قرية الصيادين في جسر الزرقاء: صمود يتحدى التمييز والتهميش

تحت ذريعة "التطوير والترميم" تواجه القرية إخطارات هدم إدارية لأكواخ الصيادين، التي تعتاش عليها غالبية أهالي القرية... فما هو واقعها؟ وما هي الحلول المطروحة؟

قرية الصيادين في جسر الزرقاء: صمود يتحدى التمييز والتهميش

أطفال في "قرية الصيّادين" (عرب ٤٨)

يعكس مدخل "النفق الضيق" المؤدي إلى قرية جسر الزرقاء الساحلية سياسية التضييق والتمييز التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ضد القرية وسكانها الذين يعيشون التهجير المبطن.

وتبدو الأحياء السكنية في القرية أشبه بمخيمات لجوء، في مشهد يحمل الكثير من التحديات يلخصها واقع قرية الصيادين على شاطئ البحر التي كانت شاهدة على فصولٍ من النكبة وتسرد عقودًا من العنصرية.

الجسر المودي إلى القرية (عرب ٤٨)
الجسر المودي إلى القرية (عرب ٤٨)

ويسعى أهالي القريّة، من خلال مهنة الصيد، إلى الحفاظ على الموروث الثقافي وتأطير هوية وحضارة المكان وتاريخ الإنسان الفلسطيني في الميناء وقرية الصيّادين الممتدة على مساحة 24 دونما.

وتحت ذريعة "التطوير والترميم" تواجه القرية إخطارات هدم إدارية لـ6 من أكواخ الصيادين، علما أن عشرات العائلات تعتاش من الصيد والبحر.

وبلغت مساحة نفوذ أراضي القرية قبل النكبة قرابة 12 ألف دونم، إذ صودرت غالبية أراضيها لصالح الكيبوتسات ومشاريع البنى التحتية الوطنية، ويقطنها اليوم 14 ألف نسمة بحوالي 2500 وحدة سكنية على أرض لا تتعدى مساحتها 880 دونم، إضافة إلى 1000 دونم منها 500 دونم مصنفة على أنها مناطق طبيعية و500 دونم متاخمة لشاطئ البحر يطالب المجلس المحلي بتخصيصها للتوسع العمراني والإسكاني والمشاريع التجارية والسياحة البحرية.

تحدّيات ومخطّطات

وبسبب مصادرة غالبية أراضي القرية والتضييق على أهلها، وجدت المئات من العائلات والأزواج الشابة نفسها مضطرة لهجر القرية التي هي بحاجة لحوالي 800 دونم لبناء الشقق السكنية، كما قرابة 1700 عائلة من أصل 2500 عائلة تحصل على خدمات الرفاه الاجتماعي، بينما البطالة تجاوزت 40%، ما ساهم في تعميق الفقر، حيث يعيش نحو 80% من سكان القرية تحت خط الفقر، لتتربع القرية على أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي بالبلاد.

قرية جسر الزرقاء محاطة بالمحميات الطبيعية التي تحول دون توسيع نفوذها، محمية وادي التماسيح
قرية جسر الزرقاء محاطة بالمحميات الطبيعية التي تحول دون توسيع نفوذها، محمية وادي التماسيح

في ظل هذه الواقع الاجتماعي الاقتصادي، استعرض رئيس مجلس محلي جسر الزرقاء، مراد عماش، ما تواجهه القرية من تحديات وما يتم تحريكه من مخططات للإسكان والأزواج الشابة وتطوير شاطئ البحر وقرية الصيادين، لافتا إلى أنه في العام 2010 صادقت سلطة حماية الطبيعة وسلطة الحدائق الوطنية، دون إشراك المجلس أو الصيادين، على مخطّط "حديقة وطنية - جسر الزرقاء"، القاضي بتطوير الميناء وترميم وتحصين قرية الصيادين بموجب إيجار مع كل الصيادين.

وأوضح عماش لـ"عرب ٤٨" أنه خلال عامي 2014 و2015، "شرعت الدوائر الحكومية الرسمية، وبعد إقرار المخطط دون الاستماع إلى اعتراض المجلس والسكان، بإجراءات تنفيذ المخطط الذي عارضناه، بما يتضمن من إجراءات وشروط ومعايير تعارض مصالح السكان والبلدة ومستقبل قرية الصيادين. وعليه، عارضنا المخطط وطلبنا إعادة النظر به من جديد وإدخال تعديلات تضمن بقاء قرية الصيادين المتواجدة على شاطئ البحر حتى قبل النكبة".

تعزيز وتنشيط

وبيّن رئيس المجلس أنه بعد مفاوضات قام بها المجلس ولجنة الصيادين مع سلطة حماية الطبيعة والدوائر الحكومية ذات الصلة، تم في العام 2016 التوقيع على اتفاق لضمان بقاء قرية الصيادين مع ضرورة ترميمها وصيانتها وتطوير المباني والميناء، مع ضمان عدم هدم الأكواخ وترخيصها.

قرية الصيادين في جسر الزرقاء صمود وبقاء رغم التهميش والإقصاء (عرب ٤٨)
قرية الصيادين في جسر الزرقاء صمود وبقاء رغم التهميش والإقصاء (عرب ٤٨)

لكن في هذه المرحلة، وبذريعة ترميم بعض الأكواخ لمنع انهيارها، يتم استصدار أوامر هدم إدارية بدلا من دعم أصحابها وترميمها.

وشدّد رئيس المجلس على دعمه لصمود القرية التي تملك 22 كوخا ممتدة على مساحة 24 دونما، "بحيث أن مخطط تطوير شاطئ جسر الزرقاء الذي صودق عليه في شباط/فبراير 2020، يضمن بقاء جميع الأكواخ مع ووجود خطة لتطويرها وترميمها، كما أنه سيتم تطوير الميناء وشاطئ البحر ضمن مشاريع تهدف لتكون رافعة تجارية وسياحيّة في القرية، إذ سيكون المجلس المحلي شريكا على جانب حماية الطبية والحدائق الوطنية بإدارة هذه المشاريع التطويرية وتشغيل المرافق السياحية".

وإلى جانب مشروع تطوير شاطئ البحر، أوضح عمّاش أن "كل هذه المشاريع ستكون ضمن الشروط والمعايير وقوانين البناء على الشاطئ، على أن يتم الابتعاد عن شاطئ البحر حوالي 120 مترا، كما سيتم بناء مباني للأزواج الشابة قبالة البحر، حيث صودق على بناء 524 وحدة سكنية، تم تسويق 280 وحدة سكنية منها، على أن يتم مستقبلا الشروع بالمرحلة الثانية للمشروع".

حقوق واحتياجات

ومع تحريك مخططات "التطوير والترميم" لشاطئ البحر، انتقلت المعركة على هوية وملامح قرية الصيادين إلى أروقة المحاكم، عقب إصدار 6 إخطارات هدم إدارية لبعض الأكواخ بذريعة قيام أصحابها بترميمها وبتوسعتها، حيث ترافق الوحدة القانونية في مركز "مساواة" والمحامية رنا جربان، الصيادين في أروقة المحاكمة لإبطال إخطارات الهدم، وحماية الصيادين وحقهم بالعمل دون تضييقات.

وفي الجانب الآخر، يعيش رئيس اللجنة الشعبية، سامي العلي، مع والده ملاحقة المحاكمة، بعد أن تلقت العائلة إخطارا بهدم الكوخ الذي تمتلكه العائلة في قرية الصيادين، وذلك بذريعة توسيع المبنى، لافتا إلى أن ما تسمى سلطة حماية الطبية والحدائق الوطنية "تلاحق الصيادين وتتذرع بأعمال الترميمات للأكواخ التي يقوم بها الصيادين"، مبينا أن "جميع الترميمات تأتي بسبب عوامل الطبيعة من تصدعات وحرائق أتت على الأكواخ التي باتت بغالبيتها آيله للسقوط بسبب التضييق والملاحقة والمنع من ترميمها".

شاطئ البحر وقرية الصيادين موروث تاريخي وثقافي للقرية ومتنفس للمجتمع العربي  (عرب ٤٨)
شاطئ البحر وقرية الصيادين موروث تاريخي وثقافي للقرية ومتنفس للمجتمع العربي (عرب ٤٨)

وأوضح العلي لـ"عرب 48" أن مطالب لجنة الصيادين وأهالي القرية والمجلس هي الحفاظ على قرية الصيادين وتحصين مكانة الصيادين التاريخية والحفاظ عليها، مع تضمين حقوق الصيادين التشغيلية وممارسة حقوق الصيد، والأهم الاعتراف بالأكواخ وتحديد ملكية الصيادين الأكواخ على أن يكون أي مشروع صيانة وترميم وتطوير للبحر والشاطئ والميناء يتلاءم مع احتياجات القرية وسكانها.

صمود وإقصاء

ويعتقد رئيس اللجنة الشعبية بضرورة وأهمية إقامة مديرية مشتركة تضم ممثلين عن الصيادين وأهالي القرية إلى جانب المجلس لإدارة قرية الصيادين وجميع المرافق السياحية والإسكانية التي سيتم تطويرها على شاطئ البحر والمتنزه، محذّرا من مغبة إقصاء الصيادين والقرية مثلما كان عندما تم المصادقة على المخطط الأولي في العام 2008، دون إشراك لجنة الصيادين والمجلس المحلي الذي عاود فتح المخطط وتصديقه مجددا قبل شهرين.

وأوضح العلي بأن الصّيد بالنسبة لأهالي جسر الزرقاء ليس مجرد مهنة لضمان لقمة العيش وكسب الرزق، بل هي موروث تاريخي وثقافي وجزء لا يتجزأ من الهوية التاريخية لجسر الزرقاء والحضارة الفلسطينية، بحيث أن قرية الصيادين بمثابة بصمة حياة تعكس الصمود على شاطئ البحر ما ينبغي تعزيز هوية المكان ومهنة الصيد وصيانة المكان والحفاظ عليه.

ولفت إلى المكانة الإستراتيجية لقرية جسر الزرقاء التي تشكل الرواية الفلسطينية باعتبارها القرية الساحلية الوحيدة التي بقيت على شاطئ البحر بعد النكبة، مبينا أن جسر الزرقاء "ومع ما تحمله من قضايا وملفات لا تعتبر قضية فرديّة، بل قضية جماعية للمجتمع العربي بأسره"، داعيا مختلف الهيئات العربية التمثيلية لدعم نضال أهالي القرية بالبقاء والصمود.

نضال ونهوض

وفي كل ما يتعلق بالمسار القضائي ومتابعة المخططات، يقول مدير مركز "مساواة"، جعفر فرح، لـ"عرب ٤٨" إنّ ما تتعرّض له قرية الصيادين "يأتي في سياق سياسة الإفقار والحصار التي تعيشها جسر الزرقاء على مدار عقود".

وبيّن فرح أنّ القرية محاصرة ما بين شارع رقم 2 وشاطئ البحر والمشاريع التوسيعية للكيبوتسات وبلدة قيساريا، سعيا لإفقار السكان وإبعادهم عن حياة البحر التي تشكل جوهر الموروث الثقافي والتاريخي للقرية الساحلية وسكانها الذين تم تحويلهم لمجرد عمال، بعد أن فقدوا غالبية أراضيهم ويخضعون لممارسات تهدف لتغريبهم عن المكان وفقدان العلاقة ما بين السكان والبحر ووادي التماسيح وطبيعة المكان.

وأوضح أنّ القرية في أسفل السلم الاقتصادي الاجتماعي، بحيث أن أكثر من 1700 عائلة مسجلة في قسم الرفاه الاجتماعي، كما أن معدل عمر الرجال في القرية أقل بـ10 أعوام عن متوسط الأعمار في البلاد، وهذا جرّاء الإهمال وعدم تطوير القطاع الصحي.

سياسات وممارسات

وفي ما يتعلق في مخطط تطوير قرية الصيادين، يقول فرح "المجلس المحلي يسعى جاهدا لتحريك مخططات تطوير الشاطئ والبحر ومشاريع الإسكان قبالة البحر، إذ رصدت سطلة الطبيعة ميزانية بقيمة 22 مليون شيكل لتطوير الميناء وقرية الصيادين والحفاظ عليها وتطويرها".

محميات طبيعية تحاصر جسر الزرقاء من جهة الكيبوتسات، بحيث يمنع تحويل هذه الأراضي المصادرة من السكان للمجلس المحلي (عرب ٤٨)
محميات طبيعية تحاصر جسر الزرقاء من جهة الكيبوتسات، بحيث يمنع تحويل هذه الأراضي المصادرة من السكان للمجلس المحلي (عرب ٤٨)

ويعتقد فر ح أنّ مشروع قرية الصيادين لا يقتصر على منح التراخيص والترميمات والتطوير بل على ضرورة الاعتراف بحق جسر الزرقاء بملكية الميناء والمكان، مبينا أنه لا يعقل منح الكيبوتسات المجاورة اتفاقيات ملكية محمية لمدة 100 عام لاستخدام شاطئ البحر وتطوير المناطق المتاخمة لها، بينما في حالة جسر الزرقاء يتم الحديث عن اتفاقية استخدام للشاطئ أو لقرية الصيادين.

التعليقات