لتنزيل الأسعار وللتسهيل على المواطن في ظل هذه الجائحة.

"عرب 48": ماذا عن الشرطة وضبط التعليمات؟

عيسى: تخاذلت وتقاعست الشرطة في البداية، ولكن في الفترة الأخيرة بعد مطالبتها بضبط القانون تحركت. المثير في هذا الموضوع أنها ادعت عدم رغبتها بممارسات قاسية على المواطنين بكفر قاسم، وكان ردي بسخرية، مظاهر القسوة عهدناها من الشرطة تجاهنا، فما الذي تغير لديها الآن؟

"عرب 48": ما هو المطلوب الآن، وما هي الرؤية بعد هذه الجائحة؟

عيسى: نريد أن نصل إلى مرحلة يعي فيها الجميع بأننا نحن المسؤولون فيها عن صحتنا وعن تصرفاتنا في الأزمات، ولا نريد من أحد أن يملك الحرص أكثر منا على أنفسنا. يجب أن نطوّر آلية هذا العمل، وجعل هذا التكاتف والوحدة في اللجنة الشعبية، كعمل مؤسسي لكل شيء ولكل زمان، فلدينا القدرات ونحن نستطيع.

بدير: المجتمع العربي لن يكون في أولويات الحكومة في حال تفاقمت الأوضاع الصحية

وحول أهمية بناء مشروع طوارئ ذاتي وشعبي، يسد احتياجات المجتمع في الأزمات، قال رئيس بلدية كفر قاسم، المحامي عادل بدير، لـ"عرب 48" إن "المجتمع العربي لن يكون في أولويات الحكومة الإسرائيلية في حال تفاقمت الأوضاع الصحية".

وأضاف أن "القدرات موجودة في مجتمعنا، لكن... أؤكد أن دولا كبيرة لم تقف وسط هذه الأزمة، فما بالك ببلدات تفتقر للمؤسسات؟ مجتمعنا العربي يبلغ نحو مليوني مواطن، ولا يوجد أي مستشفى حكومي في إحدى بلداته".

عادل بدير (عرب 48)

وأكد بدير أن "مجتمعنا العربي حصل على علامة امتياز في إدارة شؤون هذه الأزمة، وأثبت أنه على قدر المسؤولية للتعامل مع الأزمات، وهذا أكسبنا تجربة وخبرة لإدارة أزمات أخرى وأن نعتمد على قوانا المحلية، خاصة وأن ما ميّز العمل في هذه الأثناء هو أنه مدروس وله إستراتيجية واضحة وليس عملا عبثيا".

وختم رئيس بلدية كفر قاسم بالقول إن "تصرفنا كمجتمع هذه المرة، بالرغم من شح الإمكانيات، كان الأفضل وأثبتنا أننا مجتمع عصامي متماسك. الإعلام الإسرائيلي ينعتنا بالوسط العربي، وهذا خطأ، ولذلك نناشد الناس عدم تداول هذا المصطلح، لأننا مجتمع متماسك، له قدراته وطاقاته، وأثبتنا أننا على قدر المسؤولية".

التعليقات