النقب: تهجير بحجّة التشجير

لماذا يعارض أهالي النقب مخططات التشجير الإسرائيلية رغم أن السلطات تدّعي أنها لوقف التصحّر؟ وأي تأثير للأشجار الأوروبية على المياه الجوفية؟ شهادات من المخطّط في قرية خربة الوطن والظحيّة تلقي الضوء على الهدف الحقيقي: التهجير والمصادرة.

النقب: تهجير بحجّة التشجير

من اقتحام خربة الوطن ("عرب ٤٨")

ضاعف "الصندوق الدائم لإسرائيل" ("كاكال") عمليات التشجير في قرى النقب خلال الأشهر الأخيرة، واخترق ما تبقّى من الأراضي الزراعية في القرى مسلوبة الاعتراف، وقامت عناصره بزراعة الأشجار فيها.

تبدو الصورة لطيفة: دولة تمارس صلاحيّاتها لمنع التصحّر. هذه الصورة التي ترسمها السلطات الإسرائيليّة فقط. أمّا أهالي النقب فَيَرون أنّ هذا التشجير هو خروج من مرحلة التخطيط إلى تنفيذ "التهجير الأخضر" للاستيلاء على قرابة 40 ألف دونم في المرحلة الأولى، تعرّفها السلطات الإسرائيليّة على أنها "أراضي غائبين"، هُجّر مالكوها في النكبة على الرغم من أنّ عائلات أخرى أو أقرباء لأصحاب الأرض سكنوها وزرعوها حتى اليوم.

من عمليات التشجير في الظحيّة ("عرب ٤٨")
من عمليات التشجير في الظحيّة ("عرب ٤٨")

والمناطق المستهدفة بـ"التهجير الأخضر": خربة الوطن، والظحية، وضواحي بلدة تل السبع وشقيب السلام والمناطق الشمالية والجنوبية من مدينة رهط، بالإضافة إلى صواوين وبير المشاش والغراء وأبو تلول وقرى أخرى.

الـ"ككال" يستفحل في التهجير

سابقًا ركّزت جرافات الـ"كاكال" العمل في أطراف القرى مسلوبة الاعتراف، وعملت على تشجير المناطق الحدودية بين شماليّ النقب وجنوبيّ الضفة الغربيّة، وكانت الحالات التي اخترقت فيها القرى العربية معدودة، ولكن مع انتهاء فترة ولاية وزير الزراعة السابق عن "البيت اليهودي"، أوري أريئيل، بُلورت الصيغة النهائية لمشروع التحريش الأكبر في النقب وأصبح "الصندوق الدائم لإسرائيل" الوكيل المعتمد لتشجير أراضي النقب، ووضعت للمخطّط ميزانيّة تصل إلى 3 مليارات شيكل لـ"تنظيم الاستيطان البدوي".

ويتركز دور الـ"كاكال" في إغلاق المساحات الزراعية في القرى العربية بالأشجار، لمنع توسع العرب وقتل الطابع الزراعي للحياة.

وقال النائب عن القائمة المشتركة، سعيد الخرومي، لـ"عرب ٤٨" عن دور "الصندوق الدائم لإسرائيل" السياسي في النقب إنّ "سياسة عمل الـ’كاكال’ في النقب تعتمد على تشجير كل قطعة أرض غير مسكونة، أو بإمكان عرب النقب استخدامها أو قد تدخل في حيّز تخطيط مستقبلي واعتراف. وهذه السياسة هي جزء من خطة الوزير اليميني السابق، أوري أريئيل، والذي في فترته حُوّلت ميزانيات ضخمة لسلطات التهجير في النقب، ومنها تكوين وحدة ’يوآف’ الشرطية، بالإضافة إلى تمويل ’الصندوق الدائم لإسرائيل’ لتشجير أراضي العرب في النقب".

وقال الخرومي "في هذه المرحلة، الـ’كاكال’ هو مقاول لدائرة أراضي إسرائيل، ويطبّق ما تقره الدائرة ويتلقّى التمويل لفعل ذلك".

أشجار أوروبيّة تهجّر العرب وتدمّر الأرض الزراعية

تقتلع عناصر "الصندوق الدائم لإسرائيل" أشجار الزيتون والأشجار المحلية التي يزرعها عرب النقب. ومن النماذج المعروفة في النقب اقتلاع أكثر من 4000 شجرة في قرية العراقيب وتحريش مكانها، وتقوم الجّرافات بحراثة المحاصيل وتدميرها ومن ثم ينتقل لمرحلة التحريش وبناء الغابات الأوروبية على أرض النقب. تستهلك الأشجار الصنوبرية المياه الجوفية في النقب مع شُح الأمطار، وتدمّر الأوضاع الزراعية في القرى مسلوبة الاعتراف.

أراض مهدّدة في خربة الوطن (عرب ٤٨)
أراض مهدّدة في خربة الوطن (عرب ٤٨)

تباغت عناصر "الصندوق الدائم لإسرائيل" أهل القرى مسلوبة الاعتراف في الآونة الأخيرة. فبين ليلة وضحاها تقتحم الجرافات الأرض العربية وتبدأ بالتدمير والتحريش دون إنذارات قضائية أو إعطاء الفرصة لتقديم اعتراضات أو المطالبة بالأرض حسب القانون الإسرائيلي.

لا أرض متروكة في النقب

يستخدم "الصّندوق الدائم لإسرائيل" حجّة الأرض المتروكة لشرعنة تشجير وسلب الأرض العربية، وعنها قال رئيس المجلس الإقليمي للقرى مسلوبة الاعتراف، عطية الأعسم، لـ"عرب ٤٨"، إنه "لا أرض متروكة في النقب. الأرض التي هجر منها أهلها في نكبة فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، يزرعها ويحصدها أقرباؤهم ممن استطاعوا البقاء في أرضهم، أو عائلات أخرى تحفظ لهم الأرض، ما يفعله الـ’كاكال’ هو محاولة سلب أراضٍ واضحة الملكيّة وعلنية. وخطر أشجار أوروبا يهدد اليوم 40000 دونم من الأرض".

وقال الأعسم إنّ الـ"كاكال" عدو واضح في النقب، "لا عقلية له سوى تخريب حياتنا ولا هدف سوى تهجير العرب".

ويقارع أهالي قرية الظحية مسلوبة الاعتراف جرافات الـ"كاكال" منذ عامين، وهو موعد الاقتحام الأول لقريتهم. شهدت القرية حينها عدّة مواجهات مع عناصر وموظفي "الصندوق الدائم لإسرائيل"، كما شهدت اعتقالات واعتداءات وتهديد أطفال في القرية بالسلاح من قبل نفس العناصر. واليوم، تتوسّع رقعة التحريش في القرية ويترافع الأهالي من عائلة أبو وادي وعائلات أخرى في المحاكم الإسرائيلية لحماية أرضهم رغم عدم تعويلهم عليها.

وقال أبو عدنان أبو وادي لـ"عرب ٤٨" إنّ "وقاحة ’الصندوق الدائم لإسرائيل’ لا حدود لها. يقتحمون أرضك ويحرشونها في ’سداتنا’ قنواتنا الزراعية ويدخلون لسقاية أشجارهم وهم يمنعون الماء عن الناس".

"كاكال" يتجاوز مرحلة استصدار التصريحات القانونية للعمل

وقال أبو وادي إنّه "لا يوجد أصعب من أن ترى اقتحام أرضك أمامك. في الظحية تحاول مؤسسات التهجير العربدة بشكل مستمر، نتابع القضية في المحاكم الإسرائيليّة. وهناك جلسات قريبة ستقرر ملكية الأرض، ولكننا نعلم جيّدا ملكيتنا لها ولسنا بحاجة لهم لإثباتها. ما يحاول الـ’ككال’ فعله بالتشجير بين بيوتنا هو فرض الأمر الواقع علينا وفرد العضلات دون أي حجة قانونية. نحن مستمرون في نضالنا وباقون على أرضنا".

لا تعويل على القضاء والتصدي للسلب بالأجساد

وقبل 10 أيّام، انتقلت جرافات التحريش من قلب قرية خربة الوطن المهددة بالتهجير، إلى الجزء الشرقي منها، بعد التوصّل إلى تفاهمات وبدء مفاوضات بين اللجنة المحلية وبين المؤسسات المسؤولة.

من الظحيّة ("عرب ٤٨")
من الظحيّة ("عرب ٤٨")

وتقوم جرافات "الصندوق الدائم لإسرائيل" في هذه الفترة بتدمير الأراضي الزراعية ومحاولة تشجير أرض تتبع لعائلة النباري، التي أعلنت في بيان سابق لها أنّها لم تقم بتسويات حول الأرض وأن نضالها مستمر.

وقال الناشط محمد النباري، من قرية خربة الوطن مسلوبة الاعتراف، لـ"عرب ٤٨"، حاولت جرافات الـ"كاكال" تجريف أرضنا واصطدمنا بهم وتم التوصل إلى وقف عملهم فيها حتى تحديد الأرض وتعيين منطقة عملهم، وتوقف العمل قرابة أربعة أيام حدّد الـ"كاكال" حينها نيّته في التحريش حتى مسافة 50 مترًا عن البيوت، "نحن رفضنا هذا ووضعا سياجًا يحدّ بيننا وبينهم بمسافة 400 متر عن البيوت، ورفضنا أي تغيير في هذا الوضع".

وأضاف النباري "وعلى الرغم من هذا، قامت عناصر ’كاكال’ بأعمال قياس للأرض لأيام كاملة بعدها، وحاولوا اقتحام أرض تتبع لعائلة البطيحات حتى منعهم صاحب الأرض عنها. حاليا توقف عملهم بعد الضغط الجماهيري ولكن أعتقد أنهم سوف يعودون ويحاولون من جديد. وفي تلك الحالة تعويلنا هو فقط على النضال الجماهيري والتصدي الشعبي لهم".

التعليقات