طرعان.. حانت ساعة التعقل

رغم أن طرعان واحدة من بين البلدات القليلة التي لم يصلها "كوفيد 19"، إلا أن وباء أكثر قسوة وأشد حدة يفتك في هذا البلد ويترك أهله يعتصرون ألما وحسرة على فقدان رجال في ريعان الشباب يخطفهم الموت تحت جنح الظلام

طرعان.. حانت ساعة التعقل

من قرية طرعان، ظهر اليوم ("عرب 48")

شيّعت قرية طرعان مساء اليوم، الإثنين، جثمان الشاب محمود مؤيد عدوي، ضحية جريمة القتل التي وقعت في القرية فجر أمس، الأحد، نتيجة سلسلة من أعمال العنف المستمرة في القرية منذ انتخابات السلطات المحلية الأخيرة، وهي الضحية الثانية خلال أقل من عام.

ربما تكون قرية طرعان الواقعة في قضاء مدينة الناصرة، البلد الوحيد الذي يفرض على نفسه الإغلاق في هذه الأيام، ليس بسبب فيروس كورونا المستجد، وإنما بسبب فيروس العنف الذي يأبى أن يغادر هذه البلدة الوادعة دون أن يخطف المزيد من الضحايا.

جنازة ضحية جريمة القتل

وكان المرحوم فالح نادر دحلة (36 عاما) قد قتل في ظروف مشابهة مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أي قبل نحو ستة أشهر، على الخلفية ذاتها.

ورغم أن طرعان واحدة من بين البلدات القليلة التي لم يصلها "كوفيد 19"، إلا أن وباء أكثر قسوة وأشد حدة يفتك في هذا البلد ويترك أهله يعتصرون ألما وحسرة على فقدان رجال في ريعان الشباب يخطفهم الموت تحت جنح الظلام، وحين يولّي يترك غمامة سوداء تخيم فوق أجواء القرية التي أعلن فيها الحداد والإغلاق لمدة ثلاثة أيام.

("عرب 48")

"ليس هذا هو طبع القرية وأهلها" قال لنا أحد الجالسين في بيت العزاء حين قام مراسل "عرب 48" بزيارة القرية معرّجا على أهل الفقيد محمود عدوي (29 عاما) الذي طاله رصاص الغدر فجر أمس الأول، حين كان يجلس في ساحة بيته، فجر السابع عشر من رمضان الجاري لتناول وجبة السحور. وأضاف محدثنا أن "المرحوم مؤيد إنسان مسالم لا علاقة له بشجارات سابقة وليس له دورًا في انتخابات محلية أو في سياسة، وكان يعمل في محطة للوقود".

في الطريق إلى بيت العزاء، مررنا بالشارع الرئيس للقرية (مدخل القرية) والذي يطلق عليه اسم "شارع السلام". كان الشارع الواسع على غير عادته دون علامات حياة، فالحوانيت مغلقة والأجواء مثقلة بالحزن، بقع سوداء قاتمة تغطي أجزاء كبيرة من جوانب الطريق، هذه البقع ليست سوى آثار حرق الإطارات والمركبات وعربات النفايات التي جاءت كرد فعل على نبأ وفاة الشاب عدوي، متأثرا بجروحه بالغة الخطورة، إثر إصابته بعيار ناري اخترق صدره واستقر في قلبه.

أما السلام فربما كان الشيء الوحيد الذي غاب عن شارع السلام، ويكاد يخلو من كل شيء باستثناء عمال النظافة الذين يعملون على إزالة آثار الرعب والدمار.

("عرب 48")

وفي بيت العزاء، حاول موقع "عرب 48" التحدث مع مؤيد عدوي والد الفقيد محمود، إلا أن المحامي أشرف عدوي أبلغنا بأن العائلة ترفض في هذه المرحلة الإدلاء بتصريحات للصحافة والإعلام، وقال إن هذا القرار ملزم للعائلة بأكملها، وسيصدر بيانا في هذا الخصوص.

وفي حديث لموقع "عرب 48"، قال مركز مشروع مكافحة العنف في اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، والذي كان قد تنافس على رئاسة المجلس المحلي في طرعان قبل سنوات، محمود ناجي نصار، قال إن "هذا ليس وقت الكلام، وإن التصريحات عبر الإعلام وبيانات الاستنكار لم تعد مجدية حسب اعتقادي، عندما كنت شاهدا على ما حلّ بعائلة عدوي حين تم الإعلان عن وفاة ابنها في المستشفى".

وأضاف أنه "تواجدت صدفة في المستشفى والتقيت مؤيد، والد الفقيد، رحمه الله، وكان الوضع مأساويا بكل معنى الكلمة". ولم يقلل نصار من شعور الألم الذي انتاب العائلة الأخرى حين فقدت ابنا لها، مؤكدا أنه غير منحاز لطرف دون الآخر أو لعائلة دون أخرى، "لكن واجب الساعة الآن هو التحرك والعمل على وقف هذا النزاع وانتزاع فتيل البغضاء قبل أن تسقط ضحية أخرى في القرية". لذلك لا يرى نصار أن للكلام وللتصريحات قيمة بعد هذا الحدث الجلل، وأن الاستنكار والتنديد استهلك ولم يعد كافيا، "علينا أن نصمت الآن ونبدأ بالعمل".

("عرب 48")

وتحدث نصار عن "الجهود الكبيرة" التي بذلت في الفترة الماضية ولا تزال تبذل حتى الآن لإنهاء هذا النزاع، وأشار إلى أن "‘المواطن العادي‘ (على حد تعبيره)، ربما لا يشعر بهذا المجهود الذي نبذله لأن المواطن يريد أن يرى نتيجة هذه الجهود والتوصل إلى صيغة او حل ينهي النزاع".

رئيس المجلس المحلي مازن عدوي، كتب في مدونة نعى فيها الفقيد (ابن شقيقه) جاء فيها "بقلوبٍ مؤمنة بقضاء الله، ننعى ابننا المأسوف على شبابه، شهيد فجر رمضان، محمود مؤيد عدوي (29 عامًا) الذي قضى متأثرًا بإصابته برصاص الحقد والغدر والإجرام الذي لم يرد الخير لطرعان يومًا".

وأضاف أن "الطريقة التي اقترف بها الجناة المجرمون فعلتهم الخسيسة، حيث وصلوا إلى ساحة مطلّة على بيت المغدور في ساعة السحور وترصدّوا وتربصّوا، إنما تدلّ على فائض الشرّ والرذيلة والإجرام الذي في نفوس القتلة الجبناء وآبائهم بالفكر الأسود المسموم". وتابع "يعلم كل من عيونه برأسه أننا من بُناة طرعان ولن نسمح لكائن من كان أن يهدمها ويعيث بها فسادًا لإشباع رغبات مريضة ونفسيات عليلة لم تعرفها البلاد قاطبة".

("عرب 48")

من جهته وجه المجلس الإسلامي للإفتاء نداء ورجاء إلى أهالي طرعان دعاهم فيه إلى تحكيم قيم الشرع والأخوة في شهر رمضان الفضيل. وجاء في النداء انّه "نحن نستقبل ببالغ الحزن والأسى خبر الخلاف والشجار الذي آلمنا جميعًا في قرية طرعان التي عُرِفت بالمروءة والشجاعة والأخلاق النبيلة وبتحكيم العقل والاستجابة لنداء الحقّ والشرع".

وتوجه المجلس الإسلامي للإفتاء من خلال ندائه إلى "الأهل جميعُا في قرية طرعان وإلى العائلتين اللّتين وقع بينهما النزاع والخلاف على وجه الخصوص"، ودعا إلى "مراعاة حرمة هذا الشهر الكريم والمبادرة إلى تهدئة الأجواء المشحونة والاستجابة لأهل الخير ممن يدخل بينهم من الوجهاء والوسطاء لحقن الدّم ووضع الأمور في نصابها الشرعي والاجتماعي والأخوي.

هذا، وحاولنا الحصول على تعقيب رئيس المجلس السابق، عماد دحلة، إلا أنه لم يجب على الهاتف.

التعليقات